عربي
Tuesday 5th of November 2024
0
نفر 0

على هامش بشارات الأديان بالمهدي الامامي

تأليف عرفان محمود عراقة الايمان بالمصلح العالمي: يعتبر الايمان بحتمية ظهور المصلح الديني العالمي، واقامة الدولة الالهية العادلة في كل الارض, من نقاط الاشتراك البارزة بين جميع الاديان,(1) والاختلاف فيما بينها انما هو في تحديد هوية هذا المصلح الديني العالمي, الذي يحقق جميع اهداف الأنبياء ـ عليهم السلام. وقد استعرض الدكتور محمد مهدي خان، في الابواب الستة الاولى من كتابه مفتاح باب الابواب, آراء الاديـان الستة المعروفة بشأن ظهور النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم, ثم بشأن المصلح العالمي المنتظر, وبين ان كل دين منها بشر بمجي ء هذا المصلح الالهي، في المستقبل اوفي آخر الزمان, ليصلح العالم, وينهي الظلم والشر, ويحقق السعادة المنشودة للمجتمع البشري.(2) كما تحدث عن ذلك مفصلا الـميرزا محمد الاسترابادي في كتابه ذخيرة الابواب، ونقل طرفا من نصوص وبشارات الكثير من الكتب السماوية لمختلف الاقوام بشأنه. وهذه الحقيقة من الواضحات، اقر بها كل من درس عقيدة المصلح العالمي، حتى الذين انكروا صحتها او شـكـكـوا فيها, كبعض المستشرقين امثال جولد زيهر المجري في كتابه العقيدة والشريعة في الاسلام,(3) فاعترفوا بأنها عقيدة عريقة للغاية في التأريخ الديني،وجدت حتى في القديم من كـتـب ديـانات المصريين والصينيين والمغول والبوذيين والمجوس والهنود والاحباش، فضلا عن الديانات الكبرى الثلاث: اليهودية والنصرانية والاسلام.(4) البشارات بالمنقذ عنصر اساسي في الكتب المقدسة والـملاحظ في عقائد هذه الاديان بشأن المصلح العالمي، انها تستند إلى نصوص واضحة في كتبهم الـمـقـدسة القديمة، وليس إلى تفسيرات عرضها علماؤهم لنصوص غامضة،حمالة لوجوه تأويلية متعددة,(5) وهذه الملاحظة تكشف عراقة هذه العقيدة، وكونها تمثل اصلا مشتركا في دعوات الأنبياء ـ صلوات اللّه عليهم ـ, حيث ان كل دعوة نبوية أو على الاقل الرئيسة والكبرى ـ تمثل خـطـوة عـلـى طـريـق الـتـمهيد لظهور المصلح الديني العالمي، الذي يحقق اهداف هذه الدعوات كـافـة,(6) كـمـا ان لـلـتبشير بحتمية ظهور هذا المصلح العالمي تأثيرا على هذه الدعوات، فـهـو يـشكل عامل دفع لاتباع الأنبياء للتحرك باتجاه تحقيق اهداف رسالتهم، والسعي للمساهمة في تـأهـيـل الـمـجتمع البشري لتحقيق اهداف جميع الدعوات النبوية كاملة, في عصر المنقذ الديني العالمي. ولذلك كان التبشير بهذه العقيدة عنصرا اصليا في نصوص مختلف الديانات والدعوات النبوية. رسوخ الفكرة في اليهودية والنصرانية: فـالايـمـان بـهـا ثابت عند اليهود, مدون في التوراة والمصادر الدينية المعتبرة عندهم, وقد فصل الـحـديـث عن هذه العقيدة عند اليهود كثير من الباحثين المعاصرين, وبخاصة في العالم الغربي, من امـثـال جـورج رذرفـورد فـي كتابه ملايين من الذين هم احيأ اليوم لن يموتوا ابدا, والسناتور الامـيركي بول منزلي في كتابه من يجرؤ على الكلام، والباحثة غريس هالسل في كتابها النبوءة والسياسة, و... غيرهم كثير.(7) فكل من درس الديانة اليهودية التفت إلى رسوخ هذه العقيدة فيها وسجلها, والنماذج التي ذكـرنـاها آنفا من هذه الدراسات, اختصت بعرض هذه العقيدة بالذات عند اليهود, والاثار السياسية الـتـي افـرزتـها نتيجة لتحرك اليهود انطلاقا من هذه العقيدة، وفي القرون الاخيرة خاصة، بهدف الاسـتعداد لظهور المنقذ العالمي، الذي يؤمنون به، وسبب هذا التحرك هو ان عقيدة اليهود في هذا المجال تشتمل على تحديد زمني لبدء مقدمات ظهور المنقذ العالمي: يبدا مع سنه (1914) للميلاد ـ وهـو عـام تفجر الحرب العالمية الاولى كما هو معروف ـ, ثم عودة الشتات اليهودي إلى فلسطين، واقامة دولتهم التي يعتبرونها من المراحل التمهيدية المهمة لظهور المنقذ الموعود, ويعتقدون بأن العودة إلى فلسطين هي بداية المعركة الفاصلة، التي تنهي وجود الشر في العالم، ويبدا حينئذ حكم الـملكوت في الارض لتصبح الارض فردوسا.(8) وبغض النظر عن مناقشة صحة ما ورد من تـفـصـيـلات فـي هـذه العقيدة عند اليهود, الا ان المقدار الثابت هو انها فكرة متأصلة في تراثهم الـديـني،وبقوة بالغة مكنت اليهودية ـ من خلال تحريف تفصيلاتها ومصاديقها ـ ان تقيم على اساسها تـحـركـا استراتيجيا طويل المدى وطويل النفس، استقطبت له الطاقات اليهودية المتباينة الافكار والاتجاهات، ونجحت في تجميع جهودها وتحريكها باتجاه تحقيق ما صوره قادة اليهودية لاتباعهم، بأنه مصداق التمهيد لظهور المنقذ الموعود. وواضـح ان الايـمـان بـهـذه العقيدة لو لم يكن راسخا ومستندا إلى جذور عميقة في التراث الديني الـيـهودي، لما كان قادرا على ايجاد مثل هذا التحرك الدؤوب، ومن مختلف الطاقات والاتباع، فمثل هذا لا يتأتى من فكرة عارضة او طارئة، لاتستند إلى جذور راسخة مجمع عليها. كـمـا آمـن الـنصارى بأصل هذه الفكرة استنادا إلى مجموعة من الايات والبشارات الموجودة في الانـجـيل والتوراة. ويصرح علماء الانجيل بالايمان بحتمية عودة عيسى المسيح في آخر الزمان، لـيـقـود الـبـشرية في ثورة عالمية كبرى، يعم بعدها الامن والسلام كل الارض ـ كما يقول القس الالـماني فندر في كتابه ميزان الحق(9) ـ وانه يلجأ إلى القوة والسيف لاقامة الدولة العالمية العادلة. وهذا هو الاعتقاد السائد لدى مختلف فرق النصارى. الايمان بالمصلح العالمي في الفكر غير الديني. بـل والـمـلاحظ ان الايمان ـ بحتمية ظهور المصلح العالمي ودولته العادلة، التي تضع فيها الحرب اوزارها, ويعم السلام والعدل ـ لا يختص بالاديان السماوية، بل يشمل المدارس الفكرية والفلسفية غير الدينية ايضا. فـنـجـد فـي الـتـراث الفكري الانساني الكثير من التصريحات بهذه الحتمية، فمثلا يقول المفكر الـبـريـطـانـي الـشهير برتراند راسل: ان العالم في انتظار مصلح يوحده تحت لواء واحد وشعار واحد.(10) ويقول العالم الفيزيائي المعروف البرت اينشتاين صاحب النظرية النسبية: ان اليوم الذي يسود العالم كله فيه السلام والصفأ, ويكون الناس متحابين متخين ليس ببعيد.(11) وادق واصـرح مـن هـذا وذاك مـا قاله المفكر الايرلندي المشهور برناردشو, فقد بشربصراحة بحتمية ظهور المصلح، وبلزوم ان يكون عمره طويلا يسبق ظهوره، بما يقترب من عقيدة الامامية فـي طـول عـمر الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف, ويرى ذلك ضروريا لاقامة الدولة الموعودة. قال في كتابه الانـسـان الـسوبرمان ـ وحسب ما نقله الدكتور عباس محمود العقاد في كتابه عن برناردشو في وصف المصلح العالمي ـ بأنه: انسان حي ذو بنية جسدية صحيحة وطاقة عقلية خارقة، انسان اعلى يـتـرقـى اليه هذا الانسان الادنى بعد جهد طويل، وانه يطول عمره حتى ينيف على ثلاثمئة سنة، ويـسـتـطـيـع ان يـنـتـفـع بـمـا اسـتـجمعه من اطوار العصور, وما استجمعه من اطوار حياته الطويلة.(12) طول عمر المصلح في الفكر الانساني. الـملاحظ ان الاوصاف التي يذكرها المفكر الايرلندي للمصلح العالمي من الكمال الجسمي والعقلي، وطـول الـعـمـر, والـقـدرة على استجماع خبرات العصور والاطوار بما يمكنه من انجاز مهمته الاصلاحية الكبرى، قريبة من الاوصاف التي يعتقد بها مذهب اهل البيت ـ عليهم السلام ـ في المهدي الـمـنـتـظر عجل الله تعالى فرجه الشريف وغيبته. وقضية طول العمر في هذا المصلح العالمي مستجمعا ـ عند ظهوره ـ لتجارب العصور, لكي يكون قادرا على انجاز مهمته،(13) وهذه الثمرة متحصلة من غيبة الامام الـمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف الطويلة، حسب عقيدة الامامية الاثني عشرية، ولكن الفرق هو ان عقيدتنا في الامام الـمـعـصـوم تـقـول بـأنه مستجمع ـ منذ البداية ـ لهذه الخبرة والثمار المرجوة من طول عمره، فـهـو عجل الله تعالى فرجه الشريف مـؤهـل بدءالادأ مهمته الاصلاحية الكبرى مسدد الهيا لها, قادر عليها متى ما تهيأت الاوضاع الموائمة لظهوره. اجل، يمكن القول بأن طول الغيبة يؤدي إلى اكتساب انصاره والمجتمع البشري لهذه الثمار, فيستجمعونها جيلا بعد آخر.(14) الايمان بالمهدي تجسيد لحاجة فطرية: ان ظـهـور الايمان بفكرة حتمية ظهور المنقذ العالمي في الفكر الانساني عموما, يكشف عن وجود اسـس مـتينة قوية تستند اليها, تنطلق من الفطرة الانسانية، بمعنى انها تعبر عن حاجة فطرية عامة يـشـتـرك فـيها بنو الانسان عموما, وهذه الحاجة تقوم على ما جبل عليه الانسان، من تطلع مستمر لـلـكمال بأشمل صورة، وان ظهور المنقذ العالمي واقامة دولته العادلة في اليوم الموعود, يعبر عن وصول المجتمع البشري إلى كماله المنشود. يـقول العلامة الشهيد آية اللّه العظمى السيد محمد باقر الصدر ـ قدس سره ـ في مقدمة بحثه القيم عن المهدي: لـيـس المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف تجسيدا لعقيدة اسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوان لطموح اتجهت الـيـه البشرية بمختلف اديانها ومذاهبها, وصياغة لالهام فطري ادرك الناس من خلاله ـ على تنوع عـقـائدهم ووسائلهم إلى الغيب ـ ان للانسانية يوما موعودا على الارض تحقق فيه رسالات السماء مـغـزاها الكبير وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المكدودة للانسان على مر التاريخ استقرارها وطمأنينتها, بعد عناء طويل. بل لم يقتصر هذا الشعور بهذا الشعور الغيبي والمستقبل المنتظر، على المؤمنين ديـنـيـا بالغيب، بل امتد إلى غيرهم ايضا, وانعكس حتى على اشد الايدلوجيات والاتجاهات الغيبية رفضا للغيب، كالمادية الجدلية التي فسرت التاريخ على اساس التناقضات، وآمنت بيوم موعود تصفى فيه كل التناقضات، ويسود فيه الوئام والسلام. وهـكـذا نـجـد ان الـتجربة النفسية لهذا الشعور التي مارستها الانسانية على مر الزمان، من اوسع الـتـجـارب النفسية واكثرها عموما بين بني الانسان.(15) اذن، فالايمان بالفكرة التي يجسدها الـمهدي الموعود هي من اكثر الافكار انتشارا بين بني الانسان كافة، لانها تستند إلى فطرة التطلع للكمال بأشمل صوره، اي انها تعبر عن حاجة فطرية، لذلك فتحققها حتمي لان الفطرة لا تطلب ما هو غير موجود كما هو معلوم. موقف الفكر الانساني من غيبة المهدي ان الفكر الانساني لايرى مانعا من طول عمر هذا المصلح العالمي، الذي يتضمنه الايمان بغيبته وفقا لـمـذهب اهل البيت عليهم السلام, بل يرى طول عمره امرا ضروريا للقيام بمهمته الاصلاحية الكبرى كما لاحظنا في كلام المفكر الايرلندي برناردشو. وعليه فالفكر الانساني العام لا يرفض مبدئيا الايمان بـالـغيبة، اذا كانت الادلة المثبتة لها مقبولة عقليا.وقد تناول العلماء اثبات الامكان العقلي لطول عمر الامـام الـمـهـدي، وعـدم تعارضه مع اي واحد من القوانين العقلية، كما فعل الشيخ المفيد في كتابه (الفصول العشرة في الغيبة), والسيد المرتضى في رسالته (المقنع في الغيبة), والعلامة الكراجكي في رسالته (البرهان على طول عمر امام الزمان عليه السلام) التي تضمنها كتابه كنز الفوائد في جزئه الـثـانـي، والـشيخ ‌الطبرسي في اعلام الورى، والسيد الصدر في بحث حول المهدي وغيرهم كثير, اذ قل ما يخلو كتاب من كتب الغيبة عن مناقشة هذا الموضوع، والاستدلال عليه.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

قضيّة خالد مع مالك بن نويرة
عقيدة السنة في المهدي (عج )ابن القيم الجوزية:
تساؤلات في مسألة الخلافة بعد رسول الله صلى الله ...
لماذا يوصف الحسين (ع) بسيد الشهداء ؟
خطب الإمام السجاد(عليه السلام) في الكوفة والشام ...
وجه الشبه بين الحسين عليه السلام و بين نبي الله ...
بلال ، حضرت فاطمہ (س ) کي نظر ميں
الوفاء بالشرُوط في صلح الحسن (ع)
على هامش بشارات الأديان بالمهدي الامامي
تاريخ التشيّع من نشوئه حتى نهاية الغيبة ...

 
user comment