أهل البيت^ خلفاء الله
إن خليفة الله عز وجل الاتم بالحق وهو سيدنا محمد’ ذلك أنه أول من صدر عن نور السماوات والأرض وهو الله عز وجل، وقد جاء في الحديث الشريف: «أول ما خلق الله نوري»([1]).
إن الله على كل شئ الذي أول ما خلق نور عبده وحبيبه محمد’ وقد قال سبحانه: ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة) النور: الآية (35) وقد جاء في الرايات أن الله سبحانه خلق نور محمد’.
قبل خلق العالم بستة آلاف عام وفي روايات أخرى: بخمسة عشر ألف عام.
وقد طوى ذلك النور العوالم تلو العوالم إلى أن ظهر النبي’ في عالم الشهادة بمظهر النبوّة وظهر علي بمظهر الإمامة؛ فهما في عوالم الغيب معاً، وفي عالم الشهادة والدنيا معاً كنفس واحدة وكانا أخوين فأحدهما ارتدى حلّة النبوّة والثاني ارتدى خلعة الإمامة.
وهؤلاء جمعوا في نفوسهم كل ممكنات الكمال وكانوا مظهراً تاماً لواجب الوجود، وقد جاء في الأثر: «ما لله نبأ أعظم مني وما لله آية أكبر منّي»([2]).
كما جاء في بعض نصوص الزيارات: «السلام عليك يا آية الله العظمى»([3]).
وجاء أيضاً: >أنا الآية العظمى<.
وبما أن أصل حدوث الوجود وكماله هو ظهور الربوبية الإلهية، إذن فكل كائن قد أخذ نصيبه من الوجود، ومظهرية الربوبية لها وجود يعني أن جميع الكائنات في الوجود هي مظهر الربوبية، وهذا اللطف الإلهي جارٍ في كل الوجود من عوالم الغيب إلى نهاية عالم الشهادة، فعلى جباهها جميعاً آية من مظهريته، ولأن مظهرية الكائنات لها مراتب تشكيكية يعني بما يتناسب مع السعة والضيق الوجودي لكل موجود، فإن المظهرية تتجلى بمقدار ذلك.
وإذن فإن كل كائن له من المظهرية بما يناسب ما أخذه من الوجود، فكلما ازداد الأخذ أزدادت درجة المظهرية وقوّتها.
إن أكمل وأشرف كائن والأوفى حظا من الوجود والأوسع حتى لا يقارن بسعة وجوديته مع غيره تكون مظهريته أتم وأكمل.
وإن الآيات والروايات تشير إلى أن الوجود المحمدي’ هو الأوسع في وجوديته وهو الأكمل والأتم في مظهريته؛ لأن ظهور ربوبيته في كل شؤون الوجود هدف الألوهية؛ ولأنه سبحانه وتعالى رب العالمين. وشمس الربوبية تطلع من أفق الخلافة الإلهية، فإن ذلك يحتاج إلى خليفة لله الذي هو الأكمل والأتم في مظهر الربوبية وهذا واجب في عرصة الوجود ولازم وضروري. من هنا فإن الله تعالى خلق أول كائن على شكل نور ووهبه السعة الوجودية، ومن خلال سعته الوجودية، أصبح المظهر الأكمل والأشد واصطفاه لمقام الخلافة ومن رحمة أن جعل من خلاقه ظلاً للخليقة فهو في مقام الوسط بين الحق والخلق، وقد امتدت ظلاله لتشمل عوالم الغيب والشهود فهو محور الكائنات جميعاً.
{أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً}([4]).
إن الخلافة والولاية المحمدية هي الخلافة الأكمل والولاية الأتم ومقامه’ لا يمكن لأحد تصور كيفيته ولا يمكن إدراكه؛ وخلافته’ وولايته لا تخص الإنسان فحسب ولا تخص عوالم الغيب والشهود، بل أن خلافته وولايته صلوات الله عليه وآله عامّة وتنشأ من مقام اسم الله الجامع؛ لأنه المظهر التام للعبودية لله عز وجل وخلافته فما عد الله عز وجل نراه تحت ولايته وخلافته، وإن الحق تبارك وتعالى جعل الوجود بأسره تحت ربوبيته الطولية لكي يتسنى لكل إنسان وبتربيته’ أن يبلغ المقام اللائق به و>كل إنسان <تشمل كل شيء سوى الله تبارك وتعالى.
والقرآن الكريم يخاطب النبي’ قائلاً:
قل: «إن وليّ الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين»([5]).
وهذا المقام الولائي واقع في المقام الطولي من سوى الله وهو منحة إلهية له’ ومن هنا يقول القرآن الكريم:
{النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}([6]).
واستناداً إلى الآيات والروايات أن إرادة الله سبحانه شاءت أن تجعل مقام الولاية الإلهية تامّة لا من زيادة ولا نقصان في أهل البيت^.
الولاية باطن الرسالة الإلهية
يجب أن نفهم بأن الولاية هي باطن الرسالة؛ لأنه ما لم يكن الإنسان ولياً ولم يكن قد بلغ من الوجود والمعرفة مقام ولي الله فإنه لا يمكنه أن يكون رسولاً، وإذن فإن كل رسول هو وليّ، ولكن ليس كل ولي رسولاً.
قال النبي’:
«خلقتُ أنا وعلي من نور واحد»([7]).
يعني أن الرسول’ ووصيه علي× كانا معاً في جميع العوالم إلى أن وصلا عالم الخلق والشهادة فكانا نورين أحدهما في صلب عبد الله والآخر في صلب أبي طالب، إن علي بن أبي طالب وهو ولي الله وهو باطن محمد’ وعلي هو كالنبي إلا النبوّة.
وإذن فهو أول صادر ومظهر وأول نور وهو وجه الله وصراط الله وخليفة الله والكل تحت ولايته حتى الأنبياء تحت لوائه.
وعن النبي’ قال: «آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة فإذا حكم الله بين العباد أخذ أمير المؤمنين اللواء»([8]).
وإذن عندما تكون رسالة جميع الأنبياء تحت رسالة نبي الإسلام فإن ولاية الأنبياء أيضاً على أساس ولاية علي وأمير المؤمنين هو رأس الأنبياء والأولياء جميعاً وهو مع جميع الأنبياء في الباطن ومع النبي الأكرم’ في الظاهر.
وعلى هذا فإن مقام الروحانية والولاية النبوّية متحد مع مقام الولاية المطلقة العلوية. وهو الرابط بين الحادث والقديم وبين المتغير والثابت. مع فرق هو أن علياً× هو المظهر التام للاسم الباطن، ولهذا فإنه يتعذّر على كل إنسان أن يسلك الصراط المستقيم إلى الله من دون أن يتمسك بالولاية العلوية، ولن يصل إلى الحقيقة وسيبقى متخبطاً حيراناً في الباطل.
ولما كان الأئمة^ من نور واحد فحكم أحدهم يسري على غيره.
إن الرابط بين الخلق و الخالق وجود منبسط الذي له مقام البرزخية الكبرى والوسطية العظمى وهو مقام الروحانية والولاية للنبي الأكرم’ وأهل بيته المعصومين ولا يصدر شيء عن الله عز وجل إلا من خلالهم وإن ارتباط القلوب ناقص ومقيد، والأرواح النازلة والمحدودة لا تتم ولا تتحقق للمطلق من جميع الجهات من دون وسائط روحانية وروابط غيبية في عوالم الوجود.
طبعاً يجب أن نفرق بين مقام الكثرة ومقام الوحدة. في مقام الوحدة وفناء التعينات والكثرة، فإن جميع الوجودات مرتبطة بالله بشكل مباشر ومن دون واسطة، وأن الحق تعالى له علاقة مع كل مخلوق على نحو الإحاطة القيومية وهو تعالى محيط بكل كائنات الوجود من دون وسائط.
{وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ مُحِيطاً}([9]).
وأما في مقام الكثرة، فإن الفيض الإلهي يجري في وسائط متعددة في عوالم الوجود، وفي مقام الكثرة يكون الارتباط بين الحق والخلق بواسطة الوجود المنبسط للرحمن نفسه، وتتحقق خلاصته في خليفة الله يعني الحقيقة المحمدية والعلوية ووجود أهل البيت^.
الخلفاء بالحق واسطة الفيض
كل من بلغ الفيض والمقام الرفيع فإنّما بلغ ما بلغ بالذوات المقدسة ومن هنا قال القرآن الكريم:
{وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}([10]).
كما جاء في الأثر: <«وتمسكوا بحبل الله المتين» ([11]).
وعن النبي’ قال: «نحن حبل الله المتين»([12]).
إن التمسك بولاية علي× وآل محمد’ والأئمة الراشدين من ضرورات السير إلى الله عز وجل ومن ضرورات تلقي الفيض الإلهي سواء كان هذا الفيض علماً ومعارف وبصيرة، أو كان رزقاً مادياً ومعنوياً.
يقول النبي الأكرم’:
«أنا مدينة العلم وعلي بابها، فلا تؤتى البيوت إلا من أبوابها»([13]).
وبخاصّة سيدنا علي× مولى الموحدين وأمير المؤمنين فهو من حيث المعرفة والوجود قد طوى طريق العروج بعد قوس النزول وطوى الدائرة التامّة وأكمل سيره إلى الله عز وجل، بحيث أن كل عمل قلبي أو بدني إذا كان في طريق الله وصراطه المستقيم يكون تحت ولايته، وتكون صحة إيمانه وصواب توحيده وإيمانه بالولاية وبما أن العبادة تنزّل التوحيد في عالم المادّة وأن التوحيد في عالم الشهادة و المادّة يظهر على شكل العبادة، إذن فإن العبادة سواء كانت قلبية أو بدنية ما لم تكن منضوية تحت الولاية، فسوف لن يكون هناك ثمة توحيد.
يقول الإمام الباقر لأحد أصحابه: «أعلم يا محمد! إن أئمة الحق وأتباعهم هم الذين على دين الله وأن أئمة الجور المعزولون عن دين ا لله والحق فقد ضلوا وأضلوا فأعمالهم التي يعملونها: {كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْ ءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ}([14])([15]).
وعن أبان تغلب وهو من أبرز رواة الحديث في حديث طويل أنه سأل الإمام الصادق فقال: >بولايتكم أمير المؤمنين على بن أبي طالب<([16]).
وقال الإمام الرضا× في الحديث القدسي المعروف بـ >سلسلة الذهب<: إن الله عز وجل قال: >لا إله إلا الله حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي<.
ثم قال×: >بشروطها! وأنا من شروطها<([17]).
الشهادة بالتوحيد والرسالة والولاية
وإذن فإن الرسالة المحمدية والولاية العلوية والإيمان بالأئمة المعصومين هي من ضرورات التوحيد والتي لا يمكن التفكيك بينها، ولذا قيل أن الشهادة على الواحد، الشهادة على اثنين شهادة أخرى، فالشهادة بالإلوهية هي على وزن الشهادة بالرسالة والولاية والشهادة الحقيقية هي الشهادة على هذه الثلاث في القول والعمل معاً، وأن تفكيك كل واحدة عن الأخرى هو من الكفر والضلال والشرك والفسق.
إن الله تبارك وتعالى شهد لنفسه بالإلوهية والرسالة والولاية قال عز وجل:
{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ}([18]).
وهي شهادة من خلال الوحي والنظام الدقيق للعالم ومن خلال لغة جميع الكائنات وطريقتها في التعبير.
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}([19]).
{إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ}([20]).
مقام الولاية يوجب إدراك الفيض
أجل أن أصحاب الولاية الكبرى والوساطة العظمى والبرزخية العليا ـ خلفاء الله ووكلائه بين خلقه ـ هم واسطة الفيض الحق الرابط بين الحق والخلق في مقام الكثرة.
وإذا كان مقام الخلافة والولاية والروحانية ليس بمطلق ما أستحق أحد من الخلائق هذا المقام من الغيب، وما لاح الفيض أصلاً ولما سطع نور الهداية على عالم من العوالم ظاهره وباطنه.
أن تلقي الفيض يلزمه تمسك عيني وحقيقي بهذه الذوات المقدسة لكي يمكن مصاحبتهم وهدايتهم وطي العروج الروحاني ذلك أنهم من مراتب الوجود {قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى}([21])، وهم من حيث المعرفة في مقام اليقين وفي معراجهم الروحاني قد بلغوا الكشف التام، وإذن فإن كل من أراد بلوغ ذلك المقام المعرفي والمرتبة الوجودية يتوجب عليه سلوك طريقهم الذي هو الصراط المستقيم والصراط الحق وخلفائه: «بكم فتح الله وبكم يختم وإياب الخلق إليكم»([22]).
إن النور الوجودي لهؤلاء العظماء بلغ حدّاً أن الملائكة في عالم العقول ـ وهم من المجرّدات والكائنات النورية ـ لا يمكنهم وليس بهم طاقة على تحمل رؤية جمالهم النوري ولرؤية نورهم المقدس وقعوا ساجدين.
وتشتتوا متفرقين وربما حسبوه نور الحق واهمين.
وقد جاء في الأخبار أن رسول الله’ لما عرج به نحو السماء على محمل من نور ومعه جبرائيل فلما بلغ المقام الثالث فرت الملائكة ثم تحلقوا وسجدوا وسبحوا قائلين: >سبوح قدوس، ربنا ورب الملائكة والروح وما أشبه هذا النور بنور ربنا<([23]).
الروايات ومقام الخلافة الإلهية
وعلى أية حال فإن خلافة أهل البيت لله عز وجل في الخلق هي من جملة الخصال والصفات التي صرّح بها الأئمة الأطهار.
قال الإمام الرضا×:
«الأئمة خلفاء الله عز وجل في أرضه»([24]).
وجاء في الزيارة الجامعة عن الإمام الهادي×:
«وأعزّكم وبهداه وخصّكم ببرهان وانتجبكم لنوره وأيدكم بروحه ورضيكم خلفاء في أرضه وحججاً على بريّته».
وجاء عن علي بن حسان أنه سأل الإمام الرضا× حول زيارة الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر× فأخبره أنه يكفي أن يصلّي في مساجد في أطراف القبر وأن يقول: « السلام على أولياء الله وأصفيائه السلام على أمناء الله وأحبائه، السلام على أنصار الله وخلفائه»([25]).
وجاء في الأثر حول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×:
«هو الذين ينادى به يوم القيامة: أين خليفة الله في أرضه»([26]).
وجاء في دعاء للإمام السجاد× يوم عرفة أن أهل البيت^ هم خلفاء الله في الأرض: «وخلفائك في أرضك»([27]).
خلفاء النبي’ وأوصيائه
لقد تضافرت الروايات من الفريقين على أن أهل البيت× هم خلفاء النبي’ وأوصياؤه، وهذه الروايات جاءت من طرق متعددة وبأسناد مختلفة ويطلق علماء الرواية وعلماء الرجال على هكذا روايات بأنها متواترة أي لا يتطرق إليها الشك أبداً.
إن أهل البيت^ هم وحدهم الجديرون بأن يكونوا خلفاء للنبي’ وأوصياء لما تشتمل عليه شخصيتهم من مزايا أخلاقية وصفات ومنزلة علمية رفيعة، فأهل البيت^ هم وحدهم دون سواهم من يليقون بمقام الوصاية.
والخلافة والوصاية حق إلهي خصّهم الله به دون غيرهم، ذلك أن الإمام هو عهد إلهي وقد جاء في سورة البقرة قوله تعالى:
{لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}([28]).
والخلافة والوصاية هو حقّ أهل البيت فهم يرثون كل شيء عن النبي’ إلا النبوّة، فصفاتهم صفات النبي’ ولا ينكر أحد على أهل البيت ميراثهم ولم يدع ذلك أحد من الأمة؛ لأن هذه الحقيقة هي كالشمس في رابعة النهار.
وقد جاء عن النبي’ في حق أمير المؤمنين وذريّته قوله: «فهو سيد الأوصياء، اللحوق به سعادة والموت في طاعته شهادة، واسمه في التوراة مقرون إلى أسمي وزوجته الصديقة الكبرى ابنتي، وأبناه سيدا شباب أهل الجنّة أبناي، وهو وهما والأئمة من بعدهم حجج الله على خلقه بعد النبيين، وهم أبواب العلم في أمتي، من تبعهم نجا من النار ومن اقتدى بهم (هدي إلى صراط مستقيم)([29]) لم يهب الله عز وجل محبّتهم لعبد إلا أدخله الجنّة»([30]).
وعن الإمام الحسين الشهيد× قال: «إن الله اصطفى محمداً على خلقه وأكرمه بنبوّته، واختاره لرسالته ثم قبضه الله إليه وقد نصح لعباده، وبلّغ ما أرسل به، وكنّا أهله وأولياءه، وأوصياءه وورثته، وأحقُّ الناس بمقامه في الناس، فأستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية ونحن نعلم إنّا أحقُّ بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه»([31]).
وفي هذه الرواية يعتبر الإمام الحسين× خلافة النبي’ ووصايته حقاً خالصاً لأهل البيت^ وأن غيرهم غير جدير بذلك، إن غير أهل البيت لا تتوفر فيه الصفات المطلوبة والمزايا المنشودة التي يجب أن يكون عليها من يخلف النبي’ أو يكون وصيّه.
من هم خلفاء النبي’؟
وما أكثر الروايات والأخبار حول أن النبي’ أوصى لأهل بيته وأن من ينازعهم ذلك فهو غاصب لحقهم ظالم لهم.
ويروي أبو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن بابوية القمي بسند لا يتطرق إليه الشك في ان النبي’ لم يوصِ إلى أهل بيته من نفسه، وإنّها (الوصية) كانت بأمر من الله عز وجل في أن يوصي لعلي بن أبي طالب وأن يوصي علي إلى الحسن وأن يوصي الحسن إلى الحسين وأن يوصي الحسين إلى علي بن الحسين وأن يوصي علي بن الحسين إلى محمد بن علي الباقر وأن يوصي محمد الباقر إلى جعفر بن محمد الصادق وأن يوصي جعفر الصادق إلى موسى بن جعفر الكاظم وأن يوصي: محمد الجواد إلى علي بن محمد الهادي وأن يوصي علي الهادي إلى الحسن بن علي العسكري وأن يوصي الحسن العسكري إلى محمد بن الحسن المهدي([32]).
وهو الحجة القائم بالحق، وانه إذا لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً([33]) سلام الله على رسول الله وعلى الأئمة والأوصياء من بعده.
وقد وصف الإمام علي أمير المؤمنين× الأئمة بقوله: هم الأئمة الطاهرون، والعترة المعصومون والذرّية الأكرمون والخلفاء الراشدون»([34]).
خلفاء النبي’ مظهر الصفات الرفيعة
وتتضافر الروايات والأخبار والآثار على أن لأهل البيت^ كل صفات النبي’ إلا النبوّة ومن هنا فقد استحقوا الإمامة والخلافة وأوصافهم حجة على غيرهم، وقد تبددت الشكوك وتفرقت الأباطيل ولم يبق لاحد عذر الى يوم القيامة في ان الائمة من أهل البيت هم سرّ نظام الحياة الإنسانية، وأن الحياة البشرية لا تستقر في مسارها الصحيح حتى يكون لهم الدور القيادي، وأن من أخذ مكانهم وأحتلّ مواقعهم هو غاصب لحقهم كائناً من كان، وأن ما يحدث من وقائع مريرة ومصائب وما ينزل بالأمة من خسائر لا تعوض هو بسبب إقصائهم عن منازلهم التي جعلها الله لهم وخصها بهم دون سواهم، وقد توالت عليهم المصائب وصّب عليهم النوائب، وغصبوهم حقوقهم وقهروهم، فأدّى ذلك إلى ما أدّى إليه من الويلات على الدين وعلى المسلمين فلم يبق من الإسلام إلا أسمه، ومن القرآن إلا رسمه.
إن أهل البيت هم المثل الأعلى للإنسانية بعد النبي’ وقد أصبحوا كذلك لما وهبهم الله من الصفات الحسنة والأخلاق الشريفة والسيرة العطرة فكانوا للناس قدوة وأسوة كما كان رسول الله’.
صفات خلفاء النبي’ صفات الأنبياء
إن الله عز وجل أصطفى أهل البيت ليكونوا للناس قدوة فهم مظاهر أسماء الله، وصفاتهم صفات الأنبياء وهم كنوز الإيمان والأخلاق والإنسانية وقد ورثوا من رسول الله’ ميراثه العظيم في صفاته وأخلاقه وخصاله.
وقد جاء في كتب علماء السنة من المنصفين أحاديث نبوية شريفة تؤكد على أن صفات أهل البيت هي صفات الأنبياء:
قال’: «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، والى نوح في فهمه والى يحيى بين زكريا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب»([35]).
وجاء في رواية أخرى ما يقرب من هذا الحديث قال’: «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه والى موسى في هيبته وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلى علي بن أبي طالب»([36]).
ومن هنا فإن خلفاء النبي’ وأوصياءه هم أشخاص محددين، وهم أثنا عشر إمام وهم بلا شك ولا ريب ولا ترديد أولو الأمر الذين نصبهم الله عز وجل للناس قادة وهداة وأمر رسوله محمد’ أن يبلغ الأمة بذلك، وقد قام النبي’ بابلاغ الناس بأوصافهم وأعلن أنهم أوصياؤه والأئمة من بعده.
خلافة النبي’ في رؤية الإمام الرضا×
وللإمام علي بن موسى الرضا× رأي فريد جداً حول صفات ومقومات خليفة النبي’ ومن يقوم مقامه وهذا الحديث الذي سنثبته بالنص الكامل([37]) يسلط الضوء على هذه المسألة حتى ليتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود:
عن القاسم بن مسلم عن أخيه عبدالعزيز بن مسلم قال: كنّا في أيام علي بن موسى الرضا× بمرو فاجتمعنا في مسجد جامعها في يوم جمعة في بدء مقدمنا.
فأدار الناس أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي ومولاي الرضا× فأعلمته ما خاض الناس فيه، فتبسم ثم قال: يا عبدالعزيز جهل القوم وخدعوا عن أديانهم، إنّ الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيه’ حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شيء بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً، فقال عز وجل: «ما فرّطنا في الكتاب من شيء»([38]).
وأنزل في حجّة الوداع وهي آخر عمره’:«اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً»([39]) فأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض× حتى بيّن لأمته معالم دينه وأوضح لهم سبله وتركهم على قصد الحق، وأقام لهم علياًَ× علماً وإماماً وما ترك شيئاً تحتاج إليه الأمّة إلا بينه.
فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمّل دينه فقد ردّ كتاب الله عز وجل، ومن رد كتاب الله فهو كافر، هل يعرفون قدر الإمامة ومحلّها من الأمّة؟ فيجوز فيها اختيارهم؟! إنّ الإمامة أجل قدراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم.
إن الإمامة خصّ الله عزّ وجلّ بها إبراهيم الخليل× بعد النبوة والخلّة مرتبة ثالثة وفضيلة شرّفه بها وأشاد بها ذكره؛ فقال عزّ وجلّ: «إنّي جاعلك للنّاس إماماً، فقال الخليل× سروراً بها: >ومن ذريّتي< قال الله عزّ وجل: {لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}([40]). فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة.
ثمّ أكرمه بأن جعلها في ذريّته أهل الصفوة والطهارة فقال عزّ وجلّ:
{وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ}([41]).
فلم تزل في ذريّته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتّى ورثها النبي’ فقال الله جلّ جلاله: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}([42])، فكانت له خاصّة فقلّدها’ علياً× بأمر الله عزّ وجلّ على رسم ما فرضها الله، فصارت في ذريّته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله عزّ وجلّ: {وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِْيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ}([43]) فهي في ولد علي× خاصّة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد’، فمن أين يختار هؤلاء الجهّال؟!
إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء، إن الإمامة خلافة الله عز وجلّ، وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين‘، إنّ الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا وعزّ المؤمنين، إنّ الإمامة أسّ الإسلام النامي، وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلوة والزكاة والصيام والحجّ، والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف.
والإمام يحلّل حلال الله ويحرّم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذبّ عن دين الله ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجّة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي في الأُفق بحيث لا تناله الأيدي والأبصار، الإمام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجى والبيد القفار ولجج البحار.
الإمام الماء العذب على الظمأ والدّال على الهدى والمنجي من الردى الإمام النار على اليفاع([44])، الحار أن أصطلى به، والدليل في المهالك من فارقه فهالك.
الإمام السحاب الماطر والغيث الهاطل والشمس المضيئة والسماء الظليلة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة، الإمام الأمين الرفيق والأخ الشقيق ومفزع العباد في الداهية.
الإمام أمين الله في أرضه وحجته على عباده وخليفته في بلاده الداعي إلى الله والذاب عن حرم الله، الإمام المطهّر من الذنوب المبرأ من العيوب مخصوص بالعلم موسوم بالحلم نظام الدين وعزّ المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين.
الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهّاب، فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره؟.
هيهات هيهات ضلّت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب وحسرت العيون وتصاغرت العظماء وتحيّرت الحكماء وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء وجهلت الألبّاء وكلّت الشعراء وعجزت الأُدباء وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله فأقرّت بالعجز والتقصير.
وكيف يوصف أو ينعت بكنهه أو يفهم شيء من أمره أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناءه ، لا وكيف وأنى وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين؟ فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ أو أين يوجد مثل هذا؟.
ظنّوا أن ذلك يوجد في غير آل الرسول صلّى الله عليهم كذبتهم والله أنفسهم ومنّتهم الباطل فارتقوا صعباً دحضاً تزلّ عنه إلى الحضيض أقدامهم، راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة وآراء مضلّة فلم يزدادوا منه إلا بعداً، قاتلهم الله أنى يؤفكون، لقد راموا صعباً، وقالوا إفكاً وضلّوا ضلالاً بعيداً، ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة، وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدّهم عن السبيل وكانوا مستبصرين.
رغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله إلى اختيارهم والقرآن يناديهم: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ}([45]).
وقال عزّ وجلّ: {وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}([46])، وقال عزّ وجلّ: {ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}([47]). وقال عزّ وجلّ: {أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها}([48]). أم طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون: أم قالوا: سمعنا وهو لا يسمعون، {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأََسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}([49]).وقالوا سمعنا وعصينا، بل هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم([50]).
فكيف لهم باختيار الإمام؟ والإمام عالم لا يجهل، داعي لا ينكل، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة، مخصوص بدعوة الرسول×، وهو نسل المطهّرة البتول لا مغمز فيه في نسب، ولا يدانيه ذو حسب، في البيت من قريش والذروة من هاشم، والعترة من آل الرسول، والرضا من الله، شرف الأشراف، والفرع من عبد مناف.
نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالإمامة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة قائم بأمر الله، نصّاح لعباد الله، حافظ لدين الله.
إنَّ الأنبياء والأئمة يوفقّهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم فيكون علمهم فوق كل علم أهل زمانهم في قوله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} وقوله عزّ وجل في طالوت: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ}([51]) وقال عز وجلّ في الأئمة من أهل بيته وعترته وذريّته: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً}([52]).
وإنّ العبد إذا اختاره الله عزّ وجلّ لأمور عباده شرح صدره لذلك، وأودع قلبه ينابيع الحكمة، وألهمه العلم إلهاماً، فلم يعي يعِده بجواب، ولا يحيّر فيه عن الصواب، وهو معصوم مؤيّد موفّق مسدد قد أمن الخطايا والزلل والعثار، يخصّه الله عزّ وجلّ بذلك ليكون حجتّه على عباده وشاهده على خلقه، وذلك فضل الله يؤتيه الله عزّ وجلّ بذلك ليكون حجته على عباده وشاهده على خلقه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، فهل يقدرون على مثل هذا فيختاروه؟ أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدّموه؟ تعدّوا وبيت الله الحقّ، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعملون، وفي كتاب الله الهدى والشفاء، فنبذوه واتّبعوا أهواءهم فذمّهم الله ومقتهم وأتعسهم فقال عزّ وجلّ: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}([53]) وقال عزّ وجلّ: {فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ}([54]) وقال عزّ وجلّ: {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}.
وهنا نجد أن الإمام الرضا× في إثباته إمامة أهل البيت وأحقيتهم بذلك باعتبارهم منتخبين من قبل الله عزّ وجل وأن الآخرين جاءوا فوقفوا ضد ذلك، واختاروا لأنفسهم في مقابل اختيار الله، وبهذا انفتح باب الصراع الداخلي وبدا النزاع ما أدى بعد ذلك إلى غارات المغيرين وهجمات الطامعين في داخل البلاد وخارجها.
ونجد الإمام أيضا ًيسدّ الطريق على كل من حاول جعل الإمامة أمراً بشرياً؛ لأنها كالنبوّة منحة إلهية وهبات ربانية {ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}([55]).
ومن هنا يجب الإقرار والاعتراف في أن أهل البيت^ الأئمة بالحق بما اشتملوا عليه من صفات ذكرها الإمام الرضا× وجاءت مبثوثة في نصوص الزيارات المعتبرة وفي صليعتها الزيارة الجامعة الكبيرة، فهم أئمة الخلق بعد النبي’ الى يوم القيامة والناس كلهم مأمومون ويتوجّب عليهم الطاعة في أمر الدين والدنيا.
فهم خير الناس، بل خير خلق الله من بشر وغير بشر، يقول إمام المتقين ويعسوب المؤمنين وأميرهم علي×: «عترته خير العتر وأسرته خير الأسر، وشجرته خير الشجر»([56]).
وقال رسول الله’ في حديث له مع عبدالرحمن بن عوف:
«يا عبدالرحمن! إنكم أصحابي، وعلي بن أبي طالب أخي ومنّي وأنا من علي فهو باب علمي ووصيّي وهو وفاطمة والحسن والحسين هم خير الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً»([57]).
أهل البيت^ ومقام الرضا
أهل البيت^ في كل أمورهم وشؤون وجودهم ومعارفهم هم تجليات الأسماء الحسنى لله عز وجلّ الواحد الأحد ذلك أن حياتهم مندكّة بالإيمان الكامل ومنصهرة بالتوحيد التام.
إن التوحيد في حياتهم وسلوكهم وسيرتهم يجري مجرى الدماء في عروقهم، وهم لا يغفلون عن توحيد الله في صفاته وذاته وأفعاله لحظة واحدة أبداً، فهم أئمة ربانيون وبشر إلهيون حياتهم في ملكوت الله.
رضاهم وغضبهم لله عزّ وجل فهم مظهر لجمال الله وجلاله ومن هنا قال سيد الشهداء الإمام الحسين×: «رضا الله رضانا أهل البيت»([58]).
إن غايتهم في الحياة هي ما يريده الله عزّ وجلّ، وهذا ذروة التسليم لله وجوهر الإسلام فرضاه من رضا الله عزّ وجلّ.
فمنهم يطلب الألما |
|
ومنهم من يريد الدواء |
ومنهم من يريد الوصل |
|
وآخر يريد الهجران |
وأنا من الداء والدواء |
|
وللهجران والوصل |
أريد الذي يريده المحبوب([59]).
وإذن فرضا أهل البيت من رضا الله عزّ وجلّ ورضا الله من رضاهم^ وكلاهما بمنزلة سواء؛ لأنهم^ قد ذابوا في الله في توحيده والإيمان به، لا يصل درجتهم أحد ولا يبلغ مقامهم أحد.
ولتوضيح هذه الحقيقة يتوجب القول: بأن الإنسان الذي وضع قدميه في مساره التكاملي وسلك طريق الكمال فإنه في مراحل من هذا الطريق يطوي سيره الجوهري التكاملي إلى أن يصل مرحلة يكون فيها قد اشتمل على الرحمة والقهر فيصبح مظهراً لجمال الله وجلاله، ومن هنا فهو يغضب لله ويرضا لله، فيكون رضاه من رضا الله وغضبه من غضب الله عزّ وجلّ؛ فكل ما يغضب الله يغضبهم وكل ما يرضي الله يرضيهم، وهذه مرحلة وسط في طريق التكامل الإنساني.
أما المرحلة الأعلى والأسمى فهي مرحلة لا يكون فيها تطابق الرضا والغضب مع رضا الله وغضبه كمالاً؛ لأن من أنا راض برضا الله وأحب ما يحب المحبوب هو مقام في مرحلة الكثرة يعني أنه مقام يرى فيه السالك نفسه وربه، أي أنه يرى أثنين؛ ذاته وذات الله فهو يرضى بما يرضاه الله ويغضبه ما يغضب الله، يعني هناك مسألة تطابق بين رضاه ورضا الله وغضبه وغضب الله، ولكن من هو في مقام الوحدة والتوحيد المحض له رضا واحد وغضب واحد في حياته وهو رضا الله وغضبه، يعني لا يوجد شيء في حياته سوى ما يرضاه الله وما يغضبه والسالك في هذه المرحلة قد وصل إلى مرحلة الفناء، فلا يكون للفاني وصف منفصل عن وصف الباقي.
ومن هنا فإن الأئمة الأطهار المعصومين وأهل البيت المكرمين لا يرون ذواتهم، فهم في مقام الرضا يقولون: رضا الله رضانا.
يقول الإمام الحسين الشهيد لما أقدم على حركته الإسلامية الكبرى: «أسير بسيرة جدّي وأبي»([60]).
([14]) الكافي: 1/183، باب معرفة الإمام، ح8، المحاسن: 1/93 باب 18ح48، وسائل الشيعة: 1/118، باب 29، ح297، بحار الأنوار: 23/87، باب4 ح30.
([17]) عيون أخبار الرضا: 2/135، باب37، ح4، ثواب الأعمال: 6، روضة الواعظين: 1/42، باب فصل في التوحيد، بحار الأنوار: 49/123 باب 11ح4.
([22]) عيون أخبار الرضا: 2/272 ح1، وسائل الشيعة: 14/490 باب 62 ح1972، بحار الأنوار: 99/131، باب 8، ح4.
([26]) الأمالي، الطوسي: 63، المجلس الثالث، ح92، إرشاد القلوب: 2/235، بحار الأنوار: 40/3 باب 91 ح4، سفينة البحار:2/90.
([35]) روضة الواعظين: 1/128، شواهد التنزيل: 1/103، ح117، كشف الغمة: 1/113، بحار الأنوار: 39/38 باب 73 ح 1.