وإلى أن وصلت النوبة إلى أولاد السيدة زينب وأفلاذ كبدها.
أولئك الفتية الذين سهرت السيدة زينب لياليها ، وأتبعت أيامها ، وصرفت حياتها في تربية تلك البراعم ، حتى نمت وأورقت.
إنها قدمت أغلى شيء في حياتها في سبيل نصرة أخيها الإمام الحسين عليه السلام.
وتقدم أولئك الأشبال يتطوعون ويتبرعون بدمائهم وحياتهم في سبيل نصرة خالهم ، الذي كان الإسلام متجسداً فيه وقائماً به.
وغريزة حب الحياة إنقلبت ـ عندهم ـ إلى كراهية تلك الحياة.
ومن يرغب ليعيش في أرجس مجتمع متكالب ، يتسابق على إراقة دماء أطهر إنسان يعتبر مفخرة أهل السماء والأرض؟!
وكان عبد الله بن جعفر ـ زوج السيده زينب ـ قد أمر ولديه : عوناً ومحمداً ان يرافقا الإمام الحسين عليه السلام ـ لما أراد الخروج من مكه ـ والمسير معه ، والجهاد دونه.
فلما انتهى القتال إلى الهاشميين برز عون بن عبد الله بن جعفر ، وهو يرتجز ويقول :
إن تنكروني فأنا ابن جعفر شهيد صدق في الجنان أزهر
يطيـر فيها بجناح أخضر كفى بهذا شـرفاً في المحشر
فقتل ثلاثة فرسان ، وثمانية عشر راجلاً ، فقتله عبد الله بن قطبة الطائي. (1)
ثم برز أخوه محمد بن عبد الله بن جعفر ، وهو ينشد :
أشكـو إلى الله من العدوان فعال قوم في الردى عميان
قـد بدلـوا معـالم القرآن ومحكـم التنزيـل والتبيان
وأظهروا الكفر مع الطغيان
فقتل عشرة من الأعداء ، فقتله عامر بن نهشل التميمي. (2)
ولقد رثاهما سليمان بن قبة بقوله :
وسمي النبـي غودر فيهم قد علوه بصارم مصقول
فإذا ما بكيت عيني فجودي بدمـوع تسيل كل مسيل
واندبي إن بكيت عوناً أخاه ليس فيما ينوبهم بخذول (3)
أقول : لم أجد في كتب المقاتل أن السيدة زينب الكبرى صاحت أو ناحت أو صرخت أو بكت في شهادة ولديها ، لا في يوم عاشوراء ولابعده.
ومن الثابت أن مصيبة ولديها أوجدت في قلبها الحزن العميق ، بل والهبت في نفسها نيران الأسى وحرارة الثكل ، ولكنها كانت تخفي حزنها على ولديها ، لأن جميع عواطفها كانت متجهة إلى الإمام الحسين عليه السلام. (4)
وهناك وجه آخر قد يتبادر إلى الذهن : وهو أن بكاءها على ولديها قد كان يسبب الخجل والإحراج لأخيها الإمام الحسين عليه السلام ، باعتبار أنهما قتلا بين يديه ودفاعاً عنه ، فكان السيدة زينب ـ بسكوتها ـ تريد أن تقول للإمام الحسين عليه السلام : ولداي فداء لك ، فلا يهمك ولا يحرجك أنهما قتلا بين يديك. والله العالم.
المصادر:
1 ـ وفي نسخة : عبد الله بن قطنة الطائي.
2 ـ كتاب ( مناقب آل ابي طالب ) لابن شهر آشوب ، ج 4 ص 1ظ 6. وبحار الأنوار ج 45 ص 33.
3 ـ كتاب ( مقاتل الطالبيين ) لأبي الفرج الأصفهاني ، ص 91.
4 ـ وقد جاء ذكر هذين السيدين الشهيدين في إحدى الزيارات الشريفة ، التي ذكرت فيها أسماء شهداء كربلاء في يوم عاشوراء ، ومنها هذه الكلمات :
« ... السلام على عون بن عبد الله بن جعفر الطيار في الجنان ، حليف الإيمان ، ومنازل الأقران ، الناصح للرحمن ، التالي للمثاني والقرآن ، لعن الله قاتله عبد الله بن قطبة النبهاني.
السلام على محمد بن عبد الله بن جعفر ، الشاهد مكان إبيه ، والتالي لأخيه ، وواقيه ببدنه ، لعن الله قاتله عامر بن نهشل التميمي ... ».
source : www.tebyan.net