أي لو أخبر حذيفة بأسماء المنافقين الأحياء منهم والأموات، لقتلوه بسرعة، لذلك لم يخبر بأسمائهم في زمن حكم أبي بكر وعمر وعثمان ولكنه كان لا يصلِّي عليهم وهذه إشارة ذلك .
وفي بداية زمن حكم أمير المؤمنين علي (عليه السلام)صرَّح حذيفة بأسمائهم وفيهم الأشعري فقتله أبو موسى الأشعري والي عثمان على الكوفة!
وقال حذيفة: خذوا عنّا فإنَّا لكم ثقة، ثمَّ خذوا عن الذين يأخذون عنّا، فإنَّهم لكم ثقة، ولا تأخذوا عن الذين يلونهم.
قالوا: لم؟
قال: لأنَّهم يأخذون حلو الحديث ويدعون مُرَّهُ، ولا يَصلح حُلُوه إلاّ بمُرِّهِ([150]).
وقال حذيفة: لقد حدَّثني رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) بما يكون حتى تقومَ الساعة، غير أ نِّي لم أسأله ما يخرج أهلَ المدينة منها([151]).
وكانت سيرة أبي موسى الأشعري غير مرضية بالعمل والقول وقد اتهمه أعاظم الصحابة بالنفاق. فقد ذكره حذيفة في جملة منافقي ليلة العقبة:
إذ جاء في الرواية: أن عماراً سُئِل عن أبي موسى فقال: سمعت فيه من حذيفة قولا عظيماً، سمعته يقول: صاحب البرنس([152]) الأسود، ثم كلح كلوحاً علمت منه أنه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط([153]). ولكن هل يصح عدم معرفة عمار باسمه من فم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ ستجد في رواية قادمة معرفة عمار باسم الأشعري من لسان النبي(عليه السلام)مباشرة!.
وذكرت كتب السيرة أنَّ المنافقين المذكورين كانوا حرباً لله ورسوله([154]).
وأخرج ابن عدي في الكامل وابن عساكر في التاريخ على ما في منتخب كنز العمال بالإسناد عن أبي نجاء حكيم قال: كنت جالساً مع عمار فجاء أبو موسى فقال: ما لي ولك؟ الست أخاك؟
قال (عمار): فما أدري ولكن سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يلعنك ليلة الجبل (العقبة).
قال: إنّه استغفر لي.
قال عمار: قد شهدت اللعن ولم اشهد الاستغفار([155]).
فاعترف الأشعري باشتراكه في هجوم العقبة، وأقرّ بلعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) له، وهو اعتراف بمشاركة سائر رجال قريش الذين ذكرهم ابن حزم في المحلّى في الهجوم، وتثبيت لعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لهم جميعاً.وصرّح أبو هريرة بقبول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)لعن أبي بكر([156]).
ونزل في المنافقين المحيطين بالنبي من رجال السقيفة قوله تعالى:
(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلَى عَذَاب عَظِيم)([157]).
علم حذيفة
وعن حذيفة بن اليمان قال : إنَّه لَقِيَ عمر بن الخطّاب فقال له عمر: كيف أصبحت يابن اليمان ؟
فقال : كيف تريدني أُصبح ؟
أصبحت والله أكره الحقَّ، وأُحبُّ الفتنة، وأَشهد بما لم أره، وأحفظ غير المخلوق، وأُصلِّي على غير وضوء، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء .
فغضب عمر لقوله، وإنصرف من فوره وقد أعجله أمر، وعزم على أذى حذيفة لقوله ذلك، فبينما هو في الطريق إذ مرّ بعليّ بن أبي طالب ؟ فرأى الغضب في وجهه فقال : ما أغضبك ياعمر ؟
فقال : لقيت حذيفة بن اليمان فسألته : كيف أصبحت ؟
فقال : أصبحت أكره الحقَّ . فقال : صدق يكره الموت وهو حقّ .
فقال : يقول وأُحبُّ الفتنة . قال : صدق يحبُّ المال والولد وقد قال الله تعالى :
(إِنَّمَآ أَموالُكُم وَأَولاَدُكُم فِتنَةٌ)([158]).
فقال: ياعلي، يقول : وأَشهد بما لم أره .
فقال : صدق يشهد لله بالوحدانية والموت والبعث والقيامة والجنَّة والنار والصراط ولم ير ذلك كلّه .
فقال : ياعلي، وقد قال : إنِّي أحفظ غير المخلوق .
قال : صدق يحفظ كتاب الله تعالى القرآن، وهو غير مخلوق .
قال : ويقول : أُصلِّي على غير وضوء . فقال : صدق يصلِّي على ابن عمِّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) على غير وضوء، والصلاة عليه جائزة .
فقال : يا أبا الحسن، قد قال أكبر من ذلك . فقال : وما هو ؟
قال: إنَّه قال : إنَّ لي في الأرض ما ليس لله في السماء .
قال : يصدق له زوجة وولد .
فقال عمر : كاد يهلك ابن الخطّاب لولا علي بن أبي طالب .
قال الحافظ الكنجي : هذا ثابت عند أهل النقل، ذكره غير واحد من أهل السير([159]).
قال حذيفة بن اليمان : رأيت معاوية قد خرج مغضباً واضع يده على أبي موسى الأشعري والأُخرى على المغيرة بن شعبة([160]).
وفي رواية عن حذيفة قال : سمعت النّبيَّ (صلى الله عليه وآله)يقول : «علي خير البشر، من أبى فقد كفر» ...
وفي رواية لعائشة، عن عطاء، قال : سألت عائشة عن علي، فقالت : ذاك خير البشر، لا يشك فيه إلاّ كافر .
قلت : هكذا ذكره الحافظ في ترجمة علي (عليه السلام)في تاريخه في المجلّد الخمسين وكتابه يبلغ مائتا مجلّد»([161]).
وقال ابو مخنف : ولما بلغ حذيفة بن اليمان أنّ علياً قد قدِم ذي قار، واستنفر الناس، دعا أصحابه فوعظهم وذكَّرهم الله وزهدهم في الدنيا، ورغَّبهم في الآخرة وقال لهم :
الحقوا بامير المؤمنين وصيِّي سيد المسلمين فإن من الحقِّ أن تنصروه([162]) .
وكان حذيفة يقول : ما في عثمان بحمد الله أشك، لكني أشك في قاتله، لا أدري، أكان قَتَل كافراً ؟ أو مؤمن خلص إليه النية، حتى قتله أفضل المؤمنين إيماناً([163]) .
أي يعتقد حذيفة بمنزلة عثمان بن عفان كأحد رجال العقبة، لكنه لا يعرف نيّة قاتل عثمان .
ومنع رجال السقيفة تدوين القرآن الى أن أجبر حذيفة بن اليمان عثمان بن عفان على نسخه([164]).
قال حذيفة : كان النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) يؤاخي بين الرجل ونظيره([165]).
فآخى بين نفسه الشريفة وبين علي(عليه السلام)([166]).
وعلي(عليه السلام) في القرآن نفس النبي (صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى في آية المباهلة :
(قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ على الْكَاذِبِينَ)([167]).
وآخى النبي بين عمار وحذيفة بن اليمان العبسي وجعلهم أخوين . وآخى بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء ([168]) .
وقال النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) لحذيفة بن اليمان صاحب الأسرار الخطيرة في تراجم الصحابة والفتن : ياحذيفة إنّك مقتول([169]).
وأعطاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعض علوم الغيب في الصحابة مثل مقتل عمر ومقتل عثمان فأخبر حذيفة الناس بذلك فدهش عثمان ومعاوية لهذه العلوم الغيبية النبوية([170]).
وأخبره النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) بعض علوم الغيب في أحداث الدنيا فأعجب المسلمين حديثه([171]).
فكان حذيفة يعرف أبا بكر وعمر وعثمان من حادثة العقبة في حملة تبوك يوم أرادوا مع أصحابهم قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) هناك([172]).
وفي تفسير سورة النساء بسنده عن الأسود قال : كنّا في حلقة عبدالله بن مسعود فجاء حذيفة حتّى قام علينا فسلّم ثمّ قال : لقد أنزل الله النفاق على قوم خير منكم . قال الأسود : سبحان الله إنّ الله يقول :
(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) .
فتبسّم عبدالله . وجلس حذيفة في ناحية المسجد فقام عبدالله فتفرّق أصحابه فرماني بالحصى فأتيته، فقال حذيفة : عجبت من ضحكه وقد عرف ما قلت، لقد أنزل الله النفاق على قوم كانوا خيراً منكم ثمّ تابوا فتاب الله عليهم ([173]).
اغتيال حذيفة بيد الأشعري
كان أبو موسى الأشعري أحد المنافقين المشاركين في محاولة قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله)في العقبة([174]).
وقد صرّح عمّار بن ياسر بمؤامرته المذكورة في العقبة([175]).
وصرّح حذيفة بن اليمان بذلك أيضاً فخاف الأشعري من انتشار هذا الخبر بين المسلمين خاصّة بعد مقتل عثمان وذهاب التسلط الحكومي الأموي عن الناس، فأقدم الأشعري على اغتيال حذيفة بن اليمان في المدائن لطمس الأسرار النبوية([176]).
فدفن حذيفة في المدائن قرب قبر سلمان الفارسي . وكان الأشعري والياً على الكوفة من قبل عثمان بن عفّان، والمدائن قريبة منه .
والأشعري من المتخصّصين في عمليات الاغتيال لذا ساهم في محاولة قتل النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) في العقبة أثناء حملة تبوك، لكن العملية باءت بالفشل([177]).
وقد مات حذيفة بن اليمان بعد أربعين يوماً على موت عثمان([178]).
وهكذا اغتال رجال الحزب القرشي خيرة المخلصين في زمن أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية وهم :
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفاطمة (عليها السلام) وسعد بن عبادة وأبو ذرّ والمقداد بن عمرو وعبدالله بن مسعود وكعب بن أُبي وحذيفة بن اليمان والإمام على (عليه السلام) والإمام الحسن (عليه السلام)ومالك الأشتر وعمّار بن ياسر .
ثمّ تعرّض رجال الاغتيال إلى القتل بيد بعضهم البعض فقتل عمر وعثمان أبا بكر وقُتِل عمر بمؤامرة المغيرة بن شعبة وقُتل عبدالرحمن بن عوف بيد عثمان، وقُتِل طلحة بيد مروان وقُتِل عبدالرحمن بن أبي بكر وعائشة وزياد بن أبيه وابن العاص وسعد بن أبي وقّاص بيد معاوية .
السابقون في الدين
فنزل قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)([179]).
في الإمام علي (عليه السلام)([180]).
ومن السابقين عبدالله بن مسعود وجعفر بن أبي طالب وأبوه وأبو ذرّ وعمّار والمسلمون الأوائل هم :
جعفر وزوجته أسماء بنت عميس وعقيل([181]) وعبيدة بن الحارث([182]) ثم أسلم زيد بن حارثة([183])، وأبو ذر جندب بن جنادة([184])، وعمّار بن ياسر العنسي([185])، ومصعب بن عمير([186])، وأبوه وأُمّه، وخباب بن الأرت([187]) وبلال والزبير بن العوام، وعبدالله بن مسعود([188])، وخالد بن سعيد بن العاص وامرأته أمينة بنت خلف بن أسعد([189]).
وحاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ([190]). وعتبة بن غزوان([191]). وعبيدة ابن الحارث بن المطّلب([192]).
وأبو حذيفة مهشم بن عتبة بن ربيعة([193]). وعتبة بن مسعود أخا عبدالله بن مسعود([194]).
وخالد وعامر وعاقل وإياس بنو البكير بن عبد ياليل([195]).
والأرقم بن أبي الأرقم([196])، وعبدالله بن جحش وأخوه أبو أحمد بن جحش([197])، وخنيس بن حذافة بن قيس([198])، وعمرو بن عنبسة السلمي([199])، وعامر بن ربيعة العنزي([200])، وحاطب بن الحرث بن معمر وامرأته فاطمة بنت المجلل([201])، والسائب بن عثمان بن مظعون([202])، والمطّلب بن أزهر بن عبد عوف وامرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة([203]).
وأوّل شهيد في الإسلام سميّة أُمّ عمّار حين ربطت بين بعيرين ووجىء قلبها بحربة وقتل زوجها ياسر([204]).
وكلّ هؤلاء قد أسلموا قبل أبي بكر([205]).