انّ حديث ((نحن معاشر الأنبياء لا نورث)) حديث مكذوب على النبي(صلى الله عليه وآله), وهو القائل: ((من كذب عليّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار))(1).
روى الحديث أبو بكر فقط وفقط، ثم تتابعت رواة السوء على دعمه في زعمه، ومهما يكن فلنا أن نسأل من البكريين: ما دام أبو بكر يروي الحديث وطبّقه عملياً مع فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ما باله لم يعامل ابنته كما عامل فاطمة(عليها السلام) في بيتها الذي تملّكته من دون حق تمليك من النبي(صلى الله عليه وآله) في حياته, وبقيت من بعده تتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم، حتى انّ أبا بكر وعمر دفنا فيه بعد إذنها، فهل كان يحق له ذلك؟ وهل كان يحق لها ذلك؟ مع أنّهم جميعاً أجانب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإن كان البيت ميراثاً وجب استئذان جميع الورثة، وإن كان صدقة وجب استئذان المسلمين، وإن كان ملكاً لعائشة كذّبها الحديث المشهور: ((ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة))(2) ولم يرد في حديث: ما بين منبري وبيت عائشة روضة من رياض الجنة.
إنّها مسائل معضلة، لمن لا يريد فهم المشكلة، إنّها الدنيا وقد حليت في أعينهم فراقهم زبرجها، فارتكبوا كل أمر خطير، والحساب عسير.
ولو سلّم المجادل في صحة ما رواه أبوها وقال: يحق لعائشة في بيتها لا من جهة الإرث، لأنّه لها التسع من الثمن، ولكن النبي(صلى الله عليه وآله) ملّكها في حياته، فلماذا لم تطالب هي ولا واحدة من بقية الأزواج ببينة على أنّ البيوت لهنّ نحلة من النبي(صلى الله عليه وآله)، كما طولبت الزهراء (عليها السلام) بالبينة على غلتها، إنّها مفارقات عجيبة.
ورحم الله علي بن الفارقي مدرس العربية ببغداد، وقد سأله ابن أبي الحديد فقال: قلت له: أكانت فاطمة صادقة في دعواها؟ قال: نعم، قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فَدَك وهي صادقة؟ فتبسم ثم قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته، قال: لو أعطاها اليوم فَدَك بمجرد دعواها، لجاءت إليه غداً وادعت لزوجها الخلافة, وزحزحته عن مقامه, ولم يكن يمكنه الاعتذار والمدافعة بشيء، لأنّه يكون قد سجل على نفسه بأنّها صادقة فيما تدّعي، كائناً ما كان من غير حاجة إلى بيّنة ولا شهود(3).
____________
1 - أخرجه البخاري في صحيحه 1: 29 باب إثم من كذّب على النبي (صلى الله عليه وآله)، وساق الحديث بأسانيد متعددة عن علي والزبير وأنس وسلمة وأبي هريرة وتفاوت في بعض الألفاظ، وأخرجه في أماكن اُخرى من صحيحه, وأخرجه مسلم في صحيحه 1: 7 كما في المقدمة، وذكر حديث علي وأنس وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة بأسانيد مختلفة والفاظ متفاوتة، وأخرجه ابن ماجه، وأبو داود، والترمذي، وأحمد، والدارمي، والبيهقي، وابن حبان وآخرون كثيرون, راجع عنهم موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف 4: 524.
2- صحيح مسلم 4: 123، عن أبي هريرة، وعن عبد الله بن زيد المازني في باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة.
3 - شرح النهج لابن أبي الحديد 16: 284.
source : www.sibtayn.com