فقد سأل ابن السكيت الإمام الهادي (عليه السلام) بأمر من المتوكل قائلاً: لِمَ بعث الله موسى (عليه السلام) بالعصا؟ وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى؟ وبعث محمداً (صلى الله عليه وآله) بالقرآن والسيف؟ فأجابه الإمام أبو الحسن الهادي (عليه السلام) بقوله:[1]
«إن الله تعالى بعث موسى بالعصا واليد البيضاء التي تظهر من غير سوء في زمنٍ الغالب على أهلهِ السحر، فكان دور السحرة وشعوذتهم قد أخذ مساحة واسعة من عقول الناس وتفكيرهم ، وأدّى إلى انحرافهم عن طريق الله ـ طريق الحقِّ والهُدى ـ فأتاهم موسى بما يدحض إدعاءاتهم وكانت عصاهُ (التي تلقف مايأفكون) وأثبت بالحُجّة مايدحض ادعاءاتهم وأكاذيبهم.
وأمّا مُهمة عيسى بن مريم (عليه السلام) فتختلف عن مهمة موسى (عليه السلام) لأن زمان عيسى كان الغالب على أهله تقدّم الطب. فجاء النبي بمهمّات إعجازيّة قهرت أُولئِكَ وأثبتت عجزهم عمّا أتى به عيسى، إذ أنهم كانوا يشفون الناس من العلل والأمراض ولكنهم عجزوا عن مداواة الأكمه والأبرص ، فتحدّاهم عيسى (عليه السلام) وكان يمسُّ الأبرص والأكمه بيده فيبرأ بإذن الله.
وكذلك جاء بمهمة عجز عنها الجميع وهي: إحياء الموتى بإذن الله فكان عيسى (عليه السلام) يحييهم بأمر الله حين دُعائه لهم فيشفون، مما جعله المنُتصر والمُتغلِّب عليهم في مجال التحدّي ولمناظرة.
وأمّا بعثة نبي الرحمة حمد (صلى الله عليه وآله) فكان السائد في قومه الشعر والفصاحة والسيف للإعتزاز بالنفس والقبيلة والإفتخار بمكارمها وعاداتها . فجاء الرسول (صلى الله عليه وآله) بالمعجزة الكبرى ، وفنّد ادّعاءاتهم وحججهم الواهية بآيات الرسالة المُحكمة، وبلاغة الرسول ودوره العظيم بالإبلاغ والتوجيه.
وسلكت ـ أي قريش ـ مختلف الوسائل والسُبل لإيقاف عجلة الرسالة ولكنهم لم يُفلِحُوا حينما تحدّاهم القرآن بأن يأتوا ببعض سُوَرِهِ أو بسورةٍ واحدة، وإن كان بعضهم لبعض ظهيراً. مما جعلهم يتخبّطون في وسائل البطش والأذى ولكن دون جدوى قال تعالى: )واللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [2](.
وقد اعترض يحيى بن أكثم على كلام ابن السكيت وقال عنه: مالإبن السكيت والمناظرات؟ فهو ـ أي ابن السكيت ـ صاحب نحو وشعر ولغة، فرفع قرطاساً فيه اسئلة لابن السكيت . فأملى الإمام الهادي جوابها وأمر ابن السكيت ان يكتبها ومنها: سُئلتُ عن قول الله تعالى: )قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ [3](.
فأجابه الإمام (عليه السلام): إنَّ الذي عنده علم من الكتاب هو آصف بن برخيا الذي عنده حرف واحد من حروف إسم الله الأعظم الذي أبلغه به سليمان . وقيام آصف بمعجزة، مجيىء عرش بلقيس من سبأ في اليمن إلى سليمان في الشام.
ولم يكن سليمان (عليه السلام) عاجزاً عن الإتيان بعرش بلقيس، وإنّما أراد أن يعرِّف أُمَّتَهُ من الإنس والجن أن آصف هو الحُجّة من بعدهِ عليهم لكي لا يختلفوا في إمامته، وخلافته لهم من بعده . وهذا الأمر يأخذ بأيدينا إلى إمامة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وأمر السماء للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لئن لم يبلغها فما بلّغَ رسالته، ولذلك صّرح الرسول (صلى الله عليه وآله) بقوله: «مَن كنتُ مولاه فهذا عليُّ مولاه اللهمَّ وال مَن والاه وعاد مَن عاداه» بمرأى ومسْمع من جميع الصحابة ولكن الذين في آذانهم وقرا لم يسمعوا للرسول قولاً وأصبح علي (عليه السلام) المظلوم الثاني بعد رسول الله بسبب مخالفة قومه وسوء توفيقهم.
بالرغم من أن الرسول (صلى الله عليه وآله) أوصى بالصلاة عليهم حينما يصلي المسلم فيقول: اللهم صلِّ على محمد وال محمد، ومنه حديث أبي داود من سرَّه ان يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلّى علينا أهل البيت [4].
[1] ـ ج4 ص 434/ مناقب آل أ·ي طالب / لمحمد بن علي بن شهراشوب.
[2] ـ الآية/ 8 من سورة الصف.
[3] ـ الآية/ 40 من سورة النمل.
[4] ـ ص 233/ الصواعق المحرقة : لابن حجر العسقلاني.
source : www.sibtayn.com