کیف یشفع الأئمة (علیهم السلام) للمذنبین یوم القیامة والقرآن الکریم ذکر فی قوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّکُم مَّرْجِعُکُمْ فَیُنَبِّئُکُم بِمَا کُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)(1)؟
الوزر هو الحمل الثقیل والمراد منه فی الآیة المبارکة هو الإثم الذی یقترفه الإنسان، ومنشأ التعبیر عن الإثم بالوزر هوانَّ الإنسان حین یقترف الإثم فإنَّه یتحمل تبعاته ، ولأن تبعاته فی الآخرة ثقیلة ومضنیة فهو أشبه شیء بالحمل الثقیل الذی یوضع على کاهل الإنسان فینوء به وینتابه من حمله الجهد والرَهَق.
ومعنى الوازرة هی الحاملة للثقل والمراد منها فی الآیة المبارکة النفس المقترفة للإثم، فهی الحاملة لتبعات الإثم الذی اقترفته.
وعلیه فالمراد من قوله تعالى: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) هو أنه لا تحملُ نفسٌ آثمة أثمَ غیرها، فهی لا تحمل إلا وزرها أی أنَّها لا تتحمل ولا تُدان بغیر الإثم الذی اقترفته، أما الوزر والإثم الذی اقترفته النفس الأخرى فإنَّ تلک النفس الأخرى هی مَن یتحمل تبعات ذلک الوزر والإثم.
ومن ذلک یتضح أنه لا یصح فی الإسلام إلقاء تبعات الإثم على غیر من اقترفه، فالمقترف للإثم هو المسئول وحده عن تبعات ما ارتکبه من إثم فلا یؤخذ الولد بأبیه أو أخیه کما لا یُؤخذ الرجل بذنب ولده أو زوجته. وهذا هو معنى قوله تعالى: (وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا یُحْمَلْ مِنْهُ شَیْءٌ وَلَوْ کَانَ ذَا قُرْبَى)(2).
وبما ذکرناه یتبین أنه لا منافاة بین الآیة المبارکة وبین الشفاعة، فإنَّ الشفاعة لا تعنی تحمُّل الشفیع لأوزار وآثام من یشفع له ، وإنما هی بمعنى طلب الشفیع من الله تعالى أن یصفح عن المذنب وأن یتجاوز عن آثامه ویغفرها له، فإذا قبِل الله تعالى شفاعة الشفیع أسقط عن المذنب تبعات ذنوبه دون أن یُحمِّلها غیره.
ومقام الشفاعة یحظى به الرسول الکریم (صلی الله علیه وآله وسلم ) بالدرجة الأولى وکذلک الأنبیاء والأئمة من أهل البیت (علیهم السلام) وذلک لموقعهم السامی عند الله تعالى وکرامتهم لدیه جلَّ وعلا فهو تعالى یقبل دعاءهم وتشفُّعهم فی بعض العصاة فیُسقط عنهم تبعات ما ارتکبوه من ذنوب او بعض ما ارتکبوه.
على أن شفاعتهم تکون بإذن الله تعالى کما أفاد القرآن الکریم:(من ذا الذی یشفع عنده إلا بإذنه ) وأفاد فی موضع آخر : (وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ)(3) وهم لا یشفعون إلا لمن ارتضاه الله قال تعالى: (وَلَا یَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)(4) فثمة من العصاة من لا یقبل الله تعالى فیه شفاعة الشافعین .
ثم إنَّ الشفاعة قد تسبق العذاب فیدفع الله تعالى عمَّن نالته الشفاعة عذاب جهنم ، وقد لا یأذن الله فی الشفاعة لبعض العصاة إلا بعد أن ینالهم العذاب فی جهنم أحقاباً مدیدة ، فیکون أثر الشفاعة هو تقلیل المدة التی یستحق العاصی أن یمکثها فی جهنم.
وقد دلت على ذلک روایات کثیرة:
منها: ما رواه الشیخ الصدوق فی عیون أخبار الرضا بإسناده عن الإمام الرضا (علیه السلام) قال: ".. ومذنبوا أهل التوحید لا یخلدون فی النار ویخرجون منها، والشفاعة جائزة لهم"(5).
ومنها ما رواه الحر العاملی فی الفصول المهمة بسنده عن أبی بصیر قال: سمعت أبا جعفر (علیه السلام) یقول: "إن قوما یحرقون فی النار حتى إذا صاروا حمما أدرکتهم الشفاعة"(6)
ومن طرق العامة عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم ) قال: "لیخرجن قوم من أمتی من النار بشفاعتی یسمون الجهنمیون"(7)
وفی مسند أحمد بن حنبل بسنده عن أبی سعید عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم ) قال: "ان أهل النار الذین هم أهل النار لا یموتون فیها ولا یحییون ولکنها تصیب قوما بذنوبهم أو خطایاهم حتى إذا صاروا فحما أذن فی الشفاعة فیخرجون ضبائر ضبائر فیلقون على انهار الجنة"(8).
فالشفاعة لا تعنی بالضرورة إعفاء العصاة من عذاب جهنم مطلقاً بل قد ینالهم العذاب ثم تدرکهم الشفاعة.
المصادر :
1- سورة الزمر/7.
2- سورة فاطر/18.
3- سورة سبأ/23.
4- سورة الأنبیاء/28.
5- عیون أخبار الرضا (علیهم السلام) -الشیخ الصدوق- ج 1 ص 133.
6- الفصول المهمة فی أصول الأئمة -الحر العاملی- ج 1 ص 379.
7- سنن الترمذی -الترمذی- ج 4 ص 114.
8- مسند احمد -الإمام احمد بن حنبل- ج 3 ص 79.
source : .www.rasekhoon.net