عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

مراتب وأقسام التوحید

مراتب وأقسام التوحید

التوحید ونبذ الشرک من أهمّ المسائل العقائدیة التی تصدَّرت المفاهیم والتعالیم السماویة على الاِطلاق، ویعدّ أساساً لسائر المعارف الاِلهیة التی جاء بها رسل اللّه فی کتبهم وکلماتهم. وبما انّ للتوحید مراتب بیّنها علماء الاِسلام فی کتبهم العقائدیة نأتی بها على سبیل الاِجمال ونردف کلّ قسم منها بآیة أو آیات قرآنیة ...

أقسام التوحید :

الاَوّل: التوحید فی الذات
والمراد منه هو انّه سبحانه واحد لا نظیر له، فرد لا مثیل له، بل یمتنع أن یکون له نظیر أو مثیل ، قال سبحانه: (لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ وَهُوَ السَّمیعُ الْبَصیر )(1)
وقال سبحانه: (قُلْ هُوَ اللّه أَحَد* اللّهُ الصَّمَد* لَمْ یَلِدْوَلَمْ یُولَدْ*وَلَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُواً أَحَد) (2)

الثانی: التوحید فی الخالقیة
والمراد انّه لیس فی صحیفة الوجود خالق غیر اللّه سبحانه، ولا موَثر سواه، وانّ ما فی الکون من السماوات والاَرض والجبال والبحار والعناصر والمعادن والنباتات والاَشجار فهو مخلوق للّه سبحانه، فوجودها وأفعالها وآثارها کلّها مخلوقة للّه تبارک و تعالى.
فالشمس وحرارتها، والقمر وإنارته، والنار وإحراقه وغیر ذلک من الفواعل والاَسباب کلّها مخلوقة للّه تبارک وتعالى مع آثارها ومسبباتها، قال سبحانه: (قُلِ اللّهُ خالِقُ کُلِّ شَیْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ القَهّار ) (3) . وقال سبحانه: (اللّهُ خالِقُ کُلّ شَیْءٍ وَهُوَ عَلى کُلّ شَیْءٍ وَکِیل)(4) وقال تعالى: (ذلِکُمُ اللّهُ رَبُّکُمْ لا إلهَ إِلاّهُوَ خالِقُ کُلِّ شَیْءٍ فَاعْبُدُوهُ) .(5) لکن جرت مشیئته على خلق الاَشیاء عن طریق أسبابها فکون العالم کله مخلوقاً للّه سبحانه لیس بمعنى إنکار علاقة السببیة .

الثالث: التوحید فی الربوبیة
والمراد منه انّ للکون مدبراً واحداً متصرفاً کذلک لا یشارکه فی التدبیر شیء فهو سبحانه المدبر الوحید للکون على الاِطلاق، قال سبحانه: (إِنّ رَبَّکُمُ اللّهُ الَّذی خَلَقَالسَّماواتِ وَالاَرْضَ فی سِتَّةِ أَیّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ یُدَبِّرُ الاَمْر ) (6) وقال سبحانه: (اللّهُ الَّذِی رَفَعَ السَّماواتِ بِغَیْرِ عَمَدٍ تَرونَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَر کُلٌّ یَجْری لاَجَلٍ مُسَمًّى یُدَبِّرُ الاَمْر ) (7)
تجد انّه سبحانه یذکر بعد خلق السماوات والاَرض، تدبیر أمر الخلقة، وربوبیَّتها فیُحصره فی ذاته فلا مدبِّر ولا ربّ إلاّ هو، فیکون الخالق هو الموجد، والرب والمدبر لاَمر الخلقة ودوامها واستمرارها.
نعم ثمّة سوَال وهو انّه إذا لم یکن مدبر سواه فما معنى قوله سبحانه:(فَالمُدبِّراتِ أَمْراً) (8) أو قوله تعالى: (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوقَ عِبادِهِ وَیُرْسِلُ عَلَیْکُمْ حَفَظَة) (9) فانّ الحفظة جمع «الحافظ» وهم الذین یحفظون العباد ویدبّرون شوَون حیاتهم،أفهناک تناف بین هذا الاثبات والحصر السابق؟!
والجواب انّ من کان ملمّـاً بحقائق القرآن وعارفاً بلسانه یقف على عدم وجود أیِّ تناقض وتناف بین ذلک النفی وهذا الاِثبات، وذلک لاَنّ الهدف من حصر التدبیر باللّه سبحانه هو حصره به على وجه الاستقلال، أی من یدبر بنفسه غیر معتمد على شیء.
وأمّا المثبت لتدبیر غیره، فیراد منه انّه یدبر بأمره وإذنه وحوله وقوته على النحو التبعی فکل مدبر فی الکون من ملک وغیره فهو مظهر أمره ومنفِّذ إراداته.
ولیس هذا بعزیز فی القرآن ترى أنّه سبحانه ینسب فعلاً لنفسه وفی الوقت نفسه ینسبه لشخص آخر، ولا تناقض، لاختلاف النسبتین فی الاستقلال والتبعیة، قال سبحانه: (اللّهُ یَتَّوَفى الاَنْفُسَ حینَ مَوتِها)(10) و قال: (حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَکُمُ الْمَوتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) .(11)
فالتوفّی على وجه الاستقلال هو فعله سبحانه، وأمّا التوفّی بحوله وقدرته وإرادته وأمره فهو فعل الرسل.
وبعبارة أُخرى: هناک فعل واحد وهو التوفّی، یُنسب إلى اللّه بنحو وإلى رسله بنحو آخر، دون أیّ تناف وتنافر بین هذین النسبتین.
ونظیره قوله سبحانه: (وَاللّهُ یَکْتُبُ ما یُبَیِّتُون) (12) وفی الوقت نفسه یعتبر الملائکة کَتَبَة الاَعمال ویقول: (بَلى وَرُسُلُنا لَدَیْهِم یَکْتُبُونَ) (13)
وبذلک تقف على معنى التوحید فی التدبیر والتأثیر، ولیس معناه خلوّ کلّ موجود من التأثیر وانّ آثار الاَسباب تفاض من اللّه سبحانه بلا واسطة، بل معناه انّالآثار والمسببات، للاَسباب نفسها، فالشمس مضیئة، والقمر منیر والنار محرقة حقیقة، ولکن بجعل منه سبحانه، فالجمیع من مظاهر أمره وإرادته.
ومن زعم انّ معنى التوحید فی الربوبیة هو نفی الآثار عن الاَسباب فقد نازع وجدانه، کما نازع الوحی المبین حیث إنّه یثبت الاَثر الطبیعی لکلّ سبب وفی الوقت نفسه یربطهما باللّه سبحانه، قال:(الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الاَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماء ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَکُمْ فَلا تَجْعَلُوا للّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون) .(14)
تجد انّ الوحی اعترف بسببیة الماء لخروج الثمرات الطیّبة ولیست هذه الآیة وحیدة فی هذا الباب، بل فی القرآن الکریم نماذج من هذا النوع، قال سبحانه: (وَفِی الاَرْضِقِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخیلٌصِنْوانٌ وَغَیْرُ صِنْوان یُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِی الاَکُلِ إِنَّ فی ذلِکَ لآیاتٍ لِقَومٍ یعْقِلُونَ) (15)
فتستدلّ الآیة على أنّ تدبیره سبحانه فوق تدبیر الفواعل الطبیعیة، وذلک بشهادة انّ الجنات تثمر أثماراً مختلفة مع وحدة الشرائط والظروف المحیطة بها من وحدة الماء والاَرض، وهذا یدل على أنّ وراء الاَمور الطبیعیة والاَسباب المادیة مدبراً فوقها، وعلى الرغم من هذا الاعتراف إلاّ انّه لا ینفی تأثیر العوامل الطبیعیة من دون أن یراها کافیة فی خلق هذا التنوّع.
هذا هو منطق القرآن فی التوحید والتدبیر والربوبیة، فمن أراد التفصیل فلیرجع إلى الکتب العقائدیة.

الرابع: التوحید فی التشریع والتقنین
والمراد منه انّ التشریع والتقنین للاِنسان حقّمختص باللّه تبارک وتعالى فهو المشرِّع الوحید للمجتمع الاِنسانی ولا یحق لاَحد التقنین. قال سبحانه: (إِنِ الْحُکْمُ إِلاّ للّه أَمَرَأَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِیّاهُ) (16) والمراد من حصر الحاکمیة باللّه هو حصر الحاکمیة التشریعیة، فالآیة تهدف إلى أنّه لا یحق لاَحد أن یأمر وینهى ویحرِّم ویحلِّل سوى اللّه سبحانه ولاَجل انّ المراد من الحکم المختصّ باللّه سبحانه، هو التشریع أردفه بقوله: (أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِیّاهُ ) فالمراد من الاَمر هنا هو الاَمر التشریعی.
وقال سبحانه: (أَفَحُکْمَ الْجاهِلِیّةِ یَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُکْماً لِقَومٍ یُوقِنُون) (17) فالآیة تقسِّم القوانین إلى : إلهیة وجاهلیة، وبما انّ ما کان من صنع الفکر البشری لیس إلهیاً فیکون حکماً جاهلیاً البتة.

الخامس: التوحید فی الطاعة
والمراد انّه لا یجب طاعة سوى اللّه تعالى، فهو وحده یجب أن یُطاع وأن تمتثل أوامره ونواهیه، وأمّا طاعة غیره فتجب بإذنه وأمره وإلاّ کانت محرمة موجبة للشرک فی الطاعة، قال سبحانه: (وَما أُمِرُوا إِلاّ لیَعْبُدُوا اللّهَمُخْلِصینَ لَهُ الدِّین) (18) والدین فی الآیة بمعنى الطاعة أی مخلصین الطاعة له ولا یطیعون غیره.
نعم تجب طاعة النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) لاَمره تعالى، قال سبحانه: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍإِلاّ لِیُطاعَ بِإِذْنِ اللّه).(19)
وفی آیة أُخرى عُدَّت طاعة النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) من مظاهر طاعة اللّه وقال: (وَمَنْ یُطِعِ الرَّسُول فَقَدْ أَطاعَ اللّه).(20)
وعلى ضوء ذلک فإطاعة النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) وأُولی الاَمر والوالدین إنّما هو بإذنه وأمره سبحانه ولولاه لم تکن طاعتهم واجبة، بل ولا الانقیاد لاَوامرهم جائزة فهناک مطاع بالذات وهو اللّه وغیره مطاع بالعرض وبأمره.

السادس: التوحید فی الحاکمیة
والمراد منه انّالحکم على الناس حقّ مختص باللّه تبارک و تعالى، و حکومة الغیر یجب أن تنتهی إلى اللّه تبارک و تعالى، وذلک لاَنّ الحکومة والحاکمیة فی المجتمع لا تنفک عن التصرف فی النفوس والاَموال وتحدید الحریات وذلک فرع ولایة، للحاکم على المحکوم ولولاها لعدَّ التصرف عدواناً وممّا لا شکّ فیه انّ الولایة للّه المالک الحقیقی للاِنسان الخالق له، والمدبر له، فلا یحقّ لاَحد الاِمرة على العباد إلاّ بإذن منه سبحانه.
قال سبحانه: (إِنِ الْحُکْمُ إِلاّ للّهِ یَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَیْرُ الْفاصِلینَ).(21) وقال سبحانه: (أَلا لَهُ الْحُکْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبینَ) (22) فالحکومة على الناس ـ سواء أکانت بصورة القضاء وفضِّ الخصومة أو بصورة الاِمرة ـ حقّ للّه، وغیره یمارسها بإذنه وإلاّ فیکون من قبیل حکم الطواغیت الذی شجبه القرآن فی أکثر من آیة.

السابع: التوحید فی العبادة
والمراد منه حصر العبادة باللّه سبحانه وهذا هو الاَصل المتفق علیه بین جمیع طوائف المسلمین فلا یکون المسلم مسلماً إلاّ بعد الاعتراف بهذا الاَصل، وشعار المسلمین الذی یردّدونه کل یوم هو قوله سبحانه: (إِیّاکَ نَعْبُدُ) فعبادة غیره إشراک للغیر مع اللّه فی العبادة، موجبة لخروج المسلم عن ربقة الاِسلام.
وثمة أمر آخر وهو انّالضابطة الکلیة ـ حصر العبادة باللّه سبحانه ـ أمر لا غبار علیه، لکن ثمة أُموراً ربما یتصور انّها من قبیل العبادة لغیر اللّه، وهذا ما سنتطرق إلیه فی الفصل الخامس، وعلى ذلک فالنزاع لیس کبرویاً بل صغروی، أی لا نزاع لاَحد فی أنّه لا تجوز عبادة غیره، وإنّما الکلام فی أنّ هذا الاَمر هل هو عبادة غیره سبحانه أو لا ؟
مثلاً هل إقامة الاحتفالات فی الاَعیاد والمهرجانات الدینیة عبادة لصاحب الذکرى، أو هو تکریم وتبجیل وتعظیم له، فلو کانت عبادة تکون محرمة وشرکاً بلا شک، ولو کان تکریماً وتعظیماً له یکون أمراً جائزاً بل مستحباً.
وهناک أمثلة أُخرى ستمر علیک فی الفصل الخامس،غیر انّ المهم فی المقام هو تفسیر العبادة تفسیراً منطقیاً وتحدیدها تحدیداً دقیقاً لیعلم من خلالها ما هو الداخل تحتها أو الخارج عنها.
المصادر :
1- الشورى /11 .
2- الاخلاص/1ـ4.
3- الرعد/16.
4- الزمر/62.
5- الاَنعام/102.
6- یونس/3.
7- الرعد/2.
8- النازعات/5.
9- الاَنعام /61.
10- الزمر/42.
11- الاَنعام /61.
12- النساء/81.
13- الزخرف/80.
14- البقرة/22.
15- الرعد/4.
16- یوسف/40.
17- المائدة/50.
18- البینة/5.
19- النساء/64.
20- النساء/80.
21- الاَنعام/57.
22- الاَنعام/62.

 


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

وجبة السحور تحميك من الأمراض
ما بين التفكر و ((التأمل الارتقائي))
أهداف نهضة عاشوراء
ضریبة الخمس
حقيقة الخلق في القرآن
ظاهرة التركيز القرآني على اليهود ..الأسباب ...
تفسير القرآن بالقرآن
دعاء الافتتاح ؛ مثال لأدعية أهل البيت عليهم ...
وصايا رمضانية
حديث حول قوم ثمود: رؤية قرآنية

 
user comment