عربي
Tuesday 23rd of July 2024
0
نفر 0

الأئمة لم يذموا شيعتهم

السؤال:

إنّ علياً وأولاده كانوا يبغضون الشيعة المنتسبين إليهم ـ المدّعين حبّهم واتباعهم ـ وكانوا يذمّونهم على رؤوس الإشهاد .

فهذا علي يذمّ شيعته ، ويدعو عليهم فيقول : « لقد ملأتم قلبي قيحاً ، وشحنتم صدري غيظا ... ، وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان » (1) .

ويروي الكليني عن أبي الحسن أنّه قال : « لو ميّزت شيعتي ما أجدهم إلاّ واصفة ، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلاّ مرتدّين » (2) .

وقال الحسين بن علي مخاطباً الرافضة : « تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً ، وبؤساً لكم ؟ حين استصرختمونا ولهين ، فأصرخناكم موجفين ، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيدينا ، وحمشتم علينا ناراً أضرمناها على عدوّكم وعدوّنا ، فأصبحتم ألباً على أوليائكم ، ويداً على أعدائكم ، من غير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، ولا ذنب كان منّا إليكم ... » (3) .


الجواب:

إنّ البحث عن الحقائق لا تأتي هكذا اعتباطاً ، ما لم يعزّز البحث عنها بالدليل والبرهان ، وإلاّ ستكون محاولات يائسة تجرّ صاحبها إلى سخط الله تعالى ، وتحيله إلى مقلّدٍ أعمى لا يعي ما يقول ، فالغيور على دينه ، ينبغي عليه أن يتحرّى الأُمور بحقائقها ، ويتابع الأشياء بوقائعها ، وأن لا يقلّد كُلّ ما سمعه وردّده الآخرون .

إنّ ما ذكرته : إنّ علياً ( عليه السلام ) قد ذمّ شيعته ، فهذا ما لا ينبغي أن يصدر منك ، فإنّ شيعة علي ( عليه السلام ) هم خير من عرفهم التاريخ ، واعتزّ بذكرهم بكُلّ إجلال ، منهم سلمان الفارسي وعمّار وأبو ذر ومحمّد بن أبي بكر وعبد الله بن مسعود وأبو الهيثم بن التيّهان وأمثالهم ، فهم خيرة من عرفت وأحصيت ، فكيف فات عليك ذكر هؤلاء ؟ وكيف أنّ علياً ( عليه السلام ) قد ذمّ أمثال هؤلاء ووبّخهم ؟!

وعليك أن ترجع إلى تاريخ ما حدث أيّام خلافة علي ( عليه السلام ) ، وتابع بنفسك ما أحدثه المنشقوّن على طاعته ، والخارجون على إمامته ، فأشعلوا حروب صفّين والجمل والنهروان ، فقد كانت مجموعة من رعية الإمام وقت ذاك أناس مخالفون لطاعته ، لا ينصاعون لأوامره ، يثبّطون قومه على الخروج معه ، وكان أشهرهم أبو موسى الأشعري ، الذي تخاذل حين استخلفه الإمام ( عليه السلام ) على الكوفة ، وثبّط الناس عن الخروج ، فوبّخه وكتب إليه في أمر الحكمين وخيانته قائلاً : « فإنّ شرار الناس طائرون إليك بأقاويل السوء » (4) ، ممّا يعني أنّ هناك عصابة من المنافقين قد تألبوا عليه .

وعبّر ( عليه السلام ) عن سخطه من طلحة والزبير ، ومن كان معهما في حرب الجمل ، التي تسبّبت في إزهاق آلاف من نفوس المسلمين فقال ( عليه السلام ) : « فخرجوا يجرّون حرمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كما تجرّ الأمة عند شرائها ، متوجّهين بها إلى البصرة ، فحبسا نساءهما في بيوتهما ، وأبرز حبيس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لهما ولغيرهما ، في جيش ما منهم رجل إلاّ وقد أعطاني الطاعة ، وسمح لي بالبيعة ... » (5) .

فقد أنّب الإمام علي ( عليه السلام ) كُلّ من خرج في حرب الجمل دون استثناء ، وحمّلهم مسؤولية الخروج على طاعته ، وهؤلاء ـ كما تعلم ـ كانوا يشكّلون الغالبية العظمى من رعايا الإمام ، فكان الإمام ( عليه السلام ) يوجّه لومه إلى مثل هؤلاء ، هذا من جهة .

ومن جهة أُخرى كان رعايا الإمام ممّن انخرطوا في صفٍ معارضٍ خطير ، وهم الخوارج الذين آل الأمر إليهم بالخروج عليه في حرب النهروان ، وأدّى بعد ذلك انحرافهم وخبثهم ، أن سخّروا عبد الرحمن بن ملجم المرادي ـ الذي هو أحد رؤوس الخوارج ـ إلى اغتيال الإمام ( عليه السلام ) في فاجعة الاعتداء الغشيمة ، وقتله في مسجد الكوفة .

هؤلاء الخوارج ، ومثلهم أصحاب الجمل ، أضف إليهم المتقاعسون القاعدون عن القتال أتباع أبي موسى الأشعري ، إذ كانوا يشكّلون نسبة كبيرة من أتباعه ، وكان الأشعث بن قيس ـ رأس المنافقين ـ طابور خيانة داخل دولة الإمام ( عليه السلام ) ، فيشعلون الفتن ، ويطعنون بالإمام من خلفه ، كُلّ هؤلاء كان الإمام ( عليه السلام ) قد خاطبهم بالخطب التي ذكرتها ، وليس كما عبّرت من كون المخاطبين كانوا شيعة الإمام .

كيف يصف الإمام شيعته ومحبّيه بهذه الأوصاف ؟ التي لا تنم إلاّ عن أوصاف أعدائه ومخالفيه ، وعليك فيما بعد أن تتابع الأحداث التي عاشها الإمام مع هؤلاء ، فحينئذ تجد قد شكّلوا نسبة كبرى من المنافقين الذين خرجوا على الإمام ، وخرقوا طاعته ومعصيته .

أمّا ما ذكرته عن خطبة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، فإنّك خلطت في كثير من القضايا ، فالخطبة كانت للإمام الحسين ( عليه السلام ) يوم الطفّ ، وكان يخاطب بها الجيش الأموي ، ومن الخطأ الكبير أن تنسب هؤلاء إلى شيعة الإمام ، إذ أنّ شيعة الإمام هم الذين شكّلوا جيش الإمام ، وقد فدوا نفوسهم دونه ، وكانوا من خيرة الشيعة الذين يعتزّ بهم التاريخ ، بل يذكرهم العالم ـ المسلم وغير المسلم ـ بكُلّ إجلال وإكبار ، لتضحيتهم ووفائهم أمثال : حبيب بن مظاهر الأسدي ، ومسلم بن عوسجة ، وبرير بن خضير ، وأمثالهم الذين ضحّوا بنفوسهم الزكية ، هؤلاء هم شيعة الحسين ( عليه السلام ) .

فكيف تنسب أعداء الحسين ـ الذين خرجوا لحربه ـ إلى كونهم شيعته ؟ فهل هذا إلاّ تناقض وخلط للحقائق ؟ أرجو أن تكون دقيقاً في متابعتك للأُمور ، لا أن يغلبك القيل والقال دون تروٍ وتحقيق .

ونفس الكلام سيكون في ما ذكرته من قول الإمام أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) ، فإنّ الشيعة الذين يقصدهم الإمام لم يكونوا شيعته حقيقة ، بل أنّ ظاهر ما اشتهر عن هؤلاء أنّهم شيعة ، فيظنّ الظانّ أنّ هؤلاء يحسبون من اتباع الإمام اشتباهاً ، وهم ليسوا من أتباعه حقيقة ، فأراد ( عليه السلام ) أن يرفع شبهة من نسب هؤلاء إلى الإمام بأنّهم من خيرة شيعته ومريديه .

هذا ، وفي الختام نذكّرك بأنّ لفظ الشيعة له معنى خاصّ ، ومعنى عام ، فالمعنى الخاصّ : من اعتقد بالإمامة وأنّها من الله تعالى وبالنصّ ، وذلك يستلزم اعتقاد عصمة الإمام ومقاماته .

والشيعة بالمعنى العام : هو من أحبّ الإمام واتبعه بصفة أنّه خليفة ، أو من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ولم يعتقد بإمامته الإلهية ولا بعصمته ، فهذا يعبّر عنه بالشيعة بالمعنى العام ، وفي كلمات الأئمّة ( عليهم السلام ) إن ورد ذمّ الشيعة فمحمول على معناه العام لا الخاصّ .

ــــــــــــــ

(1) شرح نهج البلاغة 2 / 75 .

(2) الكافي 8 / 228 .

(3) الاحتجاج 2 / 24 .

(4) شرح نهج البلاغة 18 / 74 .

(5) المصدر السابق 9 / 308 .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

السؤال : ما هو المقصود بالتشيّع ؟ ومن هم الشيعة ؟
السؤال: من المعلوم أنّ الشيخ الكليني مؤلّف ...
ما حکم من طلّقها زوجها طلاقاً رجعیّاً و لزمت عدّة ...
السؤال : هل صحيح أنّ سيف ذو الفقار للإمام علي ...
من هو شيخ الأنبياء ومن هو سيد البطحاء وشيخ ...
السؤال : لماذا الشيعة لا يصلّون صلاة التراويح ؟ ...
السؤال : ما هي فلسفة الحجاب ؟ ولماذا هو واجب في ...
السؤال : هل يدخلون الجنّة أهل السنّة ?
السؤال : هل الإمامة مذكورة في القرآن ؟ وهل هي ...
سؤال: لماذا يستخدم القرآن الكريم في بعض الآيات ...

 
user comment