یعتبر الإمام موسی الکاظم علیه السلام من العترة الطاهرة الذین قرنهم الرسول الأعظم (صلی الله علیه وآله وسلم) بمحكم التنزيل وجعلهم قدوة لأُولي الألباب وسفنا للنجاة وأمنا للعباد وأركانا للبلاد.
نبذة عن الامام موسی الکاظم(ع)
الإمام موسي بن جعفر المعروف بالكاظم الغيظ سابع أئمة المسلمين بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأحد أعلام الهداية الربّانية في دنيا الإسلام وشمس من شموس المعرفة في دنيا البشرية التي لا زالت تشع نورا وبهاءً في هذا الوجود.
إنّه من العترة الطاهرة الذين قرنهم الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله وسلم) بمحكم التنزيل وجعلهم قدوة لأُولي الألباب وسفنا للنجاة وأمنا للعباد وأركانا للبلاد.
إنّه من شجرة النبوة الباسقة والدوحة العلوية اليانعة ومحطّ علم الرسول وباب من أبواب الوحي والإيمان ومعدن من معادن علم اللّه .
ولد الإمام موسي بن جعفر في نهاية العهد الاُموي سنة ( 128 هــ)1 وعاصر أيّام إنهيار هذا البيت الذي عاث باسم الخلافة النبويّة في أرض الإسلام فسادا.
وعاصر أيضا بدايات نشوء الحكم العبّاسي الذي استولي علي مركز القيادة في العالم الإسلامي تحت شعار الدعوة الي الرّضا من آل محمّد (صلي اللّه عليه وآله وسلم)2.
وعاش في ظلّ أبيه الصادق (عليه السلام) عقدين من عمره المبارك وتفيّأ بظلال علوم والده الكريم ومدرسته الربّانية التي استقطبت بأشعتها النافذة العالم الإسلامي بل الإنساني أجمع .
فعاصر حكم السفّاح ثم حكم المنصور الذي اغتال أباه في الخامس والعشرين من شوال سنة ( 148 هــ )3 وتصدّي لمنصب الإمامة بعد أبيه الصادق (عليه السلام) في ظروف حرجة كان يخشي فيها علي حياته.
لقد بقي هذاالإمام العظيم ثابتا مقاوماً علي خط الرسالة والعقيدة لا تأخذه في اللّه لومة لائم حتي قضي نحبه مسموما شهيدا محتسبا حياته مضحّيا بكل ما يملك فيسبيل اللّه وإعلاءا لكلمة الله ودين جدّه المصطفي محمّد (صلي الله عليه وآله وسلم) في الخامس والعشرين من رجب سنة ( 183)5 أو ( 186 ه 4.
فسلام عليه يوم ولد ويوم جاهد فيسبيل اللّه ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.
نشأة الامام موسی الکاظم(ع)
هو سابع أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، الكبير القدر العظيم الشأن، الجاد في العبادة المشهور بالكرامات، الكاظم الغيظ والعافي عن الناس، العبد الصالح وباب الحوائج الي اللّه كما هو المعروف عند أهل العراق.
1 ـ الأب : هو سادس أئمة أهل البيت بعد الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) أبو عبدالله جعفر ابن محمّد الصادق معجزة الإسلام ومفخرة الإنسانية علي مرّ العصور وعبر الأجيال، لم تسمع الدنيا بمثله فضلاً ونبلاً وعلما وكمالاً.
2 ـ الاُم : لقد كانت اُم الإمام موسي الكاظم (عليه السلام) من تلكم النسوة اللآتي جلبن لأسواق يثرب وقد خصّها اللّه بالفضل وعناها بالشرف فصارت وعاءً للإمامة والكرامة وتزوّج بها أبو عبداللّه ، فكانت من أعزّ نسائه وأحبّهن إليه، وآثرهن عنده.
واختلف الالمورّخون اختلافاً كثيراً في نسبها فقيل انّها أندلسية، وتكنّي لؤلؤة5 وقيل إنّها رومية6، وقيل إنّها من أجلّ بيوت الأعاجم7، وكانت السيدة حميدة تعامل في بيتها معاملة كريمة، فكانت موضع عناية وتقدير عند جميع العلويات، كما أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) كان يغدق عليها بمعروفه، وقد رأي فيها وفور العقل والكمال، وحسن الإيمان وأثني عليها ثناءاً عاطراً، فقال فيها: «حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب، مازالت الأملاك تحرسها حتي اُديت إليّ كرامة من اللّه وللحجة من بعدي...»8، وقد غذّاها الإمام الصادق بعلومه حتي أصبحت في طليعة نساء عصرها علماً وورعاً وإيماناً، وعهد إليها بتفقيه النساء المسلمات وتعليمهن الأحكام الشرعية5، وأجدر بها أن تحتل هذه المكانة، وأن تكون من ألمع نساء عصرها في العفّة والفقه والكمال.
3 ـ الوليد المبارك : امتدّ الزمن بعد زواج الإمام بها، وسافر الإمام أبو عبداللّه الي بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج، فحملها معه، وبعد الانتهاء من مراسيمه قفلوا راجعين الي يثرب، فلمّا انتهوا الي «الأبواء»9. أحسّت حميدة بالطلق فأرسلت خلف الإمام تخبره بالأمر، لأنه قد عهد إليها أن لا تسبقه بشأن وليده، وكان أبو عبدالله يتناول طعام الغداء مع جماعة من أصحابه، فلما وافاه النبأ المسرّ قام مبادرا إليها فلم يلبث قليلاً حتي وضعت حميدة سيدا من سادات المسلمين، وإماما من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) .
لقد أشرقت الدنيا بهذا المولود المبارك الذي ما ولد ـ فيعصره ـ أيمن، ولا أكثر عائدة ولطفا علي الإسلام منه.
لقد ولد أبرّ الناس، وأعطفهم علي الفقراء، وأكثرهم عناءا ومحنة في سبيل الله وأعظمهم عبادة وخوفا من اللّه .
وبادر الإمام أبو عبدالله فتناول وليده فأجري عليه مراسيم الولادة الشرعية فأذّن في اُذنه اليمني، وأقام فياليسري.
وانطلق الإمام أبو عبد الله عائدا الي أصحابه، وقد علت علي ثغره ابتسامة فبادره أصحابه قائلين:
أسرّك الله، وجعلنا فداك ،يا سيدنا ما فعلت حميدة ؟
فبشرهم بمولوده المبارك، وعرّفهم عظيم أمره قائلاً :
«قد وهب الله لي غلاما، وهو خير من برأ الله».
أجل انه خير من برأ الله علماً وتقويً وصلاحاً، وتحرّجا فيالدين وأحاط الإمام أصحابه علما بأن وليده من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين فرض الله طاعتهم علي عباده قائلاً لهم:
«فدونكم، فوالله هو صاحبكم»10.
وكانت ولادته في سنة ( 128 ه )11 وقيل سنة ( 129 ه)12 وذلك في أيّام حكم عبد الملك بن مروان.
4 ـ حب وتكريم : وقطع الإمام موسي شوطا من طفولته وهو ناعم البال يستقبل الحياة كل يوم بحفاوة وتكريم، فأبوه يغدق عليه بعطفه المستفيض ، وجماهير المسلمين تقابله بالعناية والتكريم ، وقد قدمه الإمام الصادق (عليه السلام) علي بقية ولده، وحمل له من الحبّ ما لا يحمله لغيره، فمن مظاهر ودّه أنه وهب له قطعة من أرض تسمي البسرية، كان قد اشتراها بستةٍ وعشرين ألف ديناراً13.
وتكلّم الإمام موسي وهو طفل بكلام أثار إعجاب أبيه فاندفع أبوه قائلاً:
«الحمد لله الذي جعلك خلفا من الآباء، وسرورا من الأبناء، وعوضا عن الأصدقاء»14.
مظاهر من شخصیة الامام الکاظم(ع)
غزارة علمه
لقد شهد للإمام موسي الكاظم (عليه السلام) بوفور علمه أبوه الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) إذ قال عنه:
«إنّ ابني هذا لو سألته عمّا بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم»15.
وقال أيضاً: «وعنده علم الحكم، والفهم والسخاء، والمعرفة بما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم»16.
ويكفي لمعرفة وفور علومه رواية العلماء عنه جميع الفنون من علوم الدين وغيرها مما ملأوا به الكتب، وأ لّفوا المؤلّفات الكثيرة، حتي عرف بين الرواة بالعالم.
وقال الشيخ المفيد: وقد روي الناس عن أبي الحسن موسي فأكثروا، وكان أفقه أهل زمانه17.
زهده
كان الإمام فيطليعة الزاهدين فيالدنيا والمعرضين عن نعيمها وزخارفها فقد اتجه الي اللّه ورغب فيما أعدّه له فيدار الخلود من النعيم والكرامة، وقد حدثنا عن مدي زهده إبراهيم بن عبد الحميد فقال: دخلت عليه فيبيته الذي كان يصلي فيه، فاذا ليس في البيت شيء سوي خصفة، وسيف معلق، ومصحف18، لقد كان عيشه زهيدا، وبيته بسيطا فلم يحتو علي شيء حتي من الأمتعة البسيطة التي تضمها بيوت الفقراء الأمر الذي دل علي تجرده من الدنيا، وإعراضه عنها. علي أنه كانت تجبي له الأموال الطائلة، والحقوق الشرعية من العالم الشيعي، بالاضافة الي أنه كان يملك البسرية19 وغيرها من الأراضي الزراعية التي تدر عليه بالأموال الخطيرة، وقد أنفق جميع ذلك بسخاء علي البائسين والمحرومين في سبيل اللّه وابتغاء مرضاته، وكان (عليه السلام) دوما يتلو علي أصحابه سيرة أبي ذر الصحابي العظيم الذي ضرب المثل الأعلي لنكران الذات والتجرد عن الدنيا والزهد في ملاذها، فقا (عليه السلام):
«رحم اللّه أبا ذر . فلقد كان يقول: جزي اللّه الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير، أتغدي بأحدهما، وأتعشي بالآخر، وبعد شملتَي الصوف أئتزر بإحدااهما وارتدي بالاُخري...»20.
جوده و سخاءه
لقد تجلّي الكرم الواقعي، والسخاء الحقيقي فيالإمام فكان مضرب المثل في الكرم والمعروف، فقد فزع إليه البائسون والمحرومون لينقذهم من كابوس الفقر وجحيم البؤس وقد أجمع الالمورّخون أنه أنفق (عليه السلام) جميع ما عنده عليهم كل ذلك فيسبيل اللّه لم يبتغ من أحد جزاءا أو شكوراً، وكان (عليه السلام) في صِلاته يتطلب الكتمان وعدم الذيوع لئلا يشاهد علي الآخذ ذلة الحاجة، وكان يلتمس في ذلك وجه اللّه ورضاه، ولهذا كان يخرج فيغلس الليل البهيم فيصل الطبقة الضعيفة ببرّه وإحسانه وهي لا تعلم من أيّ جهة تصلها تلك المبرة، وكان يوصلهم بصراره التي تتراوح ما بين المائتي ديناراً الي الأربعمائة ديناراً21 وكان يضرب المثل بتلك الصرار فكان أهله يقولون:
«عجبا لمن جاءته صرار موسي وهو يشتكي القلة والفقر!!»22.
وبلغ من عطفه المستفيض أنه إذا بلغه عن شخص يؤذيه ويسيء إليه بعث له بصرّة فيها ألف ديناراً23 . وقد قامت هباته السرية وصلاته الخفية بإعاشة فقراء المدينة، فكانوا جميعا يرتعون بنعمته ويعيشون من عطاياه.
وحدّث عيسي بن محمّد القرطي قال : «زرعت بطيخا وقثاءً وقرعا24في موضع بالجوّانيّة25 علي بئر يقال لها اُم عضام.
فلمّا استوي الزرع بغتني الجراد، فأتي علي الزرع كلّه، وكنت قد غرمت عليه مع ثمن جملين مائة وعشرين ديناراً. فبينما أنا جالس إذ طلع عليّ الإمام موسي بن جعفر (عليه السلام) فسلّم ثم قال لي: كيف حالك؟
فقلت: أصبحت كالصريم بغتني الجراد فأكل كل زرعي .
فقال: كم غرمت فيه؟
فقلت: مائة وعشرين ديناراً مع ثمن الجملين.
فالتفت (عليه السلام) لعرفة وقال له: زن لابن المغيث مائة وخمسين ديناراً. ثم قال لعيسي: فربحك ثلاثون ديناراً مع الجملين»26.
حلمه
وكان الحلم من أبرز صفات الإمام موسي (عليه السلام) فقد كان مضرب المثل في حلمه وكظمه للغيظ، وكان يعفو عمن أساء إليه، ويصفح عمن اعتدي عليه، ولم يكتف بذلك وإنّما كان يحسن لهم ويغدق عليهم بالمعروف ليمحو بذلك روح الشر والانانية من نفوسهم، وقد ذكر الالمورّخون بوادر كثيرة من حلمه فقد رووا: «أن شخصا من احفاد عمر بن الخطاب كان يسيء للإمام، ويكيل السب والشتم لجده أمير المؤمنين (عليه السلام) فأراد بعض شيعة الإمام اغتياله فنهاهم (عليه السلام) عن ذلك ورأي أن يعالجه بغير ذلك فسأل عن مكانه فقيل: أنه يزرع في بعض نواحي المدينة، فركب (عليه السلام) بغلته ومضي إليه متنكرا، فوجده في مزرعته فأقبل نحوه، فصاح به: لا تطأ زرعنا واستمر الإمام حتي وصل إليه، ولمّا انتهي إليه جلس الي جنبه وأخذ يلاطفه ويحدّثه بأطيب الحديث، وقال له بلطف ولين :
ـ كم غرمت في زرعك هذا ؟
- مائة ديناراً .
- كم ترجو أن تصيب منه ؟ .
- أنا لا أعلم الغيب ! !
- إنّما قلت لك : كم ترجو أن يجيئك منه ؟
- أرجو أن يجيئني منه مائتا دينار .
فأعطاه (عليه السلام) ثلاثمائة ديناراً، وقال: هذه لك وزرعك علي حاله فتغير العمري، وخجل من نفسه علي ما فرط من قبل فيحق الإمام، وتركه (عليه السلام) ومضي الي الجامع النبوي، فوجد العمري قد سبقه، فلما رأي الإمام مقبلاً قام إليه تكريما وانطلق يهتف:
(اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) في من يشاء».
فبادر إليه أصحابه منكرين عليه هذا الانقلاب، فأخذ يخاصمهم، ويتلو عليهم مناقب الإمام ومآثره، ويدعو له، فالتفت (عليه السلام) إلي أصحابه قائلاً:
أيّما كان خيرا؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار؟»27.
مراحل حیاة الامام الکاظم(ع)
تبعا لطبيعة الظروف التي مرّ بها الإمام الكاظم (عليه السلام) في حياته تنقسم الدراسة عن حياته الي ثلاث مراحل متميّزة:
المرحلة الاُولي : إذا اعتبرنا المرحلة الاُولي من حياة الإمام (عليه السلام) هي مرحلة ما قبل التصدي للإمامة الشرعية أي منذ ولادته في سنة (128) أو (129 ه ) حتي استشهاد أبيه الصادق (عليه السلام) سنة (148 ه ) .
فالمرحلة الاُولي : هي مرحلة نشأته وحياته في ظلّ أبيه (عليهما السلام) وحيث تناهز العقدين من عمره الشريف. وقد تميزت هذه المرحلة بظهور علمه الربّاني وقدرته الفائقة علي الحوار والحجاج حتي أفحم مثل أبي حنيفة وهو صبي لم يتجاوز نصف العقد الواحد من عمره المبارك.
المرحلة الثانية : وتبدأ بتسلّمه لزمام الأُمور الدينية (العلمية والسياسية والتربوية) بعد استشهاد أبيه فيظروف سياسيّة قاسية كان يخشي فيها علي حياته المباركة حتي اضطرالإمام الصادق (عليه السلام) لأن يجعله واحدا من خمسة أوصياء فيوصيته المشهورة التي بدّد فيها تخطيط المنصور لاغتيال وصي الإمام الصادق (عليه السلام).
واستمرت هذه المرحلة حتي مات المنصور سنة (158 ه ) واستولي المهدي ثم الهادي سنة (169 ه ) علي مركز السلطة فهي تبلغ حوالي عقدين أو مايزيد عليهما بقليل وكانت مرحلة انفراج نسبي لأهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم سيما في عهد المهدي العباسي.
المرحلة الثالثة : وهي مرحلة معاصرته لحكم الرشيد حيث استولي علي زمام الحكم سنة (170 ه ) وهو المعروف بحقده للعلويين بعد أخيه الهادي وأبيه المهدي. واستمرت هذه المرحلة حتي سنة (183 ه ) وهي سنة استشهاد الإمام الكاظم بيد أحد عمّال الرشيد . وهذه المرحلة هي من أحرج مراحل حياة الإمام (عليه السلام) وأدقّها من حيث تشديد التضييق عليه، ولم ينته العقد الأوّل من حكم الرشيد إلاّ والإمام فيمطامير سجونه، تارة فيالبصرة واُخري في بغداد. وتميّزت هذه السنوات العجاف بالتخطيط المستمر من قبل الرشيد لادانة الإمام (عليه السلام) والسعي المتواصل لسجنه واغتياله.
وقد أخذ الإمام يكثّف نشاطه ضد الحكم القائم. فيما إذا قيس الي مواقفه من المنصور والمهدي وانتهت هذه المرحلة بالتضييق والتشديد علي أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم والإمام الكاظم بشكل خاص بالرغم من عدم قيام العلويين بالثورة ضد هارون الرشيد. ولكن الإمام قد استثمر كل طاقاته لبلوغ أهدافه رغم حراجة الظرف وتشديد القبضة علي العلويين. وكان الإمام فيها يعلم بسياسة هارون وقراره النهائي باغتيال الإمام (عليه السلام) مهما كلّف الأمر حتي أنّه لم يتقبل وساطة أيّ واحد من مقربي بلاطه.
وانتهت هذه المرحلة بمقاومة الإمام (عليه السلام) وثباته علي مواقفه وعدم تنازله عند رغبات الرشيد ومحاولاته لاستذلال الإمام (عليه السلام) بشكل وآخر لتركيعه أمام جبروته لقاء تنفّسه هواء الحرية خارج السجن.
ولكن الإمام باشر مهامه بكل إحكام واتقان وأوصي الي ابنه الرضا وضمن للجماعة الصالحة استمرار المسيرة، وقضي مسموما مظلوماً صابرا محتسبا. مكللاً جهاده بالشهادة في سبيل اللّه تعالي.
تأريخ الاستشهاد : استشهد مظلوما في حبس السندي بن شاهك في 25 من رجب سنة (183 ه ) ودفن في مقابر قريش في بغداد28.
شهادته(عليه السلام)
عهد هارون إلى السندي باغتيال الإمام(عليه السلام)، فدسّ له سُمّاً فاتكاً في رطب، وأجبره السندي على تناوله، فأكل(عليه السلام) منه رطبات يسيرة، فقال له السندي: زِد على ذلك، فرمقه الإمام(عليه السلام) بطرفه وقال له: «حَسبُكَ، قد بَلغتُ ما تحتاجُ إليه»(2).
وتفاعل السمّ في بدنه(عليه السلام)، وأخذ يعاني الآلام القاسية، وقد حفّت به الشرطة القُساة، ولازمه السندي، وكان يُسمعه مُرّ الكلام وأقساه، ومنع عنه جميع الإسعافات ليُعجّل له النهاية المحتومة.
تشييعه(عليه السلام)
خرج الناس على اختلاف طبقاتهم لتشييع جثمان الإمام الكاظم(عليه السلام)، وخرجت الشيعة وهي تلطم الصدور وتذرف الدموع.
وسارت مواكب التشييع في شوارع بغداد وهي متّجهة إلى محلّة باب التبن وقد ساد عليها الحزن، حتّى انتهت إلى مقابر قريش في بغداد، فحُفِر للجثمان العظيم قبر فواروه فيه.
من مواعظ و حکم الامام الکاظم(ع)
روي عن الكاظم (عليه السلام) أنه قال: «صلاة النوافل قربانٌ إلي اللّه لكلّ مؤمن.
والحج جهاد كلّ ضعيف.
ولكلّ شيء زكاة، وزكاة الجسد صيام النوافل.
وأفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج.
ومن دعا قبل الثّناء علي اللّه والصلاة علي النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) كان كمن رمي بسهم بلا وتر.
ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية، وما عال امرئًاقتصد.
والتدبير نصف العيش.
والتّودّد إلي الناس نصف العقل.
وكثرة الهم يورث الهرم، والعجلة هي الخرق.
وقلّة العيال أحد اليسارين.
ومن أحزن والديه فقد عقّهما.
ومن ضرب بيده علي فخذه، أو ضرب بيده الواحدة علي الاُخري عند المصيبة فقد حبط أجره، والمصيبة لا تكون مصيبة يستوجب صاحبها أجرها إلاّ بالصبر. والاسترجاع عند الصدمة.
والصنيعة لا تكون صنيعة إلاّ عند ذي دين أو حسب.
واللّه ينزل المعونة علي قدر المؤونة، وينزل الصّبر علي قدر المصيبة.
ومن إقتصد وقنع بقيت عليه النعمة، ومن بدر وأسرف زالت عنه النعمة.
وأداء الأمانة والصدق يجلبان الرزق، والخيانة والكذب يجلبان الفقر والنفاق.
واذا أراد اللّه بالذرة شرا أنبت لها جناحين فطارت فأكلها الطير.
------------------------
1. انظر وفيات الأعيان، ابن خلكان 5: 310.
2. تاريخ ابن خلدون 3: 117 ـ 128.
3. تاريخ آل زرارة، أبو غالب الرازي: 36، وتثبيت الإمامة، قاسم البرسي ت 246: 70، تحقيق صالح الورداني.
4. وفيات الأعيان 5: 311، دار الثقافة، بيروت، الإرشاد للمفيد 2: 215.
5. الكافي 1: 397، ط دار الكتب الإسلامية، دلائل الإمامة: 146، مؤسسة البعثة 1413 ه ، مرآة العقول: 1/451، معالم العترة.
6. تحفة الأزهار وزلال الأنهار، للسيد ضامن ابن شدقم، مخطوط، يوجد في قسم المخطوطات، من مكتبة الإمام كاشف الغطاء في النجف الأشرف.
7. الأنوار البهية: 152.
8. أُصول الكافي: 1 / 477، بحار الأنوار: 48/6 ،أعيان الشيعة: 2/5.
9. الأنوار الإلهية: 153.
10. الأبواء : بالفتح ثم السكون، و واو وألف ممدودة، قرية من أعمال الفرع بالمدينة بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً، وبه قبر الزاكية آمنة بنت وهب أم النبي العظيم صلي اللّه عليه وآله وسلم، معجم البلدان 1: 79.
11. الكافي 1: 385، بحار الأنوار : 48 / 2 ، عن بصائر الدرجات: 129، ب 12، ح9.
12. مناقب آل أبي طالب: 4/349، وتهذيب التهذيب : 10 / 34.
13. وفيات الأعيان 5: 310، تحقيق احسان عباس، دار الثقافة، بيروت، أعيان الشيعة : 2 / 5 ، وعن تحفة الأزهار أنه ولد قبل طلوع فجر يوم الثلاثاء من صفر سنة 127 ه وعن بحر الأنساب أنّه ولد يوم الأحد لسبع ليال خلون من صفر.
14. دلائل الإمامة : 49 ـ 50 .
15. قرب الإسناد، الحميري القمي: 335، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث.
16. الإمامة والتبصرة لابن بابويه القمّي: 78 ، نحوه في الكافي: 1/314 .
17. الإرشاد: 2/225 .
18. بحار الأنوار: 48/100، ح1 عن قرب الإسناد .
19. البسرية: قرية علي فرسخين من بغداد . سير أعلام النبلاء .
20. اصول الكافي : 2 / 134.
21. تأريخ بغداد : 13 / 28.
22. عمدة الطالب : 185.
23. تاريخ بغداد : 13 / 27.
24. القرع : نوع من اليقطين ، الواحدة قرعة .
25. منطقة قرب المدينة انظر معجم البلدان، ياقوت الحموي 2: 175، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
26. تاريخ بغداد: 13/29، وكشف الغمّة: 2 / 217.
27. الإرشاد: 2/233، إعلام الوري: 2/26، 27، واختصر في مناقب آل أبي طالب: 4/344 تأريخ بغداد : 13 / 28 ـ 29، وكشف الغمّة: 3/18، 19.
28. انظر وفيات الأعيان 5: 310.
source : www.abna.ir