عربي
Wednesday 15th of May 2024
0
نفر 0

النهی عن المنکر

النهی عن المنکر

قصَّ الله تعالى علینا أخبار الأمم السابقة والعواقب الوخیمة التی انتهوا إلیها حین شاعت فیهم الانحرافات والمخالفات دون أن یرفع أحد منهم رأساً أو یقول کلمة لأولئک الذین یستعجلون أیام الله لأنفسهم ولأممهم فقال تعالى :
( لُعِنَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ بَنِی إِسْرَائِیلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِیسَى ابْنِ مَرْیَمَ ذَلِکَ بِمَا عَصَوْا وَکَانُوا یَعْتَدُونَ ، کَانُوا لاَ یَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنکَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا کَانُوا یَفْعَلُونَ )(1).
فقد أجرم القوم مرتین :
مرة حین وقعوا فی الآثام ، وأخرى حین ترکوا المعاصی تشیع فیهم دون أن تسود فیهم روح التناهی عنها .
وقد جاء فی الحدیث ما یفسر تدرجهم نحو الحال التی استوجبت لهم اللعن، فقد روى ابن مسعود عن رسول الله -صلى الله علیه وسلم- أنه قال :
إن أول ما دخل النقص على بنی إسرائیل أنه کان الرجل یلقى الرجل فیقول :
یا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا یحل لک ، ثم یلقاه من الغد وهو على حاله فلا یمنعه ذلک أن یکون أکیله وشریبه وقعیده ، فلما فعلوا ذلک ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال : ( لُعِنَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ بَنِی إِسْرَائِیلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِیسَى ابْنِ مَرْیَمَ ذَلِکَ بِمَا عَصَوْا وَکَانُوا یَعْتَدُونَ ، کَانُوا لاَ یَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنکَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا کَانُوا یَفْعَلُونَ).
لقد طال العهد بصالحی بنی إسرائیل فبدأت المناکر تزحف إلى حیاتهم عن طریق أهل الأهواء والشهوات ، وکان فیهم صالحون فقاموا ونهوا أصحاب المعاصی ووعظوهم ولکن هؤلاء تأصل فیهم المنکر وصار النزوع عنه أمراً عسیراً، وکان الأمر یتطلب من صالحیهم جلداً وصبراً ومفاصلة إلا أن درجة التوتر الحیوی عند أولئک الصالحین لم تکن کافیة بحیث یشعرون بالتمیز ویشکلون تیاراً نشطاً یحاصر أولئک العصاة ویشعرهم بالشذوذ والإثم .
وکانت المرحلة التالیة سیطرة شعور العجز والضعف على أولئک الصالحین مما جعلهم یخالطون أهل المعاصی ویرضون عن أعمالهم أو یظهر للناظر أنهم کذلک فضاعت معالم الحق وجاءت أجیال تالیة فنشأت فی الانحراف وشبت فیه وصار التفریق بین المعروف والمنکر أمراً غیر متیسر لکل الناس .
وکانت العاقبة أن ضرب الله قلوبهم بعضهاً ببعض ، وهذه العبارة فی الحدیث النبوی ترمز إلى حالة من الفوضى المصحوبة بالعذاب حیث فقدت تجمعاتهم الشروط الضروریة لبقائهم واستمرارهم المادی والمعنوی فکانت أیام الله فی خاتمة المطاف جزاء ما فعلوا .
إن کل مجتمع مهما بلغ من الفضل والرقی لا یستغنى عن شریحة فیه تتمثل فیها المثل العلیا لذلک المجتمع تحفظ علیه وجوده المعنوی المتمثل فی عقیدته وأخلاقه وضوابط علاقاته وهؤلاء یمثلون الخیریة فی ذلک المجتمع کما قال علیه الصلاة والسلام :
(ما من نبی بعثه الله فی أمة قبلی إلا کان له فی أمته حواریون وأصحاب یأخذون بسنته ویقتدون بأمره ، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف یقولون مالا یفعلون ...(2).
إن هؤلاء الآمرین بالمعروف الناهین عن المنکر یملکون من التوهج فی أرواحهم والحیویة فی نفوسهم ما یجعل همَّ مجتمعهم همهم الأکبر، فیسعد بهم ذلک المجتمع إذ یحفظون علیه توازنه واستقامته وشروط استمراره، ولا یشترط فی المجتمع المسلم أن یکون کل أفراده من الدعاة الناصحین ولکن ینبغی أن تتوفر نسبة کافیة فی المجتمع مسموعة الصوت واضحة التأثیر تملأ الفراغ الثقافی وتملک من الوسائل المؤثرة ما یسمح باستمرار وضوح جادة الحق والخیر والصواب ویسمح باستمرار سنة المدافعة بین الحق والباطل على وجه مکافىء وهذا ما یشیر إلیه قوله عز اسمه :
(وَلْتَکُن مِّنکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَى الخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ المُنکَرِ وَأُوْلَئِکَ هُمُ المُفْلِحُونَ )(3).

المصادر :
1- المائدة : 78-79
2- المحلی / ابن حزم ج2ص27
3- آل عمران : 104


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أولاد السيدة زينب (ع)
خصائص شهر رمضان
اشد من یتم الیتیم
المصادر الشيعية لحديث (فاطمة بضعة مِنِّي)
أفضلية فاطمة الزهراء عليها السلام في کتب أهل ...
التباكي على سيِّد الشهداء (عليه السلام)
الصراع على السلطة بين الأصهب والأبقع
الخصوصية الصوفية للنظرية المهدوية
أسرار الشفاء بالصيام
الزواج والعلاقات الزوجیة

 
user comment