كان يوم الخميس في المدينة المنورة ، و رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، يتلفظ آخر أنفاسه، إنه على وشك الرحيل و الفراق عن هذه الدنيا، و كان هذا أعظم خطب ألم بالمسلمين الصادقين، و لقد سمي هذا اليوم بـ(رزية الخميس)، و كانت فاطمة أحزن الناس ، و أبكاهم على أبيها ،لأنها تدرك عظمته عن كثب ولأنها ، عاشت معه يوميات لا مثيل لها. و دخلت عليه في مرض موته ، فبكت كثيرا عنده ، و هي تتأمله جيدا ، و تمر بمخيلتها ذكريات الصبا و النصر و أيام خديجة ، و هكذا تسارعت الصور إلى ذاكرتها ، و تزداد حسرة و ألما، فأشار إليها النبي ، أن تدنو منه فاقترب ، ثم همس النبي شيئا في أذنها ، ففرحت ، و ابتسمت فتعجب الناس ممن كانوا حولها، تبعتها عائشة ، و هي تقول: ( كنت تبكين قبل قليل ، ثم فرحت بما قاله لك النبي ،فبماذا أخبرك) ؟ ، قالت: (إنه قال لي أني أول أهل بيته لحوقا به).
ففاطمة ، تسعد بالموت ، و تفرح لأن أيامها قليلة في هذه الدنيا، لحظات و إذا بالنبي ، يفارق الدنيا ،و يعلو الصراخ و العويل على فقده، و ندبته فاطمة ، و أخذت تبكيه عند قبره ليلا ونهارا، كان علي ( ع ) يأتي بها صباحا إلى قبر النبي ، ثم يأخذها إلى البيت ، ثم ياتي بها عصرا ، و يأخذها ليلا ، حتى ضج أهل المدينة من بكائها، و ليس هناك ما يولد الضجر من بكاء فاطمة ، لولا أن حرض بعض الناس اهل المدينة، لقد كانوا يكرهون البكاء الحق ، لأنه يذكرهم برجل الحق و المبادئ، حتى اضطر الإمام علي ، أن يبني لها بيتا خاصا بعيدا عن أهل المدينة ، تذهب إليه ، و تنوح فيه على أبيها العظيم محمد(صلى الله عليه وآله)، و سمي بـ( بيت الأحزان ).
بيت الاحزان
عرفت فاطمة ، أنها أحد البكائين في العالم الإنساني، ولكن عليك ، أن تعرف أن بكاءها كان من وراءه غاية و هدف، فإنها حاولت إرجاع ضمير الأمة الإسلامية من خلال العاطفة،
هذه الأمة ، التي تعب رسول الله من أجلها ، و ضحى بكل شيء و إذا بالناس ، يتركون رسول الله(صلى الله عليه وآله) على وسادة الموت ، ليتنافسوا في سقيفة بني ساعدة على المنصب السياسي، فهذا هو التنكر ، الذي أخبر به القرآن: (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم...)،( آل عمران: 144) ، و أخبر به الرسول.
لقد حاوت فاطمة من خلال البكاء ، أن تشد الناس للنبي ،و إعادة تلك العلاقة الروحية، لتعيد فاطمة للأمة مسارها الروحي، الذي كانت عليه زمن النبي(صلى الله عليه وآله).
و ليس البكاء بأمر منكر، فقد بكى
يعقوب على ابنه يوسف ، حتى ابيضت عيناه ، و اصبح أعمى من كثرة البكاء، و بكى رسول الله(صلى الله عليه وآله) على ابنه ،إبراهيم و على عمه ، حمزة سيد الشهداء ، و بكى على ولده ، الحسين.
source : www.tebyan.net