عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

حقوق المعصومين (ع)ـ القسم الأول

حقوق المعصومين (ع)ـ القسم الأول

من محاضرات: سماحة آیة الله الشیخ مجتبی الطهراني
ترجمة: الأستاذ علي فاضل السعدي

حقوق المعصومين (ع)ـ القسم الأول

إنّ للائمة المعصومين (عليهم السلام) هداة البشرية نحو الصلاح حقوقاً على الناس وتمثل هذه الحقوق السبيل الأنجع للارتباط بهم (عليهم السلام) وفيما يعد الإعراض عنها ابتعادا وانفصالاً عنهم (عليهم السلام). فحقوق الأئمة على الناس هي اكبر بكثير من حقوق الوالدين والمعلمين لا بل تتعداها بمراتب متضاعفة لأن في اتباع أوامرهم وإرشاداتهم السبيل إلى الصلاح والسعادة. كما أن المعصومين (عليهم السلام) اكبر معلمي البشرية ومصداقا تاما وكاملا لأهل الإيمان. وقد تبلورت حقيقة العلم فيهم فهم منهل الحكمة التي يزدحم إليها الطالبون.

فهؤلاء العظماء يمثلون حقيقة الإيمان لا بل يمثل حبهم تجسيداً للإيمان إذاً فحقوق الوالدين والمعلم والمؤمن ثابتة؛ لكن ورغم هذا فإنّ البحث في هذا الإطار ينصبّ على الحقوق الخاصة للائمة (عليهم السلام) والتي تنحصر بهم ولا تتعدى إلى غيرهم من سائر الناس. وإن تعدّت واشترك غيرهم معهم فيها فإنّ هذا الحق يثبت بوصف خاص للمعصومين (عليهم السلام).

إنّ حقوق المعصومين (عليهم السلام) على الناس تمثل أهم الحقوق التي جعلها الله تبارك وتعالى بين الناس؛ ولهذا ينبغي أن يطّلع الإنسان على هذه الحقوق لكي يكون بإمكانه أدائها. وقد ورد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه تحدث في خطبة له أيام حرب صفين قائلاً:

ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها ويوجب بعضها بعضا. ولا يستوجب بعضها إلّا ببعض. وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي. فريضة فرضها الله سبحانه لكل على كل...( 1)

إنّ بعض هذه الحقوق تمتاز بأهمية اكبر من الحقوق الأخرى، وهذا ليس إلّا دليلاً على أن لمراعاة هذه الحقوق الدور الأكبر في سعادة البشر. فقد صرح الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في الكلام السابق على حقّ الوالي على الرعية وهو وبمقتضى الظاهر يعدّ حقاً من حقوق المعصومين التي تقع على الناس، لا، بل هو من أعظم ما افترض سبحانه، ويشير في تتمة هذا الكلام إلى نتائج رعاية هذا الحق والذي يدل على مدى أهميّته وعظمته حيث يقول (عليه السلام):

فجعلها نظاماً لألفتهم وعزاً لدينهم.( 2)

وكما هو واضح فإنّ الإمام (عليه السلام) يرى أنّ السعادة الدينية والدنيوية للأمة لا يمكن أن تتم إلّا من خلال رعاية هذا الحق وعلى كل حال فإن هذه الحقوق تكون على النحو التالي:

الحق الأوّل

المحبّة والمودة

يمثل كل من الحب والبغض الأساس لجميع مناحي الإنسان أو اجتناباته. فالإنسان لا يتوجه لأمر إلا حيث يحب، ولا ينفر إلّا مما يكره. فهو يحب السعادة والفلاح وينفر من الشقاوة كما أنّ الحركة في مسير السعادة رهن بإرشادات وهدى الأئمة (عليهم السلام)، إذاً فعلى الإنسان أن يحب أئمة الفلاح والخلود وأن يرتبط معهم وهذا هو الحق الكبير الذي يقع على عاتقه. يقول تعالى في القرآن الكريم مخاطباً رسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).

قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى...( 3)

فمن البديهي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما يأمر رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يطلب من الأمة الإسلامية أن تحب قرابته، إذاً فستصبح هذه المحبة والمودة حقا على الأمة الإسلامية وذلك كما ورد في رواية عن الإمام علي (عليه السلام) حيث يقول فيها:

عليكم بحب آل نبيكم فإنه حقّ الله عليكم والموجب على الله حقكم ألا ترون إلى قول الله: " قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى "( 4)

فرغم أن الحديث أعلاه يدل على أن حق المحبة والمودة هو من الحقوق الإلهية لكن ولأن من ينبغي أن يحبوا ويودوا هم الأئمة المعصومون (عليهم السلام) إذاً فهذا الحق الإلهي سيكون لهم. روي عن عبد الله بن مسعود قال: كنا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض أسفاره إذ هتف بنا أعرابي بصوت جهوري فقال: يا محمد! فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما تشاء؟ فقال: المرء يحب القوم ولا يعمل بأعمالهم، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): المرء مع من أحب، فقال: يا محمد اعرض عليّ الإسلام، فقال: اشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم شهر رمضان وتحج البيت. فقال: يا محمد تأخذ على هذا أجرا؟ فقال: لا إلّا المودة في القربى، قال: قرباي أو قرباك؟ قال: بل قرباي، قال: هلم يدك حتى أبايعك، لا خير فيمن يودك ولا يود قرباك.( 5)

الحق الثاني

الولاية والإمامة

لقد خلق الله الإنسان وأنشأه وتولاه في جميع الأمور الفردية والاجتماعية. فهو لم يترك الإنسان لحاله، بل جعل رسوله ولياً على الناس وذلك بما يمثله من خلافة لله في الأرض. وتستمر هذه الولاية إلى نهاية الدهر في نسله. إذاً فالأئمة المعصومون يمثلون مقام الولي بالنسبة للبشرية، قال تعالى في القرآن الكريم:

" إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا..."( 6)

وقد أورد الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسيره لكلمة "والذين آمنوا... يعني عليا وأولاده الأئمة (عليهم السلام) إلى يوم القيامة"( 7)

إذاً ينبغي على المسلمين أن يرتضوهم كزعماء وأئمة، وهو الحق الذي إن أداه المرء سمي شيعياً؛ هذا رغم أنّ الشيعي الأصيل هو من أدّى جميع حقوق المعصومين (عليهم السلام) ولم يقصّر عن حق من تلك الحقوق. قال أمير المؤمنين (عليه السلام):

لنا على الناس حقّ الطاعة والولاية، ولهم من الله سبحانه حسن الجزاء.( 8)

وقد روي عنه (عليه السلام) في رواية أخرى وضمن ثنائه على مكانة أهل البيت (عليهم السلام) حيث يقول:

لا يقاس بآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذه الأمة أحد ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا. هم أساس الدين. وعماد اليقين. إليهم يفيء الغالي. وبهم يلحق التالي ولهم خصائص حقّ الولاية. وفيهم الوصية والوراثة.( 9)

الحق الثالث

التبعية والطاعة

يمثل المعصومون (عليهم السلام) الأئمة للأمة ولا سبيل لأداء حق إمامتهم بشكل سليم إلّا بإطاعة أوامرهم واتباع ما يطلبونه من الأمة. فحينما ينصب الله إماماً على الناس ستكون طاعته طاعة لله تعالى كما أنّ التخلف والإعراض عن أوامره سيكون عصيانا لأمر الله تعالى فقد ورد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام).

"من أطاع إمامه فقد أطاع ربه".( 10)

إن من يقبل بولاية المعصومين (عليهم السلام) وزعامتهم، ولكنه يعرض عن العمل بأوامرهم، لا يعدّ شيعياً أصيلاً؛ هذا رغم أنّه يختلف ومن أنكروا ولايتهم (عليهم السلام). فالشيعي الأصيل إذاً هو من أطاع أوامر إمامه فقد مرّ أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:

"لنا على الناس حقّ الطاعة والولاية..."

فإذا ما جمعنا بين هذين الحقين فإن بالإمكان أن نصل إلى أنّ أداء هذين الحقين بشكل صحيح لا يتم إلّا إذا كانا معاً. فولاية وزعامة المعصومين (عليهم السلام) للأمة لا تتم بداهة إلّا إذا كانت طاعتهم حقا من حقوقهم (عليهم السلام). لأنّ ولايتهم على الناس ليست أمرا صورياً لينتفي عنها حالة الأمر أو الإرشاد للمعصوم (عليه السلام)، بل يعدّ مقام الولاية مقاماً حقيقياً ينتج عنه حقّ الزعامة للمعصوم (عليه السلام) في جميع المجالات الفردية والاجتماعية ويجعلهم زعماء أصيلين على أنفس الناس ومالهم وجاههم. كما أنّ هذا المقام لا يمكن أن يرعى من قبل الناس إلّا إذا كانوا مطيعين لإمامهم (عليهم السلام). وقد سئل الإمام الباقر (عليه السلام) عن حق الإمام على الناس فأجاب (عليه السلام):

حقّه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا.(11 )

إذاً ينبغي العمل بأوامر الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وهذا العمل يمثل حق طاعة الإمام الذي يقع على عاتق الأمة. وقد ورد الأمر بأداء هذا الحق بشكل بيّن وواضح في قوله تعإلی:

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..."( 12)

وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):

"عليكم بطاعة أئمتكم فإنهم الشهداء عليكم اليوم، والشفعاء لكم عند الله غداً"( 13)

وقد ورد في رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) أن الله تعالى عدّ إطاعة الأئمة (عليهم السلام) إطاعة لما فرضه على الناس:

أوحى الله تعالى إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّي خلقتك ولم تك شيئا ونفخت فيك من روحي كرامة منّي أكرمتك بها حين أوجبت لك الطاعة على خلقي جميعا، فمن أطاعك فقد أطاعني ومن عصاك فقد عصاني وأوجبت ذلك في عليّ وفي نسله، ممن اختصصته منهم لنفسي.( 14)

يمثّل الأئمة المعصومون (عليهم السلام) أفضل أسوة يقتدي بها البشر، وحقّ أفضل البشر هو أن يتبع فيما يقول ويفعل، حتى وإن لم يأمرهم بذلك فقد عرّف الله تعالى رسوله كأسوة للناس وذلك ليطيعه الناس ويتبعوه وذلك حين قال:

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ( 15)

وقد أوصى أمير المؤمنين (عليه السلام) المسلمين باتباع أهل البيت (عليهم السلام) اتباعا دقيقاً وذلك حيث قال:

أنظروا أهل بيت نبيكم فألزموا سمتهم واتبعوا أثرهم فلن يخرجوكم من هدى، ولن يعيدوكم في ردى. فإن لبدوا فالبدوا وإن نهضوا فانهضوا. ولا تسبقوهم فتضلوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا. لقد رأيت أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فما أرى أحدا يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا وقد باتوا سجدا وقياما يراوحون بين جباههم وخدودهم ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم. كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم. إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم. ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاء للثواب.( 16)

فقد يكون توصيف أمير المؤمنين (عليه السلام) لأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بياناً لأمر جسيم هو بيان صورة لأصحابه عن واقع التابعين الحقيقيين وذلك ليعرفوا مغزى التبعية الحقيقية. وليطّلعوا على ضعفهم وقصورهم في الانقياد لأوامره. وعلى كل حال فالتبعية الحقيقية للمعصومين (عليهم السلام) هي في أن يسعى الإنسان في التشبه بهم في القول والسلوك، لأن هذا التشبه هو ما يميّز بين شيعة المعصومين (عليهم السلام) وشيعة غيرهم. فعلى شيعة الأئمة (عليهم السلام) أن يكونوا كالأئمة (عليهم السلام).

هذا رغم أن الوصول إلى مكانتهم ودرجاتهم أمر لا سبيل إليه، لكن ينبغي أن يسعى الإنسان إلی أن يسلك طريقهم في سلوكه ومنطقه. ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في رسالته إلى عثمان بن حنيف:

إنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد...( 17)

 


source : www.almonji.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أدوار السيدة زينب (عليها السلام) ومهامها
اوجه التشابه بين وصي موسى (عليه السلام) ووصي محمد ...
خصائص النبیّ فی القرآن الکریم
عبادة الإمام زين العابدين (عليه السّلام) ومنزلته ...
من معاجز الإمام الهادي عليه السّلام
اليمن ودورها في عصر الظهور
أشعار في حق الإمام علي ( عليه السلام )
السيدة زينب عليها السلام - في محراب العبادة
حقوق الأئمة الطاهرين عليهم السلام
أدب الامام الجواد عليه السلام

 
user comment