أسرار الحج
في حوار بين الإمام زين العابدين (عليه السلام) والشبلي
محمد علي مقدادي
المقدمة:
لأهل بيت النبوّة والعصمة ـ الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ـ روايات كثيرة ومواقف مملوءة بالمعارف الجليلة تخصُّ فريضة الحجّ ومناسكه، التي هي ركن من أركان الدين الإسلامي الحنيف، كما هو في الخبر الصحيح عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعبد الله بن الصلت جميعاً، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: آ«بُني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحجِّ، والصوم، والولاية ...آ»(1).
وذكر مثل هذا الخبر في صحاح أهل السنّة وكتبهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)وبألفاظ مختلفة، منها ما قاله الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله): آ«بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصوم رمضانآ»(2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع: الأُصول من الكافي 2 : 18 ، دار الكتب الإسلامية، طهران; وسائل الشيعة 1 : 13 أبواب مقدمة العبادات، الباب 1، الحديث 2، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)لإحياء التراث.
(2) راجع: صحيح مسلم بشرح الإمام النووي 1 : 177 ، دار الفكر; كنز العمال 1 : 28، الحديث 28، مؤسسة الرسالة، بيروت.
وبهذا وبغيره فإنّ ركنية الحج ثابتةٌ عند جميع المذاهب الإسلامية وبالتالي فقد حظي هذا الركن بأهمية بالغة وعظيمة ـ سواء في أحكامه ومناسكه أم في معارفه ومعنوياته وآثاره ـ على النفوس المؤمنة، ولذا فإنّ من أراد الحجّ والعمرة لابدّ له من أن لا يكتفي بمعرفة أحكامه ومناسكه ومواقفه وكيفية أدائه فحسب، بل ينبغي له التعرّف على ما يترتّب على تلك المناسك من التزامات روحية وأخلاقية لنفسه وللآخرين وعندئذ سيكون الحج مظهراً يجسّد الإيمان عبادةً وعملا وقولا، وصورةً رائعةً من صور الجمال الروحي ترافق الحاج منذ اللحظات الأُولى لهذه الفريضة المباركة وعند عودته إلى وطنه وأهله.
كم هي عبادة جميلة تلك التي تترك آثارها على الإنسان; على إيمانه بالله تعالى، وعلى سلوكه وتعامله مع الناس!
حقاً، إنّ فريضة الحج ولادةٌ جديدة للإنسان، إذا استطاع أن يعيش آثارها ومعانيها، وإذا فتح قلبه لاستقبال أنوارها(1).
إنّ الإمام زين العابدين (عليه السلام) بيّن للشبلي(2) مفاهيم الحج العالية; والآن نحن جميعاً ـ لا الشبلي وحده ـ بين يدي الإمام (عليه السلام):
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هكذا في رواية نقلها العلاّمة المجلسي (رحمه الله): آ«لا يزال على الحاج نور الحج ما لم يذنبآ». بحار الأنوار 96 : 10، مؤسسة الوفاء، بيروت.
(2) مع أني بذلتُ جهدي فيما تيسر لي من مصادر، لم أعثر فيها على ترجمة مناسبة للشبلي هذا، وعلى ذلك فأعتقد أنه من المجاهيل، لم يذكر في كتب رجال الحديث وتراجمهم عند الفريقين.
وكل ما وجدته في خلال تتبعي هو شخص آخر يُدعى أبو بكر الشبلي البغدادي واسمه دُلَفْ بن جحدر وقيل: جعفر بن يونس وقيل: جعفر بن دُلف الذي توفي ببغداد سنة 334 عن نيّف وثمانين سنة.
اُنظر:
1 ـ الغدير 11 : 149.
2 ـ سير أعلام النبلاء 15 : 367.
3 ـ العبر 2 : 50.
4 ـ مستدرك سفينة البحار 5 : 316.
ولهذا نكتفي بذكر هذه الرواية هنا لعلوّ مضامينها ولما فيها من دروس نافعة وعبر وهي تبيّن لنا جانباً كبيراً من أسرار هذه الفريضة المقدّسة والرحلة المباركة.
لمّا رجع مولانا زين العابدين (عليه السلام)من الحجّ استقبله الشبلي.
فقال (عليه السلام) له: آ«حججت يا شبلي؟آ».
قال: نعم، يابن رسول الله.
فقال (عليه السلام): آ«أَنَزلْتَ الميقات وتجرّدت عن مخيط الثياب واغتسلت؟آ».
قال: نعم.
قال (عليه السلام): آ«فحين نزلت الميقات نويت أنك خلعت ثوب المعصية، ولبست ثوب الطاعة؟آ».
قال: لا.
قال (عليه السلام): آ«فحين تجرّدت عن مخيط ثيابك، نويت أنّك تجرّدت من الرياء والنفاق والدخول في الشبهات؟آ».
قال: لا.
قال (عليه السلام): آ«فحين اغتسلت نويت أنّك اغتسلت من الخطايا والذنوب؟آ».
قال: لا.
قال (عليه السلام): آ«فما نزلت الميقات، ولا تجرّدت عن مخيط الثياب، ولا
اغتسلت!آ».
ثم قال (عليه السلام): آ«تنظّفت، وأحرمت وعقدت بالحج؟آ».
قال: نعم.
قال (عليه السلام): فحين تنظّفت وأحرمت وعقدت الحج، نويت أنّك تنظّفت بنورة(1) التوبة الخالصة لله تعالى؟آ».
قال: لا.
قال (عليه السلام): آ«فحين أحرمت نويت أنّك حرّمت على نفسك كلّ محرّم حرّمه الله عزّوجلّ؟آ».
قال: لا.
قال (عليه السلام): آ«فحين عقدت الحجّ نويت أنّك قد حللت كلّ عقد لغير الله؟آ».
قال: لا.
قال له (عليه السلام): آ«ما تنظّفت ولا أحرمت، ولا عقدت الحج!آ».
قال له (عليه السلام): آ«أدخلت الميقات وصلّيت ركعتي الإِحرام ولبّيت؟آ».
قال: نعم.
قال (عليه السلام): آ«فحين دخلت الميقات، نويت أنك بنيّة الزيارة؟آ».
قال: لا.
قال (عليه السلام): آ«فحين صلّيت الركعتين، نويت أنّك تقرّبت إلى الله بخير الأعمال من الصلاة، وأكبر حسنات العباد؟آ».
قال: لا.