عربي
Wednesday 15th of May 2024
0
نفر 0

عناصِرُ الجَيش

عناصِرُ الجَيش

عناصِرُ الجَيش

قال المفيد في الارشاد (169): «وبعث الحسن حجر بن عديّ فأمر العمال - يعني امراء الاطراف - بالمسير، واستنفر الناس للجهاد، فتثاقلوا عنه، ثم خفوا، وخف معه اخلاط من الناس، بعضهم شيعة له ولابيه، وبعضهم محكّمة يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة، وبعضهم أصحاب فتن وطمع بالغنائم، وبعضهم شكّاك، وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون الى دين..(1)».
اقول: علمنا مما سبق قريباً ان جيش الحسن تألف من زهاء عشرين الفاً، أو يزيد قليلاً، ولكنا لم نعلم بالتفصيل الطريقة التي اتخذت لتأليف هذا الجيش. والمعتقد انها كانت الطريقة البدائية التي لم تدخلها التحسينات المكتسبة بعد ذلك. وهي - اذ ذاك - الطريقة المتبعة في التجمعات الاسلامية مع القرون الاولى في الاسلام، وهي الطريقة التي لا تشترط لقبول الجندي أو لقبول المجاهد أيّ قابليات شخصية، ولا سناً خاصة، ولا تنزع في مناهج تجنيدها الى الاجبار بمعناه المعروف اليوم. وللمسلم القادر على حمل السلاح وازعه الديني حين يسمع داعي اللّه بالجهاد فاما ان يبعث فيه هذا الوازع، الشعور بالواجب فيتطوع بدمه في سبيل اللّه. واما ان يكون المغلوب على أمره بدوافع الدنيا، فيخمد في نفسه هذا الشعور، ويحرم نصيبه من الاجر ومن الغنيمة اذا قدّر لهذه الحرب الظفر والغنائم.
اما النظم الحديثة المتبعة اليوم في الاجبار على خدمة العلم، ودعوة (مواليد) السنوات المعينة، وفحص القابليات المحدودة، فلم تكن يومئذ ولا هي مما يتفق والتشريع الاسلامي بسعته وسماحته.
وللاسلام اعتداده بصحة حقائقه التي تكفل له بعث الناس الى الطاعة والانقياد. وليس في عناصر هذا الدين إكراه أحد على الطاعة بالقوة. ولكنه دلّهم على السبيلين وأعان على خيرهما بالهدى «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا» وكان هذا هو شعار الاسلام في جميع ما أمر به أو نهى عنه.
وعلى ذلك جرى رؤساء المسلمين فيما دعوا الناس اليه، وفيما حذّروا الناس منه.
وكان لهم عند اعتزامهم الحرب، دعاواتهم الرائعة، في التحريض على الجهاد، وأساليبهم المؤثرة التي لا تتأخر - غالباً - عن اقناع اكبر عدد من المطلوبين الى حمل السلاح.
فمن ذلك، أنهم كانوا يزيدون في مخصصات أهل العطاء من مقاتلتهم، ويأمرون عمالهم على البلاد فيستنفرون الناس للجهاد، ويبثون السنتهم وخطباءهم وذوي التأثير من رجالهم لبعث الناس الى التطوع في سبيل اللّه عز وجل.
وفعل الحسن عليه السلام كل ذلك منذ ولي الخلافة في الكوفة، ومنذ أعلن النفير للحرب. وكان من أوليّاته - كما اشير اليه آنفاً -: انه زاد المقاتلة مائة مائة، وبعث حجر بن عديّ الى عماله يندبهم الى الجهاد، ونهض معه مناطقته الافذاذ من خطباء الناس أمثال عديّ بن حاتم، ومعقل بن قيس الرياحي، وزياد بن صعصعة التيمي، وقيس بن سعد الانصاري. فأنّبوا الناس(2)، ولاموهم على تثاقلهم، وحرضوهم على اجابة داعي اللّه، ثم تسابقوا بأنفسهم الى صفوفهم في المعسكر العام، يغلبون الناس عليه.
ونشرت الوية الجهاد في «أسباع الكوفة» وفي مختلف مرافقها العامة، تدعو الناس الى اللّه عزّ وجل، وتدين بالطاعة لآل محمد عليهم السلام. وانبعث في الحاضرة المتخاذلة وعي جديد يشبه ان يكون تحسّساً بالواجب، أو استعداداً له.
وكان التثاقل عن الحرب حباً بالعافية أو انصهاراً بدعاوات الشام، قد اخذ حظه من أهل الكوفة وممن حولها.
اما هذا الوعي الجديد الذي يدين لهؤلاء الخطباء المفوَّهين، فلم يلبث أن بعث في كثير من المتثاقلين رغبة، فأثارت الرغبة نشاطاً، فانبثق من النشاط حماس.
ونجحت دعاوة الشيعة الى حد ما، في اكتساب العدد الاكبر من المتحمسين للحرب، رغم المواقف اللئيمة التي وقفها يومئذ المعارضون في الكوفة «ونشط الناس للخروج الى معسكرهم(3)».
ونجحت - الى حد بعيد - في اكتساب الرأي العام، في الكوفة وأسباعها وقبائلها، وفي الضواحي القريبة التي لا تنقطع بمواصلاتها اليومية، عن اسواق الكوفة، وعن مراكز القضاء والادارة فيها.
وكان من براعة خطباء الحسن، انهم أحسنوا استغلال الذهنية المؤاتية في الناس، فبذلوا قصارى امكانياتهم في الدعوة الى أهل البيت تحت ستار الدعوة للجهاد.
وبحّت حناجر الاولياء، فيما يعرضون من مناقب آل محمد ومثالب أعدائهم. ومرّوا على مختلف نوادي الكوفة وأحيائها وأماكنها العامة، ينبهون الناس الى المركز الممتاز الذي ينفرد به سيّدا شباب اهل الجنة اللذان لا يعدل بهما أحد من المسلمين، والى الصلابة الدينية المركزة الموروثة في أهل بيت الوحي، والمزايا التي يستأثر بها هذا الفخذ من هاشم في العلم والطهارة والزهد بالدنيا والتضحية في اللّه والعمل لاصلاح الامة ووجوب المودة على المؤمنين.
ثم ذكروا البيعة وما اللّه سائلهم عنه من طاعة اولي الامر ووجوب الوفاء بالميثاق.
وعرضوا في حماستهم الى الانساب، فاذا هي «مقامة» ظريفة جداً وصادقة جداً ومؤثرة جداً، ملكت الالباب حتى أذهلت وأثارت الاعجاب حتى أدهشت.
ذكروا الحسن ومعاوية فقالوا: أين ابن علي من ابن صخر، وابن فاطمة من ابن هند، وأين من جده رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) ممن جده حرب، ومن جدته خديجة ممن جدته فتيلة ؟؟.. ولعنوا أخمل الرجلين ذكراً، وألأمهما حسباً، وشرَّهما قديماً وحديثاً، وأقدمهما كفراً ونفاقاً، فعج الناس قائلين آمين آمين. ثم جاءت بعدهم الاجيال، فما استعرض هذه الموازنة الظريفة مسلم من المسلمين، الا سجّل على حسابه (آمين) جديدة.
وعملت هذه الاساليب الحكيمة، والخطب الحماسية البليغة عملها وانتشرت - كما قلنا - القناعة بخذلان الشام والثقة بظفر الكوفة.
وفي الكوفة، وهي الحاضرة الجديدة الجبارة التي طاولت أهم الحواضر الاسلامية الكبرى - يومئذ - أجناس من الجاليات العربية وعير العربية ومن حمراء الناس وصفرائها وممن لم يرضهم الاسلام ولم يُجدهم اعتناقه توجيهاً جديداً، ولا أدباً اسلامياً ظاهراً، الا أن يكونوا قد أنسوا منه وسيلته الى منافعهم العاجلة. فكان هؤلاء لا يفهمون من الجهاد اذا نودي بالجهاد الا دعوته للمنافع ووسيلته الى الغنائم. ورأوا من انتشار القناعة بنجاح هذه الحرب، أن الالتحاق بجيش الحسن (عليه السلام) هو الذريعة المضمونة الى استعجال المنافع والرجوع بالغنائم، فلم لا يكونون من السابقين الاولين الى هذا الجهاد ؟.
ولعلك تتفق معي الآن، على اكتشاف الحوافز التي اندفعت تحت تأثيرها «الاخلاط المختلفة» من رعاع الناس الى الالتحاق بجيش الحسن، فاذا باصحاب الفتن، وأصحاب الطمع بالغنائم، وأصحاب العصبيات التي لا ترجع الى دين، والشكاك ومن اليهم - جنود متطوعون في هذا الجيش، أبعد ما يكونون في طماحهم وفي طباعهم عن أهدافه وغاياته.
ولم يكن ثمة في نظم التجنيد المتبعة في التجمعات الاسلامية يومئذ - كما بينا آنفاً - ما يحول دون قبول هؤلاء كجنود أو كمجاهدين، لان الكفاءة الاسلامية، والقدرة على حمل السلاح، هي كل شيء في حدود قابليات المجاهد المسلم.

___________________________________
(1) وروى هذا النص الاربلي في كشف الغمة (ص 161) والبحار (ج 10 ص 110).
(2) ابن ابي الحديد (ج 4 ص 14).
(3) نص عبارة ابن ابي الحديد في الموضوع (ج 4 ص 14).

 


source : www.sibtayn.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

قوله ( ص ) أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة :
القرآن الكريم وأسماؤه
أصول الدين عند الشيعة
الإمام الحسن (ع)
1 شوال عيد الفطر السعيد
براهين إثبات وجود الله
أصل المعرفة في القرآن الكريم
لماذا جاء فی سورة هود جملة { ألا إن عادا کفروا ...
القاضي عبد الجبار وبلاغة القرآن
دعاء وداع الامام الرضا عليه السلام

 
user comment