عربي
Thursday 26th of December 2024
0
نفر 0

ماهو السر في ذلك ؟

لقــد حملت هذا السؤال الى بعض الاخوة هنا وهناك قائلا : انه هناك قمما مضيئة في تأريخنا - نحن الموالين لأهل بيت الرسالة - ، ابتداءا من اصحاب الرسول - صلى الله عليه وآله - الى انصار الامام علي - عليه السلام - الى حواري الامام الحسن - عليه السلام - ، والى اصحاب سائر الائمة المعصومين - عليه السلام - ، وان بينهم الفقهاء والقادة والابطال ، ولكن نور اولئك يخبو
ماهو السر في ذلك ؟

لقــد حملت هذا السؤال الى بعض الاخوة هنا وهناك قائلا : انه هناك قمما مضيئة في تأريخنا - نحن الموالين لأهل بيت الرسالة - ، ابتداءا من اصحاب الرسول - صلى الله عليه وآله - الى انصار الامام علي - عليه السلام - الى حواري الامام الحسن - عليه السلام - ، والى اصحاب سائر الائمة المعصومين - عليه السلام - ، وان بينهم الفقهاء والقادة والابطال ، ولكن نور اولئك يخبو إذا سطع أبو الفضل العباس - عليه السلام - . لماذا ؟ كان جواب الأفاضل متقاربا حيث قالوا : ان السر في ذلك ان العباس - عليه السلام - باب الحوائج ، فما من احد طرق هذا الباب إلا قضيت حاجته . وهناك الدعاء المعروف الذي يتلوه المؤمنون حينما تصيبهم ضائقة ، وتحيط بهم بائقة ، يقولون : الهي بحق كاشف الكرب عن وجه اخيه الحسين - عليه السلام - اكشف كربي .

قلت بلى .. واني شخصيا اجرب ذلك دائما ، بل لا يمر علي يوم إلا واشاهد هذه الحقيقة . فكلما اصابتني ازمة ، دعوت الله سبحانه وتعالى ، وتوسلت اليه بأبي الفضل العباس باب الحوائج ونذرت له علي مئة صلاة على النبي وآله لاهدي ثوابها الى روحه الكبير ، فإذا بالكربة تنكشف ، والازمة تتفرج .

ولكن السؤال العريض لماذا خص الله سبحانه وتعالى أبا الفضل عليه السلام بهذه الميزة العظيمة ؟ فما من احد في شرق الارض وغربها ، يدعو الله بكربة أبي الفضل ، إلا ويفرج الله كربته ؟ لماذا ، ماهو السر في ذلك ؟

كان الجواب ما يلي :

لعل احدا من اصحاب الحسين وأهل بيته - عليه وعليهم السلام - لم يمر بلحظة حيرة ، كما عاناها سيدنا العباس في وسط المعركة . حيث كانت امنيته الوحيدة ايصال الماء الى المخيم ، حيث يتلظى الأطفال عطشا . لقد كانت القربة التي حملها ببقايا يديه النازفتين ، كانت أغلى عنده من حياته . وكان عشرات المئات من الرماة يمطروه بوابل من السهام ، فاختار العباس طريقا قريبا الى المخيم بين النخيل ، لعله ينجو من الأعداء بالقربة . ولكن الخيبة الكبرى كانت عندما وجد العباس سهما يخترق القربة ، ويسيل ماءها ، هنالك سالت نفسه مع ذلك الماء فوقف وسط المعركة فلا يدين يذب بهما عن امام زمانه الحسين - عليه السلام - ، ولا أمل له في الحياة . فوقف آيسا من الحياة عازما على الموت .

بلى .. لعل تلك اللحظة التي عاشها أبو الفضل بكل صبر ويقين كانت عظيمة عند الله فعوضه الله عنها بأن جعله بابا للحوائج أوليس قد خابت حاجته في الدنيا .

بلى .. كذلك كان أبو الفضل ، وكذلك يعطي الله سبحانه عباده الصالحين الذين يخلصون العمل له ، يعطي لهم أجرا جزيلا وفضلا كبيرا ، وقد قال تعالى :

انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين (1)

وقال سبحانه :

سلام على ابراهيم كذلك نجزي المحسنين (2)

فاذا اخلد الله ذكر الانبياء ، وجعل السلام عليهم في العالمين ، لانهم كانوا محسنين ، ولانه لا يضيع أجر المحسنين فلم تستغرب اذا أكرم أبا الفضل العباس على موقفه العظيم .

عندما جعل أمنيته سقاية أهل بيت الرسالة ، ولم يبال بقطع يمينه في سبيل الله ، بل قال وبكل صراحه :


والله ان قطعتم يميني            اني احامي أبدا عن ديني
وعن امام صادق اليقين            نجل النبي الطاهر الأمين
ثم قطعت شماله فلم            يبال ، بل انشد يقول :
يا نفس لا تخشي من الكفار        وابشري برحمة الجبار
مع النبي السيد المختار        قد قطعوا ببغيهم يساري


لقد اختصر ذلك الموقف حياة أبي الفضل ، واظهرت شخصيته الرائعة التي كانت نتيجة جملة عوامل تكاملت وتسامت .

ماذا كانت تلك العوامل ؟ وكيف صاغت شخصية أبي الفضل العباس - عليه السلام - ؟ وكيف نقتبس منها لحياتنا لكي نتجاوز ذواتنا المحدودة ؟ ونحلق في آفاق سامية من المثل العليا ؟

نجيب عن هذه الاسئلة انشاء الله في الفصل التالي .

النشأة الهادفة

الربانيون من عباد الله يتميزون بانهم لا يمارسون نشاطا ، إلا ابتغاء مرضاة ربهم . قال الله سبحانه :

قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (3)

حركات عباد الله الربانيين تتجه الى قبلة واحدة ، هي رضوان الرب ، وهكذا تجدهم إذا تزوجوا او ابتغوا ذرية فلغاية ربانية . فمثلا أمرأة عمران تنذر ما في بطنها محررا لله سبحانه ، فيتقبل الله سبحانه مريم بقبول حسن ، وينبتها نباتا حسنا ، ويكفلها زكريا .

وكانت تلك الدعوة ذات أثر بالغ على مستقبل جنينها ، فاذا بها تلد مريم ، التي جعلها الله تعالى وابنها المسيح - عليه السلام - آية للعالمين .

وكان الهدف الأسمى للامام علي - عليه السلام - من زواجه من فاطمة بنت حزام الكلابية - أم العباس - ان يرزقه الله منها ولدا ينصر نجله الحسين - عليه السلام - في كربلاء .

تقول الرواية التأريخية ؛ لقد قال الامام أمير المؤمنين علي - عليه السلام - لاخيه عقيل - وكان عالما بالانساب - : انظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاما فارسا .

فقال له : تزوج بأم البنين الكلابية ، فانه ليس في العرب اشجع من آبائها . (4)

واضافت رواية اخرى بعد قوله ؛ فتلد غلاما فارسا ، هذه الكلمة : ينصر الحسين بطف كربلاء . (5)

لقد رسم الامام صورة واضحة لهدفه من الزواج حتى قبل انتخاب الزوجة ، وهكذا رزقه الله سبحانه ذلك البطل الوفي المواسي لأخيه ، والناصح لامام زمانه .

اما فاطمة الكلابية فقد كانت مثلا رائعا في المثل الاخلاقية ، فعندما دخل بها الامام علي - عليه السلام - سألها حاجتها ، حسب عادة الزيجات يومئذ ، طلبت حاجة وحيده - حسب رواية تاريخية - بألا يناديها باسمها فاطمة !

لماذا وقد سمتك أمك فاطمة ؟!

قالت بلى .. أخشى انه كلما تناديني بهذا الاسم ( فاطمة ) ان يتذكر اولاد فاطمة الزهراء - عليها السلام - أمهم فتتجدد احزانهم . فكناها الامام بأم البنين .

ثم بعد عشرات السنين وبعد واقعة كربلاء تقول الرواية التاريخية حينما قدم الامام زين العابدين - عليه السلام - وسائر الاسارى الى المدينة المنورة ، أمر بشرا وكان شاعرا ان يتقدم الركب وينعى الحسين - عليه السلام - لأهل المدينة فاستقبلته أم البنين وأخذت تسأله عن الامام الحسين - عليه السلام - .

اما بشر فقال لها : يا أم البنين ؛ آجرك الله في ولدك عبد الله .

قالت : اخبرني عن الحسين ؟

فقال بشر : آجرك الله في ولدك جعفر .

قالت أم البنين : اخبرني عن الحسين يا بشر ؟

قال بشر : آجرك الله في ولدك عثمان .

عادت أم البنين تسأل بشرا : اخبرني عن الحسين يا بشر ؟

فقال بشر : آجرك الله في ولدك العباس ..

وبالرغم من الحب العظيم الذي كانت تكنه أم البنين لولدها البكر أبي الفضل العباس ، فان بشرا عندما أخبرها عن مقتل العبــاس عادت وسألت عن الحسين ، وهي تقول اخبرني يا بشر عن سيدي ومولاي الحسين . فلما قال بشر آجرك الله يا فاطمة في الحسين ، هنالك انهارت ولطمت وجهها وصاحت واويلاه واحسيناه .

ان هذه المرأة كانت تحب ابناءها أشد الحب كأي امرأة مؤمنة ، ولكنها كانت أشد حبا لله ولامامها الحسين - عليه السلام - وهكذا تفتديه باولادها . هذه الأم وذلك الأب ربيا معا العباس منذ نعومة اظفاره ، وذلك لتحقيق تلك المسؤولية ، ألا وهي الدفاع عن الحسين - عليه السلام - .

واذا كانت واقعة الطف مقدرة معروفة في بيت الرسالة ، فلابد ان تكون أم البنين ممن تعرف عنها شيئا . فتعرف - مثلا - ان العباس سيكون نصير الحسين الأول ، ولابد ان ارهاصات كانت تبدر في الافق تدلها على ذلك ، وهي تلك المرأة الحكيمة الشجاعة فتعد أبناءها لها .

من ذلك - مثلا - ما ذكره البعض من ان أم البنين رأت أمير المؤمنين - عليه السلام - في بعض الايام قد أجلس أبا الفضل - عليه السلام - في حجره ، وشمر عن ساعديه ، وقبلها وبكى ، فتعجبت وسألت زوجها الامام عن سبب بكاءه ؟ فأخبرها بإن هاتين اليدين سوف تقطعان في سبيل الحسين - عليه السلام - فبكت ثم بشرها بمقام ولدها عند الله ، وان الله سوف يعوضه عن يديه جناحين يطير بهما في الجنة - كما فعل بعمه جعفر الطيار - ، فاطمأنت نفسها . (6)

وقد ذكر البعض صورا شتى لمدى تعلق العباس بالحسين - عليه السلام - ، وانه منذ الطفولة كان سريع الاستجابة لطلبات أخيه . فإذا أبدى الحسين - عليه السلام - العطش ، انطلق العباس يسرع الى كأس ماء ويأتي به ويقدمه اليه . وفي طول حياته لم يخاطب أخاه بالأخوة . لماذا ؟ أوليس العباس ابن أمير المؤمنين وهو الشجاع البطل ، فلماذا لا يخاطب أخاه بكلمة يا أخي ؟

ان العباس ليعلم ان الحسين ابن بنت رسول الله ، ابن فاطمة وما ادراك مافاطمة ، وانه حجة الله عليه وعلى العالمين ، وانه سبط الرسالة ، وسيد شباب أهل الجنة . فلذلك لم يكن يخاطبه إلا باحترام بالغ ؛ يقول مثلا يا ابن رسول الله ، يا سيدي ، يا مولاي ..

بلـى .. انه نادى أخاه بالاخوة مرة واحدة ، وذلك حينما ضربه ذلك اللعين على أم رأسه ، فخر من الجواد على الارض فنادى : يا أخاه ادرك اخاك .

لماذا ناداه في تلك اللحظة بهذه الكلمة ؟

لعله كان يحقق رغبة كامنة في نفسه ، ان يدعو أخاه - ولو مرة واحدة - في العمر بتعبير يا اخي . أوليس ذلك فخر عظيم للعباس ان يكون له أخ مثل الحسين - عليه السلام - . فاذا كان الحياء قد منعه من ذلك من قبل ، او منعه احترامه لأخيه ، فالآن حيث حان ميعاد الفراق لا بأس ان يناديه بذلك .

وكما كان العباس يحترم الامام الحسين ، فان الامام الحسين - عليه السلام - كان شديد الحب والاحترام لأخيه . ففي عشية اليوم التاسع من محرم عام 61 هـ عندما زحف عسكر بني أمية على مخيم أهل البيت - عليهم السلام - خاطب سيد الشهداء أخاه العباس بهذه الكلمات :

اركب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم وتسألهم كما جاءهم .

انظر الى التعبير بنفسي أنت انها كلمة كبيرة تصدر من امام معصوم .

وهكذا استقبلهم العباس في عشرين فارسا فيهم حبيب وزهير و.... وسألهم عن ذلك ، فقالوا : ان الأمير يأمر اما النزول على حكمه او المنازلة .. فأخبر ( العباس ) الحسين ، فأرجعه يرجئهم الى غد (7) .

___________________
(1) يوسف / 90
(2) الصافات / 110
(3) الانعام / 162
(4) عبد الرزاق المقرم - في كتابه العباس عن عمدة الطالب وسر السلسلة لأبي النصر ص 357
(5) المصدر ص 194 عن كتاب : الكبريت الأحمر / ج 3 / ص 144 ، وكتاب : اسرار الشهادة ص 387
(6) العباس للمقرم ص 138 - عن كتاب قمر بني هاشم ص 21
(7) المصدر عن تاريخ الطبري ج 6 - ص 237


source : sibtayn
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الامام الجواد (ع) و بغداد
أوصاف علي الأكبر عليه السلام وصفاته
مجلس في شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
أهل البيت: من حرمت عليهم الصدقة:
أحاديث حول السيدة فاطمة المعصومة
فلسفة اسماء فاطمة الزهراء عليها السلام
كنى الإمام الحسين (عليه السّلام)
بحث وتحقيق حول السيدة رقية بنت الحسين (عليه ...
دعاء النور لدفع الحمى
تلاميذ الامام الصادق(عليه السلام) من أعلام السنة

 
user comment