من محاضرات: سماحة آیة الله الشیخ مجتبی الطهراني
ترجمة: الأستاذ علي فاضل السعدي
النتائج الأخروية للارتباط بالمعصومین(ع)ـ القسم الاول
1_ النعمة والراحة عند الموت وفي القبر
يعد الانفصال عن شيء قد أستأنس به الإنسان وألفه طوراً من الزمن أمراً عسيراً وثقيلاً جدّاً. والموت يمثل فترة انفصال الإنسان عن كل شيء وشخص كان قد آنسه، ومن هذا المنطلق سيكون تذكّره أمراً يهابه أغلب الناس. لكن من زيّن قلبه بمحبة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وحظي بمودتهم والارتباط بهم، سيكون محباً لحقيقتهم النورانية ومقامهم الرفيع إلى درجة يكون فراقه لكل شيء وشخص أمراً هيّناً. وقد يجعلهم يعدّون اللحظات شوقاً لوداع هذه الدنيا واللقاء بأوليائهم المعصومين (عليهم السلام).
إنّ محبي أهل البيت (عليهم السلام) الحقيقيون سيرحلون عن هذه الدنيا بيسر وراحة. فمحبّة هذا البيت سيسهّل الموت على الإنسان وسيجعله مشمولاً بالنعم الخاصّة حين الاحتضار.
إن الارتباط بأمير المؤمنين يزيل الغم عن الإنسان في لحظات الاحتضار التي تمثل أصعب اللحظات، وستبعث في القلب السرور بدل ذلك الغم. وقد خاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمير المؤمنين (عليه السلام) قائلاً:
يا علي إخوانك يفرحون في ثلاث مواطن: عند خروج أنفسهم وأنا شاهدهم وأنت، وعند المسألة في قبورهم، وعند العرض، وعند الصراط إذا سئل الخلق عن إيمانهم فلم يجيبوا...(1)
إن هذا السرور لم يكن اعتباطياً لأنه يتأتى من الألطاف التي يهبها الله الكريم لمحبي أمير المؤمنين (عليه السلام) عند رحيلهم وبعده، وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلام آخر قوله:
ألا ومن أحب عليا لا يخرج من الدنيا حتى يشرب من الكوثر ويأكل من شجرة طوبى ويرى مكانه من الجنة، ألا ومن أحب عليا يهون الله عليه سكرات الموت وجعل قبره روضة من رياض الجنة.(2)
وقد ورد في حب فاطمة الزهراء (عليها السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه خاطب سلمان الفارسي بقوله: يا سلمان حب فاطمة ينفع في مائة موطن أيسر تلك المواطن الموت والقبر.(3)
فالقبر بيت الوحدة، هو بيت ما أن يدخله الإنسان حتى يفقد أمله في العودة إلى الدنيا. فهذا اليأس وتلك الوحدة، تبعث في نفس الإنسان خشية لا يمكن وصفها؛ لكن هذه المحبة الحقيقية لآل بيت العصمة والطهر هي من تفرّج على الإنسان وتبعث فيه نشاطاً خاصاً في بيت الوحدة والوحشة. وهذا ما يبعد الخوف عنه ويزيد في أمله. وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسيره لآخر آيات سورة الواقعة والتي تتحدث عن الوعد للمقربين والوعيد للضالين أنه قال: نزلت هاتان الآيتان في أهل ولايتنا وأهل عداوتنا، وهي قوله عزّ وجل: "وأما إن كان من المقربين فروح وريحان(4)" يعني في قبره "وجنة نعيم(5)" يعني في الآخرة "وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم(6)" يعني في قبره "وتصلية جحيم(6)" يعني في الآخرة.(7)
فالبشارة بالجنة تمثل أفضل سلوى للمحب حينما يرحل عن الدنيا، فمع وجود هذه البشارة ستزول مصاعب الموت. فوجود هكذا بشارة في عالم القبر تبدّل الخشية من أهوال ذلك العالم إلى أمن وهناء، وهو ما ذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير(8)
وروى جابر بن عبد الله قال: بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ التفت إلى علي (عليه السلام) فقال: يا أبا الحسن، هذا جبرائيل (عليه السلام) يقول: إنّ الله تعالى أعطى شيعتك ومحبّيك سبع خصال: الرفق عند الموت، والإنس عند الوحشة، والنور عند الظلمة، والأمن عند الفزع، والقسط عند الميزان، والجواز على الصراط، ودخول الجنة قبل الناس "يسعى نورهم بين أيديهم(9)".(10)
2ـ لقاء المعصوم بشكل محبب عند الموت والقيامة
إن المحب يشتاق أكبر اشتياق للقاء المحبوب. وحينما يراه يجد أن أمله متحققاً. فهو وللوصول إلى مبغاه يبقى منتظراً يعدّ اللحظات. اللحظات التي سيأتي المعصوم (عليه السلام) فيها للقائه حيث سيزوره في مقاطع معينة كالاحتضار والقبر والقيامة. يقول الحارث الهمداني: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: ما جاء بك؟ فقلت: حبّي لك يا أمير المؤمنين، فقال: يا حارث أتحبني؟ فقلت: نعم والله يا أمير المؤمنين، قال: أما لو بلغت نفسك الحلقوم رأيتني حيث تحب، ولو رأيتني وأنا أذود الرجال عن الحوض ذود غريبة الإبل لرأيتني حيث تحب، ولو رأيتني وأنا مارّ على الصراط بلواء الحمد بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لرأيتني حيث تحب.(11)
وبملاحظة بعض الروايات فإن من الطبيعي أن يشاهد جميع الأشخاص أمير المؤمنين (عليه السلام) عند الموت؛ لكن المهم هو كيفية تلك المشاهدة. إن لقاء علي (عليه السلام) يكون محببا ومرغوبا حين يقترن اللقاء بملاطفته ورحمته (عليه السلام).
إنّ الرحيل عن الدنيا في حالة يرى الإنسان فيها ابتسامة أمير المؤمنين (عليه السلام) تمثل أملاً لكل محبّ وليس هذا لأحد إلّا لمن أحب علياً (عليه السلام). يقول: "حيث تحب"، وهذا يعني أن هذا اللقاء سوف لا يقتصر على القبر بل سيتحقق حتى في القيامة كما ورد في كلام آخر لأمير المؤمنين (عليه السلام) لحارث حيث يقول فيه:
من أحبني رآني يوم القيامة حيث يحب، ومن أبغضني رآني يوم القيامة حيث يكره(12)
وعن الحكم بن عتيبة قال: بينا أنا مع أبي جعفر (عليه السلام) والبيت غاص بأهله، إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنزة له، حتى وقف على باب البيت فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم سكت فقال أبو جعفر (عليه السلام): وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال: السلام عليكم، ثم سكت حتى أجابه القوم جميعا وردوا عليه السلام، ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر (عليه السلام) ثم قال: يا ابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك، فوالله إني لأحبكم وأحب من يحبكم، ووالله ما أحبكم وأحب من يحبكم لطمع في دنيا، وإني لأبغض عدوكم وأبرأ منه، ووالله ما ابغضه وأبرأ منه لوتر كان بيني وبينه، والله إني لأحل حلالكم واحرم حرامكم، وأنتظر أمركم، فهل ترجو لي جعلني الله فداك؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام):
إليّ إليّ حتى أقعده إلى جنبه. ثم قال: أيها الشيخ إن أبي علي بن الحسين (عليه السلام) أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه فقال له أبي (عليه السلام): إن تمت ترد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى علي والحسن والحسين، وعلى علي بن الحسين، ويثلج قلبك، ويبرد فؤادك وتقر عينك وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين، لو قد بلغت نفسك ههنا- وأهوى بيده إلى حلقه- وإن تعش ترى ما يقرّ الله به عينك، وتكون معنا في السنام الأعلى. قال الشيخ: قلت: كيف يا أبا جعفر؟ فأعاد عليه الكلام فقال الشيخ: الله أكبر يا أبا جعفر إن أنا مت أرد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين، وتقر عيني؟ ويثلج قلبي، ويبرد فؤادي، واستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين، لو قد بلغت نفسي ههنا، وإن أعش أرى ما يقر الله به عيني، فأكون معكم في السنام الأعلى؟ ثم أقبل الشيخ ينتحب، ينشج هاهاها حتى لصق بالأرض، وأقبل أهل البيت ينتحبون وينشجون، لما يرون من حال الشيخ، وأقبل أبو جعفر (عليه السلام) يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه وينفصها. ثم رفع الشيخ رأسه فقال لأبي جعفر (عليه السلام): يا ابن رسول الله ناولني يدك جعلني الله فداك، فناوله يده فقبلها، ووضعها على عينيه وخده، ثم حسر عن بطنه وصدره، فوضع يده على بطنه وصدره، ثم قام، فقال: السلام عليكم، وأقبل أبو جعفر (عليه السلام)، ينظر في قفاه وهو مدبر، ثم أقبل بوجهه على القوم فقال: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا، فقال الحكم بن عتيبة: لم أر مأتما قط يشبه ذلك المجلس.(13)
3ـ النجاة من عذاب القبر
لا يتحقق السرور والراحة في عالم القبر إلّا بالخلاص من الألم والعذاب الذي يمثل ثمرة للسلوك السيئ للإنسان كما أن أفضل وسيلة للخلاص من عذاب القبر ونتائج سلوك الإنسان السيئ هو محبة أهل البيت (عليهم السلام). روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
من أراد أن ينجو من عذاب القبر فليحب أهل بيتي.(14)
إن الذنوب تؤدي منذ اليوم الذي يفارق الإنسان فيه الحياة إلى لحظة البعث أنواعاً مختلفة من العذاب، فمشاهدة وجه ملك الموت المكفهر عند الموت وتشدد الملكين عند السؤال في القبر تمثل أولى أصناف العذاب وقد ورد أن إبراهيم الخليل، خاطب ملك الموت يوماً قائلا:
هل تستطيع أن تريني صورتك التي تقبض فيها روح الفاجر؟ قال: لا تطيق ذلك، قال: بلى، قال: فأعرض عني، فأعرض عنه ثم التفت فإذا هو برجل أسود، قائم الشعر، منتن الريح، أسود الثياب، يخرج من فيه ومناخره لهيب النار والدخان، فغشي على إبراهيم ثم أفاق، فقال: لو لم يلق الفاجر عند موته إلّا صورة وجهك لكان حسبه.(15)
لكن محبي أهل البيت (عليهم السلام) سيرون ملك الموت كمؤنس رؤوف حسن السلوك وسوف لا يخشى من في قبره الملكين الذين سيسألان الميت في قبره. روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
من أحب عليا بعث الله إليه ملك الموت برفق ورفع الله عزّ وجل عنه هول منكر ونكير ونوّر قبره وبيّض وجهه.(16)
4ـ استغفار الملائكة
إن من أحب أئمة الطهر والهدى (عليهم السلام). سيحظى باستغفار ملائكة الله تعالى لأن الملائكة ستطلب الصفح لهذا الإنسان عند محضر الله تعالى؛ لأنه ممن أحب أفضل الخلق عند الله حيث أن محبتهم محبة الله. روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
من أحب عليا استغفرت له الملائكة(17)
5ـ غفران الذنوب
إنّ استغفار الملائكة لمحب أهل البيت لا يهمل دون إجابة بل ستتعقبه المغفرة. فمحبّة أهل البيت (عليهم السلام) سبب لغفران الذنوب. والذنب، سبب لظلام باطن الإنسان ومحبة أهل البيت (عليهم السلام) سبب للمغفرة الإلهية في رفع هذه الظلمة وستؤدي إلى إنارة قلب الإنسان. يقول الإمام الصادق (عليه السلام):
إن حبنا أهل البيت ليحط الذنوب عن العباد كما تحط الريح الشديدة الورق عن الشجر(18)
فمع افتراق الذنوب عن المحبّ سيترك المحبّ الدنيا طاهراً كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا له ...(19)
إنّ هذه المغفرة تترافق مع عودة المحبّ إلى الله؛ بمعنى أنّ الشخص المحبّ يخرج من الدنيا تائباً وهذا هو لطف كبير آخر يحصل عليه ببركة حبّ أهل البيت (عليهم السلام). وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في تتمة كلامه السابق:
ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا...(20)
ويظهر أنّ غفران ذنوب محبي أهل البيت (عليهم السلام) يكون حيث لا تكون من سنخ الظلم على محبيهم الآخرين. فغفران ذنوب المحبّ لا تتحقق إلّا لأجل القيمة السامية لمحبته للمعصومين (عليهم السلام) والتي ترفع من عظمة الشأن وعظم المرتبة، فحينما يُظلم محبّ من قبل محب آخر، فمن الواضح أن يراعى حق المحبّ المظلوم لمحبته لأهل البيت (عليهم السلام)؛ لأنّ المحبّ المظلوم يمتلك في قلبه نفس الجوهر النفيس الذي يوجد في قلب المحبّ الظالم؛ لكن مع تفاوت وهو أنّ حقه قد سلب. إذاً ولرعاية حقّه، فإن الظالم سيواجه البلايا. وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: حبنا أهل البيت يكفر الذنوب، ويضاعف الحسنات، وإن الله تعالى ليتحمل عن محبينا أهل البيت ما عليهم من مظالم العباد، إلّا ما كان منهم فيها على إضرار وظلم للمؤمنين فيقول: للسيئات كوني حسنات(21).
يعتبر الذنب، تعدّ على الحدود التي فرضها الله تعالى على الإنسان فكلّ تعدّ، يعتبر طمساً لحق الله، أو حقوق الناس. كما أن العدل الإلهي يقتضي إحقاق الحق المتجاوز عليه؛ لكن لمحبّة أهل البيت (عليهم السلام) قيمة وعظمة تستدعي أن يصفح الله تعالى عن الذنوب التي تجاوز بها المحبّ على حقّه تعالى؛ لكن لطف الله بالنسبة لحقوق الناس يقتضي نوع حساب يؤدي إلى صفح من قبل المظلوم بالنسبة إلى المحب الظالم(22)
لكن وكما ذكر فإن كان المظلوم من المحبين فإن شمول لطف الله بالنسبة للمحبين سيكون من خلال تقديم المحبّ المظلوم على المحبّ الظالم. روي عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
اتقوا الله معاشر الشيعة فان الجنة لن تفوتكم وإن أبطأت بها عنكم قبايح أعمالكم، فتنافسوا في درجاتها، قيل: فهل يدخل جهنم أحد من محبيك ومحبي علي (عليه السلام)؟ قال من قذر نفسه بمخالفة محمد وعلي وواقع المحرمات، وظلم المؤمنين والمؤمنات، وخالف ما رسم له من الشريعات جاء يوم القيامة قذرا طفسا، يقول محمد وعلي (عليه السلام) يا فلان أنت قذر طفس لا تصلح لمرافقة مواليك الأخيار، ولا لمعانقة الحور الحسان، ولا الملائكة المقربين لا تصل إلى ما هناك إلّا بأن تطهر عنك ما ههنا، يعني ما عليك من الذنوب، فيدخل إلى الطبق الاعلى من جهنم فيعذب ببعض ذنوبه. ومنهم من يصيبه الشدائد في المحشر ببعض ذنوبه ثم يلقطه من هنا ومن هنا من يبعثهم إليه مواليه من خيار شيعتهم، كما يلقط الطير الحب، ومنهم من يكون ذنوبه أقل وأخف فيطهر منها بالشدائد والنوائب من السلاطين وغيرهم، ومن الآفات في الأبدان في الدنيا ليدلى في قبره وهو طاهر، ومنهم من يقرب موته وقد بقيت عليه سيئة فيشتد نزعه ويكفر به عنه، فان بقي شئ وقويت عليه، يكون له بطر واضطراب في يوم موته فيقل من بحضرته فيلحقه به الذل فيكفر عنه، فان بقي شئ أتي به ولما يلحد فيوضع فيتفرقون عنه، فيطهر. فإن كان ذنوبه أعظم وأكثر طهر منها بشدائد عرصات يوم القيامة، فإن كانت أكثر وأعظم طهر منها في الطبق الأعلى من جهنم وهؤلاء أشدّ محبينا عذابا وأعظمهم ذنوبا، ليس هؤلاء يسمون بشيعتنا، ولكنهم يسمون بمحبينا والموالين لأوليائنا والمعادين لأعدائنا. إن شيعتنا من شيعنا، واتبع آثارنا، واقتدى بأعمالنا.(23)
لقد ورد في الروايات أعلاه أن المحبين الذين يلجوا جهنم ويعذبوا عن بعض ذنوبهم التي يكون من بينها كما ورد في هذه الرواية، ظلم الرجال والنساء من أهل الإيمان (المحب = الشيعي) فمع ملاحظة الرواية السابقة التي تدلّ على غفران كلّ الذنوب، باستثناء ظلم أهل الإيمان. فقد يكون بالإمكان الاستنتاج بأنّ عذاب محبي أهل البيت (عليهم السلام) انّما هو نتيجة الظلم الذي يعمل بحق بقية المحبين؛ وهو بطبيعة الحال في حال لا يوفق الإنسان للتوبة.
ومن جانب آخر، فإنّ ذنوب الشخص المحبّ، ومهما كانت كثيرة، فأنها ستغفر. كما أن من الواضح جدّاً أنّ هذا لا يكون إلّا إذا كانت المحبّة واقعية وأن تستقيم إلى حين الوفاة، لأنّ المحبّة غير الواقعية، لا تعدّ محبّة. فإذا ما زال الحبّ، فإن الحجة للغفران سوف لا تبقى. قال الإمام الصادق (عليه السلام):
من أحبّنا ولقي الله وعليه مثل زبد البحر ذنوباَ، كان حقا على الله أن يغفر له(24)
وفي هذا الصدد يروي الإمام الصادق (عليه السلام) رواية يذكر فيها حادثة ارتباط ومحبة شديدة كانت قد حدثت بين رجل كان بائعاً للسمن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتأثير محبته الشديدة للنبي(ص): كان رجل يبيع الزيت، وكان يحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حبا شديدا، كان إذا أراد أن يذهب في حاجته لم يمض حتى ينظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قد عرف ذلك منه، فإذا جاء تطاول له حتى ينظر إليه، حتى إذا كان ذات يوم دخل فتطاول له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى نظر إليه، ثم مضى في حاجته فلم يكن بأسرع من أن رجع، فلما رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد فعل ذلك أشار إليه بيده اجلس، فجلس بين يديه، فقال: مالك فعلت اليوم شيئا لم تكن تفعله قبل ذلك؟ فقال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيا لغشي قلبي شئ من ذكرك حتى ما استطعت أن أمضي في حاجتي حتى رجعت إليك، فدعا له وقال له خيرا ثم مكث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أياما لا يراه، فلما فقده سأل عنه، فقيل: يا رسول الله ما رأيناه منذ أيام فانتعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وانتعل معه أصحابه وانطلق حتى أتى سوق الزيت، فإذا دكان الرجل ليس فيه أحد، فسأله عنه جيرته فقالوا: يا رسول الله مات، ولقد كان عندنا أمينا صدوقا إلّا أنه قد كان فيه خصلة، قال: وما هي؟ قالوا: كان يرهق، يعنون يتبع النساء، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): رحمه الله والله لقد كان يحبني حبا لو كان نخاسا لغفر الله له.(25)
إن مغفرة الله لا تتحقق عبر الحبّ المباشر للمعصومين (عليهم السلام) وحسب بل تتأتى من خلال محبة شيعته لا بل من محبة محبي شيعته وهذا ليس إلّا لقيميّة محبة المعصومين (عليهم السلام). وقد روي عن رسول اله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلام له يخاطب فيه عليا (عليه السلام):
ياعليّ إنّ الله قد غفر لك ولأهلك ولشيعتك ومحبّي شيعتك ومحبّي محبّي شيعتك فأبشر.(26)
طبعاً وكما مرّ، فأنّ هذه المحبّة لا تحقق مثل هذه النتائج إلّا إذا كانت حقيقية. وحقيقية المحبّة أن لا تكون لأغراض دنيوية، بل تكون خالصة لله تعالى. يقول الإمام الصادق (عليه السلام):
من أحبنا لله وأحب محبنا لا لغرض دنيا يصيبها منه وعادى عدونا لا لاجنة كانت بينه وبينه ثم جاء يوم القيامة وعليه من الذنوب مثل رمل عالج وزبد البحر غفر الله تعالى له.(27)
6- تزوره الملائكة
إن لمحبة المعصومين (عليهم السلام) من القيمة والمكانة ما تجعل مثواه مزاراً لملائكة الرحمة يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
ألا ومن مات على حبّ آل محمد جعل الله قبره مزارا ملائكة الرحمة...( 28)
---------------------------------
(1 ) المصدر السابق، ج 56، ص 45، ح 89؛ نقلا عن شرح الأخبار: للقاضي نعمان المغربي، ج 2، ص 397، ح745.
(2 ) المصدر السابق، ج 27، ص 114، ح 89.
(3 ) المصدر السابق، ص 116، ح49.
(4 ) الواقعة: 88-89.
(5 ) المصدر السابق.
(6 ) المصدر السابق، 92- 93.
(7 ) المصدر السابق، 94.
(8 ) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 65، ص 9،ح 6؛ نقلا عن أمالي الشيخ الصدوق: ص474، ح 11.
(9 ) المصدر السابق، ج 27، ص111، ح84، وقد وردت هذه الرواية في المصادر السنية بنفس هذه العبارة. تفسير القرطبي: ج16، ص23.
(10 ) الحديد: 12.
(11 ) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 27، ص 162،ح 13
(12 ) المصدر السابق، ص 157، ح 2؛ نقلا عن أمالي الصدوق، ص48.
(13 ) المصدر السابق، ح1؛ نقلا عن أمالي الشيخ الطوسي، ص180.
(14 ) الكافي: للكليني، ج8، ص76، ح 30.
(15 ) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 27، ص 116،ح 92.
(16 ) المصدر السابق، ج6، ص 142، ح 8.
(17 ) المصدر السابق، ج65، ص 124، ح 53.
(18 ) المصدر السابق.
(19 ) المصدر السابق، ج27، ص 77، ح9.
(20 ) المصدر السابق، ج23، ص233.
(21 ) المصدر السابق.
(22 ) المصدر السابق، ج65 ص100، ح5؛ نقلا عن الأمالي للشيخ الطوسي، ج 164.
(23 ) تذكر بعض الروايات أن الله تعالى يجري معاملة مع المظلوم حيث يتم من خلالها الصفح عن ذنوبه، لكي يرغب في الصفح عن ظلم المحبّ.
(24 ) المصدر السابق، ص154، ح 11.
(25 ) المصدر السابق، ج27، ص121، ح 103.
قد يكون وجه التشبيه بزبد البحر وإضافة إلى كثرة الذنوب، كونها ذنوباً سطحية ليس لها جذور متعمقة؛ بمعنى أن الذنب ليس له وجود في دواخل الشخص، وإلّا فإنها سوف تكون سبببا لإضعاف المحبّة وإزالتها، لأن الذنوب تظلم القلب إلى درجة القساوة. بحيث لا تبقي للعواطف الإنسانية والحبّ الإلهي أثرا. ومن هذا المنطلق لا ينبغي أن تحدث لدى الإنسان حالة من اللامبالاة في فعل الذنوب اعتماداً على حبّ المعصومين(عليهم السلام)؛ لأن من الممكن أن يكون لوقوع الإنسان في مهالك الذنوب الدور في تدمير العلقة والمحبّة الحاصلة بينه وبين المعصوم (عليه السلام). كما يمكن القول بأنّ هذا الخبر هو لبيان المقام السامي لهذه المحبّة، وليس لبيان بقاء المحبّة مع وجود الذنوب الكثيرة.
(26 ) الكافي: للكليني، ج8، ص77، ح31.
(27 ) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 27، ص 79،ح 13؛ نقلا عن عيون أخبار الرضا، ج 2، ص 47، ح182.
(28 ) المصدر السابق، ص 54، ح ؛ نقلاً عن الشيخ الطوسي، ص 156.
source : www.abna.ir