عربي
Sunday 24th of November 2024
0
نفر 0

مشكلة الأسرة المعاصرة

مشكلة الأسرة في عصرنا الحاضر مشكلة خطيرة جداً ، فقد فقدت نتيجة التغيرات الاجتماعية كثيراً من وظائفها التي كانت تقوم بها من ذي قبل .

فأدى ذلك إلى تفكك عرى الأسرة ، وانهيار الروابط التي كانت تربطها فيما قبل .

فيقول بعض المربِّين :

( والواقع أن من مخاطر المجتمع الحديثة الرئيسية أن الدور الطبيعي الذي كانت تقوم به الأسرة يتضاءل نتيجة لاستيلاء مؤسسات أخرى على كثير من مسؤولياتها ، ونخشى نتيجة التضاؤل أن تفقد الأسرة الأثر الفعّال الذي هو من أهم قوى الاستقرار في المجتمع .. ) .

وسنتحدث في السطور القادمة عن مشكلة معاصرة نتجت بسبب خروج المرأة من بيتها إلى ميدان العمل ، فالمرأة كانت سابقاً مستقرة في بيتها تعتني بتربية أولادها ، والقيام بشؤون زوجها ، وكانت تقوم مقام المعلم بين أبنائها ، فهي في الحقيقة مشتركة مع الرجل في ذلك .

أما في عصرنا الحاضر فقد خرجت الزوجة لتقوم بأعمال تشابه أعمال الرجل ، وأصبحت شؤون المنزل والقيام بمهامه عملاً ثانوياً بالنسبة لها ، كما وأصبحت المرأة في كثير من الدول ترى أن إنجاب الأطفال يتعارض مع قيامها بتولي الوظائف
العامة ، وهو الأمر الذي نجم منه تحديد النسل ، وعدم التفكير في إنجاب الأطفال .

ومما لا شبهة فيه أن المرأة مسؤولة عن تهيئة الجو الاجتماعي والنفسي لنشأة الأطفال نشأة سليمة متكاملة .

وقد نجم من تخلِّيها عن هذه الوظيفة كثير من المضاعفات السيئة ، وكان من أهمها هو ( انهيار الأسرة ) ، فقد أصبح التقاء المرأة بزوجها وأطفالها التقاءً سريعاً ، وأصبحت الأسرة في نظر الكثيرين أكثر شبهاً بـ ( الفندق ) من دون أن يوجد ذلك الرباط الاجتماعي والنفسي الذي يربط بين أفراد الأسرة ، والذي يدعوهم دائماً إلى وضع مصلحة الأسرة فوق كل اعتبار .

إن خروج المرأة من البيت قد أوجب حرمان الطفل من التمتع بحنان أمه ، وذلك لمزاولتها العمل ، وتركه لها أكثر الوقت ، ومن الطبيعي أن تغذيته الاصطناعية وتعهد المربية لشؤونه لا يسد مسدَّ حنان الأم وعطفها ، فقد أثبتت التجارب العلمية أن الطفل لا ينمو ولا يترعرع على حليب أمه فحسب ، بل على عطفها وحنانها كذلك .

وهذا الغذاء العاطفي لا يقل أهمية عن الغذاء الجسدي في تنمية شخصيته ومن هنا جاءت أفضلية التغذية الطبيعية من ثدي الأم على التغذية الاصطناعية ، ففي الأولى يتمتع الطفل بأمرين هما الغذاء والحنان ، وأما التغذية الاصطناعية فإنها تخلو غالباً من شعور الطفل بحنان أمه .

ومن هنا يحسن في الأطفال الذي يحرمون من التغذية الطبيعية أن تضمهم أمهاتهم إلى صدورهن ، حسب ما ينصح به أطباء الأطفال .

وعلى أي حال فإن الطفل لا ينشأ نشأة سليمة إلا إذا أخذ حظه من الحب والحنان من أمه ، وهو – في الغالب – قد حرم من هذه الجهة حين انعزال المرأة عن التربية .

وقد أعاب على المرأة خروجها من بيتها جمع كبير من العلماء ، نذكر آراء مجموعة منهم :

1 - يقول الفيلسوف الإنجليزي الكبير ( برتراند رسل ) :

( إن الأسرة انحلت باستخدام المرأة في الأعمال العامة ، وأظهر الاختبار أن المرأة تتمرد على تقاليد الأخلاق المألوفة ) .

2 - ويقول العالم الاقتصادي ( جون سيمون ) :

( النساء قد صرن الآن نسَّاجات وطبَّاعات ، وقد استخدمتهن الحكومة في معاملها ، وبهذا فقد اكتسبن بضعة دريهمات ، ولكنهن في مقابل ذلك قد قوَّضن دعائم أسرهن تقويضاً ، نعم إن الرجل صار يستفيد من كسب امرأته ، ولكن إزاء ذلك قلَّ كسبه لمزاحمتها له في عمله ) .

3 - وتقول الكاتبة ( آني رورد ) :

( لأن تشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاءً من اشتغالهن في المعامل حيث ، تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد ، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة ، والعفاف والطهارة ، الخادمة والرقيق يتنعمان بأرغد عيش ويعاملان كما يعامل أولاد البيت ، ولا تمس الأعراض بسوء .

نعم إنه العار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال ، ونوافق كل عمل تقوم به بفطرتها الطبيعية كالقيام بأعمال البيت وترك أعمال الرجال ، سلامةً لشرفها ) .

4 - ويقول ( سامويل سمايلس ) :

( إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما تنشأ عنه من الثروة للبلاد ، فإن نتيجته هادمة لبناء الحياة المنزلية ، لأنه يهاجم هيكل المنزل ، ويقوّض أركان الأسرة ، ويمزق الروابط الاجتماعية ) .

هذه بعض الآراء التي أدلى بها جمع من المفكرين ، - وهي من دون شك – تحمل طابعاً كبيراً من السمة العلمية ، فإن خروج المرأة من بيتها ودخولها في المعامل ، ومزاحمتها للرجل في عمله واقتصاده ، أدى إلى عجزها عن القيام بوظيفتها في التربية .

فإنها لم تعد إلى المنزل إلا وقد أضناها العمل واستنزفت الأتعاب جميع قواها ، فكيف تتمكن من تربية أطفالها تربية سليمة .

ومن الطبيعي أن ذلك يشكل خطراً جسيماً على تربية الطفل ، فقد يعرِّضُه إلى الإصابة بكثير من الأمراض النفسية ، وعدم الاستقامة في سلوكه ، حسب ما دلَّل عليه علماء التربية والنفس .

الأسرة بين الحرية والاستبدادa img{border:0px}

الأسرة بين الحرية والاستبداد

تخضع نفسيات الأفراد في الأسرة إلى وضع حكومة الآباء ، فالأب الذي يتحدث إلى أبنائه بلسان التهديد والعقاب فقط ، وتكون إطاعته له قائمة على أساس الخوف منه ، ينعدم حب التعالي والترقي من نفوس الأطفال ، ولا تظهر استعداداتهم الخفيَّة ، ولا يفكرون في تحصيل الكفاءات لأنفسهم .

وبصورة أساسية ، فإن الأطفال في أمثال هذه الأُسَر لا يدركون أنفسهم ، ولا يلتفتون إلى وجودهم بين ظهراني المجتمع .

لأنهم لم يسمعوا كلاماً من رب الأسرة حول إظهار شخصياتهم ، لأنه كان يتحدث معهم بِلُغة السوط والعصا فقط .

أما في الأسر التي تقوم على أساس الرقي النفسي ، وحُبّ الكمال ، والتي تهدف التربية فيها إلى إيجاد الكفاءة والفضيلة ، والصلاحية في نفوس الأفراد ، تنعدم لغة التهديد والعقوبة .

بل يستند المُربِّي حينئذ إلى شخصية الأطفال ، ويستفيد من غريزة حبهم للكمال في تشجيعهم على العمل المثمر الحُر .

إن التربية في ظل النظام الإسلامي تقوم على العدل والحرية ، وتنمية حب الرقي والتكامل في نفوس الأطفال .

يقول الإمام علي ( عليه السلام ) لولده الحسن : ( ولا تكن عَبدَ غيرك وقد جعلك الله حراً ) نهج البلاغة الكتاب 31 / 87 من وصاياه لابنه الحسن ( عليهما السلام ) .

بهذه الجملة القصيرة يزرع الأب العظيم أعظم ثروة للشخصية في نفس ولده ، ويعوده على الحرية الفكرية .

وبالنسبة إلى تَعلُّم الأطفال قال ( عليه السلام ) : ( من لم يتعلَّم في الصِّغَر ، لَم يتقدَّم في الكِبَر ) غُرَر الحِكَم ودُرَر الكَلِم 697 .

وأخيرا نقول :

إن المربي القدير هو الذي يستفيد من غريزة حب الكمال والرقي عند الطفل ، ويقيم قسماً كبيراً من أساليبه التربوية على هذا الأساس .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

شذوذ النساء الجنسی
وسواس الزوجين بين التدين واللاتدين
العقل في نهج البلاغة
العلاقة الزوجية بين الرومانسية والجنس
الاخلاق فی البیت
الطب قبل الاسلام
التقیة والإکراه
صفات الشيعة
السكر الابيض او كما يقولون السم الابيض واضراره ...
هواية التفكير الإيجابي-2

 
user comment