فِـدَاءً لـمثواكَ مـن بـالأبـلَجِ الأروَعِ(1)
مَـضْجَعِ تَــنَـوَّرَ
بـأعبقَ مـن نَـفحاتِ الـجِنانِ رُوْحَـاً ومـن مِسْكِها أَضْوَعِ(2)
وَرَعْـيَاً لـيومِكَ يومِ (الطُّفوف) وسَـقْيَاً لأرضِـكَ مِن مَصْرَعِ(3)
وحُـزْناً عـليكَ بِحَبْسِ النفوس عـلى نَـهْجِكَ النَّيِّرِ المَهْيَعِ(4)
وصَـوْنَاً لـمجدِكَ مِـنْ أَنْ يُذَال بـما أنـتَ تـأباهُ مِنْ مُبْدَعِ(5)
فـيا أيُّـها الـوِتْرُ في الخالدِينَ فَــذَّاً ، إلـى الآنَ لـم يُـشْفَعِ
ويـا عِـظَةَ الـطامحينَ العِظامِ لـلاهـينَ عــن غَـدِهِمْ قُـنَّعِ
تـعاليتَ مـن مُـفْزِعٍ للحُتوفِ وبُــورِكَ قـبرُكَ مـن مَـفْزَعِ
تـلـوذُ الـدُّهورُ فَـمِنْ سُـجَّدٍ عـلـى جـانبيه ومـن رُكَّـعِ
شَـمَمْتُ ثَـرَاكَ فَـهَبَّ الـنَّسِيمُ نَـسِـيمُ الـكَرَامَةِ مِـنْ بَـلْقَعِ
وعَـفَّرْتُ خَـدِّي بحيثُ استراحَ خَــدٌّ تَـفَـرَّى ولـم يَـضْرَعِ
وحـيثُ سـنابِكُ خـيلِ الـطُّغَاةِ جـالـتْ عـليهِ ولـم يَـخْشَعِ
وَخِـلْتُ وقـد طـارتِ الذكرياتُ بِـروحـي إلـى عَـالَمٍ أرْفَـعِ
وطُـفْتُ بـقبرِكَ طَـوْفَ الخَيَالِ بـصـومعةِ الـمُـلْهَمِ الـمُبْدِعِ
كـأنَّ يَـدَاً مِـنْ وَرَاءِ الضَّرِيحِ حـمراءَ ( مَـبْتُورَةَ الإصْبَعِ)(6)
تَـمُـدُّ إلـى عَـالَمٍ بـالخُنُوعِ وَالـضَّيْمِ ذي شَـرَقٍ مُتْرَعِ(7)
تَـخَـبَّطَ فـي غـابةٍ أطْـبَقَتْ عـلى مُـذْئِبٍ منه أو مُسْبِعِ(8)
لِـتُبْدِلَ مـنهُ جَـدِيبَ الـضَّمِيرِ بـآخَـرَ مُـعْـشَوْشِبٍ مُـمْرِعِ
وتـدفعَ هـذي النفوسَ الصغارَ خـوفـاً إلــى حَــرَمٍ أَمْـنَعِ
تـأرّمُ حِـقداً عـلى الصاعقاتِ لـم تُـنْءِ ضَـيْراً ولم تَنْفَعِ(9)
ولـم تَـبْذُرِ الـحَبَّ إثرَ الهشيمِ وقــد حَـرَّقَـتْهُ ولـم تَـزْرَعِ
ولـم تُـخْلِ أبراجَها في السماء ولـم تـأتِ أرضـاً ولـم تُدْقِعِ
ولـم تَـقْطَعِ الـشَّرَّ مـن جِذْمِهِ وغِــلَّ الـضمائرِ لـم تَـنْزعِ
ولـم تَـصْدِمِ الـناسَ فـيما هُمُ عـليهِ مِـنَ الـخُلُقِ الأوْضَـعِ
تـعـاليتَ مـن "فَـلَكٍ" قُـطْرُهُ يَـدُورُ عـلى الـمِحْوَرِ الأوْسَعِ
فـيابنَ الـبتولِ وحَـسْبِي بِـهَا ضَـمَاناً عـلى كُـلِّ مـا أَدَّعِي
ويـابنَ الـتي لـم يَـضَعْ مِثْلُها كـمِـثْلِكِ حَـمْلاً ولـم تُـرْضِعِ
ويـابـنَ الـبَطِينِ بـلا بِـطْنَةٍ ويابنَ الفتى الحاسرِ الأنْزَعِ(10)
ويـا غُـصْنَ(هاشِمَ) لـم يَنْفَتِحْ بـأزْهَرَ مـنكَ ولـم يُفْرِعِ(11)
ويـا واصِـلاً مـن نشيدِ الخُلود خِـتَـامَ الـقـصيدةِ بـالمَطْلَعِ
يَـسِيرُ الـوَرَى بـركابِ الزمانِ مِـنْ مُـسْتَقِيمٍ ومن أظْلَعِ(12)
وأنـتَ تُـسَيِّرُ رَكْـبَ الـخلودِ مــا تَـسْـتَجِدُّ لــهُ يَـتْـبَعِ
وَمَـحَّصْتُ أمْـرَكَ لـم أرْتَـهِبْ بِـنَـقْلِ(الرُّوَاةِ ) ولــم أُُخْـدَعِ
وقُـلْـتُ: لـعلَّ دَوِيَّ الـسنين بـأصـداءِ حـادثِـكَ الـمُفْجِعِ
وَمَـا رَتَّلَ المُخْلِصُونَ الدُّعَاةُ من ( مُـرْسِـلِينَ ) ومـنْ (سُـجَّعِ)
ومِـنْ (نـاثراتٍ) عليكَ المساءَ والـصُّـبْحَ بـالشَّعْرِ والأدْمُـعِ
لـعـلَّ الـسياسةَ فـيما جَـنَتْ عـلى لاصِـقٍ بِـكَ أو مُـدَّعِي
وتـشـريدَهَا كُـلَّ مَـنْ يَـدَّلِي بِـحَـبْلٍ لأهْـلِـيكَ أو مَـقْـطَعِ
لـعلَّ لِـذاكَ و(كَـوْنِ) الـشَّجِيّ وَلُـوعَـاً بـكُـلِّ شَـجٍ مُـوْلعِ
يـداً في اصطباغِ حديثِ الحُسَيْن بـلـونٍ أُُرِيــدَ لَــهُ مُـمْتِعِ
وكـانـتْ وَلَـمّـا تَـزَلْ بَـرْزَةً يـدُ الـواثِقِ الـمُلْجَأ الألـمعي
صَـناعَاً مـتى مـا تُـرِدْ خُطَّةً وكـيفَ ومـهما تُـرِدْ تَـصْنَعِ
ولـما أَزَحْـتُ طِـلاءَ الـقُرُونِ وسِـتْرَ الـخِدَاعِ عَـنِ الـمخْدَعِ
أريـدُ (الـحقيقةَ) فـي ذاتِـهَا بـغـيرِ الـطـبيعةِ لـم تُـطْبَعِ
وجَـدْتُكَ فـي صـورةٍ لـم أُرَعْ بِـأَعْـظَـمَ مـنـهـا ولا أرْوَعِ
ومـاذا! أأرْوَعُ مِـنْ أنْ يَـكُون لَـحْمُكَ وَقْـفَاً عـلى الـمِبْضَعِ
وأنْ تَـتَّقِي - دونَ مـا تَـرْتَئِي ضـمـيرَكَ بـالأُسَّـلِ الـشُّرَّعِ
وأن تُـطْعِمَ الـموتَ خيرَ البنينَ مِـنَ (الأَكْـهَلِينَ) إلـى الرُّضَّعِ
وخـيرَ بـني (الأمِّ) مِـن هاشِمٍ وخـيرَ بـني(الأب) مِـنْ تُـبَّعِ
وخـيرَ الـصِّحابِ بخيرِ الصُّدُورِ كَــانُـوا وِقَــاءَكُ ، والأذْرَعِ
تَـقَحَّمْتَ صَدْرِي ورَيْبُ الشُّكُوكِ يِـضِـجُّ بِـجُـدْرَانِهِ الأَرْبَــعِ
وَرَانَ سَـحَابٌ صَـفِيقُ الحِجَاب عَـلَيَّ مِـنَ القَلَقِ المُفْزِعِ(13)
وَهَـبَّتْ رِيـاحٌ مـن الـطَّيِّبَاتِ و( الـطَّـيِّبِينَ ) ولــم يُـقْشَعِ
إذا مـا تَـزَحْزَحَ عَـنْ مَـوْضِعٍ تَـأَبَّى وعـادَ إلى مَوْضِعِ(14)
وجَازَ بِيَ الشَّكُّ فيما مَعَ (الجدودِ) إلــى الـشَّـكِّ فـيـما مـعي
إلـى أن أَقَـمْتُ عَـلَيْهِ الـدَّلِيلَ مِــنْ (مـبـدأٍ) بِـدَمٍ مُـشْبَعِ
فـأسْلَمَ طَـوْعَا ً إلـيكَ الـقِيَادَ وَأَعْـطَاكَ إذْعَـانَةَ المُهْطِعِ(15)
فَـنَوَّرْتَ مـا اظْـلَمَّ مِنْ فِكْرَتِي وقَـوَّمْتَ مـا اعْوَجَّ من أضْلُعِي
وآمَـنْتُ إيـمانَ مَـنْ لا يَـرَى سِوَى العَقْل في الشَّكِّ مِنْ مَرْجَعِ
بـأنَّ (الإبـاءَ) ووحـيَ السَّمَاءِ وفَـيْضَ الـنُّبُوَّةِ ، مِـنْ مَـنْبَعِ
تَـجَمَّعُ فـي (جـوهرٍ) خـالِصٍ تَـنَزَّهَ عـن ( عَرَضِ ) المَطْمَعِ