كلنا يعرف ما للرياضة من فوائد صحية واجتماعية جمة ، والكثير منا يحبها ويهوى ممارستها ليلا و نهارا ؛ فهي تنشط الدم في العروق ، و تخلص الجسم من الفضلات التي تتراكم بالجلوس لساعات طويلة ، و تبعث على صفاء النفس ، و تشعر مزاولها بالحيوية والقوة .
و قد تطورت الرياضة كثيرا عبر قرون عديدة من الألعاب التقليدية : كالركض ، والمصارعة ، و غيرها ... إلى ألعاب منظمة ، تحكمها قوانين صارمة ، يترتب جزاء ما على مخالفتها مثل : كرة القدم ، و كرة السلة ، و كرة الطاولة ... الخ .
و نظرا لما للرياضة من فوائد و مزايا حسنة ، تنعكس على مزاولها ... لذا فإن الإسلام لم يغفل عن استعمالها ، و تسخيرها لنشر دين الله تعالى ... فلم يحرم الرياضة ، و إنما حرم الإسلام السلبيات الموجودة فيها ، و أول تلك السلبيات هي : قضاء أوقات طويلة في مزاولة الرياضة ، بما يؤثر على فعاليات الفرد الأخرى أثناء النهار .
إذ أن الإسلام يقسم وقت المؤمن إلى ساعات متعددة : بعضها للنوم ، و بعضها للعبادة ، و بعضها للعمل المنتج المثمر ، و بعضها لطلب العلم والثقافة ... و ما فضل عن هذه الساعات يكرس للرياضة و يعد كتسلية استنادا للأحاديث الآتية :
قال الرسول (صلى الله عليه و آله) :
(لكل عامل شرّة ، و لكل شرّة فترة ... فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى) .
والشرّة : ساعة الجد والعمل ... أما الفترة : فهي الوقوف للاستراحة .
و قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) :
(روحوا القلوب ، فإنها إذا أكرهت عميت) .
و قال أيضا (عليه السلام) :
(اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات : ساعة لمناجاة الله ، و ساعة لأمر المعاش ، و ساعة لمعاشرة الأخوان والثقاة الذين يعرفون عيوبكم و يخلصون لكم في الباطن ، و ساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم ... و بهذه الساعة تقدرون على الثلاث الساعات) .
أي أن يمارس المرء هوايته بعد أن يكون قد أوفى بالتزاماته الأخرى تجاه الخالق أولا ، ثم المخلوقين ثانيا ... و في حال الرياضة أن يكون بعض الوقت للرياضة ، لا كل الوقت لها ... و إذا كان أغلب الوقت يصرف للرياضة ، عدت في هذه الحالة من أصناف اللهو ... واللهو محرم في الشريعة الإسلامية ؛ استنادا إلى الأحاديث الآتية :
قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) : (شر ما ضيع فيه العمر ؛ اللعب) .
و قال أيضا (عليه السلام) : (أبعد الناس عن الصلاح ؛ المستهتر باللهو) .
و قال أيضا : (اللهو يسخط الرحمن ، و يرضي الشيطان ، و ينسي القران) .
والسلبية الثانية في الرياضة : هي الاستغراق في بعض الألعاب الرياضية ، التي لا تضيف جديدا للإنسان .
إن الرسول عندما شجع على ما نسميه اليوم بالرياضة ، فقد شجع على ممارسات تضيف للإنسان مهارات مطلوبة في ذلك العصر ، و مفيدة للجسد ، فقد قال (صلى الله عليه و آله) :
(خير لهو المؤمن السباحة ، و خير لهو المرأة المغزل) .
و قال أيضا (صلى الله عليه و آله) :
(كل لهو المؤمن باطل إلا في ثلاث : في تأديبه الفرس ، و رميه عن قوسه ، و ملاعبته امرأته ؛ فإنهن حق) .
و قال أيضا (صلى الله عليه و آله) : (علموا أولادكم الرماية والسباحة) .
والملاحظ لهذه الأحاديث ، أن الرسول يحث على اكتساب مهارات ، كانت مهمة في ذلك العصر ؛ أي أن الرياضة يجب أن تنتخب على أساس عقلائي ، و بمقدار ما تقدمه للبشرية من مهارات مفيدة ، لا لمجرد مضيعة الوقت والطاقة ... أما الرياضات العنيفة ... فالمفروض أن يبتعد عنها المؤمن ؛ لأنها تغرس روح العداء والغضب في نفس المتفرج واللاعب ، و إلا فأين التسلية عندما يكسر اللاعب فك لاعب آخر ، أو ظهره ؟ ... وأين القيمة المكتسبة ، عندما يغرس المصارع الرماح في جسد الثور المسكين ، و يقوم بتعذيبه ؟
والسلبية الثالثة في الرياضة : هي المشاحنات والخلافات بين الجمهور الرياضي ، إذ أن الهدف من الرياضة هي التسلية ، و إزالة الكدور عن النفس ... و لكننا نلاحظ أن الجمهور الرياضي يبدأ بمتابعة المباراة ، هادئا متعقلا ... و مع مرور الوقت تبدأ المشاحنات ، والبذاءآت ، و لغة المهاترة ... و قد لا تكون نتيجة المباراة مرضية عند الجمهور ، فتبدأ الحماقات واللكمات ، و تكسير الأيدي والأرجل ، و ربما النزول إلى أرض الملعب ، والاصطدام برجال الشرطة .
إننا في الوقت الذي نعيش فيه أسوا أيام الدهر ، إذ نكتوي بنارين و نحارب في جبهتين : حرب مع الاستكبار العالمي ، و حرب مع أعداء الدين في الداخل ؛ فيكون القابض منا على دينه كالقابض على جمرة ، و نبذل أقصى طاقة لأجل توحيد الصفوف في حربنا العادلة ، لمن السخف والحماقة أن تؤدي مزاولة الرياضة إلى المشاحنة والبغضاء والعصبية ، و شد الأعصاب والحماسة لفوز أحد الفريقين ، أكثر من الحماسة لانتصار الإسلام في هذه الحرب غير المتكافئة في العدد والعدة ... و إذا دل هذا الأمر لدى الجمهور على شيء ، فهو يدل على مدى المستوى الإيماني الذي وصل إليه ، و مقدار استعداده للذود عن حياض الإسلام ، و نصرة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) ... في حين يمكن تخليص الرياضة من كل هذه السلبيات ، لو طبق الرياضي فقه الرياضة ، واهتم بالسلبيات الموجودة ، و طريقة علاجها كما يهتم بتطوير مستوى أدائه .
واسوا شيء في الرياضة : أنها غالبا ما تمارس لصرف الوقت كيفما اتفق ، في حين أن الإسلام يطمح إلى توظيف الرياضة في العديد من الجوانب المهمة في نصرة الإسلام ، و منها :
1 ـ بناء جيل شبابي قوي ، فتي ، معافى و سليم ، قادر على أداء مسؤولياته ، التي تتطلب جهدا و مؤهلا للعمل والعطاء والبذل .
2 ـ إعداد شريحة شجاعة ، جريئة و صابرة ، ولديها القدرة على تحمل المشاق والصعوبات ، و مواجهة التحديات ... وبالطبع فإن اللياقة البدنية شرط واحد من عدة شروط مطلوبة .
3 ـ تحقيق العدالة الاجتماعية ، من خلال رجال أشداء و نساء ، ينعمن بالصحة البدنية والعقلية والروحية والثقافية .
4 ـ محاربة و مكافحة المنكرات والموبقات ، والدفاع عن النفس ، و ضد الأعداء في ساحات الجهاد والمقاومة ، و نصرة الدين .
5 ـ حفظ الحدود الشرعية ، والقوانين الإلهية من خلال ما يتطلبه ذلك من قوى بشرية قوية في لسانها و يدها و قلبها .
6 ـ الاعتماد على السواعد المفتولة ، في استخراج كنوز الأرض و ذهبها الأبيض (القطن) والأسود (النفط) والأخضر (الزراعة) والأصفر(الذهب).
و على هذا ، فالإسلام ينظر إلى الرياضة نظرة بعيدة المدى ، و متى ما حاول الرياضيون تحقيق أهداف الإسلام كاملة من وراء الرياضة ، فضلا عن ضبطها وفق قواعد و قوانين الإسلام ؛ حينها فقط ليطمعوا بتأييد الإسلام ... و لكن قبل ذلك ينتظرهم الكثير من العمل ، لتغيير واقع الرياضة من إسفين يدق لتجزئة و إماتة روحه إلى مطرقة قوية من مطارقه ، تهوي على رؤوس الباطل والضلالة .
source : www.alimamali.com