نعزي الامام المنتظر(عج) والأمة الاسلامیة بمناسبة ذکری استشهاد الامام موسی الکاظم(ع) و نقدم لکم نبذة عن سیرة الامام الکاظم(ع)، فضائله ومظاهر من شخصیته(ع).
قبسات من حیاة الإمام موسى الكاظم عليه السلام
تاريخ ومحل ولادته عليه السّلام
ولد عليه السّلام بالأبواء - منزل بين مكّة والمدينة - في السّابع من صفر سنة 128هـ.
عن أبي بصير قال: كنت مع أبي عبد الله في السّنة التي ولد فيها ابنه موسى فلمّا نزلنا الأبواء
وضع لنا أبو عبد الله الغداء ولأصحابه وأكثره وأطابه، فبينا نحن نتغدى إذ أتاه رسول حميدة أن الطّلق قد ضربني، وقد أمرتني أن لا أسبقك بابنك هذا, فقام أبو عبد الله فرحا مسرورا، فلم يلبث أن عاد إلينا، حاسرا عن ذراعيه ضاحكا سنّه فقلنا: أضحك الله سنّك، وأقرّ عينك، ما صنعت حميدة ؟ فقال: وهب الله لي غلاما، وهو خير من برأ الله، ولقد خبرتني عنه بأمر كنت أعلم به منها, قلت: جعلت فداك وما خبرتك عنه حميدة ؟ قال: ذكرت أنه لما وقع من بطنها وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء، فأخبرتها أن تلك أمارة رسول الله وأمارة الامام من بعده.
فقلت: جعلت فداك وما تلك من علامة الامام ؟ فقال: إنه لما كان في الليلة التي علق بجدي فيها، أتى آت جد أبي وهو راقد، فأتاه بكأس فيها شربة أرق من الماء، وأبيض من اللبن، وألين من الزبد، وأحلى من الشهد، وأبرد من الثلج, فسقاه إياه وأمره بالجماع، فقام فرحا مسرورا فجامع فعلق فيها بجدي، ولما كان في الليلة التي علق فيها بأبي أتى آت جدي فسقاه كما سقا جد أبي وأمره بالجماع فقام فرحا مسرورا فجامع فعلق بأبي، ولما كان في الليلة التي علق بي فيها، أتى آت أبي فسقاه وأمره كما أمرهم، فقام فرحا مسرورا فجامع فعلق بي، ولما كان في الليلة التي علق فيها بابني هذا، أتاني آت كما أتى جد أبي وجدي وأبي فسقاني كما سقاهم، وأمرني كما أمرهم، فقمت فرحا مسرورا بعلم الله بما وهب لي، فجامعت فعلق بابني هذا المولود، فدونكم فهو والله صاحبكم من بعدي.
عن منهال القصاب قال: خرجت من مكّة وأنا أريد المدينة، فمررت بالأبواء وقد ولد لأبي عبد الله فسبقته إلى المدينة، ودخل بعدي فأطعم الناس ثلاثا، فكنت آكل فيمن يأكل، فما آكل شيئا إلى الغد حتى أعود فآكل فمكثت بذلك ثلاثا أطعم حتى أرتفق ثم لا أطعم شيئا إلى الغد.
الإمام الكاظم (عليه السلام) وحكّام عصره
نعود الآن لنعرض ما جرى للإمام عليه السلام مع حكّام عصره من العباسيين؛ أمثال المنصور والمهدي والهادي وهارون الرشيد.
طوى عليه السلام عشر سنواتٍ من إمامته في عهد المنصور، وكانت من أقصى أيام حياته، وأشدّ أيّام الإسلام ظلاماً وشدّةً، فقد كان المنصور يلقي القبض على أصحاب الإمام مجموعةً بعد أخرى، ثم يقضي عليهم بعد أن يسومهم صنوفاً من التعذيب، ويدفن أجسادهم في السّجون سراً، وقد اكتشف الأمر بعد موته، إذ فتحت السّجون، وعثر فيها على الجثث والعظام، وعرف الناس ما ارتكبه هذا الطاغية من مظالم، في تلك السجون الرهيبة.
وبعد هلاك المنصور، خلفه ابنه الغبيّ الماجن، المهدي العباسي، وكان هذا لا يخفي عداوته لأهل بيت الرسول، غير أنّه لم يبلغ مبلغ أبيه في القسوة والتنكيل. وقد تحسن وضع المساجين قليلاً في عهده.
حاول المهدي مرّة مضايقة الإمام عليه السلام، فاستدعاه إلى بغداد، ورمى به في السجن، لكنّه بعد حلم مرعب أبصره في إحدى الليالي، سارع إلى إطلاق سراحه، وأعاده إلى المدينة مكرّماً. وقد تعدّدت لقاءاته به مراتٍ خلال حكمه القصير، وجرت بينهما في إحداها محاورة تناولت قصة «فدك»، وهي المزرعة التي قدّمها الرسول (ص)لابنته نحلةً (أي هبةً)، لكنّها انتزعت منها بعد وفاته، وتناقلها الحكام فيما بينهم.
ويروى أنّ المهدي العباسي عرض على الإمام الكاظم عليه السلام. أن يردّ له مزرعة «فدك»، فرفض قبولها. ولما سأله عن سبب رفضه أجاب بأنّه لا يقبلها إلا بحدودها، فسأله: وما حدودها؟ فأجاب: إنّي إن حددّتها لم تردّها، فألحّ عليه المهدي، فحددّها عليه السلام كما يلي:
الحدّ الأول: عدن إلى الجنوب. فتغيّر وجه المهدي، ثم قال (ع): والحد الثاني: سمرقند إلى الشرق، فاربد وجهه، ثم قال: والحدّ الثالث: إفريقية إلى الغرب، فقال المهدي: والحدّ الرابع؟ قال: سيف بحر الخزر وأرمينية. عندها قال المهدي: لم يبق لنا شيء. فتحول إلى مجلسي. (أي تفضّل واجلس مكاني على العرش). فكان جواب الإمام (ع): لقد أعلمتك بأنّي إن حدّدتها، لم تردّها.
ويتبيّن من هذه الحادثة أنّ الإمام عليه السلام، كان يرمي إلى إفهام المهدي العباسي، أنّ البلاد الإسلامية كلّها في ذلك الحين، هي حقّ لأهل بيت الرّسول (ص)، وقد اغتصبت منهم، وليس مزرعة «فدك» فحسب، وأنّ المغتصبين لها هم الحكّام العباسيّون، والأمويّون من قبلهم. وهذا معنى قوله عليه السلام: إنّي إن حدّدتها، لم تردّها. لم يدم حكم المهدي العباسي طويلاً، حيث خلفه ابنه الهادي. وكان هذا رجلاً ضعيفاً، كما كان عهده قصيراً أيضاً، وخلفه من بعده ابنه هارون الرّشيد.
سجنه ومحاولة اغتياله:
ألقى أزلام الخليفة القبض على الإمام الكاظم (عليه السلام) ، وأرسلوه مُقيداً إلى البصرة ، وقد وَكّل حسان السري بحراسته ، والمحافظة عليه. وفي الطريق التقى به عبد الله بن مرحوم الأزدي ، فدفع له الإمام (عليه السلام) كُتُباً ، وأمره بإيصالها إلى ولي عهده الإمام الرضا (عليه السلام) ، وعَرّفه بأنه (عليه السلام) الإمام من بعده. وسارت القافلة تطوي البيداء ، حتى انتهت إلى البصرة ـ وذلك قبل التروية بيوم ـ. فسلَّم حسّانُ الإمامَ (عليه السلام) إلى عيسى بن جعفر ، فحبسه في بيت من بيوت المحبس ، وأقفل عليه أبواب السجن. وكان عيسى لا يفتحها إلا في حالتين ، إحداهما خروجه (عليه السلام ) إلى الطهور ، والأخرى لإدخال الطعام إليه (عليه السلام).وأقبل الإمام (عليه السلام) على العبادة والطاعة ، فكان يصوم في النهار ويقوم في الليل ، ويقضي عامة وقته في الصلاة ، والسجود ، والدعاء ، وقراءة القرآن. واعتبرَ تَفرّغَه للعبادة من نِعَم الله تعالى عليه ، فكان (عليه السلام ) يقول: (( اللَّهم إنك تعلمُ أني كنتُ أسألك أن تُفرِّغَني لعبادتك ، اللَّهُم وقد فعلتَ ، فَلَكَ الحمدُ )).
مظاهر من شخصیة الامام الکاظم(ع)
عِلم الإمام الكاظم عليه السّلام
1هارون يسأل موسى بن جعفر عليه السّلام عن حقّهم من الخمس
كتاب الاستدراك: عن التلعكبري بإسناده عن الكاظم قال: قال لي هارون: أتقولون أن الخمس لكم ؟ قلت: نعم قال: إنه لكثير، قال: قلت: إن الذي أعطاناه علم أنه لنا غير كثير.
2 قول موسى بن جعفر عليه السلام لأبرهة النصراني: كيف علمك بكتابك ؟
مناقب ابن شهرآشوب: هشام بن الحكم قال موسى بن جعفر لأبرهة النصراني: كيف علمك بكتابك ؟ قال: أنا عالم به وبتأويله قال: فابتدأ موسى يقرأ الإنجيل فقال أبرهة: والمسيح لقد كان يقرأها هكذا، وما قرأ هكذا إلا المسيح، وأنا كنت أطلبه منذ خمسين سنة، فأسلم على يديه.
3 قال أبو حنيفة لموسى عليه السلام: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم ؟
الكافي: علي بن إبراهيم رفعه قال: خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد الله وأبو الحسن موسى عليهما السلام قائم وهو غلام، فقال له أبو حنيفة: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم ؟ فقال: اجتنب أفنية المساجد، وشطوط الأنهار، ومساقط الثمار ومنازل النزال، ولا تستقبل القبلة بغائط، ولا بول، وارفع ثوبك، وضع حيث شئت.
4 جواب موسى بن جعفر عليه السلام لعبد الصمد بن علي لركوبه البغلة
الكافي: علي بن إبراهيم أو غيره رفعه قال: خرج عبد الصمد بن علي ومعه جماعة فبصر بأبي الحسن مقبلا راكبا بغلا فقال لمن معه: مكانكم حتى أضحككم من موسى بن جعفر، فلما دنا منه قال له: ما هذه الدابة التي لا تدرك عليها الثأر، ولا تصلح عند النزال ؟ فقال له أبو الحسن: تطأطأت عن سمو الخيل وتجاوزت قموء العير، وخير الأمور أوسطها. فأفحم عبد الصمد فما أحار جوابا.
5 قول نفيع الأنصاري لموسى بن جعفر عليه السّلام: مَن أنت ؟
الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة: قال: قال نفيع الأنصاري لموسى بن جعفر ـ وكان مع عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز فمنعه من كلامه فأبى ـ: من أنت ؟ فقال: إن كنت تريد النسب فأنا ابن محمد حبيب الله، ابن إسماعيل ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله، وإن كنت تريد البلد فهو الذي فرض الله على المسلمين وعليك إن كنت منهم الحج إليه، وإن كنت تريد المناظرة في الرتبة فما رضي مشركوا قومي مسلمي قومك أكفاءا لهم حين قالوا: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش، فانصرف مخزيا.
كرامات الإمام الكاظم عليه السّلام
1 عن سليمان بن عبد الله قال: كنت عند أبي الحسن موسى قاعدا فاتي بامرأة قد صار وجهها قفاها فوضع يده اليمنى في جبينها ويده اليسرى من خلف ذلك، ثم عصر وجهها عن اليمين ثم قال: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "
فرجع وجهها فقال: احذري أن تفعلين كما فعلت قالوا: يا ابن رسول الله وما فعلت ؟ فقال: ذلك مستور إلا أن تتكلم به، فسألوها فقالت: كانت لي ضرة فقمت أصلي فظننت أن زوجي معها، فالتفت إليها فرأيتها قاعدة وليس هو معها، فرجع وجهها على ما كان.
2عن علي بن جعفر قال: أخبرتني جارية لأبي الحسن موسى وكانت توضئه، وكانت خادما صادقا قالت: وضأته بقديد وهو على منبر وأنا أصب عليه الماء، فجرى الماء على الميزاب فإذا قرطان من ذهب فيهما در ما رأيت أحسن منه فرفع رأسه إلي فقال: هل رأيت ؟ فقلت: نعم، فقال: خمريه بالتراب ولا تخبرين به أحدا، قالت: ففعلت وما أخبرت به أحدا حتى مات وعلى آبائه والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته.
3 عن عثمان بن عيسى قال: قلت لأبي الحسن الأول إن الحسن بن محمد له إخوة من أبيه، وليس يولد له ولد إلا مات، فادع الله له فقال: قضيت حاجته، فولد له غلامان.
4 عن الوشاء قال: حججت أيام خالي إسماعيل بن إلياس فكتبنا إلى أبي الحسن الأول فكتب خالي: إن لي بنات وليس لي ذكر وقد قل رجالنا، وقد خلفت امرأتي وهي حامل فادع الله أن يجعله غلاما وسمه، فوقع في الكتاب: قد قضى الله تبارك وتعالى حاجتك وسمه محمدا. فقدمنا الكوفة وقد ولد لي غلام قبل دخولي الكوفة بستة أيام، ودخلنا يوم سابعه قال أبو محمد: فهو والله اليوم رجل له أولاد.
عبادة الإمام الكاظم عليه السّلام
1الحسين بن سعيد أو النوادر: إبراهيم بن أبي البلاد قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: إني أستغفر الله في كل يوم خمسة آلاف مرة.
2عن حفص قال: ما رأيت أحدا أشد خوفا على نفسه من موسى بن جعفر ولا أرجى للناس منه وكانت قراءته حزنا فإذا قرأ فكأنه يخاطب إنسانا.
3 اليوناني كانت لموسى بن جعفر - بضع عشرة سنة - كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال، وكان أحسن الناس صوتا بالقرآن فكان إذا قرأ يحزن، وبكى السامعون لتلاوته، وكان يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع.
4 عن هشام ابن أحمر قال: كنت أسير مع أبي الحسن عليه السلام في بعض أطراف المدينة إذ ثنى رجله عن دابته فخر ساجدا فأطال وأطال، ثم رفع رأسه وركب دابته فقلت: جعلت فداك قد أطلت السجود ؟ ! فقال: إنني ذكرت نعمة أنعم الله بها علي فأحببت أن أشكر ربي.
5 عن أبي الوضاح محمد ابن عبد الله النهشلي، عن أبيه قال: سمعت الامام أبا الحسن موسى بن جعفر يقول: التحدث بنعم الله شكر، وترك ذلك كفر، فارتبطوا نعم ربكم تعالى بالشكر وحصنوا أموالكم بالزكاة، وادفعوا البلاء بالدعاء، فإن الدعاء جنة منجية ترد البلاء وقد أبرم إبراما.
زهد وحلم الإمام الكاظم عليه السلام
1عن موسى بن بكر قال: ما أحصى ما سمعت أبا الحسن موسى صلوات الله عليه ينشد:
فان يك يا أميم علي دين * فعمران بن موسى يستدين.
2عن إبراهيم بن عبد الحميد قال: دخلت على أبي الحسن الأول في بيته الذي كان يصلي فيه، فإذا ليس في البيت شئ إلا خصفة وسيف معلق، ومصحف.
3 عن ربيع بن عبد الرحمان قال: كان والله موسى بن جعفر من المتوسمين يعلم من يقف عليه بعد موته، ويجحد الامام بعده إمامته، فكان يكظم غيظه عليهم، ولا يبدي لهم ما يعرفه منهم، فسمي الكاظم لذلك.
4علي بن جعفر قال: خرجنا مع أخي موسى بن جعفر في أربع عمر يمشي فيها إلى مكة بعياله وأهله، واحدة منهن مشى فيها ستة وعشرين يوما، وأخرى خمسة وعشرين يوما، وأخرى أربعة وعشرين يوما وأخرى أحدا وعشرين يوما.
5 ذكر ابن عمارة وغيره من الرواة أنه لما خرج الرشيد إلى الحج وقرب من المدينة استقبله الوجوه من أهلها يقدمهم موسى بن جعفر على بغلة، فقال له الربيع: ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أمير المؤمنين ؟ وأنت إن تطلب عليها لم تلحق وإن طلبت عليها لم تفت فقال: إنها تطأطأت عن خيلاء الخيل، وارتفعت عن ذلة العير، وخير الأمور أوساطها.
إحسانه إلى الناس:
كان الإمام (عليه السلام) بارّاً بالمسلمين محسناً إليهم ، فما قصده أحد في حاجة إلاّ قام بقضائها ، فلا ينصرف منه إلاّ وهو ناعم الفكر مثلوج القلب ، وكان (عليه السلام) يرى أن إدخال الغبطة على الناس وقضاء حوائجهم من أهم أفعال الخير ، فلذا لم يتوان قط في إجابة المضطر ، ورفع الظلم عن المظلوم ، وقد أباح لعلي بن يقطين الدخول في حكومة هارون ، وجعل كفّارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان مبرّراً له ، وقد فزع إليه جماعة من المنكوبين فكشف آلامهم وملأ قلوبهم رجاءً ورحمة.
ومن هؤلاء الذين أغاثهم الإمام (عليه السلام) شخص من أهالي الري كانت عليه أموال طائلة لحكومة الري فلم يتمكّن من أدائها ، وخاف على نعمته أن تسلب منه ، فأخذ يطيل الفكر فيما يعمل ، فسأل عن حاكم الري ، فأخبر أنّه من الشيعة ، فطوى نيّته على السفر إلى الإمام ليستجير به ، فسافر إلى المدينة فلمّا انتهى إليها تشرّف بمقابلة الإمام (عليه السلام) فشكى إليه حاله ، فزوده (عليه السلام) برسالة إلى والي الري جاء فيها بعد البسملة: (( اعلم أنّ لله تحت عرشه ظلاً لا يسكنه إلاّ من أسدى إلى أخيه معروفاً ، أو نفّس عنه كربة ، أو أدخل على قلبه سروراً ، وهذا أخوك والسلام )).
وأخذ الرسالة ، وبعد أدائه لفريضة الحج ، اتّجه إلى وطنه ، فلمّا وصل ، مضى إلى الحاكم ليلاً ، فطرق عليه باب بيته فخرج غلامه ، فقال له: من أنت ؟
قال: رسول الصابر موسى.
فهرع إلى مولاه فأخبره بذلك ، فخرج حافي القدمين مستقبلاً له ، فعانقه وقبّل ما بين عينيه ، وجعل يكرّر ذلك ، ويسأله بلهفة عن حال الإمام (عليه السلام) ، ثمّ إنّه ناوله رسالة الإمام فقبّلها وقام لها تكريماً ، فلمّا قرأها أحضر أمواله وثيابه فقاسمه في جميعها ، وأعطاه قيمة ما لا يقبل القسمة ، وهو يقول له: يا أخي هل سررتك ؟
فقال له: أي والله وزدت على ذلك.
ثمّ استدعى السجل فشطب على جميع الديون التي عليه ، وأعطاه براءة منها ، وخرج الرجل وقد طار قلبه فرحاً وسروراً ، ورأى أن يجازيه على إحسانه ومعروفه ، فيمضي إلى بيت الله الحرام فيدعو له ، ويخبر الإمام (عليه السلام) بما أسداه إليه من البر والمعروف ، ولمّا أقبل موسم الحج مضى إليه ثمّ اتّجه إلى يثرب فواجه الإمام (عليه السلام) وأخبره بحديثه ، فسرّ (عليه السلام) بذلك سروراً بالغاً ، فقال له الرجل: يا مولاي: هل سرّك ذلك ؟
فقال الإمام (عليه السلام): (( إي والله ! لقد سرّني ، وسرّ جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولقد سرّ الله تعالى )) ، وقد دلّ ذلك على اهتمامه البالغ بشؤون المسلمين ، ورغبته الملحّة في قضاء حوائج الناس.
جوده (عليه السلام):
كان الإمام الكاظم (عليه السلام) من أندى الناس كَفاً ، ومن أكثرهم عطاءً للبائسين والمحرومين.
ومن الجدير بالذكر أنه (عليه السلام) كان يتطلّب الكتمان وعدم ذيوع ما يعطيه ، مبتغياً بذلك الأجر عند الله تعالى.
ويقول الرواة: أنه (عليه السلام) كان يخرج في غَلَسِ الليل البهيم ، فيوصل البؤساء والضعفاء وهم لا يعلمون من أي جهة تَصِلهم هذه المَبَرّة.
وكانت صِلاته لهم تتراوح ما بين المائتين دينار إلى الأربعمائة دينار ، وكان أهله يقولون: عَجَباً لمن جاءته صرار موسى (عليه السلام) وهو يشتكي القلة والفقر.
وقد حفلت كتب التاريخ ببوادر كثيرة من الحاجة والسؤال ، ويجمع المترجمون له أنه (عليه السلام) كان يرى أنّ أحسَنَ صرفٍ للمال هو ما يَردّ به جوعُ جائع أو يكسو به عارياً.
محنتـه وشهادتـه
بعد محنة أبي عبد اللـه الحسين (ع) ، وأكثر من سائر أئمة الـهدى من أهل بيت الرسول ، كانت محنة أبي إبراهيم موسى بن جعفر (ع) شديدة وأليمة . لقد كان الرّشيد يترصده ولا يقدر عليه ، ولعله كان يخشى من بعث جيش إليه خوف انقلابه وتحوله إلى صفِّه ، وكانت السرّية التي عمل بها الرساليون تجعل السلطات لا تثق بأقرب الناس إليهم ، فهذا علي بن يقطين وزير الرّشيد ، وذاك وزيره الآخر جعفر بن محمد بن الأشعث شيعيان ، كما كان من بين قيادات جيشه ، وأبرز ولاته على الأمصار من يخفي ولائه لآل البيت (ع) ، فلذلك قرر الذهاب بنفسه إلى المدينة ، لإلقاء القبض عليه ، وأخذ معه قوّاته الخاصة ، بالإضافة إلى جيش من الشعراء ، وعلماء السلاطين ، والمستشارين و. و. كما أنه حمل معه الملايين مما سرقه من المحرومين ، فقسّمها بين الناس لشراء سكوتهم .
وخص منهم رؤساء القبائل ووجوه وأعيان المعارضة .
هكذا ذهب الرّشيد إلى المدينة ليلقي القبض على أعظم معارضي سلطانه الغاصب ، لننظر ما فعل :
أولاّ : جلس عدة أيام يستقبل الناس ويأمر لهم بالصِّلات السخية ، حتى أشبع بطون المعارضين ، ممن كانت معارضتهم للسلطة لأسباب شخصية ومصالح خاصة .
ثانياً : بعث في البلد من يبث الدعايات ضد أعداء السلطان ، وأغرى الشعراء وعملاء السلطة من أدعياء الدين بمدح السلطان وإصدار الفتاوى بحرمة محاربته .
ثالثاً : استعرض قوّته لأهل المدينة لكي لا يفكر أحد بمقاومته في هذا الوقت بالذات .
رابعاً : وحينما أكمل استعداده قام شخصياً بتطبيق البند الأخير من خطته الإرهابية ، فدخل مسجد رسول اللـه ، ربما في وقت يجتمع الناس لأداء الفريضة ، ولا يتخلف عنهـم - بالطبـع - الإمام موسـى بن جعفـر (ع.(
ثم تقدم إلى قبر الرسول وسلم عليه : وقال : السلام عليك يا رسول اللـه ، يا ابن عم .
وكان هدفه إثبات شرعية خلافته لرسول اللـه ، لتكون سبباً وجيهاً لاعتقال الإمام (ع) ، ولكن الإمام فوّت عليه هذه الفرصة ، وشق الصفوف حتى تقدمها وتوجه إلى القبر الشريف وقال في ذهول الجميع : السلام عليك يا رسول اللـه ، السلام عليك يا جدّاه .
فلإن كان رسول اللـه ابن عمك يا سلطان الجور ، وإنّك تدّعي شرعية سلطتك بانتمائك النسبي لرسول اللـه (ص) ، فإنه أقرب إليّ ، فهو جدي وأنا أحقَّ بخلافته منك .
ولكن الرّشيد استدرك الموقف وقال وهو يبرّر عزمه على اعتقال الإمام بالقول :
بأبي أنت وأمي يا رسول اللـه ، إني أعتذر إليك من أمر عزمت عليه ، وإني أريد أن آخذ موسى بن جعفر فأحبسه ، لأني قد خشيت أن يلقي بين أمتك حرباً تسفك فيها دماؤهم .
فلما كان اليوم التالي أرسل إليه الفضل بن الربيع وهو قائم يصلي في مقام رسول اللـه ، فأمر بالقبض عليه وحبسه .
وأخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان هو في أحدهما ، ووجّه مع كل واحدة منهما خيلاً فأخذ بواحدة على طريق البصرة ، والأخرى على طريق الكوفة ، ليعمي على الناس امره ، وكان الإمام في القبة التي مضت على البصرة ، وأمر الرسول أن يسلم إلى عيسى بن جعفر بن المنصور ، وكان والياً يومئذ على البصرة فمضى به فحبسه عنده سنة .
ثم كتب إلى الرّشيد أن خذه منّي ، وسلّمه إلى من شئت ، وإلاّ خلّيت سبيله ، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة ، فما أقدر على ذلك ، حتى أني لأتسمّع عليه إذا دعا لعله يدعو عليّ أو عليك فما أسمعه يدعو إلاّ لنفسه ، يسأله الرحمة والمغفرة ، فوجّه من تسلمه منه ، وحبسه عند الفضل بن الربيع ببغداد ، فبقي عنده مدة طويلة ، وأراده الرّشيد على شيء من أمره فأبى ، فكتب بتسليمه إلى الفضل بن يحيى ، فتسلّمه منه وأراد ذلك منه فلم يفعل ، وبلغه أنه عنده في رفاهية وسعة ، وهو حينئذ بالرقة .
فأنفذ مسروراً الخادم إلى بغداد على البريد ، وامره أن يدخل من فوره إلى موسى بن جعفر (ع) فيعرف خبره ، فإن كان الأمر على ما بلغه أوصل كتاباً منه إلى العباس بن محمد وأمره بامتثاله ، وأوصل منه كتاباً آخر إلى السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس.
وتنقل الروايات التاريخية : أن الإمام (ع) كان يتصل بشيعته وأهل دعوته من السجون التي يتناقل فيها ، ويأمرهم بأمره ، كما انه كان يجيب عن مسائلهم السياسية ، والفقهية .
وقد نتساءل : كيف كان (ع) يتصل بهم ، لعله بطرق غيبية ، ولكن أحاديث كثيرة تبيّن لنا أن أكثر من سجن عندهم الإمام (ع) قالوا بإمامته ، بالرغم من أن السلطة كانت تختار سجّانه من بين أغلظ الناس وأكثرهم ولاءً لها ، لما كانوا يرونه فيه من شدة الإجتهاد في العبادة ، وغزارة العلم ومكارم الأخلاق ، ولما كانوا يرونه منه من كرامات .
من مواعظ وحکم الإمام الکاظم علیه السلام
روی عن الکاظم علیه السلام أنه قال: صلاة النوافل قربانٌ الى الله لکل مؤمن.
والحج جهاد کل ضعیف.ولکل شیء زکاة، وزکاة الجسد صیام النوافل.
ومن دعا قبل الثناء على الله والصلاة على النبی صلى الله علیه وآله کان کمن رمى بسهم بلا وتر.
ومن أیقن بالخلف جاد بالعطیة، وما عال امرىً اقتصد. والتدبیر نصف العیش. والتودّد الى الناس نصف العقل. وکثرة الهم یورث الهرم، والعجلة هی الخرق. وقلة العیال أحد الیسارین. ومن أحزن والدیه فقد عقّهما.ومن ضرب بیده على فخذه، أو ضرب بیده الواحدة على الاُخرى عند المصیبة فقد حبط أجره، والمصیبة لا تکون مصیبة یستوجب صاحبها أجرها إلاّ بالصبر. والاسترجاع عند الصدمة.
والصنیعة لا تکون صنیعة إلاّ عند ذی دین أو حسب.والله ینزل المعونة على قدر المؤونة، وینزل الصبر على قدر المصیبة.ومن اقتصد وقنع بقیت علیه النعمة، ومن بدر وأسرف زالت عنه النعمة.وأداء الأمانة والصدق یجلبان الرزق، والخیانة والکذب یجلبان الفقر والنفاق.
واذا أراد الله بالذرة شراً أنبت لها جناحین فطارت فأکلها الطیر.
ومن عجّل ما وعد فقد هنئ العطیّة.
وقال علیه السلام: کلّما أحدث الناس من الذنوب مالم یکونوا یعملون أحدث الله لهم من البلاء مالم یکونوا یعدّون.
وقال علیه السلام: إذا کان الإمام عادلا کان له الأجر وعلیک الشکر وإذا کان جائراً کان علیه الوزر وعلیک الصبر.
ورأى رجلین یتسابّان فقال علیه السلام: البادی أظلم ووزره ووزر صاحبه علیه مالم یعتد المظلوم.
source : www.abna.ir