عربي
Friday 8th of November 2024
0
نفر 0

البدعة إما حقيقية أوإضافية

البدعة إما حقيقية أوإضافية

هذا التقسيم قام به الشاطبي في كتابه، وعرّف الحقيقية: بأنها ما لم يدلّ عليها دليل شرعي لا من كتاب ولا سنّة ولا إجماع ولا استدلال معتبر عند أهل العلم، لا في الجملة ولا في التفصيل. وإن ادّعى مبتدعها ومن تابعه أنّها داخلة في ما استنبط من الأدلّة، لأنّ ما استند إليه شُبَه واهية لا قيمة لها.
أمّا البدعة الإضافية فقد عرفها بأنها ما لها شائبتان:
إحداهما: لها من الأدلة متعلق فلا تكون من تلك الجهة بدعة.
والأُخرى: ليس لها متعلق إلاّ مثلَ ما للبدعة الحقيقية، أي أنّها بالنسبة لإحدى الجهتين سنّة،لاستنادها إلى دليل، وبالنسبة للجهة
الأُخرى بدعة، لأنّها مستندة إلى شبهة، لا إلى دليل. أو لأنها غير مستندة إلى شيء.
وسميّت إضافية لأنّها لم تتخلص لأحد الطرفين: (المخالفة الصريحة) أو (الموافقة الصريحة)(1).
أقول: قد تقدّم البحث عن البدعة الحقيقية فلا حاجة إلى إيضاحها من جديد، فانّ تحريم الحلال أو تحليل الحرام استناداً إلى شبه واهية أو بلا شبهة بدعة حقيقية، وقد مرّت الأمثلة فيما سبق، والمهم ايضاح المقصود من البدعة الإضافية التي لها شائبتان، التي من جهة تشبه السنّة ومن جهة تشبه البدعة، وتتضح بالأمثلة التالية التي ذكرها الشاطبي نفسه:

1 ـ تخصيص يوم أو أيام، غير ما نهى الشارع عن صومه أو ندب إلى صومه، بالصوم والمداومة عليه.
2 ـ تخصيص الأيّام الفاضلة بأنواع من العبادات لم تشرع لها خصوصاً، كتخصيص اليوم الفلاني بكذا وكذا من الركعات، أو بصدقة كذا وكذا، أو الليلة الفلانية بكذا وكذا من الركعات، أو قراءة القرآن أو الذكر، فإنّ ذلك التخصيص والعمل به إذا لم يكن بحكم الوفاق، أو بقصد يقصد مثله أهل العقل والفراغ والنشاط، كان تشريعاً زائداً.
3 ـ ومن ذلك تحرّي ختم القرآن في بعض ليالي رمضان أو قراءة القرآن أو الدعاء بهيئة الاجتماع في عشية يوم عرفة في المسجد تشبهاً
بأهل عرفة ونحو ذلك.
4 ـ ومن ذلك الأذان والإقامة في صلاة العيدين.
والسبب في كون هذه الأمور بدعاً، ذكرها الشاطبي:
أولا: أنّ فيها تخصيصاً بغير مخصص من الشرع، وقد أصبحت بهذا التخصيص غير ما كانت عليه بدونه، فكما أنّ الصلاة المفروضة لا تصحّ قبل الوقت مع كونها هي هي، لوقوعها في غير وقتها المخصص لها، فكذلك ما تقدم من الأمثلة بما انضمّ إليها من الأوصاف غير الواردة تصير غير مشروعة.
ثانياً: أنّ مثل هذه الأُمور عمل اشتبه أمره، أَهو بدعة فينهى عنه أَم غير بدعة فيعمل به؟ ومثل هذا جاء الأمر بالتوقي فيه، والاحتراز منه، كما يجب التوقف عن تناول اللحم المشتبه فيه.
ثالثاً: مخالفة السنّة، حيث ترك مثل هذا العمل مع ظهور ما يقتضي فعله في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) وأصحابه، وعلى فرض أنّه وقع في بعض الأحيان فالأمر الأشهر والأكثر عدم فعله، كما في سجود الشكر، حيث لم يداوم الرسول (صلى الله عليه وآله) والصحابة عليه وإن ورد.
رابعاً: أنّ العمل بمثل هذه الأُمور قد يؤدي إلى اعتقاد ما ليس بسنة سنّة، وكذلك فالمداومة على فعل لم يداوم عليه الرسول (صلى الله عليه وآله)قد تؤدي إلى اعتقاد النافلة سنّة، وهذا فساد عظيم، لأنّ اعتقاد ما ليس بسنّة سنّة، والعمل به على حدّ العمل بالسنّة،نحو من تبديل الشريعة، وعلى ذلك كان قطع عمر للشجرة التي يتبرّك بها الصحابة، ونهيه الصحابي عن الإحرام من بلده، ونحو ذلك، ونهيه عن إتيان المساجد التي صلّى فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله). ولذلك كان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار للنبي (صلى الله عليه وآله) ما عدا قباء وحده، وأيضاً كان مالك يكره المجيء إلى بيت المقدس خيفة أن يتّخذ ذلك سنّة، وكان يكره مجيء قبور الشهداء، ويكره مجيء قباء خوفاً من ذلك(2).
يلاحظ على هذا التقسيم: انّه لا طائل فيه، ويعلم ذلك ببيان أمرين:

1 ـ شمول الدليل لجميع الحالات والكيفيات
إنّ مورد النقاش في ما إذا كان لدليل العمل العبادي إطلاق يعمّ جميع الصور والكيفيات، بأن كانت جميع الحالات والصور المتصوّرة له أمراً مسوّغاً يشمله الدليل باطلاقه أو عمومه وسعة دلالته، مثلا إذا دلّ الدليل على استحباب قراءة القرآن مطلقاً من غير تقييد بحالة خاصة فيعمّ جميع الحالات سواء أكانت بهيئة الانفراد أم بهيئة الاجتماع.
أو دلّ على استحباب قراءة الدعاء مطلقاً من يقين خاصّ فعمّ جميع الكيفيات، وبعبارة أُخرى دلّ الدليل بإطلاقه بسوغ جميع الأقسام من غير تخصيص بتلاوة القرآن بصورة الانفراد أو بهيئة الاجتماع ومثله دليل الدعاء.
ومثل ذلك إقامة الصلاة في المساجد، فالدليل يشمل جميع المساجد سواء أصلّى فيها النبي (صلى الله عليه وآله) أو لم يصلّ، وسواء أُقيمت الصلاة فيها يوماً أو أياماً أو طول السنة أو لا، وهكذا سائر الأمثلة، فلو نفترض عدم وجود إطلاق للدليل فهو خارج عن حريم البحث.

2 ـ التداوم على هيئة أو فرد لا يرجع إلى تخصيص التشريع
انّ اختيار كيفية خاصّة، كالدعاء بهيئة الاجتماع أو تخصيص يوم في الأُسبوع للصوم، لا يعني تخصيص التشريع بالفرد المختار وإنّ السائغ هو لا غربل العامل يعتقد أن جميع الصور والكيفيات، سائغة وفي الوقت نفسه يختار كيفية أو فرداً خاصاً لأجل أنّه أوفق بنشاطه وبالعوامل المحيطة به.
وبعبارة أُخرى لا يلتزم بكيفيّة خاصّة إلاّ لأجل أن يتلاءم مع نشاطه ويساعده على تحقيق غرضه، مع الاعتراف بأنّ جميع الكيفيات من حيث الفضيلة سواء.
إذا تعرّفت على الأمرين تقف على أنّ الأمثلة التي قدّمها الشاطبي مثالا للبدعة الإضافية هي إمّا بدعة حقيقية أو سنّة حقيقية، فلو افترضنا عدم إطلاق الدليل للكيفية التي اختارها العامل أو كان له إطلاق، ولكنه يخصص التشريع بمختاره، وينفي غيره فيكون عمله هذا مصداقاً للبدعة الحقيقية.
وأمّا إذا لم يكن هناك قصور في سعة الدليل، أو لم يكن في نيته أي تخصيص وتدخّل في أمر الشريعة، وإنّما كان الاختيار لملاكات اتفاقية، فلا يعدّ العمل بدعة، إذ لم يكن تدخلا في أمر الشارع. وبذلك
يظهر حكم الأمثلة، كتخصيص يوم أو أيام ـ غير ما نهي عن صيامه ـ بالصوم، أو كتخصيص يوم بنوع من العبادة، كقضاء الصلوات الواجبة التي فاتت منه، أو ختم القرآن بهيئة الاجتماع مطلقاً، أو في يوم عرفة، فانّ سعة رقعة الدليل كافية في كونها سنّة إذا لم يكن من قصده نفي سائر الكيفيات بل كان التخصيص تابعاً لعوامل داخلة في حياة الإنسان.
وأمّا الأسباب التي اتّخذها ذريعة للحكم بالبدعة فإليك دراستها:

أمّا السبب الأوّل:
أعني قوله "إنّ فيها تخصيصاً بغير مخصص من الشرع" فغير مضر، إذ التخصيص إنّما يكون بدعة إذا نسبه إلى الشرع، دون ما كان نتيجة ظروف فرضت عليه اختيار هذا الفرد مع الاعتراف بأنّه مثل سائر الأفراد.

وأمّا السبب الثاني:
أعني قوله "إنّ مثل هذه الأمور عمل اشتبه أمره..." فهو مثل الأول; فانّه مشتبه لمن لم يدرس البدعة حقها دون من درسها.

وأما السبب الثالث:
أعني قوله "مخالفة السنّة حيث ترك مثل هذا العمل..." فذلك لأنّ تركهم لا يكون حجّة على كون العمل بدعة بعد افتراض سعة رقعة الدليل، وتركهم فرداً خاصاً لا يدلّ على عدم مشروعيته إذ لم يكونوا يعانون من الإتيان بسائر الأفراد فلأجله تركوا ذاك الفرد، بخلاف الانسان الذي فرضت الظروف عليه مداومة هذا الفرد أو كان نشاطه محفوظاً فيه دون سائر الأفراد.
ولو صحّ ما ذكره يجب ترك المسنونات أحياناً، لئلا يتخيل الجاهل أنّها فريضة، فعلى من يرى القبض في الصلاة سنّة، تركه في حين بعد حين، دفعاً لعادية الجهل.
وعلى من يقم صلاة التراويح جماعة، تركها والإتيان بها فرادى لئلا يعتقد الجاهل أنّ التشريع مختص بالجماعة. إلى غير ذلك من المضاعفات التي لا يلتزم بها الشاطبي وغيره. فجهل الجاهل، لا يكون سبباً لترك المسنون، لأنّه لو قصر في التعليم فما ذنب من يريد الإتيان به وإنّما علينا دفع عاديته وبذلك يظهر حسن إتيان المساجد التي صلّى النبي فيها. وذلك لعموم الدليل الشامل لتمام المساجد التي صلّى فيها أم لم يصلّ، وإنّما يختار ذلك لأجل التبرك الذي تضافر النص بجوازه، وليس تخصيصها بالعبادة، ليس بمعنى ورود النصّ به بالخصوص وانّما يختاره لغرض آخر وهو التبرك.
وأمّا كراهات مالك المجيء إلى بيت المقدس، فهو على خلاف السنّة، حيث رخص النبي السفر إليه.
ومنه تظهر حال كراهة زيارة قبور الشهداء، أو المجيء إلى مسجد قباء، فإنّه إعراض عن السنّة التي رسمها النبي، حيث أمر بزيارة القبور، وكان يجيء إلى مسجد قباء كلّ أُسبوع مرّة ويصلّي فيه.
وما أجمل قول الإمام الصادق: "انّ هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق"(3).
قال التفتازاني: "ومن الجهلة من يجعل كلّ أمر لم يكن في زمن الصحابة بدعة مذمومة، وإن لم يقم دليل على قبحه تمسّكاً لقوله (عليه السلام): "إيّاكم ومحدثات الأمور" ولا يعلمون أنّ المراد بذلك هو أن يجعل في الدين ما ليس منه. عصمنا الله من اتّباع الهوى، وثبتنا على اقتفاء الهدى بالنبي وآله"(4).

وأمّا السبب الرابع:
أعني قوله "انتهاء هذا العمل إلى اعتقاد ما ليس بسنّة سنة" فهو أيضاً مثله فانّه يجب على العالم إرشاد الجاهل لا ترك العمل الذي دلّ الشرع على جوازه بالإطلاق والعموم.
المصادر:
1- الشاطبي، الاعتصام 1: 286 ـ 287
2- الشاطبي، الاعتصام ج1: الباب الخامس
3- الكليني، الكافي 2: 86 ح1
4- التفتازاني، شرح المقاصد 5: 232

 


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الطب قبل الاسلام
حقوق الأولاد
الوعي بالزمن في نهج البلاغة
الاستخفاف بالصلاة
آراء أئمة الجرح في حديث النجوم
آداب نهار الصیام
لتخطي العوائق الزوجية00تعلما القفز
فوات نهج البلاغة – الثالث
دور الأمم المتحدة في صيانة حقوق الإنسان
الحُضور في مواضع التهم

 
user comment