السؤال: لقد حصل لي موقف مع أحد إخواننا السنة ، وكان يحاججني على موضوعين البناء على القبور وشبك كل من الصلاتين الظهر والعصر والمغرب والعشاء .
أما الاُولى فاستدل بالسنة النبويّة ، في قوله صلى الله عليه وآله بما معناه : (لعن الله النصارى إذ اتخذوا قبور أوليائهم مسجدا) ، واستدل بما يحدثه من بعد ، من الشرك وغيرها .
وفي الثانية فقد أراد من القرآن والسنة النبوية .
جواب سماحة الشيخ هادي العسكري : بسم الله الرحمن الرحيم
الحديث كما ذكره البخاري في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن الله اليهود اتخذوا قبور انبيائهم مساجد والمناقشة في هذا الحديث واضحة ولا يمكن الاعتراف بصدوره عنه بل الواجب رفضه وطرحه على الجدار لما ثبت وتواتر منه صلى الله عليه وآله من رفض كل حديث يخالف الكتاب والسنة وهذا منه وحيث ان غرض المستدل به لا يختص بنفي اتخاذ قبره عليه وآله السلام مسجداً بل الهدف منه وراء ذلك وهو الطعن في الزيارة والقدح في السيرة الاسلامية والتهكم بعمل المسلمين المؤمنين قاطبة فنجيب عنهما جمعاً ولا تفرد أحدهما عن الاخر فنقول كيف يصح هذا الحديث المزعوم مع مخالفته لعشرات الآيات في توبيخ اليهود وتعيريهم بقتلهم الانبياء وتعذيبهم وتشريدهم وتشهير اليهود بقساوتهم وطغيانهم واستكبارهم وتقبيح أعمالهم من سفك الدماء وعدم الوفاء ونقض العهود وبث النفاق ونشر الشقاق ونبذ الميثاق والتكذيب والعناد والمعاداة مع أنبيائهم فمثل هؤلاء الطغاة القساة العتاة مع هذه الظاهرة فيهم لا نبيائهم كيف يتخذون قبورانبيائهم مساجد حتى يلعنهم الرسول صلى الله عليه وآله هل من المعقول ان يعذبوا ويقتلوا أنبيائهم ثم يتبركون بقبورهم ويتخذوها مساجد اليس كان الاًنسب ان يعيرهم الله بهذا وينزل فيهم آية أو أكثر ثم من هم هؤلاء الانبياء واين هذه المساجد وفي أي زمان وفي أي بقعة ومكان كانت هذه القبور وهذه المساجد هذا أولاً .
ثم لو فرضنا وسلمنا وجودها واتفقنا أيضاً على صحة الحديث فعلينا أن ننظر ونتعرف على سيرة اليهود في هذه المساجد ونرى أعمالهم وكيفية تعظيمهم لها حتى يتضح لنا معنى لفظ المساجد في الحديث هل هم يزورون القبور ويتبركون بها أم يسجدون على القبور ويجعلونها مسجداً لجباههم أو يجعلونها قبلة ويصلون اليها كما وردت في مرسلة من المراسيل النبوية التي لا اعتبار بها اضافة على ارسالها كونها نبويّة غير مقبولة وعلى فرض ثبوتها واعتبارها فهي خارجة عن موضوع بحثنا ومورد نقاشنا .
فالاحتمالات في لفظ المساجد في الحديث ثلاث احتمال يسجدون فيها واحتمال يسجدون على القبور واحتمال يسجدون اليها وبغض النظر عن المرسلة التي تكون قرينة على الاحتمال الثالث فهو ساقط عن الاعتبار وليس قابلاً للاستدلال لما فيه من الاجمال هذا ثانياً ولو فرضنا الحديث نصاً صريحاً في المعنى الاول فهو مرفوض وغير مقبول لمخالفته للكتاب والسنة واجماع المسلمين والسيرة العملية لقاطبة المؤمنين .
أما مخالفته لكتاب الله الكريم ففيما حكاه الله في قصة أصحاب الكهف والرقيم عند ما قال ( قال الذين غلبوا على أمرهم لتتخذون عليهم مسجدا ) آية 31 سورة الكهف فذكر في تعظيم شأنهم واكبار قدرهم مع أنهم فتية آمنوا بربهم اتخاذ المسجد عليهم واثبت فعل الغالبين على أمرهم وأقرّ عمل المؤمنين مزاراً لقبورهم ولم يندد بهم فكيف يلعن رسول الله صلى الله عليه وآله اليهود لاتخاذ المسجد قبور انبيائهم المقتولين المعذبين أشد العذاب بأيديهم وهذا ثالثاً.
وكذلك يخالف الكتاب الكريم في قوله ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره انهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون آية 84 سورة التوبة فمنع الله النبي الكريم منعاً دائماً وابداً عن الصلاة والقيام على قبور الفرحين المخلفين وخص النهي بالخالفين القاعدين وعلّل النهي بأنهم كفروا بالله وبرسوله فهم من المنافقين فباختصاص المنع بقبور الكافرين والتعليل بكفرهم يعلم جواز الصلاة والقيام على قبور المؤمنين المسلمين هذا رابعاً .
وأيضاً يخالف الكتاب الكريم في قوله : ( ولو انهم اذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ) آية 64 سورة النساء فيما وعد الله من التوبة والرحمة وذكر لمن جاء رسوله واستغفر واستغفر له الرسول يجد ما أراد ويرجع ولا ذنب له ولا خوف عليه ولا خطر فبصريح آية القرآن زيارة النبي مع الاستغفار يوجب الغفران وتستوجب الرحمة من الرحيم الرحمن وهي تسبب الامان على رغم كل معاند ومنافق وشيطان ولا اختصاص في الآية في الذهاب إليه في حال الحياة استغفر الله استغفر الله هو ليس بميت بل هو حي حتى يوم الحَيَوان وهذا خامساً .
أضف الى ذلك كيف يمكن قبول هذا الحديث مع أنه يخالف سيرة أئمة أهل البيت المطهرين وعمل الصحابة كلهم أجمعين وفعل قاطبة المسلمين منذ وفاته صلى الله عليه وآله الى هذا الحين بل إلى يوم الدين فجعلوا قبره مسجداً أيضاً هي مسجد الكعبة قبلة المصلين واتفقوا على أن الصلاة فيه بعشرة آلاف صلاة ولا يعدله ولا يساويه مسجد بعد مسجد رب العالمين وهذا سادساً .
وبعد هذا لا نحتاج الى تثبيت مخالفة الحديث للاًحاديث الواردة والسنة الشريفة عنه عليه السلام من قوله من زار قبري وجبت له شفاعتي أو حلت له شفاعتي وقوله من زارني بعد موتي كمن زارني في حياتي بل كيف ينسجم مع امره بزيارة القبور من قوله زورو القبور فانها تذكركم الآخرة بل هو زار قبر امه فبكى وابكى من حوله وقال استأذنت ربي ان استغفر لها فلم يأذن واستأذنت ربي أن أزورها فأذن لي (هذا مع أنها غير مؤمنة كما يزعمون) فزورو القبور فانها تذكركم بالموت قال النووي في شرح صحيح مسلم هذا حديث صحيح بلا شك رواه مسلم والنسائي وابن ماجه وروى مسلم انه كلما كانت ليلة عائشة منه صلى الله الله عليه وآله كان يخرج من آخر الليل الى البقيع ويسلم على أهل البقيع ويعلم عائشة ان تزور وتقول السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ومثلها حديث كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فانها تُزهد في الدنيا وتذكر الآخرة وهذا على فرض صحة صدور النهي عنه عليه وآله السلام ابتداء فلابد وان يكون النهي عنها في بدء الدعوة ورسالته عندما كان اموات المسلمين السابقين كافرين مشركين فلم يأذن لزيارتهم ونهى عنها وبعد فترة عندما كان الاموات مسلمين وتشرفوا بالايمان وماتوا أذن بل أمر بزيارتهم واستعاض عنه قوله اذكروا هادم اللذات الموت الموت واذا كان على الانسان أن يذكر الموت ويجعله نصب عينه دائماً فاي مكان أنسب وأي محل هو اذكر للموت من المقابر وترى أكد كثيراً عليه لانها تذكر الآخرة وصدق الرسول كما صدق الله العلي العظيم زيارة القبور تذّكر الآخرة وتذّكر الموت فمطالعة عاقبة الامور وتذّكر نهاية هذا الغرور ومشاهدة أصحاب القصور تحت الصخور ورؤية كل مشهور ومغمور في التراب مستور والتفكر في فناء هذا الدور انما يحصل بزيارة ا لقبور وزيارة القبور أكبر واعظ واقوى زاجر واحسن منذر وافضل مذّكر للموت نعم زيارة القبور تبعّدنا عن المعاصي وتلزمنا أخذ الحذر وهي أقوى من الحُمرة رمزاً للخطر وتعلمنا من الانباء ما فيه مزدجر وتخيرنا بتهيئة الزاد وحاجات السفر وتقرّبنا الى الطاعة كلمح بالبصر فما أبدع من هذا التأثير والأثر ولا ينكر ما قلنا الا من ينكر الشمس و القمر ومن ختم على قلبه الرحمن وأعماه عن النظر أو سلب الشيطان عنه بالمعاصي البصيرة والبصر هذه حجتنا في الزيارة لمن أراد الحجة فمن شاء فليؤمن ومن عاند ولم يؤمن فليذهب الى جهنم وسقر.
وبعد هذا نحن أيها المسلمون فرحون مرحون لدفع كل شبهة ولرد كل سؤال والاجابة ولقرع الحجة بالحجة وستجدون فينا اذن سامعة واعية والحمد لله وعلى رسوله وآله ألف ثناء وسلام وتحية .
ثانياً : الجمع بين الصلاتين مع العذر كالسفر والمطر والريح الشديدة وفي الوحل وعند الخوف والوجل متفق عليه ومجمع فيه عند المسلمين وذكرت المصادر الصحيحة أن الرسول صلى الله عليه وآله جمع في غير مورد هذا اولاً.
وأيضاً اتفق المسلمون على أنه جمع في الحج بين الظهرين عند الزوال في عرفات وجمع بين العشائين بتأخير في المزدلفة ولازال جري العمل بالجمع فيهما الى هذا اليوم وهذا ثانياً .
وقد روى ابن عباس انّه صلى الله عليه وآله جمع بين الظهرين وكذا بين العشائين من غير خوف ولا مرض ولا سفر صحيح مسلم ج1 ص491 أبو داود ج2 ص6 نسائي ج1 ص29 موطاء ج1 ص144 كما ذكر البخاري انه صلى ثمان وصلى سبعاً وذكر في ارشاد الساري أي جمع بينهما من دون عذر وبغير علة وهذا ثالثاً .
وروى ابن عباس أيضاً قال الا اخبركم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله كان اذا أراد السفر وهو في منزله وزالت الشمس جمع بين الظهرين عند الزوال واذا سافر قبل الزوال اخر الظهر حتى يجمع بينهما في وقت العصر وكذا روى هذا النحو عنه عن أنس واتفق المسلمون أنه قال إذا اشتد الحر فابردو بالصلاة وهذا أمرٌ بالتأخير وذكره البخاري ج1 ص142 مسلم ج1 ص430 وسائر أصحاب السنن أيضاً وروي الجمع بين الصلاة عن علي عليه السلام وابن عباس وجابر وابن عمر وعائشة وسعد بن أبي وقاص وأبي موسى الاًشعري وغيرهم .
فثبت الجمع بين الصلاتين عنه صلى الله عليه وآله في موارد ثلاث فهنا يطرح السؤال هل تكون مثل هذه الاُمور المذكورة أولاً هي اعذاراً توجب أداء الصلاة في غير وقتها وهل هي تكون اسباباً لجواز اتيان عمود الدين في غير وقت فرضها الصلاة التي لا تترك في أي حال هل يؤتى بها في غير وقتها لمجرد الوحل أو شدة الحر خاصة منه الذي نزل فيه قوله تعالى ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) أم تكون الصلاة في وقتها ويكون الجمع مجرد ترك الاولى والافضل نترك الجواب لمن يعرف مقام النبي ويُحكّم ضميره فيه وأما الجمع منه بين الصلاتين في الحج فقد علّله الامام أبو حنيفة بكونه ناسكاً متَعبّداً وخص جوا ز الجمع بالناسك وهذا التعليل منه غريب عفواً بل ليس منه بغريب عجبا ينبغي للناسك أن يأتي بالاًعمال على نحو الاًفضل أو الانسب له أن يترك الاولى والاًكمل فهل شأن الناسك المتعبد ان يتقرب الى الله بكل ما يوجب القرب اليه ويكثر مما يرغب اليه ويُستحب ويندب أو شأنه ان يترك الاًفضل بل الفرض على ما هي عنده الحكم لكم أيها الحنفيون حتى على فرض صحة الاستحسان والقياس وأما باقي الفقهاء وأئمة المذاهب الشافعي وأحمد ومالك فقد ذكروا وعللوا الجمع منه عليه وآله السلام بسبب السفر وهذا التعليل لا يصح أيضاً وخاطىً جزماً لاًن السفر الذي يكون عذرا هو ما يكون المسافر سائراً و راكبا فيمكث في أحد الوقتين ويجمع تسهيلاً عليه أو يكون في أحدهما سائرا و في الآخر ماكثا فيصلي في وقت النزول جمعا تخفيفاً عليه .
وأما المسافر الذي القى رحله واستقر ونوى وكان بمنى من ليلة وضحى بل من يوم قبله مضى بل امتداد وقته ووجوب مكثه في كلا الوقتين في عرفاتمن أول الزوال الى الغروب ما هو المانع له من أداء صلاته في وقتهما وهو ساكن وماكث في كلا الوقتين في عرفات ما هو المانع له من أداء صلاته في وقتهما وهو ساكن وماكث وخاصة من هو حبيب الرحمن وفي افضل يوم وزمان وأشرف بقعة ومكان وهو ناسك ورسول وامام في اعماله للانس والجان كلا لا يحتمل أن يكون سبب الجمع هناك السفر والمظنون بل بالتأكيد لان ظن الاًلمعي عين اليقين ان النبي صلى الله عليه وآله أراد في ذلك اليوم الشهير أن يعلن لذلك الجمع الغفير ويثبت لمن كان حاضراً أو سامعاً من كبير وصغير صحة الجمع والعمل الذي نحن عليه بما كان يعلم من الغيب في الزمن المستقبل القريب ويعطينا الحجة على من خالفنا من كل عظيم وحقير .
ولو سلمنا كان هذا الجمع منه بواسطة السفر فلنا المورد الثالث الذي جمع فيه وكان بنص منهم وتصريح من دون عذر في مسجده وعند أهله وقد سئل ابن عباس لم تراه فعل ذلك قال أراد أن لا يحرج احداً من امته مسلم ج1 ص490 ـ ص705 سنن أبي داود ج2 ص6 سنن نسائي ج1 ص290 .
وبعد هذا فالشيعة أعلى الله كلمتهم تتبع أئمة أهل البيت وكفى بهم أئمة وقدوة وهم قد وسعو علينا تبعاً للرسول صلى الله عليه وآله بالجمع وان كان التفريق عندهم أفضل ولا ينتقد ولا يعاب بالاخذ بالاسهل وترك الاًفضل انما العيب واللوم على من يؤمن ويعتقد برب يقول يوم القيمة لجنهم هل امتلات وتقول هل من مزيد فيدخل الرب قدمه في النار والعياذ بالله سبحانك يا رب هذا بهتان عظيم حتى تقول قط قط فهنيئاً له ان كان يذهب مع هذا الرب الى جنهم .
السؤال: لقد جاء في الحديث المنسوب للامام المهدي عليه السلام (أمّا أوجه الانتفاع بي في غيبتي كالانتفاع بالشمس حين تغيبها عن الانظار السحاب) كيف يتم الانتفاع حين تحجب بالسحاب وما هو أوجه الشبه في ذلك .
جواب سماحة الشيخ هادي العسكري : بسم الله الرحمن الرحيم
سئل الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام الذي هو بالحق ناطق كيف ينتفع بالامام الغائب قال كانتفاعكم بالشمس حين تستر بالسحائب قديما قالوا كلام الملوك ملوك الكلام واقول لو كان كلام دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق فهذه احداها الذي لا يعرف أحد مغزاها ولا يحيط بتمام معناها وكامل تفسيرها الا من قالها ونطق بها والدليل على ذلك اننا لا نستطيع ان نعرف حقيقة الشمس وجوهرها ونعلم كل اثارها وكمية أخذ كل موجود من الموجودات واكتساب كل المخلوقات جميعها من الحيوان والنبات والجماد على هذه الكرة الارضية من نورها وحرارتها واثرها وتأثيرها واستمدادها في وجودها وتكوينها واحيائها هذا ما في البراري والقفار ويبقى ما في البحار وعجائب المخلوقات فيها بل يبقى ما في سائر السياراة وما يتبعها من الانجم والمجرات فمن الذي يعلم ويمكنه أن يحيط بكل أسرارها وآثارها وفعلها وانفعال غيرها بها فكل واحد من الفلكي والرياضي والطبيعي و ... و ... وانما يعرف موضوع علمه وموضع عمله وموضعة خبرته ولو فرضنا أن كل هؤلاء العلماء علموا جمعاء كل اثارها الى هذا الحين واكتشفوا كل اسرارها فمن الذي يضمن انهم لم يكتشفوا في المستقبل القريب والبعيد والعصور الآتية اضعاف ما علموا ويظهر لهم كثير ما جهلوا .
ثم لنفرض انها لو وقفت عن الحركة ساعة ماذا يحدث في الكون من خلال وقفتها وماذا يحصل في نظام العالم من سكونها ومدى ما تؤدي من نقص وخلل من فرارها ووهن واختلاف من استقرارها فليس في وسع العلم ان يدعى الاحاطة بمعرفتها ثم يأخذ بعد وجود السحاب وآثارها ويعلن مقدار كمها وكيفها ونتيجة الانتفاع بها معها ويقيس نسبة وجود السحاب وعدمها ويعطي خلاصة الحساب ودرجة الانتفاع بها لنا فليس لنا أن تدعى معرفة هذا الكلام بكاملها بل نذكر ونعطى مقدار معرفتنا لها فنقول : اتفق المسلمون على قول الرسول صلى الله عليه وآله انه قال من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية فبدلالة هذه الصحيحة الثابة فنفس عرفان الامام ومجرد الاعتقاد والايمان بوجوده وليس مع شرط الحضور والوصول اليه يوجب الابتعاد عن الهلاك والنيران والسلامة عن الكفر والطغيان والقبض على مفاتيح الجنان هذا اولاً
وبعده العمل بأقواله ومتابعة ارائه والسير على منهاجه وعدم الانحراف عن طريقته والالتزام بقيادته هذا ثانيا .
ولا تغفل عن آثار حالة الانتظار والتألم والتأثر بها وما ورد من الاجر فيها وطول الابتلاء والامتحان بها والابتلاء والاختبار بها سنة الله في عباده والاشتياق الى اللقاء والتشوق الى فرجه الملتقى وهذا ثالثاً .
وبعده أثر الامل والرجاء في سكون النفس وراحة الروح وسلامة الانسان وهل يُعلم من مرارة العيش ما في اليأس والاًسى وهل يخفى ما في الامال والرجاء من حلاوة الحياة وحصول الطيب والسعادة والهناء وهذا رابعاً .
وبعده خامساً ما في الدعاء بتعجيل الفرج نعم الدعاء وما ادراك ما الدعاء الذي هو مخ العبادة ولب الطاعة وحقيقة الاطاعة التي تظهر عند الطلب والانابة والتضرع والتذلل والاستغاثة وبالاخص عندما لا يكون الدعاء لنفسه خاصة بل يكون للعموم وللمؤمنين عامة الذي ورد الاًمر به والجفاء بدونه ووعد الاجابة حتماً في ضمنه .
وبعده سادساً الاستشفاع به والتوسل بدعائه سلام الله عليه فانه مالك النهي في الحياة وصاحب الامر ومن تتنزل عليه الملائكة والروح في ليلة القدر لكل قضاء وقدر وباذن ربهم من كل أمر ولكل امن وسلام هي حتى مطلع الفجر بظهوره وكشف السحاب ورفع الحجاب بطلوع شمس وجوده واقامة الحق والقسط والعدل وابادة الظلم والجور والبغي بباتر سيفه وصارم بيانه وعسى الله أن يكون قريباً .
وبعده سادبعاً وهو الذي يكون السموات السبع ومن الارض مثلهن وما بينهن متنعّم بفضل وجوده وبركاة جوده وهل يحصر أو يعدّ أم هو خارج عن الحساب والحدّ فكم وكم وكم وهل يحصر بالعدّ وبالكم الناجي والناجح بدعائه والمفلح المنجح ببركة جاهه فمن يعلم يومياً كم من مستغيث به يغاث ومستجير به يجار وملهوف ومكروب به مُستغاث ومريض يشفى وعليل يعافا وسجين واسير يطلق وبه أبواب ظلم وجور يغلق وضعيف ينحد وشقي يسعد بل بوجوده يمسك السماء وبفيض جوده رزق الورى وبه يندفع الاسواء وينكشف الغطاء ويرتفع البلاء ويدفع المحن والاذى فكم وجدنا وكم رأينا وكم سمعنا وكم قرأنا اليس الصحف والطوامير منها ملاءا وهي بمسمع ومنظر منا ومرئى في اناساً نالوا بكرامته وفازوا بعنايته ونجحوا بشفاعته وسعدوا بهدايته بل انا اتحدى لم يكن أحد منا لم يجد ويشاهد في حياته بنفسه عناية منه حتى يكون عن نقل غيره مستغنياً وفي غنى .
وبعدها ثامناً من الواضح المستحيل ان يغمّ الغمام ويعم السحاب ولو يوماً واحداً كل العالم وجميع أقطار الدنيا فيعلم بالقطع واليقين بل يتجاوز حتى عن عين اليقين الى حق اليقين ان هناك كل يوم قوم لا يحجبهم عنه حجاب ولا يمنعهم عنه سحاب فيستضيئون بنور وجوده ويدركون فيض حضوره وينعّمون بنعمة لقائه ويشرّفون بشرف زيارته فهنيأ لهم الف هناء وهذا الذي شبه به الامام لم يكن أحسن منه في الكلام فهل يمكن اذا الشمس كورت وانهارت وانعدمت فهل يبقى لهذا الكون بعدها باقية كلا كلا فكذلك يعلم لا يمكن ومن المحال أن يبقى العالم من غير امام ومن وجه آخر حاجة كل المخلوقات ونظام الكون الى الشمس واستغنائها عنها يثبت حاجتنا في البقاء الى الامام وعدم حاجته الينا ولهذا خلق الله الخليفة في الكون قبل الخليقة بل هل يمكن تصور الامام المقتدى به متأخراً عن المأموم فوجوده أيضاً قبل وجود المأموم ومقدم عليه فمن المستحيل وجود المخلوف المأموم من غير وجود الامام .
هذا ما أنا عرفته من هذه الآية القيمة وما أنا الا ذرة بل أقل من الذرة ما شأني ومعرفة هذه الآية بل على غيري من أكابر العلماء والمحققين الاذكياء أن يكشفوا ويشرحوا هذه الجوهرة الثمينة بل الدرة الـيتيمة واسئل لي ولهم من الله التوفيق والسداد انه هو العليم الخبير بالرشاد والولي القدير بالارشاد ومنه سلام الله عليه الشفاعة هنا ويوم المعاد .
السؤال: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) هل صحيح ان هذه الآية قد كانت في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل ويوم صفين في حربه مع الخوارج ؟ ومع ورودها في هذا السياق ، كيف نفسر أو نفهم الآية في أن الفئة باغية ومؤمنة كذلك ؟ ثم أليس الوارد لدينا أن الإيمان دائرة أضيق من الإسلام وأخص فكيف يرد عاما شاملا للجميع في بعض الآيات والتي منها هذه الآية الكريمة ؟
جواب سماحة السيد مرتضى المهري : بسم الله الرحمن الرحيم
لم نجد الآية مورداً لاستشهٍاده عليه السلام في شيء من خطبه في نهج البلاغة ولكن خطبه سلام الله عليه لا تنحصر بما في النهج وعلى تقدير ورود ذلك في شيء من تلك الموارد فهو من باب التنزل والمجاراة مع الخصم والا فمن حارب الامام المنصوب من قبل الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وآله فهو باغ خارج عن الدين تجب مقاتلته وقتله ولا يعد من المسلمين فكيف بالمؤمنين . ثم ان الآية عامة تشمل جميع المسلمين وللايمان والاسلام مراتب . فالاسلام بمعنى التسليم الظاهري للمجتمع الاسلامي هو أول درجة للدخول في الدين الحنيف وبه يحقن دمه ويعتبر رجلاً كسائر المسلمين وهناك اسلام بمعنى خاص يراد به التسليم لامر الله تعالى والمؤمن أيضاً ببعض درجاته يشمل كل المسلمين وهو الظاهر من أكثر الآيات التي ورد فيها هذا التعبير وببعض مراتبه لا ينطبق على الجميع قال تعالى (قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم) وهناك مراتب عالية منه بعد ذلك . والحاصل ان المراد بالمؤمنين في الآية كل المسلمين كما هو ظاهر هذا التعبير في أكثر الآيات المشتملة عليه .