ولا يخفى أنّ القيادة الإسلامية وحكومتها والرئاسة قد ورد شرائطها وخصائصها ومميّزاتها ، وكذلك خصائص القائد الإسلامي ، لا سيّما العالم الصالح والإمام العادل والسلطان المؤمن في الأحاديث الشريفة المأثورة عن النبيّ الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأئمة الأطهار (عليهم السلام) أكثر من أن تحصى ، فمن الروايات تذمّ الرئاسة لغير أهلها ، كما تحذّر الناس من اتباع غير الحجّة والإمام العادل : ( تِلـْكَ الدَّارُ الآخَرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذينَ لا يُريدونَ عُلُوَّاً في الأرْضِ وَلا فَساداً وَالعاقِبَةُ لِلـْمُتَّقينَ )[1].وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : فيما ناجى الله تعالى به موسى (عليه السلام) ... لا تغبطنّ أحداً برضى الناس عنه حتّى تعلم أنّ الله راض عنه ، ولا تغبطنّ أحداً بطاعة الناس له ، فإنّ طاعة الناس واتباعهم إيّاه على غير الحقّ هلاك له ولمن تبعه[2].
وعن أبي الحسن (عليه السلام) أ نّه ذكر رجلا فقال : إنّه يحبّ الرياسة ، فقال : مـا ذئبان ضاريان في غنم قد تفرّق رعاؤها بأضرّ في دين المسلم من طلب الرياسة.
ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من أحبّ أن يتمثّل له الرجال قياماً فليتبوّأ مقعده من النار[3].
ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : آفة العلماء حبّ الرياسة.
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : إيّاكم وهؤلاء الرؤساء الذين يتراءسون ، فوالله ما خفقت النعال خلف رجل إلاّ هلك وأهلك.
وعن سفيان بن خالد ، قال : قال أبو عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) : إيّاك والرياسة ، فما طلبها أحد إلاّ هلك . فقلت له : جعلت فداك ، قد هلكنا إذاً ، ليس أحد منّا إلاّ وهو يحبّ أن يذكر ويقصد ويؤخذ عنه ، فقال : ليس حيث تذهب إليه ، إنّما ذلك أن تنصب رجلا دون الحجّة فتصدّقه في كلّ ما قال وتدعو الناس إلى قوله[4].
وقال (عليه السلام) : من طلب الرئاسة بغير حقٍّ حرم الطاعة له بحقّ[5].
وهذا يعني من لم يكن أهلا لها ولم يحمل أوصافها الحقّة ، فإنّه لا يطاع ، وأنّ رئاسته مذمومة وأ نّه هالك ومهلك فيما لو طلبها وتصدّى لها.
ففي الروايات مواصفات الرئيس الصالح والناجح ، كقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : آلة الرياسة سعة الصدر ، ومن جاد ساد ، ومن كثر ماله رأس ، ومن أحبّ رفعة الدنيا والآخرة فليمقت في الدنيا الرفعة ، ومن بذل معروفه استحقّ الرئاسة ، وحسن الشهرة حصن القدرة ، وآفة الرياسة الفخر[6].
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : طلبت الرياسة فوجدتها في النصيحة لعباد الله.
وأمّا في الإمامة ، فحدّث ولا حرج ، فما أكثر الروايات والآيات في ذلك ، وما أكثر مباحثها ومداليلها.
أكتفي بما يقوله الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : إنّ أئمتكم قادتكم إلى الله ، فانظروا بمن تقتدون في دينكم وصلاتكم[7].
وقال (عليه السلام) : إنّ أئمتكم وفدكم إلى الله ، فانظروا من توفدون في دينكم وصلاتكم.
ويقول الإمام الباقر (عليه السلام) ، في قوله تعالى : ( أوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأحْيَيْناهُ وَجَعَلـْنا لَهُ نوراً يَمْشي بِهِ في النَّاسِ ) ، فقال : ( ميّت ) لا يعرف شيئاً ، و ( نوراً يمشي به في الناس ) إماماً يؤتمّ به ، ( كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ) ، قال : الذي لا يعرف الإمام.
وقال (عليه السلام) : من مات وليس له إمام فموته ميتة جاهلية ، ولا يعذر الناس حتّى يعرفوا إمامهم ، ومن مات وهو عارف لإمامه لا يضرّه تقدّم هذا الأمر أو تأخّره ، ومن مات عارفاً لإمامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه.
وقال (عليه السلام) : لا يكون العبد مؤمناً حتّى يعرف الله ورسوله والأئمة كلّهم وإمام زمانه ، ويردّ إليه ويسلّم له . ثمّ قال : كيف يعرف الآخر وهو يجهل الأوّل ؟
ثمّ في بيان فلسفة بعثة النبيّ يقول (عليه السلام) : إنّ الله بعث محمد (صلى الله عليه وآله) وليس أحد من العرب يقرأ كتاباً ولا يدّعي نبوّة ، فساق الناس حتّى بوّأهم محلّتهم وبلّغهم منجاتهم ، فاستقامت قناتهم ، واطمأنّت صفاتهم ، أما والله إن كنت لفي سقاتها ، حتّى ولّت بحذافيرها ، ما ضعفت ولا جبنت ، وإنّ مسيري هذا لمثلها[8].
وقال (عليه السلام) : أمّا بعد ، فإنّ الله بعث محمداً ليخرج عباده من عباده إلى عبادته ، ومن عهود عباده إلى عهوده ، ومن طاعة عباده إلى طاعته ، ومن ولاية عباده إلى ولايته[9].
أي دعاهم إلى الحرية والاستقلال في حياتهم الدينية والدنيوية ، وذلك بعبادة الله والكفر بعبادة غيره.
وقال (عليه السلام) : طبيب دوّار بطبّه ، قد أحكم مراهمه وأحمى مواسمه ، يضع من ذلك حيث الحاجة إليه من قلوب عمي وآذان صمّ وألسنة بكم ، متتبّع بدوائه مواضع الغفلة ومواطن الحيرة[10].
وقال (عليه السلام) : اللّهم إنّك تعلم أ نّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام ، ولكن لنردّ المعالم من دينك ، ونظهر الإصلاح في بلادك ، فيأمن المظلومون من عبادك ، وتقام المعطّلة من حدودك[11].
وقال (عليه السلام) : لم تكن بيعتكم إيّاي فلتة ، وليس أمري وأمركم واحداً ، إنّي اُريدكم لله ، وأنتم تريدونني لأنفسكم ، أيّها الناس ، أعينوني على أنفسكم ، وأيم الله لأنصفنّ المظلوم من ظالمه ، ولأقودنّ الظالم بخزامته حتّى أورده منهل الحقّ وإن كان كارهاً.
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى نبيّ من أنبيائه في مملكة جبّار من الجبّارين أن ائتِ هذا الجبّار فقل له : إنّي لم أستعملك على سفك الدماء واتّخاذ الأموال وإنّما استعملتك لتكفّ عنّي أصوات المظلومين ، فإنّي لم أدَع ظلامتهم وإن كانوا كفّاراً[12].
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لو اقتبستم العلم من معدنه ، وادّخرتم الخير من موضعه ، وأخذتم من وضحه ، وسلكتم الحقّ عن نهجه ، لابتهجت بكم السبل ، وبدت لكم الأعلام ، وأضاء لكم الإسلام ، وما عال فيكم عائل ، ولا ظُلم منكم مسلم ولا معاهد ...[13].
اعداد وتقديم: سيد مرتضى محمدي
القسم العربي - تبيان
الهوامش
[1]القصص : 82 .
[2]ميزان الحكمة 4 : 6 ، عن بحار الأنوار 73 : 72.
[3]البحار 77 : 90.
[4]البحار 73 : 153.
[5]تحف العقول : 237.
[6]ميزان الحكمة 4 : 10.
[7]الحياة 1 : 146.
[8]الحياة 1 : 147 ، عن الكافي 1 : 180.
[9]الوافي 3 : 23.
[10]نهج البلاغة : 321.
[11]نهج البلاغة : 406.
[12] الكافي 2 : 333.
[13]مستدرك النهج : 31.
source : .www.rasekhoon.net