عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

سیرة السیدة فاطمة الزهراء(س)

سیرة السیدة فاطمة الزهراء(س)

كانت الزهراء (ع) رابعة بنات النبي (ص) ، و قد اختلفت الروایات في تاریخ ولادتها.
ففي روایة « الكافي» ، عن الامام الباقر(ع) : أنها ولدت بعد مبعث النبي بخمس سنین، و توفیت و هي في الثامنة عشرة من عمرها.
و أكثر روایات أهل السنّة متفقة علی أنها كانت قبل مبعثه بخمس سنوات، و في ذلك تقول بنت الشاطي في حدیثها عن بنات النبي(ص9 :
« لقد شاء الله أن یقترن مولدها بالحادث الجلیل الذي ارتضت فیه قریش محمداً حكماً فیما شجر بینها من خلاف علی وضع الحجر الأسود عند تحدید بنائ الكعبة المكرمة، فاستبشر أبواها بمولدها ، و احتفلا به احتفالاً لم تألفه مكة في مولدِ انثی. سبقتها ثلاث اخوات لیس بینهنّ ولد ، و أمضت طفولتها سعیدة بحب أبویها ، و تدلیل أخواتها لها ، و بخاصة كبراهنّ زینب، التي كانت لها بمثابة ام صغیرة».


و مهما كان الحال، فلقد نشأت بین أبوین ما عرف التأریخ أكرم منهما، و لا كان لأحدٍ في تاریخ الانسانیة ما لأبیها من الآثار التي غیّرت وجه التاریخ، و دفعت الانسان أشواطاً بعیدة.
في ظل هذین الأبوین ، درجت الزهراء و استقبلت منذ طفولتها حدثاً جلیلاً تخطي مكة و المدینة و الجزیرة العربیة بكاملها ، والعالم كله عصراً وراء عصر.


لقد نشأت في دار أبویها وحیدة یغمرها حنان أبیها الذي فقد بنیه و لم یبق له من عزاء بعدهم إلّا عبء النبوّة الذي تأهب له زمنا، و نهض به زمناً ، و تحمل في سبیله ما تنوء به الجبال ، فأنّي اتجه ، و أنّا ذهب ، یری قریشاً و غلمانها و عبدانها تقف له بالمرصاد.
و فاطمة علی صغر سنها تری كلّ ذلك و تُساهم مع أمها في التخفیف من وقع ذلك في نفسه ، فكانت تتلوی من الالم لألمه. وكان أیسر أذاه أن مرّ علیه سفیهٌ ـ كما جاء في روایة الطبري ـ فاغترف بكلتا یدیه من التراب و الأوساخ و صبّها علی رأسه ، فدخل بیته و التراب علی رأسه ، فقامت إلیه بنته فاطمة و جعلت تغسل التراب عن رأسه و تبكي، وهي حدیثة عهدٍ بوفاة أمها الصدیقة الكبری « خدیجة» ، و بالرغم من أن بكاء ها كان موجعاً لقلبه ، إلّا أن ذلك و غیره من الصدمات القاسیة، لم یزده إلّا صبراً و ثباتاً و إیماناً، فالتفت الیها و عیناها تهمي بالدموع و قال :
« لا تبكي یا بنیّة ، إن الله مانح أباك و ناصره علی أعداء دینه و رسالته.»


و رأته مرة و هو ساجدٌ في الحرم و حوله ناس من مشركي قریش یسخرون منه . و یعدّون الخطط لإیذائه ، فسمعت منهم ما یخرج نفسها و یدمي فؤادها. و إذا بعتبة بن أبي معیط یحملُ سلاجزور و یقدفه علی ظهره و هو ساجد، فأقبلت إلیه مسرعة باكیة و أخذته عن ظهره و ألقته جانباً. ولما رفع رأسه من سجوده دعا علی جماعة من اولئك الذین كانوا حوله.
قال الاستاذ توفیق أبوعلم في كتابه « أهل البیت » : ان للسیدة فاطمة الزهراء تسعة أسماء ، فاطمة ، والصدیقة و المباركة ، و الطاهرة ، و الزكیة ، و المحدثة ، و الزهراء و غیر ذلك ، و أنه كان یطلق علیها (أمّ النبي ) لأنها كانت وحدها في بیته بعد موت أمها ، تتولی رعایته ، والسهر علیه.


و نقل عن علي سلام الله علیه ، أن الرسول قال : « إنّما سُمیت فاطمة لأن الله قد فطمها و ذریتها من النار یوم القیامة» كما جاء ذلك في « الصواعق» و غیرها.
و جاء في « صحیح البخاري» أن النبي (ص) كان یقول : « فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني».
و روی مسلم في « صحیحه » انه قال « فاطمة بضعة مني یریبني ما رابها و یؤذیني ما آذاها».
و رواها بنصها تارة ، و بمضمونها اخری كلٌّ من ابن حجر في « الإصابة » و الترمذي في « صحیحه » و النسائي و غیرهما من المحدثین.
و لكثرة من روي ذلك عن النبي ، أصبح هذا النوع من المرویات ، من المتواتر في معناه إن لم یكن متواتراً في لفظه.


وجاء في « الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني : أن عبدالله بن الحسن المثنی بن الحسن السبط ـ دخل علی عمر بن عبدالعزیز فرفع مجلسه و أكرمه و قضی حوائجه و لما سئل عن سبب اكرامه و تعظیمه له أجاب ـ لقد حدّثني الثقة كأني أسمع ذلك من فم رسول الله (ص) ، انه قال : « فاطمة بضعةٌ مني یسرني ما یسرها و یغضبني ما یغضبها» و عبدالله هذا بضعة من فاطمة بضعة رسول الله.
و جاء في « المستدرك» للحاكم بسند ینتهي إلی أبي ثعلبة الخشني أنه قال :« كان رسول الله (ص) إذا رجع من سفرٍ أو غزاةٍ أتی المسجد ، فصلی ركعتین ثم ثنی بفاطمة ، و یأتي أزواجه بعد ذلك.


روي عن عبدالله بن عمر ، أنه قال: « كان رسول الله إذا سافر ، كانت آخر الناس عهداً به فاطمة ،و إذا رجع من سفره كانت علیها أفضل الصلاة و التحیات أول الناس عهداً به» .
و قد ورد كثیراً و في أكثر من مرة ، قول النبيِ (ص) : « إن الله یرضی لرضاك و یغضب لغضبك».
و هذه الاحادیث تكشف عن منزلة عالیة للزهراء سلام الله علیها، منزلة ما أعظمها من منزلة ، أن یرتبط رضا الله برضا فاطمة و غضب الله بغضب فاطمة ، و هل هناك درجة أعلی من ذلك؟
انها درجة العصمة.
و لذا یعد الشیعة فاطمة من المعصومین الاربعة عشر.


و لم تتل الزهراء (سلام الله علیها) هذه المرتبة ، إلّا لوجود خصال عالیة في نفسها، و إلّا لوجود عوامل أهلتها لهذه المرتبة السامیة الرفیعة، فما أعظم أن یرتبط رضا الله برضا إمرأة من عباده.
لقد إتصفت الزهراء (سلام الله علیها) بصفتین عالیتین جداً:
أولاهما : الوعي ، فقد كانت الزهراء سلام الله علیها واعیة تمام الوعي فكریاً ، واعیة تمام الوعي علمیاً ، واعیةً بالشریعة و بالقرآن و ما یرتبط بالقرآن ، ثم كان لها وعي إجتماعي هائل.
و ثانیهما : الإخلاص ، فلقد كانت( سلام الله علیها) ذات مرتبة عالیة من الإخلاص. و یكفي أن یرتبط رضا الله برضاها لیكشف عن مرتبتها الإخلاصیة العمیقة.


كانت مؤمنةً ، عابدة ، مُسَحَةً، یزهر نورها في محرابها و لذا سمیت ،( سلام الله علیها) بالزهراء.
في « الأستیعاب لابن عبدالبر، بسنده ینتهي إلی عائشة أنها كانت تقول : « أحبُّ الناس من النساء إلی رسول الله إبنته فاطمة ، و من الرجال زوجها عليّ » و تضیف إلی ذلك : « إنه كان صوّاماً قوّاماً».
و روي في « السمتدرك» بسند ینتهي الی جمیع بن عمیر ، أنه قال : « دخلت مع أمي علی عائشة ، فسمعها من وراء الحجاب ، و أمي تسألها عن علي (ع) ، تقول : « تسألیني عن رجل و ا لله ما أعلم رجلا كان أحبّ الی رسول الله من علي ، و لا في الارض إمرأة كانت أحبّ إلیه من فاطمة».


و جاء في كتاب « أهل البیت » للأستاذ توفیق أبو علم و هو یتحدث عن فاطمة (ع)، روایته عن أبي سعید الخدري ـ أن علیاً سأل فاطمة ذات یوم إذا كان عندها شيء من الطعام لیأكله ، فقالت له : « لا والذي أكرم محمداً بالنبوة ما أصبح عندي شيء و لا أكلنا بعدُ شیئا » ، فقال لها : « ألا أعلمتني حتی أبغیكم شیئا، فقالت : إني أستحي من الله أن أكلفك ما لا تقدر علیه فخرج من البیت و استقرض دیناراً لیبتاع لعیاله ما یصلح لهم ، و بینما هو بهذا الصدد و إذا بالمقداد بن الأسود یعترضه في یوم شدید الحر قد لوحته الشمس ، فلما رآه عليٌّ (ع) أنكر حاله و قال ك « و ما الذي أزعجك یا مقداد و أخرجك من رحلك هذه الساعة ؟» فقال له : « خل سبیلي یا أبا الحسن، و لا تسألني عمّا ورائي» . فقال له : « یا ابن أخي ، لا یحلُّ لك أن تكتمني حالك.» فقال : « أما إذا أبیت فوالذي أكرم محمداً بالنبوة ، ما أزعجني إلّا الجُهد ، و لقد تركت أهلی یبكون من الجوع فخرجت من البیت لأبحث لهم عن شيء یسد و لو بعض ما یحتاجون إلیه.»


و یدّعي الراوي أن علیاً لما سمع حدیثه و رأی ما به من الجهد و الجیرة آثره علی نفسه و دفع له الدینار، و رجع الی البیت من غیر أن یشتري شیئا لأهله، و صلّی مع النبي ذلك الیوم ، ولما إنتهی من صلاة المغرب ، قام النبي(ص) من محرابه ، و قال له هل عندك شيءٌ تعیشنا به . فأطرق عليٌّ (ع) برأسه حیاء من رسول الله و أصیب بحیرة من أمره ، و أخیراً ، و بعد صمت طویل رحب بالنبي(ص) و سار معاً حتی دخلا علی سیدة النساء فاطمة (ع) فواجداها تصلّي و خلفها جفنة تفورُ دخانا، و لما اتمّت الصلاة توجهت إلی النبي(ص) و سلّمت علیه ، فمسح بیده علی رأسها و قال : كیف أمسیت و طلب منها العشاء ، فأخذت الجفنة و وضعتها بین یدیه. فنظر إلیها عليٌّ (ع) كالمستغرب لأنه قد خرج من البیت لیشتري شیئا بعد أن قالت له ما أصبح عندنا شيء و لا أكلنا شیئا ، فأدركت سرّ نظرته إلیها و حلفت له أنها لا تعلم من أین جاءتها الجفنة ، فوضع رسول الله كفّه بین كتفي علي وقال: « هذا جزاء الدینار یا علي، هذا من عند الله ، إن الله یرزق من یشاء بغیر حساب» ثم استعبر النبي(ص) و قال : « الحمد لله الذي لم یخرجكما من الدنیا حتی جزاك یا علي وجعل لك و لفاطمة ما جعله لزكریا و مریم حیث قال تعالی: كلّما دخل علیها زكریا المحراب وجد عندها رزقا قال یا مریم أنّي لك هذا قالت هو من عند الله إن الله یرزق من یشاء بغیر حساب».


و حدّث عبدالله بن العباس، عن النبي (ص) أنه قال یوماً : « إن الله خلق الناس من أشجار شتی و خلقت أنا و علي من شجرة واحدة فما قولكم في شجرة أنا أصلها و فاطمة فرعها و عليٌ لقاحها و الحسن و الحسین ثمارها و شیعتنا أوراقها فمن تعلق بغصن من أغصانها ساقه الی الجنة ، و من تركها هوی الی النار».


و جاء في روایة لابن عباس عن النبي (ص) أنه قال: « یا علي إن فاطمة بضعة مني، و نور عیني، و ثمرة فؤادي ، یسؤوني ما ساءها ، و هي أول من یلحقني من أهل البیت ، فأحسن إلیها من بعدي ، و الحسن و الحسین إبناي و ریحانتاي و سیدا شباب أهل الجنة ، فلیكونا علیك كسمعك و بصرك.
و أضاف ابن عباس ، أن النبي (ص) رفع یدیه إلی السماء و قال : « اللهم إني أشهدك أني محبٌ لمن أحبّهم ، و مبغض لمن أبغضهم ،و سلمٌ لمن سالمهم، و حربٌ لمن حاربهم، و عدوٌ لمن عاداهم، و وليٌ لمن والاهم».
و روی الرواة أیضاً ، صأن النبي (ص) كان جالساً ذات یوم و عنده علي و فاطمة و الحسنان ، فقال : « اللهم إنك تعلم أن هؤلاء أهل بیتي و أكرم الناس علي، فأحبب من یحبهم ، و أبغض من یبغضهم ، و وال من والاهم و عادٍ من عاداهم ، و أهن من أهانهم ، و اجعلهم مطهرین من كل رجس ، معصومین من كلّ ذنب و أیدهم بروح القدس یا ربّ العالمین».


و جاء في روایة ابن عبد البر في « الاستیعاب » أن النبي (ص) قال لها ك « یا بنیة، ألا ترضین أنك سیدة نساء العالمین؟ » فقالت : « یا أبتی أین مریم ابنه عمران؟» فقال : « هي سیدة نساء عالمها».
و بهذا المضمون، روی الصدوق في « أمالیه» عن النبي (ص) أنه كان یقول : « فاطمة سیدة نساء العالمین» و لما قیل له أنها... قال « تلك إبنة عمران ، فأما إبنتي فانها سیدة نساء العالمین من الأولین و الاخرین».
إلی كثیر من الأحادیث التي رواها محدثو الشیعة و السنّة في مجامیعهم و صحاحهم و التي تتفق في مضامینها.
و قد اختارها الله سبحانه من بین بنات الرسول لتكون أما للذریة الطاهر ، تلك الذریة التي ستكون امتدادا لحیاة الرسول فتتحمل ثقل الكفاح، و عبء الجهاد.
روی الرواة أكثر من مرة ، كما جاء في « مستدرك الصحیحین» و « تاریخ بغداد» ، ان النبي (ص) كان یقول : « كل بني آدم ینتمون الی عصبتهم ، إلّا ولد فاطمة فاني أنا أبوهم ، و أنا عصبتهم».


و قد أنزل الله علیه قرآنا لا یأتیه الباطل من بین یدیه و لا من خلفه، یفرض مودتهم علی جمیع الناس من بعده في كل عصر و زمان، و قال تعالی:
« قل لا أسئلكم علیه أجراً إلّا المودة في القربی».
و أثناء الهجرة ، وعندما عاد علي (سلام الله علیه) یتابع السیر بمن معه من النسوة ، طارده جماعة من قریش ، و كان ممن طارده (الحویرث بن نقیب بن عبدقصي) ، وكان ممن یؤذي النبي (ص) في مكة ، فأقبل الحویرث علی البعیر الذي یحمل فاطمة و معها إحدی القواطم ، فرماها إلی الارض فأضربها، و كانت نحیلة الجسم قد أنهكت جسمها الأحداث التي سبقت هجرة أبیها.


و مرت سنوات علی هذا الحادث ، و جاء العام الثامن للهجرة الذي فتح النبي فیه مكة ، و جریمة الحویرث عالقة في الأذهان ، و إذا بالنبي (ص) یسمیه مع النفر الذین أهدر دماءهم و إن وجدوهم تحت أستار الكعبة ، فقتله أمیر المؤمنین سلام الله علیه.
و جاء في « جلاء العیون» للسید عبدالله شبّر، عن الخوارزمي ، في « المناقب» و غیرهما من الكتب ، عن أم سلمة و سلمان الفارسي و أمیر المؤمنین(ع) أن فاطمة قد خطبها في مطلع صباها أكابر قریش من أهل الفضل و السابقة في الاسلام، و كلّما جاء ها خاطب أعرض عنه النبي بوجهه حتی كان الرجل منهم یظن في نفسه أن رسول الله ساخط علیه أو نزل علی رسول الله (ص) فیه وحي.
و جاء في « الطبقات الكبری» لابن سعد؛ أن أبابكر و عمر بن الخطاب حین خطباها من النبي(ص) لم یزد علی قوله ـ إني أنتظر فیها أمر الله ـ و قد تقدّم أمیر المؤمنین (سلام الله علیه) علی حیاء فخطبها منه (ص) فاستقبله ببشاشه ، و رحّب بقدومه و أقبل علیه یسأله برفق و لطف، فأجابه بصوت ضعیف و هو مطرق برأسه : « ذكرت فاطمة یا رسول الله » و لم یزد علی ذلك ، فردّ علیه النبي بقوله :« مرحباً و أهلاً» . و خرج علي لیقص علی أصحابه ما جری له و كانوا بانتظاره ، فلما أخبرهم ، قالوا: « لقد أجابك النبي الی ما ترید».


و في روایة « كشف الغمة» أن النبي (ص) جمع المسلمین و قال لهم : « إن الله أمرني أن أزوج إبنتي فاطمة من علي و قد زوجتها إیاه علی أربع مئة مثقال فضة». ثم إلتفت الی علي و قال :
« لقد أمرني ربّي أن أزوجك فاطمة ، و إني قد زوجتكما علی أربعة مئة مثقال من الفضة، أرضیت علی هذا الزواج یا علي؟» فقال : « رضیته یا رسول الله». و خرّ ساجداً الی الله. فقال النبي(ص) « بارك الله فیكما و جعل منكما الكثیر الطیب».
و تم ذلك الزواج المبارك، و عاشت سلام الله علیها في حیاة بسیطة مادیاً ، و لكنها سامیةٌ معنویاً.


و في ذات یوم، وقد رجع أبوها من إحدی غزواته بسبي و غنائم ، قال لها علي سلام الله علیه:
« یا سیدة النساء ، لقد ضاق صدري لأجلك، وهذا رسول الله (ص) قد رجع بسبي من إحدی غزواته ، فاذهبي إلیه و التمسي منه إحدی المسبیات لعلها تخفف عنك بعض الأعمال» . و كانت تطحن الشعیر ، فأجابته ، والرحی في یدها و التعب باد علیها: « أفعل إن شاء الله».
فلما أتمّت عملها إنتظرت ساعة لتسترد بعض قواها ، ثم خرجت الی بیت أبیها بخطوات بطیئة ، فلما رآها رحّب بها وهشّ في وجهها كعادته ، ثم سألها عن حاجتها ، فمنعها الحیاء أن تذكر ما جاءت من أجله، و ردّت علیه بقولها:« جئت لأسلّم علیك».
و عادت من حیث أتت لتخبّر علیاً(ع) بما جری لها. و لكن حرصه علیها دعاه لأن یقوم بنفسه لیقص علی النبي (ص) ما تعانیه بضعته من الجهد و العناء في إدارة البیت، فأخبر النبي بحالها و هي مطرقة من إستحیاء ، فأجاب(ص) : « لا والله لا أعطیكما و أدع أهل الصفة»
و مست شكواهما قلب النبي (ص) و شغلته ، عن كلّ شيء فأقبل علیهما لیخفف عنهما ، وقال لهما برفق: « ألا أخبركما بخیر مما سألتماني؟» فقالا: « بلی یا رسول الله» فقال: « تكبّران بعد كل صلاة أربعاً و ثلاثین ، و تحمدان الله ثلاثاً و ثلاثین و تسبّحانه ثلاثاً و ثلاثین». ثم ودّعهما و مضی.


و مضت السنّة علی ذلك في كل صلاة كما تؤكد ذلك بعض المرویات.
لقد ظلت فاطمة الزهراء طیلة حیاتها مع أبیها و زوجها الإمام و ذابت في حبهما كما تذوب الشموع، وكانت مستقراً للذریة الطاهرة التي إنحدرت بمشیئة الله صانع المشیئات من نبي و وصی، فأولدت لهما: الحسن و الحسین ، الذین قال فیهما جدهما: « هذان ولداي إمامان ، قاما أو قعدا» و أدخلهما تحت كسائه مع أبیهما و أمهما، فانزل الله علیه : « إنّما یرید الله لیذهب عنكم الرّجس أهل البیت و یطهّركم تطهیراً».
و أخبر الأمة بجمیع أجیالها المتتالیة إلی یوم البعث ، أنهما و أباهما و أمهما و الأمة الأطهار من ولد الحسین، لن یفترقا عن القرآن ما دام علی وجه الأرض أناس یقدّسونه و یرددون آیاته. و من الاناث ولدت له (ص) زینب و أم كلثوم.


و لیس صحیحاً ما جاء في بعض الروایات الموضوعة ، أن النبي (ص) منع علیاً من التزوج علی فاطمة فان علیاً ما كان لیخطر له ذلك. و إن هذه الروایات متناقضة فیما بینها مما یجعل الباحث یقطع بعدم صدورها من النبي(ص) و عدم وجود مثل هذا في حیاة الإمام و الزهراء علیهما السلام.
أما الحدیث عن مصحف فاطمة ، فقد جاء في روایة الكلیني، عن أحمد بن عمر الحلبي، عن أبي بصیر قال : دخلت عن أبي عبدالله الصادق فقال لي :« یا أبا محمد، لقد علم رسول الله علیا ألف باب من العلم ، یفتح له في كلّ باب ألف باب» قلت : « هذا والله العلم» . فنكث ساعة في الأرض ثم قال :« إنه لعلم ، و ما هو ذاك یا أبامحمد ، إن عندنا الجامعة ، و ما یدریهم ما الجامعة ...» إلی أن قال :« و إن عندنا مصحف فاطمة».


و قد ذكرت الروایات ما في هذا الكتاب الموجود عند الزهراء ، سلام الله علیها ، من أحكام و تشریعات و ارشادات و تفسیر للقرآن الكریم مما یدل علی عظم هذا الكتاب ، و علی سمو مقام الزهراء (ع) في العلم.
و هكذا عاشت (ع) في كنف أبیها و زوجها ، حتی آن الحیاة النبي (ص) أن تنقضي، و أن یرحل (ص) ، و كانت تلك ضربة كبری في حیاتها.
فانه روي انه اجتمع نساء رسول الله (ص) عنده في مرضه لم تغادر منهن واحدة ، فجاءت فاطمة (ع) تمشي ، لا تخطیء مشیتها مشیة رسول الله (ص) فهش إلیها ، و قال : مرحباً بابنتي، و أقعدها إلی یمینه ، و قد رآها متجلدة ، تتكلف الصبر، و لا تكف عن الدعاء و الابتهال ، فأشفق لما بها، و أدناها إلیه، و تحدّث معها بكلام لم یسمعه أحد، غیر أنها بكت و تغیرت ثم أدناها إلیه ، و تحدّث معها ، فعادت إلی طبیعتها و ابتسمت و كأن لیس في الأمر شيء.


و جاء في روایة عائشة، أنها قالت لها: « لقد خصك النبي بالسردوننا ، فبكیت و ابتسمت ، اخبریني بما قال لك». فقالت لها الزهراء « ما كنت لأفشي سرّ رسول الله(ص) ».
و مضت تقول : « فلما توفي رسول الله ، قلت لها أسألك بما لي علیك من الحق إلّا أخبرتني بما أسرّ إلیك رسول الله ، فقالت:
لقد أخبرني أولاً باقتراب أجله، و أوصاني بالصبر و تقوی الله فبكیت ، و في المرة الثانیة قال لي، و قد رأی ما بي من الهم و الجزع : أما ترضین أن تكوني سیدة نساء العالمین ، و أن تكوني أول أهل بیتي لحوقاً بي؟ فاستبشرت بلقاء الله ، و اللحوق بأبي في داره التي أعدها الله له».


و اختار لله للنبي الأكرم لقاءه ، فعل الضجیج و الصراخ في جمیع أنحاء المدینة ، و انصرف علي (ع) و جماعة من خیار الصحابة عن كل شيء إلا عن النبي (ص) و تجهیزه لمثواه الأخیر، هذا و فاطمة یغشی علیها ساعة بعد ساعة ، لهول المصاب . و لما تم دفنه تحاملت تسعی نحو القبر ، و ألقت بنفسها علیه ، مغشیاً علیها، و لما أفاقت ، أخذت حفنة من ترابه ، و أدنتها من عینیها اللتین قرحهما البكاء ـ كما جاء في روایة البخاري ـ و راحت تشمها ، و تقول:
ماذا علی من شمّ تربة أحمدٍ أن لا یشم مدی الزمان غوالیا
صبّت علي مصائبٌ لو أنها صبّت علی الأیام عدن لیالیا
وبكی الحاضرون لبكائها ، و تقطعت قلوبهم ، و هم ینظرون إلیها تقلب التراب بیدیها ، و تشمّه ، ثم تحدق فیه، و كأنها یئست من الدنیا، و هي تقول:
إنّا فقدناك فقد الأرض و ابلها و غاب مُذ غبت عنّا الوحي و الكتب
فلیت قبلك كان الموت صادفنا لما نعیت وحالت دونك الكثب
ثم التفت الی أنس بن مالك ، و قالت :
یا أنس ، كیف طابت نفوسكم، أن تحثوا التراب علی رسول الله؟
و بقیت بعد أبیها خمسة و سبعین یوماً.
و في روایة الإمام الصادق:
« انها كانت تأتي قبور الشهداء في الجمعة مرتین و تقول:
ها هنا كان رسول الله ، و ها هنا كان المشركون».
و لم تر ضاحكة طیلة حیاتها بعده.
و من خطاب لها ألقته في المسجد بحضور أبي بكر و حشد كبیر من المسلمین:
« أنتم عباد الله نصب أمره و نهیه ، و حملة دینه و وحیه ، و امناء الله علی أنفسكم ، و بلغاؤه الی الامم، و زعیم حق له فیكم ، و عهد قدمه إلیكم ، و بقیّة استخلفها علیكم، كتاب الله الناطق، و القرآن الصادق ، و النور الساطع ، الضیاء اللامع ، بیّنة بصائره ، منكشفة سرائره، متجلّیة ظواهره ، قائد الی الرضوان أتباعه... لقد جعل الله الایمان تطهیرا لكم من الشرك، و الصلاة تنزیهاً لكم من الكبر، و الزكاة تزكیة للنفس و نماء في الرزق ، و الصیام تثبیتاً للإخلاص تشییداً للدین...»


و ظلت تتحدث عن الفوائد التي یجنیها المسلم من فروع الاسلام، حتی قالت:
« لقد جاءكم رسول من أنفسكم ، عزیزٌ علیه ما عنتم ، حریصٌ علكیم بالمؤمنین رؤوف رحیم، فان تعزّوه و تعرفوه تجدوه أبی دون نسائكم ، و أخا ابن عمي دون رجالكم، و لنعم المعزّي إلیه ، فبلّغ الرسالة صادعاً بالنضارة، مائلا عن مدرجة المشركین ، ضارباً ثبجهم ، آخذاً بكظمهم، داعیاً الی سبیل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة ، بكسر الأصنام ، و ینكث الهام، حتی انهزم الجمع و ولوا الدبر... فأنقذكم الله بأبي ، محمد ، بعد اللتیا و التي ، و بعد أن مُني بهم الرّجال و ذؤبان العرب ، و مردة الكتاب ، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله أو نجم للشیطان ، و فغرت فاغرة من المشركین قذف أخاه في لهواتها، فلا ینكفيء حتی یطأ خماصها بأخمصه، و یخمد لهبها بسیفه، مكدوداً في ذات الله ، مجتهداً في أمره الله، قریباً من رسول الله ، سید أولیاء الله ، مشمراً ، ناجحاً ، كادحاً...» و هو خطاب طویل ذو شجون.
ــ فلله هذه المرأة العظیمة ، كانت في حیاتها مجاهدة من أكبر المجاهدین.
ــ فسلام الله علیك أیتها الزهراء ، و سلام الله علی أبنائك الطاهرین.
ــ اللهم اجعلنا من اتباعها و من محبیها ، اللهم اغرس روحها في نساء الأمة ، انك السمیع المجیب

 


source : www.abna.ir
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

اهل البیت فی کلام النبی (ص)
إمامة الإمام الكاظم ( عليه السلام )
في ذکرى رحيل بضعة الرسول، فاطمة البتول (س)
أقرب الناس لرسول الله
نشاطات فاطمة الزهراء علیها السلام
فاطمة الزهراء (عليها السلام) السرّ المستودع
إحياء الموتى بدعائه عليه السلام
الامام موسی بن جعفر عليه السلام
الاستماتة‌ و الجزع‌ من‌ الموت في ساحة‌ عاشوراء
الرسول القائد

 
user comment