سیرة الامام موسی الکاظم(ع)
ولادة الامام الکاظم(ع)
ولد الإمام الكاظم (عليه السلام) وهو الإمام السابع من ائمة أهل البيت (عليهم السلام) بالمدينة المنورة في موضع يسمى (الأبواء) في السابع من صفر سنة 128هـ، وبمناسبة ولادته قام أبوه الإمام الصادق (عليه السلام) بدعوة الناس الى وليمة أطعم الناس فيها مدة ثلاثة أيام.
زوجاته وأولاده (ع):
كان غالب زوجاته (ع) من الاماء، لذلك لم يذكر أولاد من غيرهن وكان له منهن أولاد كثيرون أبرزهم علي بن موسى الرضا (ع).
وابراهيم وكان يكنى به والعباس والقاسم واسماعيل وجعفر وهارون والحسن ومن بناته فاطمة المعصومة المدفونة في قم المقدسة.
منزلة الإمام (ع):
وبما أن الإمام في عقيدة الشيعة هو وعاء الوحي والرسالة، وله علامات وميزات خاصة لا يتمتع بها سواه فقد فرض الامام الكاظم نفسه على الواقع الشيعي وترسخت إمامته في نفوس الشيعة.
فجسّد الإمام الكاظم (ع) دور الإمامة بأجمل صورها ومعانيها، فكان أعبد أهل زمانه وأزهدهم في الدنيا وأفقههم وأعلمهم. وكان دائم التوجّه لله سبحانه حتى في أحرج الأوقات التي قضاها في سجون العباسيين حيث كان دعاؤه "اللهم إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك وقد فعلت فلك الحمد" كما احتل الإمام (ع) مكانة مرموقة على صعيد معالجة قضايا العقيدة والشريعة في عصره. حيث برز في مواجهة الاتجاهات العقائدية المنحرفة والمذاهب الدينية المتطرفة والأحاديث النبوية المدسوسة من خلال عقد الحلقات والمناظرات الفكرية مما جعل المدينة محطة علمية وفكرية لفقهاء ورواة عصره يقصدها طلاب العلوم من بقاع الأرض البعيدة فكانوا يحضرون مجالسه وفي أكمامهم ألواح من الإبنوس (نوع من الخشب) كما ذكر التاريخ..
وقد تخرّج من مدرسة الإمام الكاظم (ع) في المدينة، والتي كانت امتداداً لمدرسة الإمام الباقر (ع) واستمراراً لمدرسة الإمام الصادق (ع) الكثير من العلماء والفقهاء في مختلف العلوم الأسلامية انذاك..
مراحل حیاة الإمام الکاظم (علیه السلام)
تبعا لطبيعة الظروف التي مرّ بها الإمام الكاظم (عليه السلام) في حياته تنقسم الدراسة عن حياته الي ثلاث مراحل متميّزة: المرحلة الاُولي : إذا اعتبرنا المرحلة الاُولي من حياة الإمام (عليه السلام) هي مرحلة ما قبل التصدي للإمامة الشرعية أي منذ ولادته في سنة (128) أو (129 ه ) حتي استشهاد أبيه الصادق (عليه السلام) سنة (148 ه ) . فالمرحلة الاُولي : هي مرحلة نشأته وحياته في ظلّ أبيه (عليهما السلام) وحيث تناهز العقدين من عمره الشريف. وقد تميزت هذه المرحلة بظهور علمه الربّاني وقدرته الفائقة علي الحوار والحجاج حتي أفحم مثل أبي حنيفة وهو صبي لم يتجاوز نصف العقد الواحد من عمره المبارك. المرحلة الثانية : وتبدأ بتسلّمه لزمام الأُمور الدينية (العلمية والسياسية والتربوية) بعد استشهاد أبيه فيظروف سياسيّة قاسية كان يخشي فيها علي حياته المباركة حتي اضطرالإمام الصادق (عليه السلام) لأن يجعله واحدا من خمسة أوصياء فيوصيته المشهورة التي بدّد فيها تخطيط المنصور لاغتيال وصي الإمام الصادق (عليه السلام). واستمرت هذه المرحلة حتي مات المنصور سنة (158 ه ) واستولي المهدي ثم الهادي سنة (169 ه ) علي مركز السلطة فهي تبلغ حوالي عقدين أو مايزيد عليهما بقليل وكانت مرحلة انفراج نسبي لأهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم سيما في عهد المهدي العباسي. المرحلة الثالثة : وهي مرحلة معاصرته لحكم الرشيد حيث استولي علي زمام الحكم سنة (170 ه ) وهو المعروف بحقده للعلويين بعد أخيه الهادي وأبيه المهدي. واستمرت هذه المرحلة حتي سنة (183 ه ) وهي سنة استشهاد الإمام الكاظم بيد أحد عمّال الرشيد . وهذه المرحلة هي من أحرج مراحل حياة الإمام (عليه السلام) وأدقّها من حيث تشديد التضييق عليه، ولم ينته العقد الأوّل من حكم الرشيد إلاّ والإمام فيمطامير سجونه، تارة فيالبصرة واُخري في بغداد. وتميّزت هذه السنوات العجاف بالتخطيط المستمر من قبل الرشيد لادانة الإمام (عليه السلام) والسعي المتواصل لسجنه واغتياله. وقد أخذ الإمام يكثّف نشاطه ضد الحكم القائم. فيما إذا قيس الي مواقفه من المنصور والمهدي وانتهت هذه المرحلة بالتضييق والتشديد علي أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم والإمام الكاظم بشكل خاص بالرغم من عدم قيام العلويين بالثورة ضد هارون الرشيد. ولكن الإمام قد استثمر كل طاقاته لبلوغ أهدافه رغم حراجة الظرف وتشديد القبضة علي العلويين. وكان الإمام فيها يعلم بسياسة هارون وقراره النهائي باغتيال الإمام (عليه السلام) مهما كلّف الأمر حتي أنّه لم يتقبل وساطة أيّ واحد من مقربي بلاطه. وانتهت هذه المرحلة بمقاومة الإمام (عليه السلام) وثباته علي مواقفه وعدم تنازله عند رغبات الرشيد ومحاولاته لاستذلال الإمام (عليه السلام) بشكل وآخر لتركيعه أمام جبروته لقاء تنفّسه هواء الحرية خارج السجن. ولكن الإمام باشر مهامه بكل إحكام واتقان وأوصي الي ابنه الرضا وضمن للجماعة الصالحة استمرار المسيرة، وقضي مسموما مظلوماً صابرا محتسبا. مكللاً جهاده بالشهادة في سبيل اللّه تعالي. تأريخ الاستشهاد : استشهد مظلوما في حبس السندي بن شاهك في 25 من رجب سنة (183 ه ) ودفن في مقابر قريش في بغداد1.
مواجهة العقائد الخاطئة و الفرق المنحرفة
انتشرت فيهذه المرحلة عقائد خاطئة وتأسّست فرق منحرفة من الإلحاد والزندقة والغلوّ، والجبرية، والارجاء عقائد خاطئة ذات أصحاب تدافع عنها ولم تكن كل هذه الاعتقادات وليدة هذاالظرف بالذات، وإنّما نشطت في هذا الجوّ المساعد لنموها، حيث كان بعض الخلفاء يتبني بعضا منها ويسمح لانتشار البعض الآخر . فالغلاة يعتقدون بنبوّة الأئمة، وبعده بإلهية جعفر بن محمّد الصادق وإلهية آبائه، وهؤلاء قد تبرّأ منهم الإمام الصادق ولعنهم لعنا مشددا. لكن السلطات شجعت من جانب ، والصقت التهمة بهم من جانب آخر بهدف التشويه لحقيقة الشيعة، كما استخدموا هذه التهمة فيما بعد ذريعة ومادّة حكم تبرر لهم اضطهاد الشيعة تحت هذا الاسم فأطلقوا علي الشيعة اسم زنادقة ويحقّ للدولة أن تطاردهم. لقد عاصر الإمام الكاظم (عليه السلام) تيّارا آخر كان خطيرا علي الاُمة حاضرا ومستقبلاً وكان قد وقف بوجهه الإمام الصادق (عليه السلام) وحذّر منه الشباب خاصة ألا وهم المرجئة الذين يقولون بتأخير وإرجاء صاحب المعصية الكبيرة الي يوم القيامة فلا يحكمون عليه بحكم ما فيالدنيا من كونه من أهل الجنة أو من أهل النار. ويحاول أصحاب هذا الإعتقاد أن يخلطوا الأوراق ويدمجوا بين سلوك الخير وسلوك الشر فلا يفرّق بين سلوك الإمام عليّ (عليه السلام) وسلوك معاوية ولا بين موقف الحسين (عليه السلام) وموقف يزيد؛ لأن الحكم عليهم في الدنيا ليس من شؤوننا وإنما يترك الأمر ليوم القيامة. ثم تبنّت هذه الفرقة اعتقادا آخر لا يقلّ خطورة عن سابقه إذ تكمن خطورته علي الشباب خاصة لأنّ هذا الإعتقاد يفسّر معني الإيمان المراد عند اللّه بأنه الإيمان القلبي لا السلوك الخارجي، لان السلوك الخارجي قد يخادع به الإنسان فالإيمان الذي ينظر إليه اللّه تعالي هو الإيمان القلبي أمّا الممارسات الخارجية فلا اعتبار لها، فإذا زنا الإنسان أو شرب الخمر أو قتل نفسا فهذه تصرفات خارجية والمهم أن الإنسان يعتقد قلبيا باللّه تعالي. كما روّج فيهذه الفترة لفكرة الجبر والتي نشأت في زمن معاوية واستفاد منها بنو العبّاس حيث تقول بأنا لسنا مخيّرين في أفعالنا فإذا شاء اللّه أن نصلّي صلّينا وإذا شاء أن نشرب الخمر شربناوهكذا. الملاحظ في كل هذه العقائد والأفكار وأصحابها أنّها تخدم السلطة كل واحدة بطريقتها حيث تبرّر للحكّام تصرفاتهم البعيدة عن الإسلام بأفكار وأحكام اعتقادية وتهدّئ الجمهور الإسلامي حين توجّهه بهذه الأفكار. من هنا ندرك السبب الذي جعل من الحكام أن يسمحوا بالانتشار لهذه التيّارات الناشئة من أفكار منحرفة جاء بها اليهود وغيرهم الي العالم الإسلامي. هذا هو عرض مختصر للظواهر والأحداث السياسية والثقافية والفكرية، التي برزت في عصر المنصور وكان الإمام موسي الكاظم (عليه السلام) معاصرا لها. أمّا ما هو منهج الإمام وأساليبه ومواقفه في خضم هذه الأجواء المملؤة بالشبهات والتهم والتضييق ؟ ! هذا ما سوف نتناوله في الفصل الثاني إن شاء اللّه تعالي.
التثقیف السیاسی
إنّ النشاط السياسي الذي يقوم به أصحاب الإمام (عليه السلام) فيهذه المرحلة ولما يمتاز به من صعوبات كان يحتاج الي لون خاص من الوعي ودقة فيالملاحظة وعمق في الإيمان، ممّا دفع بالإمام (عليه السلام) الي أن يرعي ويشجع الخواص ويعمق فينفوسهم روح التديّن ويمنحهم سقفا خاصا من المستوي الإيماني ويدفعهم الي اُفق سياسي يتحرّكون به ضد الخصوم بشكل سليم ويوفّر لهم قوة تمنحهم قدرة المواصلة وسموّ النفس. وفي هذا المجال نلاحظ ما يلي : 1 ـ شحّذ الإمام (عليه السلام) الهمم التي آمنت بالحقّ موضحا أنّ الأمر لا يتعلق بكثرة الأنصار أو قلتها. فعن سماعة بن مهران قال: قال لي العبد الصالح (عليه السلام): «ياسماعة أمنوا علي فرشهم، وأخافوني أما واللّه لقد كانت الدنيا وما فيها إلاّ واحد يعبد اللّه ، ولو كان معه غيره لأضافه اللّه عزّ وجلّ إليه حيث يقول: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)2 فصبر بذلك ماشاء اللّه . ثم إن اللّه آنسه باسماعيل وإسحاق، فصاروا ثلاثة. أما واللّه إنّ المؤمن لقليل، وإنّ أهل الباطل لكثير أتدري لم ذلك ؟ فقلت: لا أدري جعلت فداك. فقال: صيّروا اُنسا للمؤمنين يبثّون إليهم ما في صدورهم، فيستريحون الي ذلك ويسكنون إليه»3. 2 ـ لقد سعي الإمام (عليه السلام) لتربية شيعته علي أساس تقوية أواصر الإخوة والمحبة الإيمانية بحيث تصبح الجماعة الصالحة قوة اجتماعية متماسكة لا يمكن زعزعتها أو تضعيفها لقوة الترابط العقائدي والروحي فيما بينها. لنقرأ النص التالي معا: سأل الإمام موسي (عليه السلام) يوما أحد أصحابه قائلاً له: «ياعاصم كيف أنتم في التواصل والتبارّ ؟ فقال: علي أفضل ما كان عليه أحد. فقال (عليه السلام) : أيأتي أحدكم عند الضيقة منزل أخيه فلا يجده ، فيأمر باخراج كيسه فيخرج فيفضّ ختمه فيأخذ من ذلك حاجته، فلا ينكر عليه؟! قال: لا، قال: لستم علي ما أحب من التواصل والضيقة والفقر»4.
المناظرات في عهد امام الکاظم(ع)
من الأنشطة الفكرية الواسعة الصيت فيعصر الإمام الكاظم (عليه السلام) والمؤثرة فيتبلور فكر الاُمة هي المناظرة العلمية، وكان الإمام الصادق (عليه السلام) ثم الإمام الكاظم (عليه السلام) من بعده قد استثمرا هذه الظاهرة وأعدّا لها نخبة من العلماء المتخصصين في هذا الميدان تعاهدوا للدفاع عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وتعريفه للناس واستطاعوا رغم المنع السلطوي والحصار الفكري ضدهم أن يروّجوا للمذهب ويحققوا انتصارات مشهودة. كما قد نشطوا من جانب في دحض الشبهات والإتهامات التي كانت تثار ضد الفكر الإسلامي أو الشيعي واستطاعوا أن يقفوا بوجه الموجات الفكرية الانحرافية والحركات الإلحادية. ومن جملة أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام) البارزين في هذا الميدان هشام بن الحكم. كان هشام بن الحكم من أفذاذ الاُمة الإسلامية ومن كبار علمائها وفي طليعة المدافعين عن خط أهل البيت (عليهم السلام). جاهد طويلاً لنصرة الحقّ خصوصا فيعصرالرشيد، الذي إنعدمت فيه الحريات، وكان الذاكر لفضائل أهل البيت (عليهم السلام) عرضة للانتقام والتنكيل من قبل السلطة. كان من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) وبعد وفاته اتّصل بالإمام الكاظم (عليه السلام). و اختص في علم الكلام فكان من كبار المتكلمين فيعصره، وشهد له بذلك ابن النديم. ونظرا لاختصاصه فيهذا الفن فقد زيّن يحيي بن خالد البرمكي مجلسه به وجعله قيّما لمجالس كلامه5. وخاض هشام مع علماء الأديان والمذاهب مستدلاً علي صحة مبدأه وبطلان أفكارهم. ونظرا لخطورة استدلاله وقوة حجته كان الرشيد يحضر من وراء الستار فيصغي إليها ويعجب بها، ولقد خاض فيعدة مناظرات مع زعيم المعتزلة الروحيعمرو بن عبيد6. ووجه يحيي بن خالد البرمكي سؤالاً لهشام بحضرة الرشيد من أجل إحراجه قائلاً له: أخبرني عن عليّ والعباس لما اختصما الي أبي بكر فيالميراث أيهما كان المحقّ من المبطل؟ فاستولت الحيرة علي هشام لأنه قال فينفسه: إن قلت عليّا كان مبطلاً كفرت وإن قلت العباس كان مبطلاً ضرب الرشيد عنقي. فقال هشام: لم يكن من أحدهما خطأوكانا جميعا محقين، ولهذا نظير قد نطق به القرآن فيقصة داود (عليه السلام)حيث يقول اللّه :(وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِـحْرَابَ)، الي قوله تعالي: (خَصْمانِ بَغَي بَعْضُنَا عَلَي بَعْضٍ ) فأي الملكين كان مخطئا؟ وأيهما كان مصيبا؟ أم تقول: إنّهما كانا مخطئين فجوابك فيذلك جوابي بعينه. فقال يحيي: لست أقول : الملكين أخطآ، بل أقول إنّهما أصابا وذلك أنهما لم يختصما فيالحقيقة ولا اختلفا فيالحكم وإنّما أظهرا ذلك لينبّها داود علي الخطيئة ويعرّفاه الحكم ويوقفاه عليه. فقال هشام: كذلك عليّ والعباس لم يختلفا فيالحكم ولا اختصما فيالحقيقة وإنّما أظهرا الاختلاف والخصومة لينبّها أبا بكر علي غلطه ويوقفاه علي خطيئته ويدلاّه علي ظلمه فيالميراث ولم يكونا فيريب من أمرهما. فتحيّر يحيي ولم يطق جوابا، واستحسن الرشيد هذا البيان الرائع الذي تخلص به هشام7. وله مناظرات من هذا القبيل مع العالم النظام8 ومع ضرار الضبي9 فراجع مناظراته فيموسوعة بحار الأنوار فيما يختص بحياة صحابة الإمام الكاظم (عليه السلام). وهكذا استطاع أهل البيت (عليهم السلام) من خلال خيرة أصحابهم أن يحفظوا للاُمة المسلمة هويّتها ويدافعوا عن شخصيّتها المعنوية واستقلال كيانها الفكري والديني.
مظاهر من شخصیة الامام الکاظم (علیه السلام)
غزارة علمه(ع)
لقد شهد للإمام موسي الكاظم (عليه السلام) بوفور علمه أبوه الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) إذ قال عنه: «إنّ ابني هذا لو سألته عمّا بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم»10. وقال أيضاً: «وعنده علم الحكم، والفهم والسخاء، والمعرفة بما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم»11. ويكفي لمعرفة وفور علومه رواية العلماء عنه جميع الفنون من علوم الدين وغيرها مما ملأوا به الكتب، وأ لّفوا المؤلّفات الكثيرة، حتي عرف بين الرواة بالعالم. وقال الشيخ المفيد: وقد روي الناس عن أبي الحسن موسي فأكثروا، وكان أفقه أهل زمانه12.
عبادته وتقواه
نشأ الإمام موسي (عليه السلام) فيبيت القداسة والتقوي، وترعرع فيمعهد العبادة والطاعة، بالإضافة الي أنه قد ورث من آبائه حبّ اللّه والإيمان به والإخلاص له فقد قدّموا نفوسهم قرابين فيسبيله ، وبذلوا جميع إمكانياتهم فينشر دينه والقضاء علي كلمة الشرك والضلال فأهل البيت (عليهم السلام) أساس التقوي ومعدن الإيمان والعقيدة، فلولاهم ماعبد اللّه عابد ولا وحّده موحّد. وما تحقّقت فريضة، ولا أقيمت سنة ، ولا ساغت في الإسلام شريعة. لقد رأي الإمام (عليه السلام) جميع صور التقوي ماثلة فيبيته، فصارت من مقوّمات ذاته ومن عناصر شخصيته، وحدّث المؤرخون أنه كان أعبد أهل زمانه13 حتي لقّب بالعبد الصالح، وبزين المجتهدين إذ لم تر عين انسان نظيرا له قط فيالطاعة والعبادة. ونعرض نماذجَ من مظاهر طاعته وعبادته: أ ـ صلاته : إنّ أجمل الساعات وأثمنها عند الإمام (عليه السلام) هي الساعات التي يخلو بها مع اللّه عزّ اسمه فكان يقبل عليه بجميع مشاعره وعواطفه وقد ورد: أنه إذا وقف بين يدي اللّه تعالي مصلّيا أو مناجيا أو داعيا أرسل ما في عينيه من دموع، وخفق قلبه، واضطرب موجدة وخوفا منه، وقد شغل أغلب أوقاته فيالصلاة، فكان يصلّي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح، ثم يعقب حتي تطلع الشمس، ويخرّ للّه ساجدا فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد حتي يقرب زوال الشمس14، من مظاهر طاعته أنه دخل مسجد النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) في أوّل الليل فسجد سجدة واحدة وهو يقول بنبرات تقطر إخلاصا وخوفاً منه: « عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك»15
زهده
كان الإمام فيطليعة الزاهدين فيالدنيا والمعرضين عن نعيمها وزخارفها فقد اتجه الي اللّه ورغب فيما أعدّه له فيدار الخلود من النعيم والكرامة، وقد حدثنا عن مدي زهده إبراهيم بن عبد الحميد فقال: دخلت عليه فيبيته الذي كان يصلي فيه، فاذا ليس في البيت شيء سوي خصفة، وسيف معلق، ومصحف16، لقد كان عيشه زهيدا، وبيته بسيطا فلم يحتو علي شيء حتي من الأمتعة البسيطة التي تضمها بيوت الفقراء الأمر الذي دل علي تجرده من الدنيا، وإعراضه عنها. علي أنه كانت تجبي له الأموال الطائلة، والحقوق الشرعية من العالم الشيعي، بالاضافة الي أنه كان يملك البسرية17 وغيرها من الأراضي الزراعية التي تدر عليه بالأموال الخطيرة، وقد أنفق جميع ذلك بسخاء علي البائسين والمحرومين في سبيل اللّه وابتغاء مرضاته، وكان (عليه السلام) دوما يتلو علي أصحابه سيرة أبي ذر الصحابي العظيم الذي ضرب المثل الأعلي لنكران الذات والتجرد عن الدنيا والزهد في ملاذها، فقا (عليه السلام): «رحم اللّه أبا ذر . فلقد كان يقول: جزي اللّه الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير، أتغدي بأحدهما، وأتعشي بالآخر، وبعد شملتَي الصوف أئتزر بإحدااهما وارتدي بالاُخري...»18.
جوده و سخاءه
لقد تجلّي الكرم الواقعي، والسخاء الحقيقي فيالإمام فكان مضرب المثل في الكرم والمعروف، فقد فزع إليه البائسون والمحرومون لينقذهم من كابوس الفقر وجحيم البؤس وقد أجمع المؤرخون أنه أنفق (عليه السلام) جميع ما عنده عليهم كل ذلك فيسبيل اللّه لم يبتغ من أحد جزاءا أو شكوراً، وكان (عليه السلام) في صِلاته يتطلب الكتمان وعدم الذيوع لئلا يشاهد علي الآخذ ذلة الحاجة، وكان يلتمس في ذلك وجه اللّه ورضاه، ولهذا كان يخرج فيغلس الليل البهيم فيصل الطبقة الضعيفة ببرّه وإحسانه وهي لا تعلم من أيّ جهة تصلها تلك المبرة، وكان يوصلهم بصراره التي تتراوح ما بين المائتي ديناراً الي الأربعمائة ديناراً19 وكان يضرب المثل بتلك الصرار فكان أهله يقولون: «عجبا لمن جاءته صرار موسي وهو يشتكي القلة والفقر!!»20. وبلغ من عطفه المستفيض أنه إذا بلغه عن شخص يؤذيه ويسيء إليه بعث له بصرّة فيها ألف ديناراً21 . وقد قامت هباته السرية وصلاته الخفية بإعاشة فقراء المدينة، فكانوا جميعا يرتعون بنعمته ويعيشون من عطاياه. وحدّث عيسي بن محمّد القرطي قال : «زرعت بطيخا وقثاءً وقرعاً22 في موضع بالجوّانيّة23 علي بئر يقال لها اُم عضام. فلمّا استوي الزرع بغتني الجراد، فأتي علي الزرع كلّه، وكنت قد غرمت عليه مع ثمن جملين مائة وعشرين ديناراً. فبينما أنا جالس إذ طلع عليّ الإمام موسي بن جعفر (عليه السلام) فسلّم ثم قال لي: كيف حالك؟ فقلت: أصبحت كالصريم بغتني الجراد فأكل كل زرعي . فقال: كم غرمت فيه؟ فقلت: مائة وعشرين ديناراً مع ثمن الجملين. فالتفت (عليه السلام) لعرفة وقال له: زن لابن المغيث مائة وخمسين ديناراً. ثم قال لعيسي: فربحك ثلاثون ديناراً مع الجملين»24.
حلمه
وكان الحلم من أبرز صفات الإمام موسي (عليه السلام) فقد كان مضرب المثل في حلمه وكظمه للغيظ، وكان يعفو عمن أساء إليه، ويصفح عمن اعتدي عليه، ولم يكتف بذلك وإنّما كان يحسن لهم ويغدق عليهم بالمعروف ليمحو بذلك روح الشر والانانية من نفوسهم، وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة من حلمه فقد رووا: «أن شخصا من احفاد عمر بن الخطاب كان يسيء للإمام، ويكيل السب والشتم لجده أمير المؤمنين (عليه السلام) فأراد بعض شيعة الإمام اغتياله فنهاهم (عليه السلام) عن ذلك ورأي أن يعالجه بغير ذلك فسأل عن مكانه فقيل: أنه يزرع في بعض نواحي المدينة، فركب (عليه السلام) بغلته ومضي إليه متنكرا، فوجده في مزرعته فأقبل نحوه، فصاح به: لا تطأ زرعنا واستمر الإمام حتي وصل إليه، ولمّا انتهي إليه جلس الي جنبه وأخذ يلاطفه ويحدّثه بأطيب الحديث، وقال له بلطف ولين : ـ كم غرمت في زرعك هذا ؟ - مائة ديناراً . - كم ترجو أن تصيب منه ؟ . - أنا لا أعلم الغيب ! ! - إنّما قلت لك : كم ترجو أن يجيئك منه ؟ - أرجو أن يجيئني منه مائتا دينار . فأعطاه (عليه السلام) ثلاثمائة ديناراً، وقال: هذه لك وزرعك علي حاله فتغير العمري، وخجل من نفسه علي ما فرط من قبل فيحق الإمام، وتركه (عليه السلام) ومضي الي الجامع النبوي، فوجد العمري قد سبقه، فلما رأي الإمام مقبلاً قام إليه تكريما وانطلق يهتف: (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) في من يشاء». فبادر إليه أصحابه منكرين عليه هذا الانقلاب، فأخذ يخاصمهم، ويتلو عليهم مناقب الإمام ومآثره، ويدعو له، فالتفت (عليه السلام) إلي أصحابه قائلاً: أيّما كان خيرا؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار؟»25
إرشاده و توجیهه
إنّ إرشاد الناس الي الحق وهدايتهم الي الصواب من أهم الأُمور الإصلاحية التي كان الإمام يعني بها، فقد قام بدور مهم فيانقاذ جماعة ممن أغرّتهم الدنيا وجرفتهم بتيّاراتها. وببركة إرشاده ووعظه لهم تركوا ما هم فيه من الغيّ والضلال وصاروا من عيون المؤمنين. وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة له فيهذا المجال فقد رووا قصته مع بشر الحافي، إذ كان فيبداية أمره ـ فيما يقول الرواة ـ يتعاطي الشراب ويقضي لياليه وأيامه فيالمجون والدعارة فتاب ببركة إرشاد الإمام (عليه السلام) وتوجيهه كما سوف نشير الي قصّته مع الإمام (عليه السلام) فيما سيأتي26. وممن أرشدهم الإمام (عليه السلام) الي طريق الحق: الحسن بن عبداللّه ، فقد كان شخصية مرموقة عند الملوك زاهدا فيالدنيا، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر لا تأخذه فياللّه لومة لائم، فاجتمع بالإمام فقال (عليه السلام) له: يا أبا عليّ ، ما أحب اليّ ما أنت عليه، وأسرني به، إلا أنه ليست لك معرفة فاطلب المعرفة. قال: وما المعرفة ؟ فقال له: تفقّه واطلب الحديث» . فذهب الرجل فكتب الحديث عن مالك وعن فقهاء أهل المدينة، وعرضه علي الإمام فلم يرض (عليه السلام)، وأرشده الي فقه أهل البيت (عليهم السلام) وأخذ الأحكام منهم، والاعتراف لهم بالإمامة فانصاع الرجل لذلك واهتدي27. لقد كان (عليه السلام) يدعو الناس الي فعل الخير ويدلّهم علي العمل الصالح ويحذرهم لقاء اللّه واليوم الآخر، فقد سمع رجلاً يتمنّي الموت فانبري (عليه السلام) له قائلاً : «هل بينك وبين اللّه قرابة يحابيك لها ؟ فقال: لا . فقال له (عليه السلام): فأنت إذن تتمنّي هلاك الأبد»28 .
إحسانه إلی الله
وكان الإمام بارّا بالمسلمين محسنا إليهم، فما قصده أحد فيحاجة إلاّ قام بقضائها، فلا ينصرف منه إلاّ وهو ناعم الفكر مثلوج القلب، وكان (عليه السلام) يري أن إدخال الغبطة علي الناس وقضاء حوائجهم من أهم أفعال الخير فلذا لم يتوان قط في إجابة المضطر، ورفع الظلم عن المظلوم، وقد أباح لعليّ بن يقطين الدخول في حكومة هارون وجعل كفارة عمل السلطان الإحسان الي الاخوان مبرّرا له، وقد فزع إليه جماعة من المنكوبين فكشف آلامهم وملأ قلوبهم رجاءا ورحمة. ومن هؤلاء الذين أغاثهم الإمام (عليه السلام) شخص من أهالي الري29 كانت عليه أموال طائلة لحكومة الري فلم يتمكّن من أدائها، وخاف علي نعمته أن تسلب منه، فأخذ يطيل الفكر فيما يعمل، فسأل عن حاكم الري، فأخبر أنه من الشيعة، فطوي نيته علي السفر الي الإمام ليستجير به فسافر الي المدينة فلما انتهي اليها تشرف بمقابلة الإمام فشكي إليه حاله، فزوده (عليه السلام) برسالة الي والي الري جاء فيها بعد البسملة : «إعلم أنّ للّه تحت عرشه ظلاً لا يسكنه إلاّ من أسدي الي أخيه معروفا، أو نفّس عنه كربة، أو أدخل علي قلبه سرورا، وهذا أخوك والسلام. وأخذ الرسالة، وبعد أدائه لفريضة الحج، اتّجه الي وطنه، فلما وصل، مضي الي الحاكم ليلاً، فطرق عليه باب بيته فخرج غلامه، فقال له : من أنت ؟ فقال: رسول الصابر موسي ؟ فهرع الي مولاه فأخبره بذلك فخرج حافي القدمين مستقبلاً له، فعانقه وقبّل ما بين عينيه، وجعل يكرر ذلك، ويسأله بلهفة عن حال الإمام، ثم إنّه ناوله رسالة الإمام فقبّلها وقام لها تكريماً، فلما قرأها أحضر أمواله وثيابه فقاسمه في جميعها وأعطاه قيمة ما لا يقبل القسمة وهو يقول له : يا أخي هل سررتك ؟ فقال له: أي واللّه وزدت علي ذلك ! ! ثم استدعي السجل فشطب علي جميع الديون التي عليه وأعطاه براءة منها، وخرج الرجل وقد طار قلبه فرحا وسرورا، ورأي أن يجازيه علي إحسانه ومعروفه فيمضي الي بيت اللّه الحرام فيدعو له، ويخبرالإمام بما أسداه إليه من البر والمعروف، ولمّا أقبل موسم الحج مضي إليه ثم اتّجه الي يثرب فواجه الإمام وأخبره بحديثه، فسرّ (عليه السلام) بذلك سرورا بالغا، فقال له الرجل: يا مولاي : هل سرّك ذلك ؟ فقال الإمام (عليه السلام): إي ، واللّه ! لقد سرّني، وسرّ أمير المؤمنين، واللّه لقد سرّ جدي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، ولقد سرّ اللّه تعالي...»30. وقد دلّ ذلك علي اهتمامه البالغ بشؤون المسلمين ورغبته الملحة فيقضاء حوائج الناس.
شهادته (ع):
أمضى الامام الكاظم (ع) في سجون هارون الرشيد سبع سنوات، وفي رواية 13 سنة حتى أعيت هارون فيه الحيلة ويئس منه فقرر قتله، وذلك بأن أمر بدس السم له في الرطب فاستشهد سلام الله عليه في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة 183ه. ودفن في الكاظمية.
-------------------------------------
1. انظر وفيات الأعيان 5: 310.
2. النحل 16: 120.
3. الكافي : 2 / 243 وعنه في بحار الأنوار : 47 / 373، ح 94 و 67 / 162 قال المجلسي معلقا ومفسرا علي هذا الخبر : أي إنّما جعل اللّه تعالي هؤلاء المنافقين فيصورة المؤمنين مختلطين بهم لئلا يتوحش المؤمنون لقلتهم.
4. مكارم الأخلاق: 165 وفي ط: 2/144 عن بصائر الدرجات، وفي بحار الأنوار : 48 / 119، ح35 وفي وسائل الشيعة: 25/35.
5. الفهرست لابن النديم : 263.
6. رجال الكشي : 225 ح 475، 280 ح 500، والأمالي : 1 / 55، ومروج الذهب : 3 / 194 و 4 / 21 ـ 23.
7. الفصول المختارة : 42 ووردت المناظرة باختصار فيعيون أخبار الرضا : 2 / 15.
8. رجال الكشي : 274 ح 493 في الخلود في الجنة وعدمها.
9. كمال الدين: 2/362 ـ 370 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 199 ح 7.
10. قرب الإسناد، الحميري القمي: 335، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث.
11. الإمامة والتبصرة لابن بابويه القمّي: 78 ، نحوه في الكافي: 1/314 .
12. الإرشاد: 2/225 .
13. جوهرة الكلام : 139.
14. الإرشاد: 2/231 وعنه في كشف الغمّة: 3/18.
15. تاريخ بغداد: 13/27 ، وفيات الأعيان : 4 / 293، وفيات الأعيان : 4 / 293، كنز اللغة : 766، الأنوار البهيّة: 190 ، عن تاريخ بغداد .
16. بحار الأنوار: 48/100، ح1 عن قرب الإسناد .
17. البسرية: قرية علي فرسخين من بغداد . سير أعلام النبلاء .
18. اصول الكافي : 2 / 134.
19. تأريخ بغداد : 13 / 28.
20. عمدة الطالب : 185.
21. تاريخ بغداد : 13 / 27.
22. القرع : نوع من اليقطين ، الواحدة قرعة .
23. منطقة قرب المدينة انظر معجم البلدان، ياقوت الحموي 2: 175، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
24. تاريخ بغداد: 13/29، وكشف الغمّة: 2 / 217.
25. الإرشاد: 2/233، إعلام الوري: 2/26، 27، واختصر في مناقب آل أبي طالب: 4/344 تأريخ بغداد : 13 / 28 ـ 29، وكشف الغمّة: 3/18، 19.
26. راجع تمام القصة في الفصل الثّاني من الباب الثّالث : 80 .
27. المناقب لابن شهرآشوب: 4 / 312 .
28. الإتحاف بحب الأشراف : 55.
29. كان يُدعي: عليّ بن طاهر الصوري كما في مصدر الخبر.
30. قضاء حقوق المؤمنين، ابن طاهر الصوري: 23، تحقيق حامد خفاف، عدة الداعي، ابن فهد الحلي: 181، تحقيق أحمد الموحدي القمي. واعتمدنا فيهذا الفصل علي ما كتبه الاستاذ الشيخ باقر شريف القرشي ، راجع حياه الإمام موسي بن جعفر عليه السلام: 1 / 138 ـ 162. وخبر الصوريّ من أهل الريّ رواه المجلسي في بحار الأنوار: 48/174 ح 16 عن كتاب قضاء حقوق المؤمنين المنشور في نشرة تراثنا: 34/186 ح 24.
source : www.abna.ir