الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي المصطفى محمد صلى الله عليه و آله الهداة المهديين الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً.
نحن اليوم على مشارف شهر رمضان المبارك، هذا الشهر العظيم شهر الله و شهر الضيافة الإلهية المباركة السخية و المتميزة.
نعم نحن نستقبل شهراً مباركاً كريماً ملؤه الرحمةُ و الغفرانُ و الخيرُ، شهر تعُمُّهُ الأنوار الإلهية و الأجواءُ الروحانيةِ.
شهر تنهمر السعادة من خلاله على الإنسان المؤمن الصائم الملتزم بتعاليم الله عَزَّ و جَلَّ.
إذن فينبغي على مَنْ عرِفَ قيمة هذا الشهر المبارك المعطاء، و أراد أن يعيش الحالة الرمضانية المباركة ويكون نموذجاً للصائم المُنعم عليه بالقبول و الغفران، و يكون له نصيبٌ كبير من بركات شهر رمضان المبارك، و يكون ممن تشمله الرحمة الإلهية، و يكون ممن ينال رضى الله عَزَّ و جَلَّ، أن يتحضر لإستقبال شهر رمضان بما يليق به لكي يكون ذو حظٍ عظيم من بركاته و آثاره.
ولكي يكون موفقاً في إستقباله فلا بُدَّ له من الإستعداد التام قبل حلول هذا الشهر المبارك الكريم.
كيف نستقبل شهر رمضان؟
الاستعداد لإستقباله و التهيّؤ له لا يكون بإدّخار الأطعمة و الأشربة و إحتكارها في المنزل كمن يتخوف المجاعة و القحط، أو التفنن في إبداع الأكلات الرمضانية الشهية، أو بسط الموائد التي تتجاوز الأرقام القياسية في الإسراف و التبذير و الترف، خاصة في هذه الظروف الصعبة التي يمر به شعوب العالم بصورة عامة و بلادنا الإسلامية بصورة خاصة من النقص الحاد في المواد الغذائية الرئيسية، و إنما المقصود هو الاستعداد المعنوي، و التهيؤ الروحي و الإيماني بما يتناسب مع أهداف هذا الشهر المبارك.
متى نبدأ بالاستعداد؟
لضمان الحصول على النتائج الكبرى يحبذ أن يبدأ هذا الاستعداد قبل حلول شهر رمضان بأشهرٍ، تماماً كالذي يريد الاشتراك في سباقٍ عالمي مهم يفترض أن يقوم بالاستعداد و التحضير له بفترة تسبقه كافية لأن تؤهله للإشتراك في ذلك السباق، و كذلك فعلى من يريد الفوز بالجائزة الرمضانية الكبرى أن يتحضر لها و يتهيأ لها بصورة كاملة.
فقد روي عن النّبي صلى الله عليه و آله و سلم انّه كان إذا رأى هلال شهر رجب قال:" اَللّـهُمَّ بارِكْ لَنا في رَجَب وَ شَعْبانَ، و بَلِّغْنا شَهْرَ رَمَضانَ، و اَعِنّا عَلَى الصِّيامِ وَ الْقِيامِ وَ حِفْظِ اللِّسانِ، وَ غَضِّ الْبَصَرِ، وَ لا تَجْعَلْ حَظَّنا مِنْهُ الْجُوعَ وَ الْعَطَشَ ".
و لو تأملنا في كلام النبي المصطفى صلى الله عليه و آله عرفنا بأن من أهم أهداف شهر رمضان التي لا بُدَّ أن نجعلها هدفاً نسعى للوصول إليها هي العبادة الخالصة و مخالفة هوى النفس و كبح جماحها من خلال ضبط اللسان و غَضِّ البصر، و إلا فإن حظنا منه سوف لا يتجاوز الجوع و العطش، و سوف لا نصل إلى الهدف الأم من الصيام الذي هو التقوى.
و رُوي أن الإمام جعفر الصّادق عليه السَّلام كان يدعو في آخر ليلة من شعبان و أوّل ليلة من رمضان، و يقول: َللّـهُمَّ اِنَّ هذَا الشَّهْرَ الْمُبارَكَ الَّذي اُنْزِلَ فيهِ الْقُرآنُ وَجُعِلَ هُدىً لِلنّاسِ وَبَيِّناتِ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ قَدْ حَضَرَ فَسَلِّمْنا فيهِ وَ سَلَّمْهُ لَنا وَ تَسَلِّمْهُ مِنّا في يُسْر مِنْكَ و عافِيَة، يا مَنْ اَخَذَ الْقَليلَ، وَ شَكَرَ الْكَثيرَ، اِقْبَل مِنِّى الْيَسيرَ، اَللّـهُمَّ اِنّي اَساَلُكَ اَنْ تَجْعَلَ لي إلى كُلِّ خَيْر سَبيلاً، وَ مِنْ كُلِّ ما لا تُحِبُّ مانِعاً، يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ...
فالاستعداد و التهيوء لإستقبال شهر رمضان إنما يكون بتصحيح نظرتنا إلى هذا الشهر، و التعرف على مكانته الحقيقية بأنه شهر الله و شهر المغفرة الإلهية و الرحمة الشاملة، و أنه المدرسة التي أنعم الله تعالى بها علينا لكي نتربى فيها تربية إسلامية إيمانية قرآنية صادقة نتمكن من خلالها من التخلص من الذنوب و المعاصي و كل ما يحط من منزلة الإنسان و قدره، و نتخلق بأخلاق الصائم النموذجي، و نعتبره سُلَّم الرُقي إلى أعلى درجات الكمال.
كما و لا بُدَّ و أن ننظر إلى شهر رمضان المبارك بإعتباره فرصة فريدة لا بُدَّ من إغتنامها بصورة جيدة.
فقد روي عن الإمام الصّادق عليه السلام انّه قال: " مَنْ لَم يُغفَر لَه في شَهر رَمَضان لَم يُغفَر لَهُ إلى قابِل، اِلاّ أن يَشهَدَ عَرَفَةَ ".
و مما يساعد الإنسان على إغتنام الفرص الرمضانية المباركة هو الإصغاء إلى خطبة الرسول المصطفى محمد صلى الله عليه و آله و التدبر في بنودها فهي تحتوي على دروس مهمة جداً.
فعَنْ عَلِيٍّ عليه السلام، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله خَطَبَنَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللَّهِ بِالْبَرَكَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ، شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَ أَيَّامُهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ، وَ لَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي، وَ سَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ، هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللَّهِ، وَ جُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ، أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ، وَ نَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ، وَ عَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ، وَ دُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ وَ قُلُوبٍ طَاهِرَةٍ أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ وَ تِلَاوَةِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ، وَ اذْكُرُوا بِجُوعِكُمْ وَ عَطَشِكُمْ فِيهِ جُوعَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ عَطَشَهُ، وَ تَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِكُمْ وَ مَسَاكِينِكُمْ، وَ وَقِّرُوا كِبَارَكُمْ، وَ ارْحَمُوا صِغَارَكُمْ، وَ صِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَ احْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَ غُضُّوا عَمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ أَبْصَارَكُمْ، وَ عَمَّا لَا يَحِلُّ الِاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ أَسْمَاعَكُمْ، وَ تَحَنَّنُوا عَلَى أَيْتَامِ النَّاسِ يُتَحَنَّنْ عَلَى أَيْتَامِكُمْ، وَ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ مِنْ ذُنُوبِكُمْ، وَ ارْفَعُوا إِلَيْهِ أَيْدِيَكُمْ بِالدُّعَاءِ فِي أَوْقَاتِ صَلَاتِكُمْ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ السَّاعَاتِ يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهَا بِالرَّحْمَةِ إِلَى عِبَادِهِ، يُجِيبُهُمْ إِذَا نَاجَوْهُ، وَ يُلَبِّيهِمْ إِذَا نَادَوْهُ، وَ يُعْطِيهِمْ إِذَا سَأَلُوهُ، وَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ إِذَا دَعَوْهُ.
أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهُونَةٌ بِأَعْمَالِكُمْ فَفُكُّوهَا بِاسْتِغْفَارِكُمْ، وَ ظُهُورَكُمْ ثَقِيلَةٌ مِنْ أَوْزَارِكُمْ فَخَفِّفُوا عَنْهَا بِطُولِ سُجُودِكُمْ، وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَقْسَمَ بِعِزَّتِهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ الْمُصَلِّينَ وَ السَّاجِدِينَ وَ أَنْ لَا يُرَوِّعَهُمْ بِالنَّارِ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.
أَيُّهَا النَّاسُ: مَنْ فَطَّرَ مِنْكُمْ صَائِماً مُؤْمِناً فِي هَذَا الشَّهْرِ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عِتْقُ نَسَمَةٍ، وَ مَغْفِرَةٌ لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ.
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَيْسَ كُلُّنَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ.
فَقَالَ صلى الله عليه و آله : اتَّقُوا النَّارَ وَ لَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، اتَّقُوا النَّارَ وَ لَوْ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ.
أَيُّهَا النَّاسُ: مَنْ حَسَّنَ مِنْكُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ خُلُقَهُ كَانَ لَهُ جَوَازاً عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ، وَ مَنْ خَفَّفَ فِي هَذَا الشَّهْرِ عَمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ خَفَّفَ اللَّهُ عَلَيْهِ حِسَابَهُ، وَ مَنْ كَفَّ فِيهِ شَرَّهُ كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ غَضَبَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَ مَنْ أَكْرَمَ فِيهِ يَتِيماً أَكْرَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَ مَنْ وَصَلَ فِيهِ رَحِمَهُ وَصَلَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَ مَنْ قَطَعَ فِيهِ رَحِمَهُ قَطَعَ اللَّهُ عَنْهُ رَحْمَتَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَ مَنْ تَطَوَّعَ فِيهِ بِصَلَاةٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ، وَ مَنْ أَدَّى فِيهِ فَرْضاً كَانَ لَهُ ثَوَابُ مَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الشُّهُورِ، وَ مَنْ أَكْثَرَ فِيهِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيَّ ثَقَّلَ اللَّهُ مِيزَانَهُ يَوْمَ تَخِفُّ الْمَوَازِينُ، وَ مَنْ تَلَا فِيهِ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ.
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَبْوَابَ الْجِنَانِ فِي هَذَا الشَّهْرِ مُفَتَّحَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لَا يُغَلِّقَهَا عَنْكُمْ، وَ أَبْوَابَ النِّيرَانِ مُغَلَّقَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لَا يُفَتِّحَهَا عَلَيْكُمْ، وَ الشَّيَاطِينَ مَغْلُولَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لَا يُسَلِّطَهَا عَلَيْكُمْ.
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السَّلام : فَقُمْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ؟
فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ ".
source : www.abna.ir