هو العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام (26- 61 هـ ق) المعروف بأبي الفضل. وقد حظي العباس بن علي- من بين أبناء الأئمة- بمنزلة كبيرة في الوسط الشيعي، ولمنزلته الرفيعة ومقامه السامي هذا خصصوا يوم السابع من المحرم [وفي إيران يوم التاسع] لإحياء ذكراه وإقامة مراسم العزاء له.
وقد سجلت المصادر الشيعية الكثير من كراماته، فهو مثال للكياسة، والشجاعة، والكرم والإنقياد لإمامه. وقد لقب بقمر بني هاشم لجماله البارع.
كان (ع) صاحب اللواء يوم العاشر من المحرم، وهو الذي أقتحم صفوف العدو وكسر الحصار يومي السابع والعاشر من المحرم، وتمكن من جلب الماء لمعسكر الحسين عليه السلام في المحاولة الأولى فلقّب بالسقاء، واستشهد في طريق عودته من المحاولة الثانية بعد أن قطعت يداه وأصيبت عينه بسهم وأريق ماء القربة.
النسب
العباس بن علي بن أبي طالب (ع) أمّه فاطمة (أمّ البنين) بنت حزام (حرام) بن خالد، بن ربيعة، بن الوحيد، وهو: عامر بن، كلاب، بن ربيعة، بن عامر، بن صعصعة، تزوجها أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام فأسماها أم البنين.
الكنى والألقاب
كناه
يكنى بأبي الفضل وهي أشهر كناه. وعزى الكثير من العلماء والأدباء ذلك الى ما اتسم به (ع) من فضائل جمّة.
ويكنى بأبي القاسم، ومن هنا حمل الباحثون والمحققون ما ورد في زيارة الأربعين عليه. قال جابر بن عبد الله الانصاري: «السلام عليك يا أبا القاسم يا عباس بن علي».
ألقابه
لقب عليه السلام بمجموعة من الألقاب تحكي عظم شخصيته، منها:
قمر بني هاشم.
باب الحوائج.
الطيّار.
الشهيد.
السقاء؛ وذلك لما قام به من إقدام وبذله من تضحيات في جلب الماء الى معسكر الإمام الحسين عليه السلام.
العبد الصالح.
صاحب اللواء.
ولادته وشهادته
ولد العباس (ع) في الرابع من شعبان سنة 26 هـ ق في المدينة المنورة، وكانت شهادته في كربلاء يوم العاشر من المحرّم سنة 61 هـ ق.
مرحلة الطفولة والفتوة والشباب
مرحلة الطفولة
عاش العباس (ع) في كنف أبيه أمير المؤمنين وأخويه الحسن والحسين (ع) ينهل من نمير علمهم ويرتوي من زلال رافدهم، ولم تكن كُلِّ البصائر في أبي الفضل (ع) اكتسابية، بل كان مجتبلاً من طينة القدّاسة التي مزيجها النور الإلهي، حتّى تكونت في صُلّب من هو مثال الحقّ، ذلك الذي لو كشف عنه الغطاء ما ازداد يقيناً، فلم يصل أبو الفضل (ع) إلى عالم الوجود إلاّ وهو معدن الذكاء والفطنة، وأُذن واعية للمعارف الإلهية، ومادة قابلة لصور الفضائل كُلّها، فاحتضنه حجر العلم والعمل، حجر اليقين والإيمان، وعادت أرومته الطيّبة هيكلاً للتوحيد، يغذّيه أبوه بالمعرفة، فتشرق عليه أنوار الملكوت، وأسرار اللاهوت، وتهب عليه نسمات الغيب، فيستنشق منها الحقائق.
وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام الى سمو مرتبة العباس (ع) العلمية بقوله: «إن ولدي العباس زق العلم زقاً».
ودعاه أبوه (ع) في عهد الصبا وأجلسه في حجره وقال له: قل واحد! فقال: واحد، فقال له: قل إثنين! قال: استحي أن أقول باللسان الذي قلت واحد اثنان".
وقد رأت أُمّ البنين أميرَ المؤمنين عليه السلام في بعض الأيام أجلس أبا الفضل (ع) على فخذه، وشمّر عن ساعديه، وقبلهما وبكى، فأدهشها الحال: لأنّها لم تكن تعهد صبيّاً بتلك الشمائل العلوية ينظر إليه أبوه ويبكي، من دون سبب ظاهر، ولمّا أوقفها أمير المؤمنين (ع) على غامض القضاء، وما يجري على يديه من القطع في نصرة الحسين عليه السلام: «بكت وأعولت وشاركها مَن في الدار في الزفرة والحسرة، غير أنّ سيّد الأوصياء بشّرها بمكانة ولدها العزيز عند اللّه جلّ شأنه، وما حباه عن يديه بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل ذلك لجعفر بن أبي طالب».
مرحلة الفتوة والشباب
بذل أمير المؤمنين عليه السلام قصارى جهده في إعداد ولده وتربيته على المثل العليا والاخلاق النبيلة التي دعت اليها الشريعة المحمدية. وقد لازم العباس بن علي (ع) أباه أمير المؤمنين (ع) طيلة أربع عشرة سنة يستضيئ بنور علمه وسار في ركابه إبّان خلافته ولم يتخلف عن معركة صفين سنة 37 ق مع حداثة سنّه، وقد أبلى فيها بلاء حسناً.
الإشتراك في معركة صفين
كسر حلقة الحصار عن الفرات وإباحة الماء
إنّ معاوية لمّا نزل بجيشه على الفرات إبّان معركة صفين وجعلها في حيِّزه، وبعث عليها أبا الأعور السُّلمي يحميها ويمنعها. وبعث أمير المؤمنين (ع) صعصعة بن صوحان إلى معاوية، يسأله أن يخلِّي بين الناس والماء، فرجع صعصعة فأخبره (ع) بما كان من إصرار الشاميين على الحيلولة بينهم وبين الماء!.
فلمَّا سمع عليٌّ (ع) ذلك قال: «قاتلوهم على الماء»، فأرسل كتائب من عسكره، فتقاتلوا واشتدَّ القتال، واستبسل أصحاب الإمام (ع) وفيهم الإمامان الحسن والحسين والعباس بن علي (ع)، أشدَّ استبسالٍ، حتى خلَّوا بينهم وبين الماء، وصار في أيدي أصحاب عليٍّ (ع).
الاستبسال ومقارعة الأبطال
وممّا يروى: أنّه في بعض أيّام صفّين خرج من جيش أمير المؤمنين (ع) شاب على وجهه نقاب، تعلوه الهيبة، وتظهر عليه الشجاعة، يقدّر عمره بالسبع عشر سنة، يطلب المبارزة، فهابه الناس، وندب معاوية إليه أبا الشعثاء، فقال: إنّ أهل الشام يعدونني بألف فارس، ولكن أرسل إليه أحد أولادي، وكانوا سبعة، وكُلّما خرج أحد منهم قتله حتّى أتى عليهم، فساء ذلك أبا الشعثاء وأغضبه، ولمّا برز إليه ألحقه بهم، فهابه الجمع ولم يجرأ أحد على مبارزته، وتعجّب أصحاب أمير المؤمنين (ع) من هذه البسالة التي لاتعدو الهاشميين، ولم يعرفوه لمكان نقابه، ولما رجع إلى مقرّه دعا أبوه أمير المؤمنين (ع) وأزال النقاب عنه، فإذا هو قمر بني هاشم ولده العبّاس (ع).
زوجاته وأولاده
تزوج العباس عليه السلام من لبّابة بنت عبيد اللّه بن العبّاس ابن عبد المطلب، وأُمّها أُم حكيم جويرية بنت خالد بن قرظ الكنانية. وهي التي انجبت له الفضل وعبيد الله. واتفق أرباب النسب على انحصار عقب العبّاس ابن أمير المؤمنين (ع) في ولده عبيد اللّه. ولعبيد الله هذا ولدان هما عبد الله والحسن. وانحصر عقب عبيد اللّه في ولده الحسن، وكان لأُم ولد، عاش سبعاً وستّين سنة، أولد الحسن بن عبيد اللّه بن العبّاس خمسة، هم: 1 ـ الفضل.2 ـ حمزة.3 ـ إبراهيم.4 ـ العبّاس.5 ـ عبيد اللّه.
فأمّا الفضل فكان لسناً متكلّماً فصيحاً، شديد الدّين، عظيم الشجاعة، محتشماً عند الخلفاء، ويقال له: (ابن الهاشمية)؛ وأمّا حمزة وإبراهيم ويُعرف بـ (جردقة) فكانا من الفقهاء الأُدباء والزهاد؛ وأمّا عبيد اللّه بن الحسن بن عبيد اللّه بن العبّاس السقا عليه السلام، ففيه يقول محمّد بن يوسف الجعفري: «ما رأيت أحداً أهيب، ولا أهيأ، ولا أمرأ من عبيد اللّه بن الحسن، تولّى إمارة الحرمين مكة والمدينة والقضاء بهما أيّام المأمون سنة 204 هجرية؛ وأما العباس فقد عرف بالفصاحة والبلاغة والخطابة». وكُلّهم أعقبوا أبناء أجلّاّء فضلاء أُدباء، منهم محمد بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله من كبار شخصيات القرن الثالث الهجري.
خصاله، فضائله ومناقبه
العباس في كلام الأئمة (ع)
العباس في ركاب الإمام الحسن (ع)
لازم العباس بن علي عليه السلام ركاب أخيه الإمام الحسن (ع) وسار تحت لوائه طيلة حياته، وبذل جهداً كبيراً في الدفاع عن أخيه الحسن (ع) ودرء خطر معاوية الذي ما برح محدقا بالإمام (ع)، وقد عرف في فترة إمامة أخيه الحسن (ع) بباب حوائج الشيعة، حيث كان الواسطة في إيصال ما تجود به يد الامام عليه السلام الى الفقراء والمحتاجين ويرشد الى داره (ع) الطالبين والمحتاجين.
ولمّا تمادى الاَمويون بالشر، وظهرت خفايا نفوسهم المنطوية على الحقد والعداء لآل البيت وأوعزوا إلى عملائهم برمي جنازة الاِمام، فرموها بقسيّهم وسهامهم، أسرع أبو الفضل العبّاس عليه السلام إلى مناجزة الاَمويين، وتمزيقهم، فمنعه أخوه الإمام الحسين (ع) من القيام بأي عمل امتثالاً لوصيّة أخيه الحسن عليه السلام.
ومن أفضل الشواهد الدالة على مدى ملازمته لأخيه الحسن (ع) ما شهد به الإمام الصادق عليه السلام في زيارته لعمّه العباس (ع) التي جاء فيها: «فجزاك الله عن رسوله، وعن أمير المؤمنين، وعن الحسن والحسين صلوات الله عليهم أفضل الجزاء بما صبرت، واحتسبت، وأعنت فنعم عقبى الدار ...».
العباس في كلمات الإمام السجاد (ع)
قد أثبت الإمام السجاد عليه السلام لعمه العباس (ع) منزلة كبرى لم ينلها غيره من الشهداء ساوى بها عمّه الطيار، فقال عليه السلام: «رحم اللّه عمّي العبّاس بن علي، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتّى قُطعت يداه، فأبدله اللّه عزّوجلّ جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، إنّ للعبّاس عند اللّه تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة».
العباس في كلمات الإمام الصادق (ع)
كان الإمام الصادق عليه السلام وهو العقل المبدع والمفكّر في الاِسلام يشيد دوماً بعمّه العبّاس (ع)، ويثني ثناءً عاطراً ونديّاً على مواقفه البطولية يوم الطفّ، وكان مما قاله في حقّه: «كان عمّي العبّاس بن علي (ع) نافذ البصيرة، صُلب الاِيمان، جاهد مع أخيه الحسين (ع)، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً.... أشهد، وأُشهد الله أنّك مضيت على ما مضى به البدريون والمجاهدون في سبيل الله، المناصحون له في جهاد أعدائه، المبالغون في نصرة أوليائه، الذابّون عن أحبّائه».
العباس في كلمات الإمام الحجة المنتظر (عج)
أدلى الاِمام المصلح العظيم بقيّة الله في الاَرض قائم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بكلمة رائعة في حقّ عمّه العبّاس عليه السلام جاء فيها: «السلام على أبي الفضل العبّاس ابن أمير المؤمنين، المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الفادي له، الواقي، الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه، لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد، وحكيم بن الطفيل الطائي..».
معرفته بإمام زمانه وإنقياده له
عرف العباس بن علي عليه السلام بوعية العميق لنظرية الإمامة وطاعته المطلقة وانقياده التام لإمام زمانه، وهناك دلائل ومؤشرات تكشف عن هذه الخصوصية عنده (ع)، منها:
ما جاء في الزيارة المروية عن الإمام الصادق (ع): «.... المطیع لله ولرسوله ولأمیرالمؤمنین والحسن والحسین صلی الله علیهم».
لما جاء الشمر بن ذي الجوشن بكتاب الأمان عصر التاسع من المحرم ونادى: «أين بنو أُختنا؟ أين العبّاس (ع) وإخوته؟ فاعرضوا عنه، فقال الحسين(ع): «أجيبوه ولو كان فاسقاً».
قالوا: «ما شأنك؟ وما تريد؟».
قال: «يا بني أُختي، أنتم آمنون، لا تقتلوا أنفسكم مع الحسين (ع)، والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد».
فقال له العبّاس (ع): «تبت يداك ولعن ما جئت به من أمانك يا عدو الله! اتامرنا أن نترك اخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة (ع) وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء؟! أتؤمننا وابن رسول الله (ص) لا أمان له؟!».
العباس (ع) وعاشوراء
السقاية
في اليوم السابع من المحرّم حوصر سيّد الشهداء ومن معه، وسدّ عنهم باب الورود، ونفذ ما عندهم من الماء، فعاد كُلّ منهم يعالج لهب الأوام، وبطبع الحال كانوا بين أنّة وحنّة، وتضوّر، ونشيج، ومتطلّب للماء إلى متحرّ ما يبلّ غلته، وكُلّ ذلك بعين «أبي علي» والغيارى من آله، والأكارم من صحبه، وما عسى أن يجدوا لهم وبينهم وبين الماء رماح مشرعة وبوارق مرهفة، في جمع كثيف يرأسهم عمرو بن الحجاج.
هناك قيض الحسين (ع) لهذه المهمة أخاه العبّاس (ع)، فأمره أن يستقي للحرائر والصبية، وضمّ إليه ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً، وبعث معهم عشرين قربة، وتقدّم أمامهم نافع بن هلال الجملي، فمضوا غير مبالين، ثُمّ صاح نافع بأصحابه: إملأوا قربكم، وشدّ عليهم أصحاب ابن الحجّاج، فكان بعض القوم يملأ القرب وبعض يقاتل، فجاؤوا بالماء وليس في القوم المناوئين من تحدّثه نفسه بالدنوّ منهم، فرقاً من ذلك البطل المغوار.
وقد تكرر ذلك منه (ع) يوم العاشر من المحرم حيث كسر الحصار المضروب على نهر العلقمي واقتحم النهر الا أنّه (ع) وفي طريق عودته واجه مقاومة من العدو واصيبت القربة وأريق ماؤها.
ممثل الإمام الحسين عليه السلام
روى أرباب المقاتل أن عمر بن سعد نهض لحرب الحسين عليه السلام عشية يوم الخميس لتسع مضين من المحرم ونادى «يا خيل الله اركبي وبالجنة ابشري»، فركب العسكر وزحف نحو الحسين (ع) فقال العبّاس (ع): «يا أخي، أتاك القوم». فنهض (ع) وأمر العبّاس (ع) بالرّكوب إليهم وقال: «قل لهم مالكم وما بدا لكم؟» فأتاهم العبّاس (ع) في نحو من عشرين فارساً، فقال لهم: «ما بدا لكم، وما تُريدون ؟!» قالوا: «قد جاء أمر الأمير أن نَعْرض عليكم أن تنزلوا على حُكمه أو نناجزكم». قال: «فلا تعجلوا حتّى أرجع إلى أبي عبدالله فأعرضَ عليه ما ذَكَرْتُم». فأقبل العبّاس عليه السلام إلى الحسين (ع) فأخبره بما قال القوم، قال: «إرْجِعْ إليهم، فإن استطعتَ أَنْ تؤخّرهم وتدفعهم عنّا هذه العشيّة لعلّنا نُصلّي لربّنا اللّيلة وندعوه ونستغفره» فمضى العبّاس (ع) إلى القوم وسألهم ذلك. فأمر ابن سعد مُناديه فنادى: «قد أجّلنا حسيناً وأصحابه يومهم وليلتهم».
حماية الخيام
مع أن العباس عليه السلام كان قد أخذ من القوم عهدا بتأجيل المعركة الى الغد الا أنه بقي تلك الليلة يحرس الخيام ويدور في وسطها.وقام زهير بن القين إلى العبّاس (ع) فحدّثه بحديث، قال فيه: «إنّ أباك أمير المؤمنين (ع) طلب من أخيه عقيل- وكان عارفاً بأنساب العرب وأخبارهاـ أن يختار له امرأة ولدتها الفحولة من العرب، وذوو الشجاعة منهم، ليتزوّجها، فتلد غلاماً فارساً شجاعاً، ينصر الحسين (ع) بطفّ كربلا، وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم، فلا تقصّر عن نصرة أخيك وحماية إخوتك».
فغضب العبّاس (ع) وقال: «يا زهير، تشجّعني هذا اليوم، فواللّه لأرينّك شيئاً ما رأيته».
صاحب اللواء
لما أصبح الحسين عليه السلام يوم العاشر من المحرم وفرغ من عبادته عبأ أصحابه وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلا، فجعل على ميمنته زهير بن القين، وعلى ميسرته حبيب بن مظاهر، ودفع اللواء إلى أخيه العباس بن علي (ع)، وثبت (ع) مع أهل بيته في القلب.
كسر حلقة الحصار
قال الطبري في معرض حديثه عن وقائع يوم عاشوراء: «فأمّا عمرو بن خالد الصيداوي، وجابر بن الحارث السلماني، وسعد مولى عمرو بن خالد، ومجمّع بن عبد اللّه العائذي، فإنّهم قاتلوا في أوّل القتال، فشدّوا مقدمين بأسيافهم على الناس، فلمّا وغلوا عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم، وقطعوهم من أصحابهم غير بعيد، فحمل عليهم العبّاس بن عليّ (ع) فاستنقذهم».
حفر الآبار
ولما اشتد العطش قال الامام لاخيه العباس عليه السلام: «إجمع أهل بيتك واحفروا بئرا» ففعلوا ذلد فوجدوا فيها صخرة، ثم حفروا أخرى فوجدوها كذلك، ثم قال له: «امض الى الفرات وآتينا الماء»، فقال: «سمعا وطاعة»، فضم إليه الرجال، فمنعهم جيش عمر بن سعد، فحمل عليهم العباس (ع) فقتل رجالا من الاعداء حتى كشفهم عن المشرعة، ودفعهم عنها.
تقديم أخوته وإرسالهم للقتال
لقد كان من نفوذ بصيرة العبّاس (ع) أنّه لم تقنعه هاتيك التضحية المشهودة منه، والجهاد البالغ حدّه، حتّى راقه أن يفوز بتجهيز المجاهدين في ذلك المأزق الحرج، والدعوة إلى السعادة الخالدة في رضوان اللّه الأكبر، وأن يحظى بأُجور الصابرين، على ما يَلمّ به من المصاب بفقد الأحبة، فدعا أُخوته من أُمه وأبيه وهم عبد اللّه، وجعفر، وعثمان وقال لهم: «تقدّموا حتّى أراكم قد نصحتم للّه ولرسوله. فكانوا كما شاء ظنّه الحسن بهم، حيث لم يألوا جهداً في الذب عن قدس الدين، حتّى قضوا كراماً متلفّعين بدم الشهادة».
مبارزة الشجعان
واجه العباس بن علي (ع) ثلاثة من فرسان القوم وشجعانهم، هم: مارد بن صُدَيف، الذي حمل على العباس (ع) برمحه فامسك به والقاء من ظهر فرسه ثم قتله برمحه.
والثاني صفوان بن الأبطح المعروف بمهارته برمي النبال الا ان العباس (ع) تمكن منه ولكنه تركه جريحا ولم يجهز عليه.
والثالث عبد الله بن عقبة الغنوي، الذي فر مذعورا عن مبارزته بعد أن كان مصراً عليها.
شهادته
اختلفت كلمة الباحثين والمؤرخين في كيفية شهادته عليه السلام، فذهب الخوارزمي الى القول: «فبرز العباس الى الميدان فحمل على الاعداء مرتجزاً، وبعد أن قتل واصاب عددا منهم سقط شهيداً، فجاءه الحسين (ع) ووقف عليه وهو يقول: الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي».
فيما قرر كل من ابن نما وابن طاووس شهادته بالصورة التالية: «لما اشتد العطش بالحسين عليه السلام ركب المسناة يريد الفرات والعباس (ع) أخوه بين يديه فاعترضه خيل ابن سعد... ثم اقتطعوا العباس عنه وأحاطوا به من كل جانب حتى قتلوه قدس الله روحه فبكى الحسين (ع) لقتله بكاء شديداً».
فيما قررها ابن شهر آشوب بقوله: «وكان العباس (ع) السقاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين عليه السلام وهو أكبر الاخوان، مضى يطلب الماء فحملوا عليه وحمل عليهم حتى ضعف بدنه فكمن له حكيم بن الطفيل السنبسي فضربه على يمينه فأخذ السيف بشماله».
وحمل وهو يرتجز:
يا نفس لا تخشي من الكفار * وأبشري برحمة الجبار
مع النبي السيد المختار * قد قطعوا ببغيهم يساري
فأصلهم يا ربّ حر النار... فضربه لعين بعمود من حديد فقتله.
وكان العباس (ع) آخر من استشهد مع الحسين (ع) ولم يستشهد بعده الا صبية من آل أبي طالب لم يبلغوا الحلم ولم يقدروا على حمل السلاح.
استشهد العباس (ع) وله من العمر 34 سنة.
source : arabic.irib.ir