عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

هل يصحّ البكاء على الحسين (عليه السّلام) وهو الثائر الفاتح ؟

يقول الأعسم (رحمه الله) وهو يخاطب الحسين (عليه السّلام) : تبكيك عيني لا لأجل مثوبة لكنما عيني لأجلك باكيـه تبتل منكم كربلاء بدم و لا تبتل مني بالدموع الجاري
هل يصحّ البكاء على الحسين (عليه السّلام) وهو الثائر الفاتح ؟

يقول الأعسم (رحمه الله) وهو يخاطب الحسين (عليه السّلام) :


تبكيك عيني لا لأجل مثوبة         لكنما عيني لأجلك باكيـه
تبتل منكم كربلاء بدم و لا         تبتل مني بالدموع الجاريه


تعرّفنا في بحث سابق على أنّ الذين قتلوا الحسين (عليه السّلام) بكربلاء لم يكونوا شيعة ، ولم يكن فيهم شيعي واحد قط ؛ و عليه : فبكاء الشيعة اليوم وقبل اليوم على مصاب الحسين (عليه السّلام) ليس بدافع الشعور بالإثم ، أو لغرض التكفير عن جريمة الآباء حسب ما يتهمهم المغرضون و يشوّه عليهم الجاهلون .
والسؤال الآن هو : إذاً ما وجه الصحّة ، و ما المبرر في بكاء الشيعة على الحسين (عليه السّلام) بعد علمنا أنّ الحسين ثائر ناجح في ثورته ، محقّق لكثير من أهدافه السامية في إظهار الحقّ و فضح الباطل ؟ فلماذا هذا النوح والبكاء والأسى و مظاهر الحداد في كلّ عام ؟
فنقول : أولاً : إنّ البكاء والتأثر على الحسين (عليه السّلام) ليس فرضاً إسلاميّاً ، ولا واجباً شرعياً ولا ركناً من أركان التشيّع بحيث لا يتمّ بدونه ولا يتحقّق بتركه ؛ و إنّما هو ظاهرة حبّ و ولاء للحسين (عليه السّلام) ، و هل يمكن أن تنزل نكبة و مصيبة بحبيب لك و عزيز عليك ثمّ لا تبكي ولا تتأثر منها ؟!
والحسين (عليه السّلام) حبيب كلّ مؤمن و عزيز كلّ إنسان ، وقد أُصيب بأعظم المصائب و أفدح الكوارث لأجل الحق والعدالة ؛ دفاعاً عن الإيمان والإنسانية ، فكيف لا يبكيه أو لا يتأثر عليه الإنسان ؟!
و مع غض النظر عن هذا ، فإنّ في البكاء عليه وجوهاً اُخرى للحسن والصحة ، نذكر بعضها فما يلي :
الوجه الأول :
توقّع الثواب من الله سبحانه والأجر منه تعالى في الآخرة ؛ حيث إنّ في البكاء على الحسين (عليه السّلام) تأسٍّ بالنبي الأكرم و أهل بيته المعصومين (عليهم السّلام) ؛ إذ قد ثبت بالتواتر أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يعلم بما جرى على الحسين (عليه السّلام) بعده ، و بكى على مصابه في عدّة مواطن ولعن قاتليه ، و عبّر عنهم بأشرار الاُمّة .
و كذلك ابنته فاطمة الزهراء والإمام أمير المؤمنين والحسن السبط (عليهم السّلام) ، قد ثبت عنهم في الأخبار الصحيحة أنّهم بكوا على مصاب الحسين (عليه السّلام) كلّما تذكّروه .
و أمّا بكاء الأئمّة المعصومين على الحسين (عليه السّلام) بعده فمعروف مشهور ، فهذا مثلاً الإمام زين العابدين (عليه السّلام) عاش بعد أبيه الحسين خمساً و ثلاثين سنة ما قدّم بين يديه طعام ولا شراب إلاّ و تذكّر أباه الحسين (عليه السّلام) و بكى ، و هو يقول : (( كيف آكل وقد قُتل أبي جائعاً ؟! وكيف أشرب وقد قُتل أبي عطشان ؟! )) .
و ذاك إمامنا موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السّلام) الذي كان إذا هلّ عليه شهر المحرّم لا يُرى ضاحكاً حتّى تمضي منه تسعة أيّام ، فإذا كان اليوم العاشر منه كان يوم بكائه ومصيبته و حزنه .
و قبله أبوه الإمام الصادق (عليه السّلام) الذي دخل عليه الراوي يوم العاشر من المحرّم فوجده كاسف اللون ، باكياً حزيناً ، وكان غافلاً عن يوم عاشوراء ، فلّما سأل الإمام (عليه السّلام) عن السبب ، قال (عليه السّلام) : (( أوَغافل أنت عن هذا اليوم الذي قُتل فيه الحسين (عليه السّلام) ؟! فمَنْ جعله يوم حزنه و مصيبته جعل الله له يوم القيامة يوم فرحه و سروره ، و قرّت بنا في الجنان عينه . . . إلى أن قال (عليه السّلام) : إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا ، و أسبل دموعنا ، و أذلّ عزيزنا ، و أورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء . فعلى مثل الحسين فليبكي الباكون ؛ فإنّه ذُبح كما يُذبح الكبش )) .
ولا تنسى الإمام الرضا (عليه السّلام) الذي يقول عنه دعبل بن علي الخزاعي (رحمه الله) : أنشدته فبكى حتّى أُغمي عليه ، فأمسكته حتّى أفاق ، فقال : (( أنشد يا دعبل )) . فأنشدته فبكى حتّى أُغمي عليه ثانية ، وهكذا إلى ثلاث مرّات ، و هو القائل (عليه السّلام) : (( كلّ جزع وبكاء مكروه للعبد إلاّ الجزع والبكاء على الحسين (عليه السّلام) ؛ فإنّه فيه مأجور )) .
فكيف لا يحسن البكاء على الحسين (عليه السّلام) والحزن والحداد على مصابه بعد أن بكاه النبي محمد (صلّى الله عليه وآله) و آله أهل بيت العصمة ؟! و هل التأسّي برسول الله (صلّى الله عليه وآله) مكروه و قبيح بعد أن أمرنا الله في كتابه العزيز بالتأسّي به على وجه عام ، فقال سبحانه : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُوا اللّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَ ذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً . . . )(1) .
و هل يسوغ للمؤمن أنْ يرغب عن التأسّي بآل البيت (عليهم السّلام) بعد أنْ ثبت عنده أنّ يوم الحسين (عليه السّلام) كان مثاراً للحزن ، و مدعاة للأسى والبكاء بالنسبة لهم (عليهم السّلام) دائماً وفي كلّ الأحوال والمناسبات ؟!
ورد في أحوال الإمام الصادق (عليه السّلام) أنّه كان إذا ذكر جدّه الحسين (عليه السّلام) أو ذُكر عنده لا يُرى ضاحكاً طيلة ذلك اليوم ، و تغلب عليه الكآبة والحزن ، وكان (عليه السّلام) يتسلّى عن المصائب التي ترد عليه من قبل الأعداء بمصائب الحسين (عليه السّلام) .
فمن ذلك مثلاً : لمّا أمر المنصور الدوانيقي عامله على المدينة أنْ يحرق على أبي عبدالله الصادق (عليه السّلام) داره ، فجاءوا بالحطب الجزل و وضعوه على باب دار الصادق (عليه السّلام) وأضرموا فيه النار ، فلمّا أخذت النار ما في الدهليز تصايحنَ العلويات داخل الدار و ارتفعت أصواتهم ، فخرج الإمام الصادق (عليه السّلام) و عليه قميص وإزار وفي رجليه نعلان و جعل يخمد النار ويطفئ الحريق حتّى قضى عليها ، فلمّا كان الغد دخل عليه بعض شيعته يسلّونه فوجدوه حزيناً باكياً ، فقالوا : ممّن هذا التأثر والبكاء , أمِنْ جرأة القوم عليكم أهل البيت وليس منهم بأوّل مرة ؟
فقال الإمام (عليه السّلام) : (( لا ، ولكن لمّا أخذت النار ما في الدهليز , نظرت إلى نسائي و بناتي يتراكضن في صحن الدار من حجرة إلى حجرة ، و من مكان إلى مكان هذا و أنا معهن في الدار ، فتذكّرت روع عيال جدّي الحسين (عليه السّلام) يوم عاشوراء لمّا هجم القوم عليهنَّ ، و مناديهم ينادي : أحرقوا بيوت الظالمين )) .
فالغرض : إنّ البكاء على الحسين (عليه السّلام) والتأثر من مصائبه ، و إظهار الحزن والأسى يوم قتله كلّ ذلك أمر محبوب و مرغوب فيه ؛ لأنّه من التأسّي برسول الله (صلّى الله عليه وآله) و بأهل بيته الطاهرين (عليهم السّلام) ، وقد قال الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام) في كلمته المعروفة : (( شيعتنا منّا ؛ يفرحون لفرحنا و يحزنون لحزننا )) .
الوجه الثاني :
تعظيم شعائر الحسين (عليه السّلام) و تعزيز عظمته و تكريم مقامه أمام الرأي العام ، حيث ورد عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) قوله : (( ميت لا بواكي عليه لا إعزاز له )) . أي لا احترام له ، و هو أمر طبيعي ؛ لأنّ القيمة المعنوية للفقيد و عظمته الإنسانية تُعرف عند مَنْ لا يعرفونه من عظيم أثر فقده في نفوس عارفيه ، وكلّما عظم الفقيد عظم مصابه على الناس ؛ ولذا غضب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لمّا لم يسمع البكاء على عمّه حمزة بن عبد المطلب بعد رجوعه من معركة اُحد ؛ و ذلك لأنّ حمزة لم يكن عنده أحد في الدار يبكون عليه ، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله) متأثراً ، و خاصة لما سمع البكاء على الشهداء من الأنصار ، قال : (( ولكن عمّي حمزة لا بواكي عليه ! )) . فلمّا سمع الأنصار بعثوا إلى دار حمزة مَنْ يبكي عليه ، فسرّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقال : (( على مثل حمزة فلتبكي البواكي )) .
فلا شك في أنّ الميت الذي لا يُبكى لفقده ولا يُحزن على موته لا قيمة له في نظر الناس ، و إنّ ذلك دليل حقارته وضعف شخصيته و مقامه ، و هذا أمر عرفي و منطقي ، وقد أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى : ( كَمْ تَرَكُوا مِن جَنّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ )(2) .
و معلوم أنّ الغرض من بكاء السماء والأرض هو أهل السماء و أهل الأرض ، أي أنّهم ماتوا غير مأسوف عليهم ، ولم يؤثر موتهم حزناً في نفس أحد ، ولا فقدهم فراغاً في الحياة بعدهم ،
و هذا دليل هوانهم على الناس ، و احتقارهم في نظر الناس ، و انعدام احترامهم بين الناس ؛ رغم قوتهم و قدرتهم المالية ، و رغم ملكهم و سلطانهم الذي كانوا قد فرضوه على الناس .
سُئل الإمام علي (عليه السّلام) : ما هو حسن الخلق يا أمير المؤمنين ؟ فقال (عليه السّلام) : (( هو أنْ تُعاشروا الناس معاشرة إنْ عشتم حنّوا إليكم ، و إنْ متم بكوا عليكم )) .
وقد أوصى الإمام محمد الباقر (عليه السّلام) أنْ تستأجر له نوادب بعد موتـه يندبوا عليه بمنى من مكّة أيّام موسم الحجّ ، ولمدّة عشر سنوات ؛ إظهاراً لمقامه المجهول لدى عامّة الناس ؛ بسبب ظلم الاُمويِّين واضطهادهم له (عليه السّلام) .
فأيّ وسيلة يمكن أن نعبّر بها عن عظم منزلة الفقيد بين أصحابه و محبيه أقوى دلالة و أوضح تعبيراً من البكاء عليه ؟ ثمّ أيّ ظاهرة أدلّ و أوضح تعبيراً عن شديد حبّنا للفقيد و عظيم تعلّقنا به من ظاهرة البكاء عليه و جريان الدموع لموته .
و هل رأيت أو سمعت أنّ زعيماً شعبيّاً في العالم مات أو قُتل ولم يبكِ عليه أتباعه و أنصاره و شعبه ، ولم يجعلوا يوم وفاته يوم حداد وأسى ؟! و خاصة إذا كان موته بصورة مفجعة وقاسية ، و تُقتل أولاده و أطفاله و إخوانه و عشيرته و تُقطع رؤوسهم ، و تُرض أجسادهم بحوافر الخيل ، و تُحرق خيامه على نسائه ، و يُنهب ثقله و و . . . إلى آخر ما هناك من صور إجرامية و وحشية تقشعر منها الجلود وتفتت الأكباد والقلوب ؟!
ولا يُقال هنا بأنّ حادثة الحسين (عليه السّلام) قديمة جدّاً قد مضى عليها أكثر من ثلاثة عشر قرن , فإلى متّى هذا البكاء لها والحزن عليها ، وكل فقيد في العالم مهما عظم فإنّما يُبكى عليه لأيّام معدودة ثمّ يطوى ذكره في زوايا التاريخ و بطون الكتب ؟
لأنّا نقول : أولاً : إنّ عظمة الحسين (عليه السّلام) تفوق عظمة كلّ عظيم في العالم بعد جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله) و أبيه المرتضى (عليه السّلام) ، فقياسه على غيره من عظماء الإنسانية قياس مع الفارق الكبير
و ثانياً : إنّ الكيفية التي فُقد عليها الحسين (عليه السّلام) لم يُفتقد عليها حتّى الآن أيّ فقيد قط ؛ قُتل جائعاً عطشان شعثاً ، مغبراً غريباً وحيداً ، ثاكلاً مكروباًَ مستضعفاً ، يستغيث فلا يُغاث ، و يستجير فلا يُجار ، و يستعين فلا يُعان . يسمع ضجيج عياله و صراخ أطفاله وهم بين الآلاف من الأعداء ينتظرون منهم كلّ مكروه .
و من الناحية الثانية ينظر إلى قومه وصحبه حوله مجزرين كالأضاحي ، مع العلم بأنّ الذين قتلوه همّ اُمّة جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله) الذين ثار لأجلهم ، وقام لإنقاذهم من الظلم والاضطهاد ؛ لذلك فإنّ فقده فريد في بابه ، جديد أبداً ودائماً لا يؤثر عليه مرور الزمن ، ولا يخفّف من وقعه تعاقب القرون والأجيال ، فهو كما قال عنه الأدباء والشعراء قديماً و حديثاً :
فقال بعضهم :
فقيد تعفّى كلُّ رزءٍ ورزؤهُ         جديدٌ على الأيام سامي المعالمِ
وقال الآخر :
وفجائعُ الأيام تبقى مدة وتزو        ل وهـي إلى القيامـة باقيـهْ
وقال الآخر :
كذب الموت فالحسينُ مخلّدُ        كلّمـا مرّت الدهـورُ تجدّدُ
وقال آخر :
مصابٌ له طاشت عقولُ ذوي الحج       إذا مـا تعفّى كـلُّ رزءٍ تجدّدا
لقد صُلب المسيح عيسى بن مريم (عليه السّلام) حسب زعم المسيحيين قبل ألفي عام تقريباً ، و ها هم المسيحيون لا يزالون يجدّدون ذكرى صلبه كلّ عام ،
و يبكون له ويحزنون , وقد اتّخذوا من خشبة صلبه شعاراً عاماً لهم يرفعونه فوق كلّ المؤسسات والجمعيات والكنائس ؛ معلنين بذلك أسفهم و حزنهم على مصابه و مأساته ، مع العلم بأنّ مأساة المسيح (عليه السّلام) بسيطة جداً في جنب مأساة الحسين (عليه السّلام) . فلماذا يُلام الشيعة على حزنهم و بكائهم لمأساة الحسين (عليه السّلام) ولا يُلام غيرهم على الحزن والبكاء لمأساة سائر العظماء؟!
والخلاصة هي : إنّ هناك شخصيات و حوادث في العالم لا يستطيع التاريخ هضمها ، ولا الزمان إسدال الستار عليها ، ولا الأجيال نسيانها ؛ لسبب بسيط : و هو عقم الأيّام عن الإتيان بمثلها ، وفي طليعة تلك الشخصيات شخصية الحسين (عليه السّلام) ، وفي طليعة تلك الحوادث حادثة عاشوراء .
الوجه الثالث :
هو أنّ البكاء على الحسين (عليه السّلام) يرمز إلى تأييد الحسين (عليه السّلام) في ثورته المباركة ، و إعلان الثورة العاطفية على الظلم والظالمين ، والتعبير عن أعمق مشاعر الاستنكار والسخط ضد أعداء الحقّ والعدل ، والإعراب عن الأسف على عدم وجودنا في صفوف أصحاب الحسين ، سادات الشهداء الخالدين ، و عدم نيلنا توفيق وسعادة نصرة الحسين (عليه السّلام) في يوم عاشوراء .
فيا ليتنا كنّا معك أبا عبد الله فنفوز فوزاً عظيماً . لبيك داعي الله ، إنْ لم يجبك بدني عند استغاثتك ، ولساني عند استنصارك ، فقد أجابك قلبي و سمعي و بصري .
هذا لسان حال شيعة الحسين (عليه السّلام) في كلّ مكان و زمان ، فإجابة القلب بالإيمان بمبدأ الحسين الذي قُتل لأجله ، و إجابة السمع بالاستماع إلى سيرة الحسين و أقواله ، و إجابة البصر سكب الدموع على مآسي الحسين (عليه السّلام) .
فالبكاء لكلّ واحد من هذه الأهداف والغايات الثلاث أمر طبيعي و عقلائي ، و ظاهرة فطريّة خيّرة من ظواهر الفطرة السليمة التي وقاها الله تعالى من نكسة القساوة والغلظة و تحجّر الضمير ، وهي أخطر الأمراض النفسية والانحرافات الروحية التي يتعرّض لها بعض الأفراد ، وقانا الله شرّها وهي المعبر عنها بموت القلب .
و إليك ما قاله الاُستاذ العقاد : إنّ الطبائع الآدمية قد أشربت حبّ الشهداء والعطف عليهم و تقديس ذكرهم بغير تلقين ، و إنّما تنحرف عن سواء هذه السنّة لعوارض طارئة تمنعها أنْ تستقيم ، أو من نكسة في الطبع ؛ لأنّ العطف الإنساني نحو الشهداء هو كلّ ما يملك التاريخ من جزاء . . . الخ(3) .
هل تتصوّر أيّها القارئ الكريم إنساناً يستمع إلى تلك المآسي الجسام التي وقعت على الحسين (عليه السّلام) وآله من الصغار و الكبار والرجال والنساء ولا ينكسر قلبه ، ولا يتأثر وجدانه ولا يتحرك ضميره ثمّ تعتبره إنساناً طبيعياً سليم الفطرة ؟! كيف وقد قال الحسين (عليه السّلام) نفسه في المأثور عنه : (( أنا قتيل العبرة ، ما ذُكرت عند مؤمن إلاّ استعبر )) .
وجاء في الحديث الشريف عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قوله : (( جفاف العيون من قساوة القلوب ، و ما ضرب ابن آدم بعقوبة أشدّ عليه من قساوة القلب )) . وقد وصف الله سبحانه المؤمنين بقوله : ( رحماء بينهم ) .
والخلاصة : لم يجد الخبراء و علماء النفس والأخلاق بين الصفات الإنسانية كلّها صفة أفضل و أشرف من الرحمة ورقّة القلب على الآخرين ، حتّى إنّ بعض الفلاسفة عدل عن تعريف الإنسان بالحيوان الناطق , و هو التعريف المشهور , عدل عنه إلى أنّه حيوان ذو عطف؛ وعليه فلا إنسانية مطلقاً بدون العطف على مصائب الآخرين ، و بدون الرحمة ورقّة القلب على نكبات المظلومين و مآسي المنكوبين .
والحقيقة أنّ الشيخ الأعسم (رحمه الله) قد مثّل في البيتين السابقين شعور كلّ إنسان سليم الفطرة تجاه الحسين (عليه السّلام) ، حيث قال :


تبكيك عيني لا لأجل مثوبة       لكنمـا عينـي لأجلك باكيـة
تبتل منكم كربلا بـدم ولا         تبتل مني بالدموع الجارية ...


الشيخ عبد الوهاب الكاشي


source : sibtayn
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

التشيّع إتجاه فكري وسياسي
الحياة العلمية والسياسية في زمن الإمام الباقر ...
البدعة الحسنة والسيئة
المعصومة سلام الله علیها
فکرة عمل الدیود باعث للضوء
حبّ أهل البیت علیهم السلام فی السُنّة المطهّرة
الإمام الباقرعليه السلام وإصلاح الأمّة
استهداف نبي الرحمة (ص) من الراهب بحيرى حتى براءة ...
مع الثورة الحسينية
رساله الامام الهادي ( عليه السلام ) فى الرد على ...

 
user comment