كلمة المجمع
إنّ تراث أهل البيت^ الذي اختَزَنَتْهُ مدرستُهم، وحَفِظَهُ من الضياع أتباعُهم، يعبِّر عن مدرسةٍ جامعةٍ لشتى فروعِ المعرفة الإسلاميّة. وقد استطاعتْ هذه المدرسةُ أن تربّيَ النفوسَ المستعدّةَ للاغتراف من هذا المعين، وتقدِّمَ للأمّة الإسلاميّة كبارَ العلماءِ المحتذين لخُطى أهلِ البيت^ الرساليِّة، مستوعبين إثاراتِ وأسئلةَ شتى المذاهب والاتجاهات الفكرية من داخل الحاضرة الإسلاميّة وخارجها، مقدّمين لها أمتَنَ الأجوبةِ والحلولِ على مدى القرون المتتالية.
وقد بادَر المجمعُ العالمي لأهل البيت^ ـ منطلقاً من مسؤوليّاته التي أخذها على عاتقه ـ للدفاع عن حريمِ الرسالةِ وحقائِقِها التي ضبّب عليها أربابُ الفرقِ والمذاهبِ وأصحابُ الاتجاهات المناوئة للإسلام، مقتفياً خطى أهلِ البيت ^ وأتباعَ مدرستهم الرشيدة التي حرصَت في الردِّ على التحدّيات المستمرّة، وحاولَتْ أن تبقى على الدوامِ في خطِّ المواجهةِ وبالمستوى المطلوب في كلّ عصر.
إن التجارب التي تختزنها كتبُ علماءِ مدرسةِ أهلِ البيتِ ^ في هذا المضمار فريدةٌ في نوعها؛ لأنّها ذات رصيدٍ علميٍّ يحتكم إلى العقل والبرهان ويتجنّبُ الهوى والتعصبَ المذمومَ، ويخاطبُ العلماء والمفكرين من ذوي الاختصاصِ خطاباً يستسيغه العقل وتتقبّله الفطرةُ السليمةُ.
وقد حاول المجمعُ العالمي لأهل البيت^ أن يقدّمَ لطلاب الحقيقة مرحلةً جديدةً من هذه التجارب الغنيّة من خلال مجموعةٍ من البحوث والمؤلّفات التي يقوم بتصنيفها مؤلفون معاصرون من المنتمين لمدرسة أهل البيت ^، أو من الذين أنعم الله عليهم بالالتحاق بهذه المدرسة الشريفة، فضلاً عن قيام المجمع بنشرِ وتحقيق ما يُتوخّى فيه الفائدة من مؤلفات قدامى علماء الشيعة الأعلام أيضاً، لتكون هذه المؤلّفات منهلاً عذباً للنفوس الطالبة للحقّ، كي تنفتح على الحقائق التي تقدّمها مدرسةُ أهل البيت ^ الرساليّة للعالم أجمع، في عصرٍ تتكاملُ فيه العقول وتتواصلُ النفوس والأرواح بشكلٍ سريعٍ وفريدٍ.
نرجو من القرّاء الكرام أن لا يبخلوا علينا بآرائهم ومقترحاتهم القيّمة وانتقاداتهم البنَّاءة في هذا المجال. كما ندعو كافّة المراكز المعنيّة والعلماء والمؤلفين والمترجمين للتعاون معنا في نشر الثقافة الإسلاميّة المحمديّة الأصيلة.
سائلين الله تعالى أن يتقبل منّا هذا القليل ويوفقنا للمزيد في ظلّ عنايته الخاصة ورعاية خليفته في الأرض الإمام المهدي ( عجّل الله تعالى فرجه الشريف).
ونتقدّم بالشكر الجزيل للأستاذ الفاضل غلام حسن محرّمي لتأليفه هذا الكتاب. كما ونشكر الأستاذ الكريم كمال السيد لنقله هذا الكتاب من الفارسية إلى اللغة العربية، وكذلك جميع زملائنا الذين ساهموا في إنجاز هذا الأثر، بالأخص العاملين في قسم الترجمة المثابرين في أداء واجبهم.
المعاونية الثقافية
المجمع العالمي لأهل البيت^
المقدمة
لا ينفصل تاريخ التشيّع عن تاريخ الإسلام ذلك أنّ التشيّع هو استمرار للإسلام بقيادة تنوب النبيّ’، فكان أئمة أهل بيت الرسول الأكرم’ الذي أُطلق على أتباعهم ومحبّيهم وأنصارهم مفردة >الشيعة<.
إنّ أوّل ظهور لنواة التشيّع جاء من خلال موقف كبار الصحابة الميامين من الذين استجأبوا لدعوة النبيّ’ في الوقوف إلى جانب الإمام عليّ× والالتزام بقيادته بعد رحيله’ .
وبعد رحيل النبيّ’ وظهور حادثة السقيفة وما نجم عن ذلك الاجتماع الهام والمصيري في انتخاب خليفة للنبيّ’ تحدّد المسار التاريخي للتشيّع، ذلك أن شيعة الإمام عليّ× أصرّوا على موقفهم بمساندة الإمام عليّ× وتحمّلوا في سبيل ذلك المصاعب والمحن والمشاكل وظلّوا بمنأى عن أجهزة الحكم ومراكز القرار السياسي، الأمر الذي أفضى فيما بعد إلى أن تتّخذ الحكومات المتعاقبة مواقف عدائية تجاههم فتعرّضوا إلى أشكال من القهر السياسي والتهميش والقمع.
وقد ظلّ الشيعة بعد رحيل النبيّ’ يرجعون في شؤونهم الفكرية والعقيدية والاجتماعية إلى الأئمة من أهل البيت^ فانفصلوا بمرور الزمن عن الشرائح الاجتماعية التي تساند الخلافة الرسمية وأصبح لهم مساراً فكرياً وثقافياً خاصاً، وهذا ما أثّر بطبيعة الحال في المسار التاريخي للتشيّع وبقاء ثقافته بمنأى عن الانحرافات.
وبسبب اتِّباع الشيعة لأئمة أهل البيت^ فقد أضحوا من الناحية العملية حَمَلة لعلوم أهل البيت^ ويتوارثون تلك العلوم عبر الأجيال، وقد تألّقت ثقافة التشيّع وظلّت تتمتّع بالحيويّة والتجدّد والأصالة، وقد اعترف بهذه الحقيقة حتى خصوم الشيعة فهذا شمس الدين محمّد الذهبي المتوفى سنة (748 هـ ) وهو من أعلام أهل السنّة في القرن الثامن يعترف بمرارة في ترجمة أبان بن تغلب ـ من تلامذة الإمام الصادق× بصدقه ووثاقته بعد اتّهامه بالبدعة (التشيّع) يقول فيه:
>شيعي جلد، لكنّه صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته وقد وثّقه أحمد بن حنبل، وابن معين وأبو حاتم، وأورده ابن عدي وقال: كان غالياً في التشيّع...
فلقائل أن يقول كيف ساغ توثيق مبتدع وحدّ الثقة العدالة والاتقان؟!<
ثمّ يبرّر ذلك بأنّ بدعته صغرى وهي التشيّع! >فهذا كثير في التابعين وتابعيتهم مع الدين والورع والصدق فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبويّة; وهذه مفسدة بيّنة<([1]) .
من جانب آخر، إنّ التشيّع شأنه شأن سائر المذاهب الأُخرى قد مرّ بمنعطفات عديدة خلال مساره التاريخي ممّا أدّى إلى تصدّع في كيانه وظهور العديد من الأزمات داخله. ومازاد الطين بلّة نفوذ الغُلاة داخل كيانه هذا بالرغم من الطرد الشديد لهم ومهاجمتهم من لدن الأئمة^ .
من كل ذلك يتبيّن لنا أنّ التشيّع قد مرّ بمراحل عديدة خلال الأربعة عشر قرناً من تاريخ الإسلام، وقد قام مؤلف هذا الكتاب وهو حجّة الإسلام غلام حسن محرّمي بجهود كبرى في هذا المضمار فجاءت دراسته شاملة إلى حدّ كبير جعله يمتاز على غيره من الباحثين في مضمار هذه الدراسات وهي ضئيلة نأمل أن تكون هذه الدراسة التي نالت درجة ممتازة في حقل الدراسات الجامعية مفيدة لأصحاب الاهتمام في حقل الدراسات الإسلاميَّة.