حرر الإسلام المرأة بعد أن كانت مستعبدة عند العرب وعند سائر الشعوب، وساوى بينها وبين الذكر في الإنسانية. يقول تعالى:
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسآءَلون والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً).
وفي الخلقة في قوله:
(ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) (سورة الشمس)
وفي الكرامة فحرم قتلها
(وإذا المؤوُدة سئلت بأي ذنب قتلت) (سورة التكوير)
وحرم هتك عرضها، ورتب الحدود على من اعتدى عليها حفاظاً على إنسانيتها وكرامتها وعفتها.
وفيما يخص تكاليف العقيدة وفضائل الأخلاق، ومطالب الروح. تخاطب كما يخاطب الرجل، وتندب لكل ما يندب له من الفرائض التي تحمل بذور الخير والصلاح.
(إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات الخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً) (سورة الأحزاب).
لذا كانت تؤدي الصلاة في المسجد في عهد الرسول (صلعم) وتؤدي فريضة الحج سافرة غير مقنعة. وعذبت بسبب إسلامها كما عذب الرجل، وكانت سمية (آل ياسر) التي قتلت تحت السياط أول شهيدة في الإسلام، وبايعت النبي (صلعم) كما بايعه الرجال فقد شهد بيعة العقبة ثلاث وسبعون رجلاً وامرأتان.
ويوم فتح مكة أقبل الذين استهوتهم روعة الإسلام وسلوك النبي السامي يبايعونه على الإسلام. فأخذ عليهم صلى الله عليه وسلم السمع والطاعة لله ورسوله فيما استطاعوا، ولما فرغ من بيعة الرجال أقبلت النساء عليه فبايعنه أيضاً ونزل الوحي الإلهي.
(يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله أن الله غفور رحيم) (سورة الممتحنة/ الآية 12).
وفي الجزاء في قوله تعالى:
(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم) (سورة المائدة/ 38).
وروي البخاري عن عروة بن الزبير أن امرأة سرقت في غزوة الفتح (فتح مكة). فلجأ قومها إليه أسامة بن زيد ليطلب الشفاعة لها من رسول الله (صلعم)، فلم كلمه أسامة تلون وجهه وقال: \"أتكلمني في حد من حدود الله؟\" فقال أسامة: \"استغفر لي يا رسول الله\" فلما كان العشي قام النبي (صلعم) خطيباً فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: \"أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد\" والذي نفس محمد بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها. ثم أمر النبي بتلك المرأة فقطعت يدها. فحسنت ثوبتها بعد ذلك وتزوجت.
وفي تهذيب والأخلاق وطهارة القلب، وفي العقوبات المحددة، وغير المحددة، وجعل مسؤوليتها مستقلة عن مسؤولية الرجل فلا ينفعها وهي صالحة صلاح الرجل وتقواه، أو فساد الرجل وطغيانه. يقول تعالى:
(ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون فتيلاً) (سورة النساء/ 124).
(ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاها، فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل أدخلا النار مع الداخلين. وضرب الله مثلا للذين أمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين) (سورة التحريم).
وفي قوله تعالى:
(كل امرئ بما كسب رهين) (سورة الطور/ 21).
وجعلها الإسلام أهلاً للإشتراك مع الرجل في النشاط الاجتماعي وهما سواء في ذلك يقول تعالى:
(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله كان عزيز حكيم) (سورة التوبة/ الآية 71).
وتوعد الله الذين يستطيلون على كرامة السيدات الفضليات في قوله:
(إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم) (سورة النور/ الآية 23).
وأورد سبحانه في النهي عن الافتراء قوله:
(ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما أتيتموهن) (سورة النساء/ الآية 19).
وأثبت لهن في الإسلام حق الوراثة بعد أن كن محرومات من هذا الحق في قوله:
(يا أيها الذين أمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) (سورة النساء/ الآية 19).
ويقول عليه السلام حاثاً على إكرام الأنثى: \"من كانت له ابنة فأدبها فأحسن تأديبها، وغذاها فأحسن غذاءها وأسبغ عليها من النعم التي أسبغ الله عليه له ميمنة وميسرة من النار إلى الجنة\".
ويقول صلى الله عليه وسلم موصياً بحسن معاملة الزوجات \"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي\". خرجه ابن ماجة.
ولم ينس أن يوصي بالمرأة في حجة الوداع حيث قال: \"... وتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان، لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإن لهن عليكم حقاً، ولكم عليهن حقاً، أن لا يوطئن فرشكم أحداً غيركم، ولا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه، فإن خفتم نشوزهن فعضوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله عز وجل...\" رواه الإمام أحمد.
ولا يتبادر إلى الذهن أن الإسلام يقر بضرب المرأة، فلا يضرب إلا المختل والمجنون، أما فلا يمكنه أن يضرب زوجته. وخير البشرية لم يضرب أمة من الصغار ولا من الكبار، حدث أن أغضبته جارية صغيرة مرة، فكان غاية ما أدبها به، أن هز في وجهها سواكاً وقال لها:
\"لولا أني أخاف الله لأوجعتك بهذا السواك\"
وخص الإسلام المرأة بمكانة اجتماعية لم تكن تحضي بها عند العرب أو غيرهم من الأمم، فجعلها ربة البيت، والمسؤولية على الإشراف على تدبير أموره في الوقت الذي لم تكن في إلا من سقط المتاع يقول صلى الله عليه وسلم: \"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته\" أخرجه البخاري ومسلم.
وبسط يدها في مال زوجها بالمعروف، جاءت هند بنت عتبة، زوج أبي سفيان بن حرب تشتكي إلى الرسول (صلعم) من بخل زوجها، وتقتيره عليها وعلى عيالها، فقال لها الحبيب (صلعم) \"خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي عيالك: ويقول في حق الرعاية والتربية والعناية: \"كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت\" رواه أبو داود والترمذي والحاكم.
وذهب في مراعاة شعورها وحفظ كرامتها إلى أبعد الحدود، حيث نهى الرجل أن يطرق أهله ليلاً إذا طال سفره، مخافة أن يتلمس عثراتهن، وأي دين هذا الذي يراعي الشعور العميق للنفس البشرية، ويسعى من أجل الحفاظ على ذلك الحبل الودي الرفيع، الذي يجعل كلا الزوجين في نظر الأخر في أعلى مراتب الاحترام والتقدير الإنساني، وشرع الإسلام توريث المرأة وبين حقوقها بتفصيل في الإرث أماً، وزوجة، وأختاً، في قوله تعالى:
(للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً) (سورة النساء/ الآية 7).
في الوقت الذي كانت العرب ترث النساء كرها، يجيء الوارث ويلقي ثوبه على وجه موروثه قائلاً \"ورثتها كما ورثت ماله\" فيكون أحق بها من نفسها، إن شاء تزوجها أو زوجها لغيره وأخذ مهرها، أو حرم عليها الزواج لتفتدي منه لنفسها، مقابل مبلغ من المال، أو تموت فيرثها. فحرم الإسلام هذه الطريقة المجحفة لحقوق المرأة والمشينة لذاتها، والمحطة بكرامتها في قوله:
(يا أيها الذين أمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما أتيتموهن) (سورة النساء/ الآية9).
كما أن زوجات الآباء كن يورثن مع الأمتعة التي تركوها، فيصبحن زوجات الأولاد. فحارب الإسلام هذه الظاهرة المخالفة للفطرة في قوله تعالى:
(ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً) (سورة النساء/ الآية 22).
وحرم نكاح المحارم أي النساء القريبات بالنسب أو الرضاعة أو المصاهرة، في قوله تعالى:
(ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيماً) (سورة النساء/ الآية 22-23).
إلى جانب هذه المكانة الاجتماعية المشرفة التي كرم الإسلام بها المرأة، أعطاها من الحقوق المدنية والسياسية ما لم تظفر به لحد الآن أكثر الأمم تسامحاً في حقها واعترافاً بهذا الحق. فأباح لها التصرف في مالها بالبيع والشراء والأخذ العطاء، ولم يجعل ذلك متوقفاً على إذن الأب أو الأخ أو الزوج، فهو تصرف لا يحده إلا ما تقتضيه قواعد الرشد العامة للجميع، في حين أن القوانين الوضعية كالقانون الفرنسي مثلاً يقيد المرأة ويمنعها من التصرف في مالها إلا برضى زوجها. وزاد الإسلام من تكريم المرأة وتقديرها، فأعطاها حق حضانة أطفالها في حالة الوفاة، أو الشقاق أو الطلاق، وقدمها على الرجل تقديراً لعاطفة الأمومة، وثقة بكفاءتها في أداء هذه المهمة الإنسانية السامية. وخول لها الحق في تولي الكثير من الوظائف والإشراف على المؤسسات التربوية وغيرها، والمشاركة في الإجتهاد والتقنين وإبداء الرأي في مشاكل المجتمع، والمشاركة في الحروب بعمليات الإسعاف ومداواة الجرحى، ولا يمكن إغفال ما قامت به أمام المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأم سليم في غزوة أحد، وأول ما ركب المسلمون البحر للغزو كانت معهم \"أم حرام بنت ملحان\". وأجاز الرسول صلى الله عليه وسلم أمان \"أم هانئ\" لأحد الكفار يوم فتح مكة. فقد كان علي كرم الله وجهه يريد قتله فجاءت إلى النبي (صلعم) وقالت: \"يا رسول الله زعم ابن أبي طالب أنه قاتل رجل أجرته\" فأجابها الرسول (صلعم) مطمئناً إياها ومهدئاً من روعها: \"أجرنا من أجرت يا أم هانئ\".
وعمل الرسول (صلعم) بإشارة زوجته \"أم سلمة\" يوم الحديبية. وكان قد أنكر حال المسلمين ودخل عليها وقال: \"هلك المسلمون، أمرتهم مراراً فلم يجبني أحد\". فقالت: \"لا تلمهم فإنهم قد دخلهم أمر عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح، لكن أخرج، ولا تكلم أحداً منهم حتى تنحر بدنتك، وتدعو حالقك فيحلقك\" وأصغى الرسول (صلعم) لمشورتها فخرج فلم يكلم أحداً منهم كلمة حتى نحر وحلق، فلما رأوا ذلك قاموا ونحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا هما وندما. وثاب المسلمون إلى رشدهم وعقولهم، بعد أن غلبتهم عليها عواطفهم، فأدركوا أي صلح خطير عقده الرسول (صلعم) وأنه ما فتح في الإسلام فتح قبله كان اعظم منه. فلقد دخل في دين محمد بعد الحديبية مثل ما كان قبل ذلك وأكثر. فكان الأمر كما وصفت. وسميت منذ ذلك الوقت مستشارة الرسول (صلعم).
فجميع الأعمال التي تتصل بمهمة المرأة في الحياة خولها لها الشرع إضافة إلى الأمور السياسية. يظهر ذلك في قوله عز وجل:
(ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)
فليس للمرأة واجب لا يكون في مقابلته حق. وتلك غاية العدالة التي يستوي عندها الرجال والنساء. ولا نجد في النصوص الشرعية والدلائل القرآنية نصاً صريحاً يمنع المرأة من أن تتولى الأعمال الحكومية والوظائف القيادية والرئاسة. وقوله (صلعم) لن يفلح قوم ولوا أمرهم إلى امرأة أتى في حقبة زمنية دقيقة في أهل فارس حينما توفى كسرى وقامت رعيته بتنصيب ابنته مكانه.
وخلاصة القول أن الدين الإسلامي أحدث ثورة فعلية لذي ظهوره، وأعطى للمرأة كامل الاعتبار والصلاحية مثل الرجل، فالعلم واجب والعمل اختياري. وله يوفر لها المساعدة في شؤون البيت كزوج، لأنها ليست وحدها المسؤولة عن الإعمال البيتية وليست خادمة، بل زوجة. وقوامة الرجل تأتي من الإنفاق، والإنفاق يهم حتى الأعمال اليومية (طبخ، غسل، كنس، إشراف...) إسوة بخير البشرية محمد صلى الله عليه وسلم. تقول عائشة رضي الله عنها \"كان في مهلة أهله حتى يخرج إلى الصلاة\" أي كان يساعد في أعمال المنزل: \"يحلب الشاة بيده الكريمة ويرقع ملابسه بيده ويصلح نعله، ويقوم في بعض الأحيان بتنظيف داره، ويعنى بناقته القصواء\" رواه الإمام أحمد.
وأوائل المسلمات شاركن في جميع مرافق الحياة، فأقمن حلقات دراسية، وفتحن أبواب منازلهن للعلم، ولعبن أدواراً بارزة في الحياة السياسية، وشاركن في عمليات نطلق عليها الآن \"العمليات الأنتخابية\". واحتفظ الإسلام للمرأة باستقلالها الشخصي إذ جعل اسمها بعد الزواج لا يتغير باسم زوجها.
ويشيد القرآن في كثير من الآيات، على ضرورة التعامل بالعدل، والرفق، والاحترام، واستقلال الشخصية، والحرية الاقتصادية، والمساواة الاجتماعية، والقيم الإنسانية، وهي حقوق اعترف بها الإسلام للمرأة المسلمة، ولم تصل بعد إلى مثلها أحدث القوانين في أرقى الأمم الديمقراطية في العصر الحاضر، لعلمه بأن لا حياة على وجه الأرض ما دامت المرأة محرومة من حقوقها وممنوعة من أداء واجباتها.
والمدقق في أحوال الأمم عبر اختلاف العصور والأزمنة، يرى أن الأم قد احتفظت بمنزلة كبيرة، وقاسمها الرجل النصيب الأكبر من تلك المنزلة، لدرجة أنه كان يعتقد أنها ليست سوى مجرد وعاء، بينما هو المصدر والأصل. فشرائع الهند والصين، واليونان والرومان، واليهود والعرب، أجمعت على تقدم الأب على الأم في توصية الأبناء. ففي شريعة البراهمة نقرأ أن احترام الوالد هو وحده يفتح لك أبواب السماء قانون مانو III، ومثلها شريعة بوذا، وكذا اليونان والرومان، وإن كانتا تفتحان للمرأة بالأمومة باب الخلاص من العبودية، فإنهما كانتا تقدمان الأب عليها، في الإكرام والاحترام، وكذا الفرس، وعرب الجاهلية فضلاً على اليهود. غير أن الإسلام تحسيناً لحالها خالف سنة بقية الأمم، فحض كثيراً عن إكرام الوالدين كليهما، لكنه قدم الأم تارة وخصها بالذكر طوراً. جاء رجل إلى رسول الله (صلعم) وقال له: \"من أحق الناس بحسن صحابتي؟\" قال: \"أمك\" قال: \" ثم من\" قال \"أمك\" قال: \"ثم من\" قال: \"أمك\" قال: \"ثم من\" قال: \"أبوك\" وقال (صلعم): \"دعوة الوالدة أسرع إجابة\" قيل \"يا رسول الله ولم ذلك؟\" قال: \"هي أرحم من الأب ودعوة الرحم لا تسقط\" أخرجه البخاري عن أبي هريرة (رض).
على أن الإسلام كما وصى بالبنت والأخت، والزوجة، والأم، لم يهمل الخالة. روي أن رجلاً أتى النبي (صلعم) فقال له: \"إني أذنبت ذنباً عظيماً فهل لي من توبة\". فقال له: \"هل لك أم\" قال: \"لا\" قال: \"فهل لك من خالة\"؟ قال: \"نعم\" قال له: \"خيرها\". هكذا لم يهمل الإسلام دوراً من الأدوار التي تمر فيها المرأة إلا حض على برّها فيه، والرأفة بها، والإصلاح في شؤون صحبتها ومعاملتها. فهي شقيقة الرجل ومن أصله، ومكلفة ومسؤولة، ولها من الحقوق مثل ما للرجل فمن حقوقها وهي وليدة: حسن التسمية والابتهاج بمقدمها، والعقيقة، والرضاعة، والحضانة، والتربية، والنفقة، والميراث، والتملك، والتصرف، وحرمة الدم والمال والعرض، والقصاص، والإجارة، وإعطاء الأمان، واختيار الزوج. ولها كزوجة حقوق مشتركة مع زوجها: كحق الاستمتاع، والتوارث والمعاشرة بالمعروف وانتساب الولد. ومن حقوقها كأم: البر والإحسان، وحسن الرعاية والنفقة والميراث ولها من الواجبات مثل ما على الرجل. فمن واجباتها العامة: العبادة والجهاد بالنفس والمال، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعليم والعمل والشهادة. ومن عناية القرآن الكريم بالنساء أن خصهن بسور كاملة مثل \"البقرة، آل عمران، النساء، مريم، النور، المجادلة، الممتحنة، الطلاق، الأحزاب، والقصص والنمل\"، كما نلمس من الكتاب والسنة وسير الصحابة رضوان الله عليهم، ومن تاريخ العصر الإسلامي الأول، الارتقاء والعناية بشخصية المرأة في الإسلام وموقعها في تاريخه، بما يرهف وعيها الجديد للحرية التي هي مسؤولية.
وقد سجلت سبقاً في هذا الميدان منذ أربعة عشر قرناً خلت، في الوقت الذي ناضلت في أختها الغربية على مدى مئات السنين لتنتزع نفس هذه الحقوق غير أن وضعها الاجتماعي الآن (المرأة المسلمة) أدنى بكثير مما أقره لها الإسلام بالنسبة لأختها الغربية، مع أن الأرضية التاريخية التي انطلقت منها كانت منكرة لحقوقها ومجحفة لها. يقول \"جوستاف لوبون\" في منزلة المرأة في الإسلام.
\"إذا أردنا أن نعلم درجة تأثير القرآن في أحوال النساء، وجب علينا أن ننظر إلى ما كانت عليه هذه الأحوال أيام ازدهار العرب فقد روي المؤرخون أنه كان لهن من الشأن ما اتفق لأخواتهن حديثاً في أوروبا التي اقتبست من عرب الأندلس نبيل الطبائع، وكريم العادات. والإسلام حقاً، لا النصرانية هو الذي رفع المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه، فأنت إذا نظرت إلى سيرة أمراء النصارى الإقطاعيين في القرون الوسطى، رايتهم لم يحملوا شيئاً من الحرمة للنساء. وأنت تصفحت كتب تاريخ ذلك الزمن علمت أن رجال عصر الإقطاع كانوا غلاظا نحو النساء قبل أن يعلم النصارى من العرب أمر معاملتهن بالحسنى\" حضارة العرب ص429.