عربي
Friday 22nd of November 2024
0
نفر 0

مودة ورحمة

مودة ورحمة

الکاتب : نوری العلوی

مودة ورحمة ، کلمتان معجزتان أحاطت بالحیاة الزوجیّة من أطرافها اذ شرّع الله الزواج فی الإسلام وجعله عقدا مبارکا بین الرجل والمرأة ، اذ یحل به کل منهما للآخر، ویبدآن به رحلة الحیاة الطویلة. یسکن کل منهما للآخر، فیجد فی صحبته السکینة والأنس والأمن ولذة العیش . والإنسان الذی یجتمع مع المرأة فی الحلال یدرک بوضوح معنى السکنى إلیها والمیل لها ، والهدوء النفسیّ عندما یزورها ، ومن هنا سُمّی المکان الذی یلتقی فیه الرجل بالمرأة سکناً ومسکناً ، لأنّ فیه تسکن النفس وتهدأ ، ویطمئنّ الرجل ، ویستریح من وعثاء الطریق ، ومشاقّ الحیاة الکادحة ، وجعل بینکم مودّة ومحبّة ، وصلة روحیة قویّة ، قد تفوق فی غالب الأحیان صلتک بأقرب الناس إلیک .
ویقول الشیخ ابن عاشور رحمه الله : فإن المودّة وحدها آصرة عظیمة وهی آصرة الصداقة والأخوة وتفاریعهما : والرحمة وحدها آصرة منها الأبوّة والبنوّة ، فما ظنّکم بآصرة جمعت الأمرین ، وکانت بجعل الله تعالى ، وما هو بجعل الله فهو فی أقصى درجات الإتقان (1).
وقد صور القرآن الکریم هذه العلاقة الشرعیة السامیة بین الرجل والمرأة تصویراً راقیاً، یشیع فیه ندى المحبة والألفة والرحمة، ویفوح منه عبیر الود والسعادة والنعیم.
قال تعالى: (وَمِنْ آیَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْکُنُوا إِلَیْهَا وَجَعَلَ بَیْنَکُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِی ذَلِکَ لآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ)(2).
إنها الصلة الربانیة، یعقدها رب العزة بین نفس الزوجین المسلمین، فیؤسسان الأسرة المسلمة التی تدرج فیها الطفولة، وتصاغ النفوس على هدى من مکارم الأخلاق التی جاء بها الإسلام.
والمرأة المسلمة الصالحة هی عماد الأسرة، ورکنها الرکین، وهی متعة الحیاة الأولى فی حیاة الرجل، بل هی خیر متاع له فی الحیاة، کما قال الرسول الکریم -صلى الله علیه وسلم-: (من سعادة المرء المرأة الصالحة) (3).
لقد کان من تکریم الإسلام للمرأة أن أعطاها حق اختیار الزوج، فلیس للوالدین أن یکرها ابنتهما على الزواج ممن لا تریده، والمرأة المسلمة تعرف هذا الحق، ولکنها لا تستغنی عن نصح والدیها إلى ما فیه مصلحتها لأنهما أوسع منها خبرة بالحیاة والناس.
والنصوص التی تقف إلى جانب المرأة المسلمة فی هذه المسألة کثیرة، وللمرأة المسلمة الواعیة هدی دینها مقاییسها الصائبة الحکیمة فی اختیار الزوج، فهی لا تکتفی بجمال الهیئة، ورفعة المنصب، وبمظاهر الثراء، وما إلى ذلک من صفات تستهوی عادةً النساء، وإنما تقف عند دینه وخلقه، فهما عماد بیت الزوجیة الناجح، وأثمن حلیة یتحلى بها الزوج.
وقد نص هدی الإسلام الحنیف على لزوم هاتین الصفتین فی الخاطب، فقال رسول الله صلى الله علیه وسلم: (إذا جاءکم من ترضون خلقه ودینه فزوجوه ، وإن لا تفعلوا تکن فتنة فی الارض وفساد کبیر)(4)
والمرأة المسلمة الراشدة مطیعة زوجها دوماً فی غیر معصیة، بارة به حریصة على إرضائه، وإدخال السرور على نفسه.
مودة ورحمة
ولو کان فقیراً معسراً، لا تتذمر من ضیق ذات الید، ولا تضیق ذرعاً بأعمال البیت، وتذکر أن عدداً من فضلیات النساء فی التاریخ الإسلامی کن مثالاً فی الصبر، والإحسان، والمروءة، والمعروف فی خدمة أزواجهن، وبیوتهن.
فمن بر الزوجة المسلمة لزوجها إکرام أمه، واحترامها، وتقدیرها؛ لأنها تدرک أن أعظم الناس حقًا على الرجل أمه، فهی تعینه على إکرام أمه، وبرها، بإکرامها هی أیضاً، وبرها لأمه، وبذلک تکون محسنة لنفسها، ومحسنة لزوجها، ومعینة على البر والتقوى، والعمل الصالح الذی أمر به الله ورسوله، وتکون فی الوقت نفسه امرأة حبیبة إلى قلب زوجها الذی یقدر إکرامها، وبرها لأهله عامة، ولأمه خاصة.
فمن مآثر الزوجة المسلمة الراشدة، إعانتها زوجها على الطاعة فی ضروبها المختلفة، ولاسیما قیام اللیل، فإنها بذلک تسدی إلیه نفعاً عظیماً، إذ تذکره بما قد یغفل، أو یکسل عنه، أو یتهاون فیه، وتکون سبباً فی دخوله وإیاها فی رحمة الله.
الزواج آیة من آیات الله... هل ینبغی علینا أن نتفکر فی هذه الآیة؟ وما هی نتائج من یخالف هذه السنَّة الإلهیة إنها آیة عظیمة تستحق منا أن نتفکر فیها وبدلالاتها ومعانیها، ولذلک فإن هذه الآیة خُتمت بقوله تعالى (إِنَّ فِی ذَلِکَ لَآَیَاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ)، فما هی الأشیاء التی ینبغی علینا أن نتفکر فیها؟
دائماً عندما نسمع قول الحق (وَمِنْ آَیَاتِهِ) یجب أن ندرک أن هناک معجزة ما سوف یحدثنا عنها الله سبحانه وتعالى، وهذه المعجزة فی هذه الآیة هی "معجزة الزواج".
یؤکد الباحثون فی مجال علم النفس على أهمیة أن یکون للرجل زوجة، ویقولون إن وجود زوجة بقربه دائماً سوف تخفف التوتر النفسی بشکل کبیر وتخفف القلق والإحباط. وفی دراسة حدیثة وجدوا أن الرجل عندما یسافر وبخاصة سفراً متکرراً من أجل العمل أو التجارة أو الدراسة، فإن احتمال أن یُصاب بأمراض القلب تنخفض جداً عندما یکون بصحبة زوجته!
وجدوا أیضاً أن الرجل المتزوج أکثر قدرة على الترکیز والإبداع، أما المرأة المتزوجة فقد وجدوا أنها أکثر قدرة على العطاء من المرأة غیر المتزوجة، وفی ظل العنف المنزلی الذی نراه الیوم فی الدول المتقدمة، فإن العلماء یؤکدون أن معظم هذا العنف ناتج عن مخالفة الزواج الطبیعی، واللجوء إلى الزواج غیر الشرعی، حیث تجد رجلاً وامرأة یعیشان معاً دون أی عقد زواج، وهذا یؤدی إلى عدم الاستقرار.
ویقول الشیخ الشعراوی رحمه الله : « ولو تأملنا هذه المراحل الثلاثة ( یعنی : السکن والمودّة والرحمة ) لوجدنا السکن بین الزوجین ، حیث یرتاح کُلٌّ منهما إلى الآخر ، ویطمئن له ویسعد به ، ویجد لدیه حاجته .. فإذا ما اهتزّتْ هذه الدرجة ونفرَ أحدهما من الآخر جاء دور المودّة والمحبّة التی تُمسِک بزمام الحیاة الزوجیة وتوفر لکلیهما قَدْراً کافیاً من القبول .. فإذا ما ضعف أحدهما عن القیام بواجبه نحو الآخر جاء دور الرحمة ، فیرحم کل منهما صاحبه .. یرحم ضَعْفه .. یرحم مرضه .. وبذلک تستمر الحیاة الزوجیة ، ولا تکون عُرْضة للعواصف فی رحلة الحیاة .فإذا ما استنفدنا هذه المراحل ، فلم یَعُدْ بینهما سَکَن ولا مودّة ، ولا حتّى یرحم أحدهما صاحبه فقد استحالتْ بینهما العِشرة ، وأصبح من الحکمة مفارقة أحدهما للآخر .. وهنا شرع الحق سبحانه الطلاق لیکون حلاً لمثل هذه الحالات ، ومع ذلک جعله ربّنا سبحانه أبغض الحلال ، حتّى لا نقدم علیه إلاّ مُضطرِّین مُجْبرین . (5)
تؤکد دراسة حدیثة أجراها علماء جامعة کانساس (نوفمبر 2006) أن العالم المتزوج أکثر قدرة على الإبداع والإنتاج العلمی من العالِم الأعزب، ولکن الدراسة تؤکد على أن الإنتاج العلمی ینخفض لدى النساء المتزوجات بسبب انشغالهن بشؤون المنزل وتربیة الأطفال ومسؤولیة الزوج.
ومن هنا ندرک أن عطاء المرأة المتزوجة وإبداعها ینصب باتجاه أطفالها وبیتها وزوجها، وهذا من نعمة الله تعالى على الزوجین لیعیشا فی راحة تامة. ووجد العلماء أیضاً أن الشخص الذی یعزف عن الزواج ویعیش وحیداً یکون معرضاً بنسبة أکبر إلى أمراض التوتر النفسی والنوبات القلبیة .
الکلمة الطیبة صدقة . هکذا أخبرنا النبی الأعظم علیه الصلاة والسلام، هذا إذا کانت الکلمة الطیبة لشخص غریب فکیف إذا کانت لزوجة أو زوج، کم سیکون أجرها وثوابها عند الله تعالى؟ ویؤکد الباحثون الیوم أن الکلام الملیء بالحنان والعاطفة والرفق له تأثیرکبیر علی حیاة الفرد .
لا یخفى على أحد الیوم کیف أن ممارسة الفاحشة والإعلان بها سبب أمراضاً خطیرة غیر قابلة للعلاج على رأسها :الإیدز ، وتقول أحدث الإحصائیات عن هذا المرض الذی ظهر قبل أکثر من ربع قرن، وعلى الرغم من إنفاق الدول آلاف الملایین من الدولارات على معالجة هذا المرض إلا أن الأرقام لا زالت فی ازدیاد .
لذلک فإن الابتعاد عن طریق الله والإعراض عن ذکره یعرض صاحبه لضنک العیش، فلن یکون سعیداً فی الدنیا، أما فی الآخرة فالعذاب بانتظاره، لقد کان فی الدنیا ینظر إلى ما حرم الله ویمتع نظره بالفواحش ولذلک سوف یفقد هذا البصر یوم القیامة ویحشره الله أعمى، یقول تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِکْرِی فَإِنَّ لَهُ مَعِیشَةً ضَنْکًا وَنَحْشُرُهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ أَعْمَى / قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِی أَعْمَى وَقَدْ کُنْتُ بَصِیرًا / قَالَ کَذَلِکَ أَتَتْکَ آَیَاتُنَا فَنَسِیتَهَا وَکَذَلِکَ الْیَوْمَ تُنْسَى / وَکَذَلِکَ نَجْزِی مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ یُؤْمِنْ بِآَیَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى)(6).
إن الله تعالى قد أمرنا أن نتفکر فی هذه الآیة (وَمِنْ آَیَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْکُنُوا إِلَیْهَا وَجَعَلَ بَیْنَکُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِی ذَلِکَ لَآَیَاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ) وذلک لهدف کبیر ألا وهو أن ندرک نعمة الله علینا وأن نسکن إلى أزواجنا ونقترب أکثر ونزید المودة والرحمة فیما بیننا، أما إذا خالفنا وصیة النبی الأعظم (استوصوا بالنساء خیراً) وخالفنا الوصیة الإلهیة: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ کَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئًا وَیَجْعَلَ اللَّهُ فِیهِ خَیْرًا کَثِیرًا) (7)فی هذه الحالة سوف تکون العواقب وخیمة.
أخی المؤمن، أختی المؤمنة، کلّنا یطمح أن یرزقه الله الزوج الصالح أو الزوجة الصالحة، ولکن هناک مشکلة یتعرض لها الشباب والبنات الیوم على حد سواء، وهی مشکلة تأخر الزواج . التوکل على الله هو أقصر طریق لتیسیر الزواج، وأن نرضى بما قسمه الله تعالى لنا، فالله یعلم ونحن لا نعلم، وأنه یجب أن نیسِّر على أنفسنا أولاً حتى ییسِّر الله لنا .
ومن الوسائل الفعالة لتیسیر الزواج الإکثار من الدعاء، مثلاً یمکن أن ندعو کل یوم سبع مرات بدعاء سیدنا زکریا علیه السلام: (وَزَکَرِیَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِی فَرْدًا وَأَنتَ خَیْرُ الْوَارِثِینَ) (8)والإکثار من قراءة سورة الإخلاص . وندعو بدعاء المؤمنین: (وَالَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّیَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْیُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِینَ إِمَامًا) (9) .
المصادر :
1- التحریر والتنویر 1/ 626
2- الروم: 21
3- بحار الانوار /ج 73 ص154
4- بحار الانوار /ج88 ص264
5- تفسیر الشعراوی ص: 4970
6- طه: 124-127
7- النساء: 19
8- الأنبیاء: 89
9- الفرقان: 74

 


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

دور الإمام المهدي(عج) في تربية الشخصية الإسلامية
مسألة القضاء والقدر
استحباب زیادة الف رکعة فی شهر رمضان المبارک
العاشر من ربيع الثاني..ذكرى وفاة السيدة فاطمة ...
المصادر الشيعية لحديث (فاطمة بضعة مِنِّي)
مفاتيح الجنان(1_200)
مفهوم الدعاء والتضرع الى الله
الإعجاز في ولادة الإمام المهدي (عج)
الإعجاز العلمی فی القرآن
هل المهديّ المنتظر هو المسيح عليهما السلام

 
user comment