يعتبر الإيمان بالإمام المهدي ( عليه السلام ) لدى جميع علماء المسلمين من الواجبات القلبية المشتركة . وقد وردت أحاديث تصرّح أنه : ( من كذّب بالمهدي فقد كفر ) (1) وأنّ ( من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أُنزل على محمد ) (2) .
وقد صرح الإمام البيهقي بوجوب الإيمان بظهور المهدي ونزول عيسى (عليه السلام ) ، (3) كما أقرّ الإمام الشعراني وغيره من العلماء بهذه الحقيقة (4) .
وأكّد العلامة أبو الأعلى المودودي على أن وجود بعض الأحاديث الضعيفة لا يؤثر على الحقيقة الأساسية بشأن أصل حتمية ظهور الإمام المهدي . (5) وتجدر الإشارة أنه وردت كلمة (مهدي) في أحاديث كل من الترمذي وابن ماجة ، وأبي داود ، والحاكم ، والإمام احمد ، والطبراني ، وأبي يعلى وغيرهم .
وحدّدت هذه الأحاديث بعض أوصاف المهدي ونسبه ، وما يقوم به من أعمال . ومن هذه الأحاديث ما رواه (عبد الله بن مسعود) أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ( لو لم يبقَ من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جَوراً ) . (6)
وقد أشارت بعض هذه الأحاديث إلى أن المهدي يخرج في وقت فتنة وزلازل واختلاف وفرقة بين الناس ، وأنه يخرج في آخر الزمان كشرط من أشراط الساعة ويبايع بين الركن والمقام . . ، وفي عهده يظهر المسيح الدجال وينزل بعده عيسى فيقتل الدجال ) . (7)
وروى عبد الله بن عمر أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : ( يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها ملك ينادي : هذا خليفة الله المهدي فاتّبعوه ) . (8)
وروى أبو داود في صحيحه يرفعه بسنده إلى أم سلمة زوج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قالت :( سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : المهدي من عترتي من ولد فاطمة ) . (9)
كما ورد عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في المهدي من الأحاديث الصحيحة ما نقله أبو داود والترمذي ، كلّ واحد منهما بسنده في صحيحه يرفعه إلى أبي سعيد الخدري رحمه الله قال : ( سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : المهدي منّي أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ، ويملك سبع سنين ) . (10)
ومنها ما نقله الإمام أحمد بن اسحاق بن محمد الثعلبي في تفسيره يرفعه بسنده إلى أنس بن مالك قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة ، أنا وحمزة وجعفر وعليّ والحسن والحسين والمهدي ) . (11)
ومنها أيضاً ما رواه القاضي أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي في كتابه المسّمى بـ(شرح السنّة) وأخرجه البخاري ومسلم كل واحد منهما بسنده في صحيحه يرفعه إلى (أبي هريرة) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟ ) . (12)
وجاء عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث ، وتخرج الأرض نباتها ، ويعطي المال صحاحاً ، وتكثر الماشية ، وتعظم الأمة ) . (13)
وعن نعيم بن حماد المروزي عن القاسم بن مالك المزني عن ياسين بن سيار قال : سمعت إبراهيم بن محمد بن الحنفية قال : حدثني أبي ، حدثني علي بن أبي طالب (عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( المهدي منّا أهل البيت ) . (14)
وممّا جاء في صحيح البخاري بسنده إلى جابر بن سمرة : أنه سمع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : ( يكون اثنا عشر أميراً ، وأضاف إلى ذلك الراوي : أنّ النبي قال كلمة خفيت عليه ولكن أباه سمعه يقول : كلهم من قريش ) . (15)
أمّا في كتاب الإمارة من صحيح مسلم ، فقد جاء أن جابر بن سمرة قال : ( دخلت مع أبي على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فسمعته يقول : إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم إثنا عشر خليفة كلهم من قريش ) . وفي رواية ثانية رواها مسلم في صحيحه أيضاً : أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ( لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ، ويكون عليهم إثنا عشر خليفة كلهم من قريش ) . (16)
وفي رواية : ( لا تزال هذه الأمة مستقيماً أمرها ظاهرة على عدوّها حتّى يمضي منهم إثنا عشر خليفة من قريش ، ثم يكون المرج والهرج ) . (17)
وفي رواية : ( يكون لهذه الأمة إثنا عشر قيّما لا يضرّهم من خذلهم ، كلّهم من قريش ) . (18)
وعن أنس (لا يزال هذا الدين قائماً إلى إثني عشر من قريش ، فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها ) . (19)
لذا يتّضح أَن الاثني عشر المعنيين من تلك المروّيات هم الأئمة من عترته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على التعاقب . وروى زيد بن أرقم أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ( إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ) . (20)
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أيضاً : ( إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) . (21)
لقد قرن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حديث الثقلين بين كتاب الله وبين أهل البيت عليهم السلام ، حيث جعل التمسّك بهما مصدر هداية ورحمة لهذه الأمة . كما يدلّ الحديث بشكل صريح على حصر الإمامة والقيادة العامة للمسلمين في أهل بيت النبوة ، وبيّن استمراريّة خطّ الإمامة إلى يوم القيامة ، وفيه دليل على وجود الإمام المهديّ ( عليه السلام ) .
كما روى أبو سعيد الخدري قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : ( إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل ، من دخله غفر له ) . (22)
وقد علّق الإمام شرف الدين رحمه الله على هذا الحديث بقوله : وأنت تعلم أنّ المراد من تشبيههم عليهم السلام بسفينة نوح ، أنّ من لجأ إليهم في الدين فأخذ فروعه وأصوله منهم نجا من عذاب النار ، ومن تخلّف عنهم كان كمن آوى يوم الطوفان إلى جبل ليعصمه من أمر الله ، غير أنّ ذلك غرق في الماء ، وهذا في الحميم (والعياذ بالله) .
والوجه في تشبيههم ( عليهم السلام ) بباب حطة هو أنّ الله تعالى جعل ذلك الباب مظهراً من مظاهر التواضع لجلاله ، والبخوع لحكمه ، وبهذا كان سبباً للمغفرة ، وهذا وجه الشبه . وقد حاوله (ابن حجر) إذ قال : ( ووجه تشبيههم بالسفينة أنّ من أحبهم وعظّمهم شكراً لنعمة مشرفهم ، وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات ، ومن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم ، وهلك في مفاوز الطغيان . . . إلى أن قال : ووجه تشبيههم بباب حطة ، أنّ الله جعل دخول ذلك الباب ، الذي هو باب (أريحا) أو (بيت المقدس) مع التواضع والاستغفار سبباً للمغفرة ، وجعل لهذه الأمة مودّة أهل البيت سبباً لها ) . (23)
المصادر:
(1) الروض الانف في شرح سيرة ابن هشام ج2 ، ص421 .
(2) فرائد السمطين للجويني الشفافعي : ج2 ، ص334 .
(3) الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد : ص 127 .
(4) اليواقيت والجواهر : ج2 ، ص 143 .
(5) راجع كتاب البيانات : ص 116 .
(6) سنن ابن داود ، كتاب المهدي : ج4 ، ص 106 ـ 109 .
(7) سنن ابن ماجة ، كتاب الفتن ، باب خروج المهدي : ج 2/ ص 366 ـ 368 .
(8) نور الأبصار : ص 155 . وينابيع المودة : ص 447 .
(9) مطالب السؤول للشيخ كمال الدين الشافعي : ب12 ، ص 234 .
(10) المصدر نفسه .
(11) المصدر نفسه .
(12) المصدر نفسه .
(13) كنز العمال : 38600 .
(14) الفتن : 231 .
(15) ـ صحيح البخاري ، كتاب الأحكام : ج4 ، ص165 . وفتح الباري : ج16 ، ص 338 . ومستدرك الصحيحين : ج3 ، ص 617 .
(16) صحيح مسلم 3 : 1453 ، ح 1821 .
(17) منتخب الكنز : ج5 ، ص 321 . وتاريخ ابن كثير : ج6 ، ص 249 . وتاريخ الحلفاء للسيوطي : ص 10 .
(18) كنز العمال : ج13 ، ص 27 .
(19) المصدر السابق .
(20) صحيح الترمذي : ج2 ، ص 308 . كنز العمال : ج1 ، ص 84 . الصواعق المحرقة : ص 75 .
(21) صحيح الترمذي : ج5 ، ص 662 .
(22) مجمع الزوائد للهيثمي : ج9 ، ص 168 . مستدرك الصحيحين للحاكم : ج2 ، ص 42 .
(23) المراجعات : ص 54 .
source : www.tebyan.net