ولد عام 1967م بمدینة "مولاى إدریس" المغربیة، وترعرع فی مدن المغرب: القصر الکبیر، مکناس، الرباط، وذلک نتیجة الظروف التی کانت تحددها وظیفة والده فی وزارة الفلاحة.
الأجواء التی ترعرع فیها:
نشأ السید إدریس فی أوساط عائلیة وبیئة اجتماعیة منحته منذ البدایة الثقة بالنفس والعقلیة المنفتحة والواعیة نتیجة هیمنة قانون حریة الرأی وحریة الفکر فیها، فکان متحرّراً من کل فکر عقائدی فی بیئته ولم یواجه أی لون من ألوان الأزمة فی الحریة.
السید ادریس الحسینی
فیقول السید إدریس فی هذا المجال: "إننی لم أنشأ فی أسرة تضرب أبناءها اطلاقاً، لأنّ المغاربة لا یعرفون کیف یضربون أبناءهم. وهذه الحریة العقائدیة فی بیتی ساعدتنی على أن أدخل فی معترک الاختیارات الفکریة دون مسبقات".
کما أنّ دولة المغرب بشکل عام کما یصفها السید إدریس بلد یتمتع بمجتمع مدنی، وفیه أن تختار فکراً لا یعنی أن المسألة أصبح لها مدلولا طائفیاً، کما هو الوضع فی بلدان أخرى، بل الکل حرّ فی أن یختار طریقته دون أن یذهب به ذلک إلى الاخلال بالأمن العام.
وفی هکذا أجواء ترعرع السید إدریس متسماً بالعقلیة المتفتحة والناقدة، فنمى لدیه طموح البحث فی الفکر الانسانی عموماً والفکر الاسلامی على وجه الخصوص، وهذا هو الطموح الذی ظل یراوده منذ الصبا والذی دفعه لیجتاز کل العقبات التی اعترته من أجل تحققه.
بدایة الرحلة الجادة فی البحث:
أدرک السید إدریس فی بدایة توجهه للبحث أن لیس ثمة شیء فی الدین إلاّ وله علاقة بالتاریخ، وأنّ ما تملکه الیوم الأمة الإسلامیة من عقائد وأحکام وثقافات کلّها جاءت عن طریق الروایة، فلهذا ینبغی أن یکون التاریخ هو أحد المصادر العلمیة المهمة. فتوجه السید إدریس إلى الأبحاث التاریخیة بصورة موضوعیة ومن دون تحیّز أو تعصّب لاتجاه معین.
مرحلة اجتیاز العقبات:
أول عقبة واجهها السید إدریس فی مسیرته تحذیر بعض العلماء له من البحث فی القضایا التاریخیة القدیمة، محتجین لذلک بأن هذا الأمر باعث على الفتنة وأنه یورث الباحث شبهات توجب تزلزل بنیته العقائدیة.
لکن السید إدریس سرعان ما تمکّن من اجتیاز هذه العقبة، فلم یتقبل هذه الفکرة فیقول فی هذا المجال: "لقد تحوّل البحث عن الحقیقة، فتنة فی قاموس هذا الصنف من الناس، وکأنّهم یرون البقاء على التمزق الباطنی، حیث تتشوش الحقیقة وتغیب، أفضل من الافصاح عن الحق الذی من أجله أنزل الوحی، وکأن مهمة الدین هو أن یأتى بالغموض، وکأن الله عزّوجلّ أراد أن یبلبل الحقائق".
وکانت العقبة التالیة أمامه هی قداسة بعض الشخصیات، لکن بعد عزمه على معرفة الحق أدرک أن الحقیقة أغلى وأنفس من الرجال دون استثناء، وأنّه لابدّ أن یوطن نفسه ویهیئها للطوارىء فی معترک التنقیب عن الحقائق الضائعة. فلهذا لم یفسح المجال لأی قداسة مزعومة أن تجمّد فکره فی مجال البحث عن الحقیقة.
وبهذه العقلیة خاض السید إدریس غمار البحث، واستغرقت رحلة بحثه فترة طویلة عاشها بین أنقاض التاریخ المدفون.
ویقول السید إدریس: "لقد قمت بکل ما یمکن أن یفعله باحث عن الحقیقة، ومصرّ على المضی فی دربها المضنی والوعر".
بدایة تعرفه على التشیع:
یقول السید إدریس: "وقع بیدی کتابان یتحدّثان عن فاجعة کربلاء وسیرة أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب (علیه السلام) ، وکنت لأوّل مرّة أجد کتاباً یحمل لهجة من نوع خاص مناقضه تماماً لتلک الکتب التی عکفت على قراءتها، لم أکن أعرف أنّ صاحب الکتاب رجل شیعی، لأننی ما کنت أتصوّر أنّ الشیعة مسلمون!
فکانت تختلط عندی المسألة الشیعیة بالمسألة البوذیة أو السیخیة!!".
ومن هنا تفتحت ذهنیة السید إدریس فتعرف على بعض أفکار ورؤى التشیع فتبادر إلى ذهنه: لماذا هؤلاء شیعة ونحن سنة.
ویقول السید إدریس: "تحوّل هذا السؤال فی ذهنی إلى شبح، یطاردنی فی کل مکان، فتجاهلت الأمر فی البدایة وتناسیته حتى اخفف عن نفسی مضاضة البحث، بید أن ثقل البحث کان أخف علیّ من ثقل السؤال وأقل ضغطاً من الحیرة والشک المریب".
ومن هذا المنطلق قرّر السید إدریس ولأجل التخلص من هذا الضغط النفسی أن یزوّد فکره بالجدید حتى یحسم مسلماته الموروثة، لأنه أدرک عدم قیمة أفکار تتراکم فی ذهنه من دون أن تبلور عنده أساس عقائدی متین.
فلهذا قرّر السید إدریس أن یتوجه إلى معرفة الفکر الشیعی من أجل الالمام بالفوارق بینه وبین الفکر السنی.
ثمار الانغماس فی التراث الشیعی:
لم تمض فترة قصیرة من دراسة السید إدریس للتراث الشیعی إلاّ وأدرک أموراً خطیرة قلبت عنده الموازین، وکان منها وعیه بأن الوضع السنی لا یجد حرجاً فی أن یملی على اتباعه صورة مشوّهة عن معارضیه وأنّه لا یستحی من الله ولا من التاریخ فی تغذیته نزعة التجهیل والتمویه لمنتمیه.
ویقول السید إدریس: "وفجأة وجدت نفسی مخدوعاً".
وانتفض ضمیره قائلا: "لماذا هؤلاء لا یکشفون الحقائق للناس، کما هی فی الواقع؟ لماذا یتعمّدون ابقاءنا على وعینا السخیف".
فقرّر السید إدریس أن یبحث عن الحق الضائع فی منعطفات التاریخ الإسلامی، وکان من أکبر الأحداث التاریخیة التی ترکت الأثر العمیق فی وجدانه هی فاجعة الطف الدامیة، ومنها عرف أنّ هذا الظلم الذی یشکو منه الیوم لیس جدیداً على الأمة، وأن الظالمین الیوم یسلکون طریقاً أسسه رجالات کانوا یشکّلون حجر عثرة أمام مسیرة الأئمة من آل البیت (علیهم السلام) .
عقبة أحقیة الأکثریة:
یقول السید إدریس: "کنت کلما طرحت سؤالا على نفسی، رأیت شیطاناً یعترینی ویقول لی: دع عنک هذا السؤال، فهل أنت أعظم من ملایین المسلمین الذین وجدوا قبلک، وهل أنت أعلم من هؤلاء الموجودین حتى تحسم فی هذه المسألة" ویضیف: "کنت أعلم أنّ هؤلاء الملایین لم یطرحوا هذا السؤال على أنفسهم بهذه القوّة والإلحاح".
وعلى کل حال لم تکن هذه الاعتراضات بذلک المستوى الذی تردع السید إدریس عن اندفاعه إلى کشف الحجاب عن الحقیقة المستورة.
ولقد حزّ فی نفسه هذه الکثرة الغالبة، حیث أنها کبرت فی عینه وصعب علیه مخالفتها، بید أن شیئاً واحداً جعله ینتصر علیها وذلک بایمانه بأنّ الأکثریة فقط لا یمکنها أن تمثل الحقیقة، ولا یسع فی البحث الموضوعی عدّ الأکثریة ملاکاً لمعرفة الحق، وهذا ما جعله یتمکن من الصمود أمام الأمواج البشریة الهائلة التی لیس لها منطق فی عالم الحقائق سوى کثرتها.
ویقول السید إدریس: "کنت أطرح دائماً على أصدقائی قضیة الحسین [ (علیه السلام) ] المظلوم، وآل البیت (علیهم السلام) ... فأنا ضمآن إلى تفسیر شاف لهذه المآسی... کیف یستطیع هؤلاء السلف "الصالح" أن یقتلوا آل البیت (علیهم السلام) تقتیلا! لکن أصحابی، ضاقوا منی وعزّ علیهم أن یروا فکری یسیر حیث لا تشتهی سفینة الجماعة".
ویضیف السید إدریس: "من هنا بدأت قصة ـ الحرکة نحو الاستبصار ـ وجدت نفسی أمام موجة عارمة من التساؤلات التی جعلتنی حتماً أقف على قاعدة اعتقادیة صلبة. أننی لست من أولئک الذین یحبون أن یخدعوا أو أن ینوّموا، لا، أبداً، لا أرتاح حتى أجدد منطلقاتی، وأعالج مسلماتی، فلتقف حرکتی فی المواقف، ما دامت حرکتی فی الفکر صائبة".
ومن هنا شدّ السید إدریس عزمه لمواصلة طریق البحث مهما کانت النتائج، کما أنّه أدرک بأن هذا الطریق وعر، تتجلى فیه أقوى معانی التضحیة، وفیه یکون الاستقرار والهناء بدعاً. لأنّ أئمة هذا الطریق ما ارتاح لهم بال ولا قرّ لهم جنان، حتى یُتّموا، وذبحوا، وحوربوا عبر الأجیال!
فأدرک السید إدریس مدى قیمة الحقیقة فی حسبان الباحثین عنها، وأدرک مدى الجهد الذی ینبغی بذله لخلع جبة التقلید عن نفسه، واختراق الجدار السمیک من الضلالات والاعراف والتقالید.
فعد لنفسه العدة المطلوبة لهذه الرحلة الفکریة، فکانت نتیجه هذا الجهد الذی بذله فی البحث هو انجلاء تلک الصورة التی ورثها عن الشیعة، وحلّ محلها المفهوم الموضوعی الذی یتأسس على العمق العلمی المتوفر فی الکتابات التأریخیة. کما تبیّن له أن مذهب أهل البیت (علیهم السلام) هو أول مذهب فی الاسلام، وهذا لا یعنی أن الشیعة انفردوا عن غیرهم بطریقة ابتدعوها، ولکنهم احتفظوا بموقعهم الاصیل الذی عُرفوا به، هذا فی الوقت الذی شردت فیه جمیع الملل والنحل، وتفرّقت تبتغی الحق عند غیر أهله.
اتخاذ الموقف النهائی:
یقول السید إدریس: "فی اللحظات التی ظهرت لی الأحداث على حقیقتها، قامت ـ فوراً ـ حرب بین عقلی ونفسی، فالنفس عزّ علیها اقتلاع "ضرس" العقیدة السابقة، والعقل عزّ علیه أن یتغاضى عن الحقائق الواضحة القطعیة، فإما أن أتبع طریقاً موروثاً، وإما أن أسلک سبیل القناعة ونور العقل".
ویضیف: "کان هذا أخطر قرار اتخذته فی حیاتی، لکی انتقل بعدها إلى رحاب التحدیات الفکریة والاجتماعیة".
ومن هنا استقر المقام بالسید إدریس فی هدى الأئمة الأطهار، فأعلن تشیعه فی المغرب ثم هاجر إلى سوریا من أجل الالتحاق بالحوزة العلمیة فی دمشق. فتلقى دراسته الحوزویة على ید جملة من المشایخ والعلماء، ولا یزال متابعاً لدراسته إلى جانب مزاولة التدریس بالحوزة العلمیة، اضافة إلى عمل الصحافة والکتابة الاخرى.
وقد تبلور عند الاستاذ اتجاهین فی رحاب العلم والمعرفة: الأول الاهتمام بالمباحث المعاصرة والجدیدة والحدیثة التی تطرح بکثافة فی ساحة المغرب، الثانی هو الاهتمام بالمباحث الدینیة والمذهبیة التی بدأ یتلقاها على أیدی اساتذة الحوزة العلمیة التی انتسب إلیها.
وقد أبدع الاستاذ فی نتاجاته فی کلا الاتجاهین، فألّف بعض الکتب فیما یخص المباحث الدینیة مثل کتاب لقد شیعنی الحسین، وکتاب الخلافة المغتصبة، والّف جملة من الکتب تدور حول الافکار والرؤى المعاصرة ککتاب: محنة التراث الآخر.
ولقد ارتأینا فیما یخص وقفه مع کتب المستبصرین أن نقف عند کتابین من کتب الاستاذ إدریس الحسینی، أحدهما یرتبط بالکتب التی دوّنها حول المباحث المذهبیة، والثانی یرتبط بالکتب الی دوّنها على غرار الاسلوب المعاصر فی البحث(1).
مؤلّفاته:
1- لقد شیعنی الحسین (علیه السلام) " (الانتقال الصعب فی رحاب المعتقد والمذهب):
صدرت الطبعة الأولى عام 1414هـ ـ 1994م عن دار النخیل للطباعة والنشر ـ بیروت، ترجمه مالک محمودی إلى اللغة الفارسیة تحت عنوان "راه دشوار از مذهب به مذهب" وصدرت الترجمة عام 1416 عن دار القرآن الکریم ـ قم.
یتضمّن هذا الکتاب دراسة موضوعیة حول بعض الأمور العقائدیة التی من خلالها تمکّن المؤلف أن ینتقل من المذهب السنی إلى مذهب أهل البیت (علیهم السلام) .
ویحتوی الکتاب على مقدمة ذکر فیها المؤلف الأهداف التی توخاها من نشره لهذا الکتاب، ثم أعقبها بموضوع حول الرجوع إلى التاریخ وأسباب الحدیث عن الشیعة والسنة. وفی الکتاب ستة فصول متضمنة لمجموعة محاور أهمها:
الفصل الأول: تصوّر المؤلف للتاریخ الإسلامی والخلافة الراشدة.
الفصل الثانی: مرحلة تحول المؤلف وانتقاله الفکری من السنة إلى الشیعة.
الفصل الثالث: اعادة تحلیل التاریخ ودرء جملة من الشبهات المثارة ضد الشیعة والتشیع.
الفصل الرابع: حقائق ورؤى جدیدة من التاریخ حول سیرة الرسول(صلى الله علیه وآله)ووفاته والملابسات التی اعقبت رحیله، وسیرة الخلفاء الذین جاؤوا بعده، ثم ذکر بیعة الإمام علیّ (علیه السلام) وما جرى فی زمن خلافته، ثم التطرّق إلى خلافة الإمام الحسن (علیه السلام) وکیفیة تحوّل الخلافة إلى مُلک، ثم الاشارة إلى ملحمة کربلاء التی کانت سبباً فی تشیع المؤلف.
الفصل الخامس: مفاهیم کشف عنها الغطاء من قبیل مفهوم الصحابی، وشخصیة عائشة بنت أبی بکر، ومفهوم الإمامة.
الفصل السادس: الترکیز على خصائص العقیدة الإمامیة فی ما یخص: الصفات، التفویض والجبر، الرؤیة والبداء.
2- الخلافة المغتصبة" (أزمة تاریخ أم أزمة مؤرخ):
صدرت الطبعة الأولى عن دار الخلیج، والطبعة الثانیة عام 1416هـ عن دار النخیل العربی للطباعة والنشر ـ بیروت.
یحتوی هذا الکتاب على مقدمة ومدخل وثلاثة أبواب وخاتمة:
یتضمن المدخل مجموعة أبحاث منها: حرکة النفاق فی المجتمع الاسلامی; التدابیر النبویة فی ترکیز الأمّة.
وأما الابواب:
الباب الأول: اصطلاح ومفهوم أهل البیت والخلفاء والواقع التاریخی.
الباب الثانی: أزمة تاریخ أم أزمة مؤرخین، نموذج ابن خلدون ومناقشة ما ذکره حول وفاة النبی(صلى الله علیه وآله)، بدء الخلافة، خبر السقیفة، خلافة أبی بکر وعمر وعثمان، ثم ذکر شبهات ابن خلدون والرد علیها.
الباب الثالث: أوهام مقدسة، أضواء على خلافة عمر وخلافة عثمان.
الخاتمة: ذکر الزبدة والنتیجة التی توصل إلیها المؤلف خلال البحث.
3- هکذا عرفت الشیعة" (توضیحات وردود):
صدر عام 1418هـ. عن دار النخیل العربی للطباعة والنشر ـ بیروت.
یحتوی الکتاب على مقدمة وثلاثة أبواب، یتضمّن کل باب مواضیع متعددة، منها:
الباب الأول: تقییم الصاح، عبدالله بن سبأ، القرآن، المتعة.
الباب الثانی: الوهابیة وهوس التکفیر، اصول الدین عند الشیعة الامامیة، القبوریون، القضاء والقدر، البداء، الامام المهدی.
الباب الثالث: الوحدة وامکانیة التقریب، الوجه الآخر للتشیع، اعیان الشیعة.
4- محنة التراث الآخر: النزعات العقلانیة فی الموروث الامامی" صدر عن دار الغدیر ـ بیروت سنة 1419هـ.
وهو بحث ینطلق لصیاغة رؤیة موضوعیة ومتکاملة للتراث الشیعی الذی تعرّض طوال تأریخیه للاقصاء من دائرة التأثیر.
ویتناول الاستاذ ادریس فی هذا الکتاب أربعة حقول وهی: الکتابة التاریخیة وعلم الکلام والحکمة واصول التشریع.
المقالات:
1- فی نقد الاسطورة السبئیة" نشرتها مجلة المنهاج التی تصدر عن مرکز الغدیر ـ بیروت، العدد الثالث ـ خریف 1417هـ ـ 1996.
تتضمّن هذه المقالة نقاش وردّ لما أورده بعض القائلین: بالأصل السبئی للتشیع تلک الخرافة لاتی لم یزیدها تکرار الألسن لها إلاّ انفضاحاً وتهرءاً. وقد رکّز الکاتب نقاشه مع صاحب الکتاب "أصول مذهب الشیعة الاثنی عشریة" ناصر بن عبدالله القفاری.
وقد أورد الکاتب: " وسوف اقتصر فی النقاش على کتاب "اصول مذهب الشیعة..." لجمعة تلک الافتراءات ولاشتباهه فی الکثیر من الامور فی هذا المجال!".
ویذکر الکاتب فی نهایة المقالة د "ان غایة ما نصبوا إلیه، وزبدة بحثنا فی الموضوع، هو العمل على دحض الفکرة القائلة بالأصل السبئی للتشیع.
لقد اکتظت رفوف المکتبات والخزانات بما یخرس الألسنة فی الأصل النبوی للتشیع".
2- الجابری... واللامعقول الشیعی" نشرته مجلة المنهاج ـ العدد الثامن ـ شتاء 1418هـ. ـ 1997م.
والجابری هو الکاتب المغربی صاحب کتاب: "نقد العقل العربی".
جاء فی أحد هوامش المقالة بشأن الجابری: "الترکیز هنا على الجابری لما یسوِّغه، فهو أول مغامر جازف فی قراءة التراث قراءةً لم تسىء إلى المنهج العلمی فحسب، بل تم فیها الترکیز على الشیعة، حتى کان أشد علیهم من السلفیة وأکثر حقداً. فلم یخل کتاب من کتبه هذه من تشنیع على الشیعة وتعریض بهم".
وجاء فی أول المقالة: "الخاصیة التی تتبادر الى الذهن ونحن نقرأ أبحاث د. الجابری حول الفکر الشیعی وتاریخیه السیاسی، هی تلک المحاولة التی لم تقطع من طرائق الجدل، ونعنی بها طرائق الخطاب القائمة على کثرة الاقیسة الناقضة والمصادرات على المطلوب، والمغالطات...، حتى وهی تتستر وراء مناهج ومفایهم، تبدو ـ فی مظاهرها ـ علمیة وبرهانیة، على أنه لا یکفی، فی التحلیل العلمی، إیراد المفاهیم العلمیة هذه التی من الیسیر تحویلها إلى أساس لرؤیة مفارقة، حینما لا نحسن استخدامها أو توظیفها".
3- الانطلوجیا المشائیة فی افق انفتاحها، ومقاربة لنظریة الوجود عند صدر المتألهین الشیرازی .
نشرته مجلة المنهاج ـ العدد التاسع ـ ربیع 1418هـ ـ 1998م.
جاء فی بدایة المقالة: "إذا جاز الحدیث عن تیار وجودی بامتیاز داخل حقل الثقافة الاسلامیة، فلیس هناک من هو أقدر بهذا الوصف من الفیلسوف صدر الدین الشیرازی، المعروف بـ "الملا صدرا" و"صدر المتألهین"; إذ انه جعل إشکالیة "الوجود" مدار فلسفته وانشغالاته المعمَّقة، انطلاقاً من أنّ الوجود هو أشرف الأشیاء عنده. وحتى نکون موضوعیین یجب ان نضع فلسفة "ملا صدرا"، بخصوص إشکالیة الوجود فی إطارها التاریخی، من حیث أنّها مثلت ثمرة عمل لجیل کامل من الفلاسفة. غیر أنّ هذه المسیرة من النظر فی إشکالیة الوجود لم تجد مخرجاً لها إلاّ مع مجیء "ملا صدرا". ونستطیع التحدث عند مذهبیة إمامیة متجانسة ـ باستثناء السهروردی ـ فی مجال البحث الوجودی، تلک التی دشنها الخواجة نصیر الدین الطوسی، وبلغت قمة نضجها مع "ملا صدرا" وأصبحت، بعد ذلک تمثّل وجهة النظر الفلسفیة الإمامیة".
وجاء فی الخاتمة: "إذا جاز أن تنسب نظریة "ملا صدرا" فی الوجود إلى جهة ما، فانما إلى جوهر التصور الاسلامی، الذی یثبت موضوعیة العالم، ویقرّ بحقیقة الموجود، مع التأکید على عالم المثل، غیر الخاضع لقانون الطبیعة، وهو عالم الروح".
4- مع ابن تیمیة فی ردوده على المنطقیین" نشرتها مجلة المنهاج ـ العدد الرابع عشر ـ صیف 1420هـ ـ 1996م.
جاء فی بدایة المقالة: "لیس ابن تیمیة خصماً أشعریاً تقلیدیاً للفلسفة، على غرار أبی حامد الغزالی أو الشهرستانی أو ابن خلدون، أولئک الذین وان وقفوا منها موقفاً سلبیاً، فهم ممّن مارس إحدى کیفیاتها بصورة ما. لکننا الآن أمام حالة فارقة فی عالم النقض على الحکماء والمناطقة، إنه المدعو ابن تیمیة الحرانی، ذلک المحدّث السلفی الذی حمل على عاتقه مهمة الدفاع عن الحدیث، وعقیدة السلف من وجه النظر الظاهریة، وهو موقف صریح وواضح فی انتصاره للسماع، ودحضه للعقل".
وجاء فیها أیضاً: "لقد صنف ابن تیمیة کتابه الشهیر "نقض المنطق" دفاعاً عن أهل الحدیث ودحضاً لمزاعم المتکلمین والفلاسفة وأهل المنطق، طبعاً، وعلى طریقة أهل التجریح من المحدثین، لم یدخر شیخ الاسلام شیئاً من الذم والقدح إلاّ وجاد به فی مصنفه، حیث نعت الفلاسفة بالکفر والزندقة والبدعة...
لقد ربط ابن تیمیة بین المنطق والالهیات. وربما انه جعل المنطق سبیل الالهیات الیونانیة فانه لا مناصة من الحکم بضلال هذه الصنعة المتکلفة وفسادها; فمن "حسن الظن بالمنطق وأهله" ان لم یکن له مادة من دین وعقل یستفید بها الحق الذی ینتفع به، وإلاّ فسد عقله ودینه
5- آفاق النهضة فی الفکر العربی المعاصر وجدلیة العلاقة مع الغرب من منظار نقدی:
نشرتها مجلة البصائر ـ بیروت ـ العدد (10) ـ ربیع 1413هـ ـ 1993م.
جاء فی بدایة المقالة: "اثیرت ولا تزال ـ فی الآونة الأخیرة ـ زوبعة من الاهتمامات بمستقبل العالم فی ظل نظام عالمی جدید. رسم الغرب مبادئه، وحدد آلیاته. مستقبل الحداثة وما بعدها فی عالم متغیر، وفی تاریخ بعید المسار، تحاول الأیدلوجیة اللیبرالیة ـ عبثاً ـ ایقافه أو الاستئثار به، ذلک المستقبل کما یتحدّد فی الرؤیة الغربیة للعالم المعاصر. وفی هذا الافق المختنق بدخان کثیف، یصدر عن ذلک الغرب المستهتر، والممعن فی التفوق والسیطرة، وتلک الشعوب التی خضعت قهراً وتغریراً، لنمط من الارغام والقسر على ثقافة واحدیة، جاءت مع البضاعة الغربیة... فی هذا الافق الضیق المختنق، تعلو احتجاجات، للتأکید على التمیز، ومناهضة الثقافة العالمیة الجدیدة، التی تسیرها أجهزة الغرب، من أجل خلق نوع من المرکزیة الحضاریة، ونبذ التمیز والتنوع. لغایات تسلطیة".
وجاء فی اواخر المقالة: "من أجل التفاعل الحقیقی مع الحیاة، فی انتعاشها المتواصل ستکون الأمة، أمام مسؤولیتین:
أولا: کیف تبعث إسلامها الحضاری من تحت قرون من الانحطاط والتمزق وتجعله یقفز من زمن الانحطاط الى مرحلتنا بعد توقف زمن طویل لم یمارس فیه البعد الحضاری من الاسلام، توقف شل جزءاً هائلا من امکانیات الاسلام الحیویة فی عملیة التفاعل مع الحیاة.
ثانیاً: کیف تواجه الأمّة باسلامها کیانات حضاریة تؤمن بالخصوصیة لنفسها، وتلغیها عن الآخرین، بل وتجعل من خصوصیتها محوراً کونیاً لباقی الشعوب.
6- المقبول واللامقبول فی "اصولیات" روجیه غارودی
نشرته مجلة البصائر ـ العدد (10) ربیع 1413هـ ـ 1993م.
قراءة فی کتاب: "الأصولیات المعاصرة، أسبابها ومظاهرها" لروجیه غارودی، الکاتب الفرنسی المعروف.
جاء فی مقدمة القراءة: "لعل ما یمیز الکتابة عند "روجیه غارودی" هو أنها لیست من جنس الکتابات الاستهلاکیه، ذات الطابع الحرفی إنها انتاج یعکس جهد الباحث المخلص للمعرفة، ویتمیز بالعمق والتحلیل والمتابعة، یضاف إلى ذلک عمق التجربة التی خاضها "غارودی" على طول إحتکاکه بالفکر الغربی، المارکسی والمسیحی، وسعة إطلاعه على الفلسفات القدیمة والحدیثة. ولا تزال الرحلة "الغارودیة" مستمرة إلى أن استقرت راحلتها على واحة العقیدة الإسلامیة حیث باتت تلک هی أرضیته فی کل إبداع یصدره للوجود".
ذکر غارودی أنّ "الاصولیة" التی یتهم الغرب بها الإسلامیین لا تختص بهم، بل هناک "أصولیة" علمانیة غربیة، وأصولیة مسیحیة فاتیکانیة، وأصولیة یهودیة اسرائیلیة، وأصولیة مارکسیه ستالینیه.
وجاء فی قراءة الکتاب عند تعرض غارودی للاصولیة الإسلامیة: "الدخول المباشر فی مناقشة غارودی فی أخطر ثغرة تحلیلیة وجدت فی کتابه وهو حدیثه عن الأسباب الموضوعیة لنشوء الظاهرة الاصولیة فی العالم العربی، تتطلب طرح السؤال عن مدى الجدید الذی اتى به غارودی، فی تقریبه الأخیر، للمسألة الاصولیة، فالتحلیل کان "أعرجاً" من ناحیة التماس الدقة فی المعلومات التاریخیة".
ولخّص الکاتب قراءته لکتاب غارودی بالقول: "لقد تمکّن غارودی من المواجهة الفکریة والسیاسیة للغرب، لکنه اخفق فی محاولته للعبث بأساسیات الشریعة الاسلامیة.. انه الوجه غیر المقبول فی مقاربة غارودی
حوار الحضارات:
صدر عن المرکز الثقافی العربی ـ الدار البیضاء ـ المغرب ـ الطبعة الأولى، عام 2000.
یقول المؤلف فی مقدمة الکتاب: "هذا العمل الذی بین یدی القارىء، محاولة لمزید من التوضیح (حول حوار الحضارات). فالخطر المترتب على الوهم بوجود حضارات متعاصرة یجعل الانهام بالذات المسلوبة الاقتدار، بدایة الکارثة، ما یجعل حواراً بین بین الخواء والعمران، وبین السلب والایجاب، مشروعاً ناجزاً".
ویشتمل هذا الکتاب على الأقسام والفصول التالیة:
القسم الأول: مأزم الحداثة وبؤس آلیات التثاقف.
الفصل الأول: مشکلة الحداثة فی الثقافة العربیة ـ الإسلامیة.
الفصل الثانی: من المدینة الکالفانیة إلى المدینة الإسلامیة.
القسم الثانی: تحریر النزاع فیما بین الحضارة والثقافة من اتصال أو انفصال.
القسم الثالث: انشودة المثاقفة وآفاق الحوار الحضاری بین قمع الحداثة وصرخة الهامش.
الفصل الأول: الوجه الآخر لاطروحة هنتنغتون.
الفصل الثانی: مساءلات فی الحوار الحضاری.
ملحق: مداخلات فی مؤتمر: کیف ندخل حوار الحضارات.
7- المفارقة والمعانقة" سؤال المقابسة فی قرن جدید، رؤیة نقدیة فی مسارات العولمة وحوار الحضارات.
صدر عن المرکز الثقافی العربی ـ الدار البیضاء ـ المغرب، الطبعة الأولى عام 2001م.
یقول المؤلف فی مقدمة الکتاب: "لقد سعینا من خلال هذا العمل إلى ابراز الوجه الآخر للعولمة غیر وجهها البادی الغارق فی المساحیق. نظرنا إلیها بوجدان قلق لا بشبق غریزة. فانتهینا إلى ما انتهى إلیه غربیون من ذوی الرأی والاختصاص والاحتکاک. وهم فی الخندق المتقدم فی مواجهة اجهاضات العولمة... هذا فی القسم الأول. أما فی القسم الثانی فقد تطرقنا إلى موضوع حوار الحضارات وعدنا حینئذ إلى البدایات حتى لا نقف فی مأزق النهایات، مؤصلین ومقاربین للمفاهیم والمحدّدات الأولى. وخالفنا فی ذلک من رام القول بتعدد الحضارات" ویحتوی هذا الکتاب على عدة مواضیع منها:
العولمة والعالم، أعولمة حقاً أم صناعة الحرب؟، العرب والعولمة: التحدی والاستجابة، العولمة الثقافیة کمشروع اختراق، حوار حضارات أم ثقافات، اشکالیة حوار الحضارات وراهنیة العلاقات الدولیة، الموضوعی واللاموضوعی فی النموذج الحضاری.
وقفة مع کتابه: "لقد شیعنی الحسین"
یعتبر هذا الکتاب، تدوین تجربة خاضها الاستاذ إدریس الحسینی فی دائرة الفکر والاعتقاد، لیختار لنفسه المعتقد الذی یفرض نفسه بالدلیل والبرهان، فکانت النتیجة أنه وجد الحق فی غیر ما ورثه من اسلافه.
وفی هذا الکتاب یسجل المؤلف تجربته فی التحوّل من المذهب السنی إلى مذهب أهل البیت (علیهم السلام) فیقول فی المقدمة: "فی تجربتی هذه، لیس هاماً أن أعرّف الناس بشخصیتی، فقیمة الموضوع الذی یتبنّاه هذا الکتاب، أهم بکثیر، هذه تجربتی فی خط العقیدة وأنا مسؤول عنها، لذلک أتوخى لها أن تکون حرّة، طلیقة بلا قیود!".
الفصل الأول: کیف کان تصوری للتاریخ الاسلامی؟
یرى المؤلف أن الأجواء التی عاش فیها، ترکت اسمى التأثیر فی صیاغة اطاره الفکری الذی ینظر من خلاله إلى التاریخ، فیقول: "فمنذ البدایة کانوا قد زرقونی بهذا التاریخ... ونکف إذا رأینا الدم والفسق والکفر، لیس لنا الحق سوى أن نغمض الأعین، ونکف الألسن ـ حین قراءة التاریخ الاسلامی ـ ثم نقول: تلک أمة قد خلت لها ما کسبت...".
ویصف المؤلف هذه الحالة أنها عملیة لجم مبرمجة وقیود توضع على عقل الانسان، قبل أن یدخل إلى محراب التاریخ المقدس: "لقد علمونا، أن نرفض عقولنا، لنکون کائنات "روبوت"، توجهنا کمبیوترات مجهولة، وغلبت السیاسیة على التاریخ، وحولته إلى بؤس حقیقی".
ولکن ما إن سمى وعی الاُستاذ ادریس تحوّل إلى صاحب عقلیة ناقدة لا تقبل شیء إلاّ بعد البحث والتنقیب ومن هنا کانت الازمة التی یصفها بقوله: "ما اثقلها من ازمة على طلاب الحقیقة!".
الفصل الثانی: مرحلة التحوّل والانتقال
یذکر المؤلف فی هذا الفصل قصة استبصاره، ویرى أنّ من أهم الموانع التی کان یضعها أبناء مجتمعه حین مبادرته إلى البحث العقائدی ودراسة احداث صدر الإسلام أنهم کانوا یقولون له: "تلک فتنه طهرنا الله منها، ولیس لنا مصلحة فی استحضارها والخوض فیها".
لکن الاستاذ إدریس یذکر أنه کان یقول: "کیف طهرنا الله منها، وهی ما زالت حاضرة فینا، بعیوبها ومسوخاتها".
وکان یطرح الاستاذ إدریس دائماً على اصدقائه قضیة مظلومیة الإمام الحسین (علیه السلام) یوم عاشوراء، وکان یبحث عن تفسیر شاف لهذه المأساة، ومن هنا بدأت قصة استبصاره! لأنه خلال التفکیر حول هذه القضیة وجد نفسه أمام موجه عارمة من التساؤلات التی جعلته أن یقف حتماً على قاعدة اعتقادیة صلبة، فاندفع لیجدد منطلقاته ویعالج مسلماته!
فیقول الاستاذ: "لم تکن عندی یومها المراجع الکافیة لاستقصاء المذهب الشیعی... ویعلم الله، أننی رسخت قناعاتی الشیعیة، من خلال مستندات أهل السنة والجماعة انفسهم. ومن خلال ما رزحت به من تناقضات".
الفصل الثالث: وسقطت ورقة التوت
یحاول المؤلف فی هذا الفصل أن یعید تحلیل التاریخ، فیتناول المسألة "الشیعیة" من وجهة نظر تاریخیة، ولیس من وجهة نظر مذهبیة، ثم یبحث حول أصل نشوء الشیعة.
فیقول حول ادعاء انتساب التشیع إلى عبدالله بن سبأ: "لیس هذه أول خرافة، تلقى بهذا الشکل "التهریجی على التشیع" بل أخریات من تلکم الشبهات المحبوکة بالأصابع المأجورة والمسیئة، بالترغیب والترهیب الأموی، لابد من الوقوف على هزالها!".
ثم یذکر تهمة فارسیة التشیع ویقول: "لم یکن التشیع من ابداع الفرس إلاّ عند مهرجی التاریخ، والعرب سباقون إلى التشیع، وهم الذین ادخلوه إلى فارس، والدلیل على ذلک، أن معظم علماء السنة الکبار فی التفسیر والحدیث والأدب واللغة... هم من فارس، وبقیت ایران ـ لفترة ـ على السنة الأمویة فی سبّ علی (علیه السلام) ولعنه فی المساجد وعلى المنابر".
الفصل الرابع: من بؤس التاریخ إلى تاریخ البؤس!
یدعو المؤلف فی هذا الفصل إلى الحکم بالوجدان حین قراءة التاریخ، ثم یبیّن سیرة الرسول(صلى الله علیه وآله) مع الترکیز على المحطّات الحساسة التی یعتبرها مفتاحاً لفهم الظاهرات التی شهدها التاریخ الإسلامی فیما بعد.
ثم یوضّح أن المؤامرة على الرسول(صلى الله علیه وآله) قد بدأت بعد الفتح، حیث حاول المنافقون الذین کانوا یشکلون جزءً من المجتمع الإسلامی أن یغتالوا الرسول(صلى الله علیه وآله وسلم) فی اللحظات التی توفرت لدیهم فیها الفرصة.
ویطرح المؤلف مسألة الوصایة والخلافة، فیقول: "إن المشروع الرسالی فی عصر النبی(صلى الله علیه وآله) یقتضی الإهتمام، ولفت الأنظار لذلک الامتداد القیادی لرسالة الإسلام، حتى لا یطرأ على التصوّر المناوىء أن المشروع النبوی، مشروع وقتی ینتهی بانتهاء صاحبه.
ولم یکن من منطق الرسالات السابقة أن تغیب هذه المسألة المتصلة بواقع الرسالة الإسلامیة ومستقبلها المصیری".
ویخرج المؤلف فی نهایة المطاف بهذه النتیجة: "إنّ الأصل فی القیادة، هی الوصیة، ولم تکن الشورى، سوى تبریر تاریخی لما وقع فی سقیفة بنی ساعدة. إذ أن التاریخ یفضح حقیقة الشورى التی اعتمدوها فی السقیفة. بل أنّها ـ أی الشورى ـ اثبت "بؤسها" فی انتخاب صیغة الحکم، وفی خلق الممانعة الشرعیة والمطامع النفسیة والقبلیة التی کانت سائدة یومها ولیس من السهولة التغاضی، عما وقع حول الخلافة من خلاف وتضارب!".
ثم یثبت المؤلف بأنّ النبیّ(صلى الله علیه وآله) أقام علیّاً (علیه السلام) کمؤازر ووزیر ووصی، ثم یستنطق التاریخ ولیکشف عن اعماقه فیذکر عدّة مواقف نصّب فیها النبیّ(صلى الله علیه وآله) علیّاً کوصی وخلیفه من بعده، منها: حدیث الدار، والمؤاخاة، وحدیث غدیر خم و....
ثم یقول: "إن الرسول(صلى الله علیه وآله) لم یکن ـ حاشاه ـ غافلا عن قیمة الخلافة والاستخلاف، وکانت خطبة الوداع، برنامجاً لهم، یقیهم عثرات المستقبل، واکّد فیها على آل بیته (علیهم السلام) وولّى فیها الإمام علیّاً (علیه السلام) ... وحذّرهم من مغبّة التجاوز للنص ابتغاء الرأی والباطل، کما حذّرهم من مغبة التضلیل والردة والافتتان. ذکر الیعقوبی فی تاریخه: "لا ترجعوا بعدی کفاراً مضللین یملک بعضکم رقاب بعض إنی خلفت فیکم الثقلین ما إن تمسکتم به لن تضلوا، کتاب الله وعترتی أهل بیتی"، ثم أمر الناس بالالتزام بما أعلنه واودعه فیهم قائلا: "إنکم مسؤولون فلیبلغ الشاهد الغائب"(2).
ملابسات وفاة الرسول(صلى الله علیه وآله):
اشار الاستاذ إدریس الحسینی فی هذا الخصوص إلى جملة من الأحداث التی وقعت اثناء مرض الرسول(صلى الله علیه وآله) واحتضاره وبعد وفاته، وخص بالذکر الأحداث التی خلفت وراءها محناً سیاسیة واجتماعیة رهیبة. منها: تجهیز الرسول لجیش أسامة بن زید، وتخلّف بعض الصحابة عن تلبیة أمره، ووقوف عمر موقفاً قمعیاً حینما حال بین الرسول(صلى الله علیه وآله) فی مرضه والکتابه، وقوله "حسبنا کتاب الله".
وأمّا بعد وفاة الرسول(صلى الله علیه وآله): "فبقى(صلى الله علیه وآله) جثة هامدة بین یدی آل البیت، یغسلونه، فی الوقت الذی راح الآخرون یتطاحنون على حق محسوم بالنص واستغلالا للظرف، ورکوباً لفرصة غیاب الإمام علیّ (علیه السلام) وآل البیت".
وفیما یخص مقولة عمر بعد وفاة النبیّ(صلى الله علیه وآله): "إن رجالا من المنافقین یزعمون أن رسول الله(صلى الله علیه وآله) توفی وإنه والله ما مات ولکنه ذهب إلى ربّه کما ذهب موسى بن عمران..." یذکر المؤلف: إنّ عمر لم یکن یجهل وفاة الرسول(صلى الله علیه وآله)، ولم یکن یجهل الآیة التی تلاها علیه أبو بکر بعد مجیئه وهی قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَئِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَـبِکُمْ) (3)، بل کان غرضه من اثارة هذا الموضوع، هو أن یصرف الناس عن التفکیر بأمر الخلافة، حتى یربح الوقت لکی یأتی أبو بکر وتتم العملیة.
ثم یذکر احداث السقیفة واللعبة التی لعبها أبو بکر وعمر وأبو عبیدة من أجل الوصول إلى مآربهم.
عصر ما بعد السقیفة:
یرکّز المؤلف فی هذا الخصوص على المحطات المهمة بعد السقیفة، ثم یورد المشاکل المعقدة التی افرزها واقع السقیفة، منها:
1 ـ منع فاطمة الزهراء(علیها السلام) من میراث ابیها لفدک وموقف الزهراء ازاء ذلک.
2 ـ دخول أبی بکر فی معرکة مع المسلمین واتهامهم بأهل الردة، ذلک لمنعهم اعطاء الزکاة له .
3 ـ استبداد أبی بکر فی تنصیبه عمر بن الخطاب من بعده رغماً عن المسلمین وتحدیاً لحریاتهم وتسفیهاً لمقاماتهم الکبرى .
ویقول: "الکل یحاول أن یرسم عمر بن الخطاب فی صورة اسطوریة کما شاءها له مناوئو بنی هاشم، حتى یغطّوا بدخانها الکثیف فضائل البیت العلوی! بینما الواقع أن عمر بن الخطاب لم تکن له مؤهلات الخلافة النفسیة والاجتماعیة".
ثم یقول: "إن سلبیات عمر التاریخیة، ونوادره فی السلوک السیاسی والاجتماعی والفقهی لم ینسها التاریخ، ومن تلک النوادر:
1 ـ سطحیته السیاسیة:
ـ ویسرد المؤلف اثباتاً لهذا الأمر شواهد کثیرة ثم یقول: فملخص القضیة أن عمر راح ضحیة قشریته السیاسیة، إذ رکز على علیّ (علیه السلام) وشیعته، وأرخى اللجام للزمرة الأمویة ـ.
2 ـ القمع الاجتماعی:
ـ إنّ عمر بن الخطاب لم یکن رجلا مذکوراً، عند العرب، ولم یکن له وزن قبلی یثبته ولا سند من الأنساب یسنده. لذلک کان یحاول الانتقام من خلال الخلافة، لیس من أجل کسب ما ضاع منه، وإنما من أجل الانتقام من الأمراء واصحاب الرفعة والشرف ـ.
3 ـ الشذوذ الفقهی:
یؤخذ على عمر بن الخطاب، أنه خلافاً لما یدعی مؤرخو البلاط، رجل عدیم الملکة الفقهیة، ولیس هذا فحسب، بل متجرىء على الفتوى فکان یأتی بالنوادر، متجاوزاً کل النصوص. یقول ابن أبی الحدید: "وکان عمر یفتی کثیراً بالحکم ثم ینقضه، ویفتی بضدّه وخلافه..."(4).
کما اعترف عمر غیر مرة بقصوره الفقهی أمام جمهور المسلمین، وشاع عنه قوله: "کل الناس افقه من عمر"".
الخلافة بعد وفاة عمر:
یقول الاستاذ إدریس فی هذا الصدد: "دخلت الخلافة فی المشهد الثالث من لعبتها، لتفضی ویفضی معها الاختیار الأرعن إلى اسوأ وضع عرفته الأمة وإلى أول اهتزاز سیاسی شهده المجتمع الاسلامی".
ویرى المؤلف أنّ الاطروحة التی قدمها عمر لتعیین الخلیفة من بعده، کانت لعبه متقنة، ثمّ یتساءل: هل إن عمر هو الذی رأى أن الأمر بعد الرسول متروک للمسلمین ینظرون فیه؟ إذن لماذا لم یترک للناس حریة النظر فی شؤون الأمة؟ ثم لماذا یلزم المرشحین الستة بمخططه ویقضى بقتل من خالف؟
ویجیب على هذه التساؤلات: إنّ عمر بن الخطاب کان یمهد منذ البدایة لخلافة عثمان، ولکن الحرص على إحضار الستة له أسبابه التکتیکیة. لقد حاول عمر من خلال هذا الترتیب أن یظهر للناس من بعده، أن علیّاً (علیه السلام) على الرغم من حضوره، فإنه لم یستطیع الفوز بها لعدم جدارته، ورفض الناس له، وبهذا سیسلب منه ورقة الخلافة ویسقطه سیاسیاً، کما أنه أراد أن یسقط معه مناوئیه القدامى وهما طلحة والزبیر، وما وجود سعد بن أبی وقاص وعبد الرحمن بن عوف سوى لتحقیق التوازن فی المخطط، لیفضی الأمر فی نهایة الجولة إلى عثمان بن عفان".
عثمان أو الفتنة الکبرى:
یرى المؤلف أن الخلیفة الثالث عثمان صنیعة وضع هو فی حدّ ذاته مسلسل لواقع التآمر التاریخی على عصبة بنی هاشم، وأن عثمان کان ضعیف الشخصیة، لا یقوى على اتخاذ القرار ولا على الصمود فی العدل بین العامة والأقرباء.
ولهذا استفز عثمان بسیاسته المسلمین جمیعاً، لأنه سلک منذ البدایة نمطاً من الخلافة العشائریة حیث حمل بنی أمیة على رقاب الناس، فادى ذلک إلى انفجار ثورة شعبیة عامة أدت إلى مقتله.
ویصف الاستاذ إدریس هذه الثورة: "لقد کانت حقاً ثورة من أجل تثبیت العدالة الاجتماعیة من جدید، ثورة شارکت فیها کل فصائل المعارضة فی المجتمع، بکل همومها وأهدافها، فکل الناس قتل عثمان وما من صغیر وکبیر إلاّ ونقم علیه.
ثم یتساءل: لکن هل استطاعوا ارجاع الأمور إلى نصابها، هل قضوا فعلا على النفوذ الأموی؟
فیجیب: إنهم لم یفعلوا سوى أن صنعوا المنعطف الآخر، لیدخل التاریخ الإسلامی، إلى حقبة الاضطرابات الکبرى، فنفوذ بنی أمیة أوسع وأعمق وأقوى من أن تزیحه ثورة فقراء، وسنین من الخلافة مضت کان فیها بنو امیة على یقظة فی بناء قدراتهم.
ثم یضیف: إنّ قتل عثمان قوّاهم بدلا من أن یضعفهم، وما أن قتل عثمان، حتى اکفهَّر التاریخ عن وجوه ذمیمة، طالما بیّتت النفاق، مقتل عثمان کان مدخلا لفهم حقیقة التاریخ الاسلامی!".
بیعة الامام علی (علیه السلام) :
یرى المؤلف أنّ المؤامرة ضد الإمام علیّ (علیه السلام) اصطدمت مع التاریخ، ولم یبق أمام الناس سوى الرجوع إلیه، وکان لابد أن یکون للمؤامرة سقف تقف عنده، وکان هذا السقف هو یقظة الجماهیر المسلمة على اثر مقتل عثمان.
ولکن الإمام علیّ (علیه السلام) واجه فی حکومته بیئة تحکمها الامتیازات الطبقیة، فتقدّم لیرفع صخوراً ثقال، إلى سماء الروح لیعطی للجمیع حقه، فلهذا سخط علیه من الذین اعتادوا على الاستئثار، فانحاز هؤلاء فی النهایة إلى معسکر الآخر: معسکر بنی امیة، حیث یجدون فیه تحقیقاً لأطماعهم.
ولذلک دخل الامام علیّ (علیه السلام) فی معرکة تاریخیة مع فئتین احداهما إقطاعیة والاخرى فقیرة انتهازیة.
ومن هذا المنطلق وقعت حرب الجمل وهی الحرب التی کانت تلقائیة، تخططها عقول ارتجالیة وتقودهم امرأة ضعیفة العقل، ثم تلتها حرب صفین نتیجة محاولة الإمام علیّ (علیه السلام) لعزل معاویة من الحکم مهما کانت مضاعفات هذا الاجراء، ثم وقعت حرب النهروان نتیجة سذاجة البعض ومخالفتهم لما ارتآه الإمام علیّ (علیه السلام) من موقف ازاء معاویة فی الظروف الحرجة التی کانت تحیطه والتی دفعته للتمسک بجعل الحکمین فیما بین جماعته وفئة معاویة.
ثمّ یستمر المؤلف بسرد أهم الأحداث التاریخیة التی صاغتها ایدی المخالفین للوقوف بوجه الحق، فیذکر ما حدث فی خلافة الحسن (علیه السلام) والمؤامرة الکبرى لقتله (علیه السلام) ، ثم مبادرة معاویة لتغییر الخلافة إلى ملک، ثم دخول یزید إلى معمعة السلطة مما أدى إلى وقوع ملحمة کربلاء، ویذکر المؤلف عمومیات مختصرة حول المشهد الدراماتیکی لملحة کربلاء کما اتفقت علیها تواریخ المسلمین، ثم یبین استنتاجاته التی ادت به إلى التشیع والانتماء إلى مذهب أهل البیت (علیهم السلام) .
الفصل الخامس: مفاهیم کُشف عنها الغطاء
یختار المؤلف فی هذا الفصل مفهومی الصحابی والإمامة، فیکشف فی الأول عن السلوک السیاسی والاخلاقی للجماعة التی سمیت بالصحابة، فیذکر نماذج منهم: أبو بکر، وعائشة، فیجعلهم فی المیزان.
ثم یخرج بهذه النتیجة: لیس کل الصحابة عدول، ویبین أن الرسول(صلى الله علیه وآله) ذکر بأن بعض الصحابة سیرتدّون على اعقابهم.
وأما بالنسبة إلى مفهوم الإمامة، فیورد بحثاً کاملا حوله وحول ضرورته وصفات الإمام وافضلیته وعصمته و...
الفصل السادس: فی عقائد الإمامیة
یبین المؤلف فی هذا الفصل کیفیة ظهور علم الکلام، فیقول: "لقد ظهر علم الکلام على أثر الأحداث التی تلت وفاة الرسول(صلى الله علیه وآله) إذ أن أمواجاً من التحدیات الفکریة والفلسفیة التی وردت على المسلمین من البلدان المفتوحة، کانت تفرض على المسلمین الاهتمام بالکلام، لإثبات عقیدتهم اثباتاً عقلیاً یلزم حتى الخارجین عن الاسلام".
ثم یرکّز الاستاذ إدریس على بعض مباحث علم الکلام، منها: التوحید والصفات، العدل الالهی، الرؤیة والتجسیم، فی کلام الله والبداء، فیستعرض فی کل من هذه الخصائص بایجاز وجهة نظر کل من الفرق الثلاثة: الشیعة، المعتزلة، الاشاعرة، ویذکر الأدلّة التی دفعته للاقتناع بآراء مذهب أهل البیت (علیهم السلام) .
ویلخّص الاستاذ إدریس الحسینی فی نهایة الکتاب رحلته السریعة فی رحاب المعتقد قائلا: "نعلن أهمیة الرجوع إلى أصل المعتقدات لإعادة بناء القناعة، على أسس علمیة دقیقه، بعیداً عن ذوی التقلید".
ثم یضیف: "إننی لم أتذوق حلاوة العقیدة إلاّ فی ظل هذه الجولة وفی ضوء تلک الرحلة".
وقفة مع کتابه الآخر: "محنة التراث الآخر"
إنّ من أهم القضایا التی قد أولاها المسلمون الأهمیة الکبرى فی زماننا المعاصر، هی السعی من أجل تشیید منهج متکامل لحلّ الأزمة الفکریة التی یعانی منها المجتمع فی یومنا هذا.
وکان من جملة الأبحاث التی طرحت فی هذا المجال على طاولة البحث هی صیاغة رؤیة واضحة ومتکاملة للتراث الذی واجه على مرّ العصور مختلف أشکال النفی والالغاء.
وقد خصّص الأستاذ إدریس هانی جزء من وقته للبحث فی هذا المجال من أجل غربلة التراث وفرز الصحیح والنقی منه وطرح الباطل الذی تراکم علیه بمرور الزمان.
ودعت شمولیة البحث واتباع الموضوعیة أن یوسع الاستاذ دائرة بحثه ولا یقتصر على التراث الرسمی الذی نال مشروعیته من الحکومات ورجال السیاسة، فتناول فی هذا المجال التراث الآخر غیر الرسمی.
وقد ارتأى البحث عن الموروث الإمامی الذی تعرّض على مرّ العصور لأشدّ ألوان الاضطهاد والمحاربة.
الدافع للنظر فی دفائن التراث:
یذکر المؤلف أنّ من أهم الأسباب التی دفعته للخوض فی مغامرة استکشاف التراث هی مفاجئته بالکم الهائل من القراءات التی اجتاحت حقل التراث، والتی شرعت فی اقامة الحدّ علیه بسوط الحداثة کما استضعفته تحت سلطة خطاب مناهج شتى.
فیقول الاستاذ: "آنئذ عزمنا على اقتحام هذا المعترک، عنوة ـ لا خلسة ـ، کی نساهم قدر الوسع، بجهدنا الذی لا یسمح لنفسه بأکثر من العمل فی إطار مشروع محاولة للفهم، وتقریب ما تعذّر استیعابه من قبل الناظرین فی دفائن التراث، أو ما استنکفوا عن مقاربته، لأسباب، ما زلنا نصرّ على أنها غیر موضوعیة وغیر نزیهة، البته!".
ثم یعترف المؤلف: "إننا لا ننکر أنّ الحداثة، بغض النظر عن انشقاقاتها وخلافاتها، ظلت قضیة فارضة نفسها على عالمنا العربی بمنظومته الفکریة والقیمیة".
ثم یضیف المؤلف: "أمام هذا الوضع، کیف نستطیع الظفر بفهم شمولی وتکاملی للتراث؟ وما هو السبیل إلى بلورة وعی تاریخ عربی، ینزهنا عن هذه النزعات المؤثرة على البحث التاریخی وآلیات النظر فی وقائعه؟".
ثم یذکر المؤلف نماذج متعددة من اطروحات قراءة التراث لجملة من الشخصیات، منهم: حسین مروة، حسن حنفی، ارکون، الجابری، وصرّح بأنّ هذه النماذج تمثل الخیارات البارزة على صعید التفکیر العربی المعاصر.
مشروع المؤلِّف فی الکتاب:
یذکر المؤلف فی صدد ما یرید العمل على ابرازه فی هذه المناسبة، فیقول: "تأتی محاولتنا هذه، من أجل تقدیم صورة عن الآخر المقصی، فی صمیم موروثنا الثقافی والتاریخی، وقد اخترنا نموذجاً من التراث ـ کتأطیر اجرائی للبحث ـ: الموروث الإمامی".
واختار المؤلف المجال الأول هو "الکتابة التاریخیة"، ثم انتقل إلى مجال "علم الکلام، فاستحضر أهم الاشکالیات المطروحة، فأوضح ما به امتیازها وما هو من مختصات النظر فی الخطاب الکلامی الامامی، وفی الحقل الثالث، یتطرّق المؤلف إلى مجال الحکمة، فیقدّم نموذجاً لهذه الحکمة من خلال الفیلسوف الشیرازی صدر المتألهین. وأمّا الحقل الرابع فیتعلق بمجال اصول التشریع، حیث تتبع المؤلف تاریخیة التأصیل وآلیات الاشتغال الفقهی وبیّن مواقع الخصوصیة والتمییز فی مسار النظر الفقهی الإمامی.
الفصل الأول: الکتابة التاریخیة
ذکر المؤلف فی بدء هذا الفصل اشکالین یرتبطان بنقد الخطاب التاریخی العربی وهما: أولا: کیف نقدّم فهماً معقولا وواقعیاً لأحداث الماضی، والثانی: کیف یمکن تخطّی أزمة العقل العربی وتخلّفه التاریخی.
ثم ألحق المؤلف بهذین الاشکالین سؤالا آخر وهو: هل أزمة الخطاب التاریخی العربی، ظاهرة لازمة لهذا الخطاب من حیث هو عربی، أم أنها تتعلّق بالخطاب التاریخی بصورة عامة.
ومن هنا بدأ المؤلف بحثه فقال حول استطاعة التاریخ الظفر بعلمیته: "إنّ الخطاب التاریخی العربی یشکو أکثر من أی قطاع معرفی آخر شدة الفقر العلمی، لأنّه صورة عن الماضی قد تمّ تبینها على هوى المؤرخ".
ثم میّز المؤلف بین التاریخ والاسطورة، ویذکر أنّ التاریخ هو علم حقیقی بالماضی، وأن الاسطورة هی تأمل تخییلی لا زمانی ولا مکانی.
وأمّا ما یخص العرب والمسلمین فی مجال الکتابة التاریخیة، قال المؤلف: "إنّ مشکلتهم تکمن فی کونهم حوّلوا هذه الممارسة الموضوعیة إلى وظیفة لترکیز ایدیولوجیا ما أو اثبات الشرعیة لکیانات سیاسیة مختلفة".
وقال المؤلف فی هذا الصدد: "التاریخ العربی قتلته السیاسة، لذا جاء مجزءاً ومتلبّساً، بناء على تجزئة الخریطة السیاسیة والمذهبیة التاریخیة للعرب والمسلمین. فالمؤرخ، بالدرجة الأولى رجل منخرط فی الصراع السیاسی، لأن قطاع المعرفة کلّه بید البلاط، ولا حدیث حینئذ عن استقلال المؤرخ! وحینما لا یستقل المؤرخ لا یستقل التاریخ، هکذا ورثنا تاریخاً عربیاً متناقضاً ومتمذهباً ومنمطاً.
ومن هنا تطلب الموقف أمام التاریخ هو ضبط الرجال وابتکار علم جدید یُعنی بأحوال الراوی فقال المؤلف فی هذا المجال: "غیر أن التجربة الاسلامیة انتهت إلى نوع من التجزئة السیاسیة والمذهبیة، جعل مفهوم الثقة ذاته یخضع لمعاییر ذلک التشطیر المذهبی".
نماذج الکتابة التاریخیة العربیة:
یعرض المؤلف فی هذا الخصوص أولا ابن جریر الطبری، ویذکر أن السبب الذی مکّنه من الاستئثار بالریادة على صعید الکتابة التاریخیة العربیة هی أن الطبری لم یکن مؤرخاً خالصاً، بل هو قبل کل شیء فقیه ومحدّث وقاضی، وهذا ما ساعده على انجاز مدوّنته الأخباریة الشاملة على أساس اسلوب "الاسناد" الذی ظل یمثل المنهج الأکثر أهمیة لدى المحدّثین.
ثم یذکر المؤلف ابن کثیر ویقول عنه أنه مارس التاریخ بدافع اعادة بناء الحقیقة القدسانیة کما یتصوّرها السلفی، وهی التی تجعل من الانتصار للمذهب غایتها القصوى.
ثم یقارن المؤلف بین الطبری وابن کثیر فیقول: "الطبری قد یضحی بالنص من أجل الوصول إلى الوفاق، فی حین نجد ابن کثیر یضحی بالوفاق من أجل تحدید موقف السلف".
ثمّ یقول: "وکلاهما قد یضحی بالحقیقة من أجل بلوغ غایة ایدیولوجیة ما!".
ثم یذکر المؤلف نموذج آخر، وهو ابن خلدون، ویصف نمط کتابته للتاریخ بـ: "التاریخ المتسیس"، وهو نوع من الکتابة التاریخیة، تنطلق من داخل الظروف والملابسات السیاسیة.
الآخر الامامی، فی ضوء الرؤیة "المللیة":
یستعرض المؤلف فی هذا المقطع رؤیة معظم الفرق الاسلامیة حول التشیع، فیقول: "إن معظم أصحاب الملل والنحل تعتقد بأن التشیع ظل محلا للبدع ومأوى للضلالات الوافدة عبر الترجمة أو بواسطة الاحتکاک بالفلسفات الإغریقیة والتیار الغنوصی والهرمسی.
ثم یقول المؤلف: لکن وعلى الرغم من الهجمة الواسعة التی ساهم فی تعمیقها جمهرة من العلماء، وأیضاً الخلفاء، الذین احتفظوا بعدائهم الشدید للشیعة، نجد الشیعة تمکّنوا من الاستمرار فی الوجود باصرار نادر وعزیمة فذّة".
الإمامیة فی المقروئیات الاستشراقیة:
یذکر المؤلف تحت هذا العنوان نماذج من المستشرقین من قبیل: فلهوزن، ودوزی، وجولد زهیر، ولوی ماسینیون، وکوربان، ثم یورد آراءهم حول الشیعة والتشیع، ویقوم بعد ذلک بتحلیل سرد الأسباب التی دعت هؤلاء إلى اتخاذ هذه الرؤیة حول الشیعة والتشیع، ویبین کیف أنّ جملة منهم اکتفوا بملامسات سطحیة کان لها أثر على تحلیلهم فی هذا المجال، ویذکر اسماء من توجهوا إلى البحث الموضوعی والانصاف فی کتاباتهم حول الشیعة والتشیع.
الجابری واللامعقول الشیعی:
یورد المؤلف تحت هذا العنوان بحثاً موجزاً حول موقف الجابری من الفکر الشیعی، فیقول: لم تکن محاولة الجابری سوى عملیة لتحیین ذلک الصراع التقلیدی، الذی یتم فیه الانتصار لعقلانیة فانتازیة، تجد إطارها فی ظاهریة ابن حزم وسلفیة ابن تیمیة".
ثم یذکر المؤلف حول السبب الذی دفع الجابری لاتخاذ هذا الموقف قائلا: "وحینما نعود إلى جملة المصادر التی اعتمدها الجابری فی تناوله للفکر الشیعی، وهی العملیة التی ستکشف، لیس فقط، عن عجز فی الاستیعاب، بل، وهو الأخطر من ذلک، عن عجز فی الفرز بین مختلف الفرق الشیعیة".
ثم قام المؤلف بالرد على جملة من وجهات نظر الجابری الحادة بالنسبة للفکر الشیعی، وبادر إلى تفنید مزاعمه التی ذکرها فی جملة من کتبه.
الفصل الثانی: علم الکلام
یذکر المؤلف فی بدء هذا الفصل أن معرفة أصول الاعتقاد عند الإمامیة، مقدمات ضروریة ـ عقلانیة وعرفانیة ـ ممّا یجعلنا نؤکد على أن التشیع فی کلیته ینطوی على رصید فلسفی وعرفانی کامن فی ثنایا أکثر نصوصه وتعالیمه!
ثم یذکر المؤلف مبحث الحسن والقبح العقلیین، ویعتبر هذا المبحث فی علم الکلام من أکثر المباحث أهمیة وأغناها مضموناً، فطرحه على طاولة البحث مع ذکره لآراء الاشاعرة والمعتزلة فی هذا المجال، ثم اتبعه بمبحث التوحید، ثم العدل الالهی، ثم القضاء والقدر، ثم عقیدة الجبر والاختیار، ثم البداء وقدم القرآن.
وذکر فی کل من هذا المباحث العقیدة الإمامیة واقوال فقهاء ومتکلّمی الشیعة فیها، وموقف أهل السنة منها وردود فعل باقی الفرق منها، والفهم الخاطىء الذی تلتقه بعض الفرق من الطرح الشیعی، وقد ألحق بکل من هذه الأبحاث الأدلة التی دفعت الشیعة لما ذهبوا إلیه، کما قام فی بعض المباحث بدرء بعض الشبهات المطروحة حول تلک المواضیع.
الفصل الثالث: الحکمة
یطرح المؤلف فی بدایة هذا الفصل موضوع، التفکیر الفلسفی عند الإمامیة، فیقول: "إنّ الامامیة ظلوا ـ على الرغم من النبوغ الفلسفی لعدد من أبنائهم ـ المدرسة الشیعیة الوحیدة التی لم تقطع صلتها بموروثها الإمامی، الشیء الذی جعلها حقّاً، رائدة فلسفة إسلامیة، خالصة". ثم یقول المؤلف: "لم تکن معالم الفلسفة الامامیة قد انتظمت قبل مجیء نصیر الدین الطوسی خارج اطار علم الکلام; الذی وجد فیه الإمامیة مجالا خصباً لبلورة معقولهم، وقد ظل موقفهم من الفلسفة محکوماً بنوع من التردّد والحذر... غیر أن الإمامیة سرعان ما اقتحموا مجال الفلسفة من أوسع أبوابه".
ثم ذکر المؤلف جملة من الأسماء الشیعیة اللامعة فی سماء الفلسفة، منها: نصیر الدین الطوسی، السهروردی، حیدر آملی، الشیخ زین الدین الأحسائی، میرداماد، ملا صدرا الشیرازی، وملا هادی السبزواری.
ویقول المؤلف: "إنّ الفیلسوف الإمامی قبل کل شیء أو بعد کل شیء، هو فقیه ومتشرّع مهما بلغ مقدار تخصصه الفلسفی".
ثم یصرح المؤلف: "لقد نجح الإمامیة فی أن یزاوجوا ـ فعلیاً ـ بین الفلسفة والشریعة... کما أن الفقه ظل عنصراً أساسیاً حتى لدى أولئک الذین غاصوا فی الفلسفة إلى الاعماق".
ثم یسلط المؤلف الضوء على الموقف الإمامی الآخر قبال الفلسفة، فیقول: "غیر أننا سرعان ما نفاجأ بموقف إمامی آخر، یستدعی منا وقفة خاصة، وهو موقف خصوم الفلسفة، تلک الظاهرة التی لا یخلو منها مذهب من المذاهب الدینیة والفکریة".
ویعتبر المؤلف أنّ الموقف الإمامی المعادی للفلسفة یمثّله فریق من الأخباریة، لکنه یقول: "إنّ الذین حاربوا الفلسفة من الإمامیة، لم یتنکّروا للعقل الذی ناصرته الفلسفة، بل أنّهم وضعوا جملة من المحاذیر حول الفلسفة، لکی لا تکون بدیلا عقدیاً، یغنی عن تعالیم الوحی، فضلا عمّا کان یروجه الفلاسفة من أفکار تناقض فی ظاهرها ـ وربما ایضاً فی حقیقتها ـ مفهوم التوحید ومصیر النفس الانسانیة".
ویرى المؤلف أن موقف خصوم الفلسفة الإمامیة: "لم یکن موقفاً جذریاً من النظر الفلسفی، إلاّ من حیث کونه ظل مأوى للوافد الأجنبی من الثقافات والأفکار الیونانیة والفارسیة القدیمة، لقد حاربوا ـ إذن ـ موقفاً ایدیولوجیاً داخل الفلسفة، ولیس جوهرها من حیث هی موقف متسائل من العالم".
صدر المتألهین الشیرازی:
یحاول المؤلف بعد ذلک أن یتعرّض بصورة موجزة إلى معالم الفلسفة الإمامیة، فیما یتعلّق بمباحث الوجود ونظریة المعرفة، من خلال اسم بارز، هو الفیلسوف الشیرازی المعروف بصدر المتألهین.
فیقوم المؤلف فی البدء بذکر نبذة من حیاته، والفترة التی قضاها فی تحصیل العلوم، ثم المضایقات التی لاقاها من قبل الفقهاء والعداوة التی کان کثیراً ما یقدحها الکیان السیاسی ویؤججها صخب العامة.
ثم یطرح المؤلف جملة من آراء ووجهات نظر ملا صدرا، فیقول: "یعتبر ملا صدرا تحصیل المعارف والمباحث الفلسفیة، لا فائدة منه على صعید تملک الحقائق، فهی لیست سوى أدواة لشحذ الذهن وتقویته، لإذکاء الانتباه وحصول الشوق إلى الوصول، إنها بالتالی مما یعد الطالب لسلوک سبیل المعرفة، والوصول إلى الأسرار إن کان مقتدیاً بطریقة الأبرار".
ویضیف المؤلف: "لقد استطاع الشیرازی حقاً أن یقحم عنصراً أساسیاً، لا نکاد نجد له نظیراً عند اسلافه، ألا وهو "المنهج" الذی حاول بواسطته، ایجاد تخطیط جدید للمباحث الفلسفیة، وخلق صیغ ناظمة للمعقول تتمیز عن الطرق المتعارف علیها.
إن المحور الأساس لهذا المنهج، یخضع لثنائیة طرائقیة فی مجال البحث الفلسفی، مسلک الفلاسفة البحثی والبرهانی، ومسلک العرفاء الالهامی; بمعنى آخر، یجمع بین طریقة المشائیة والطریقة الاشراقیة، وینتقد بشدة الفصل بین الطریقتین أو سلوک أحدهما بمعزل عن الآخر".
ثم یذکر المؤلف نظریة ملا صدرا فی وحدة الوجود والتی تعرف بـ "الوحدة فی عین الکثرة"، ثم اتبعها بذکر أهم ابتکاراته التی جعلت الفلاسفة الإمامیة ـ حقاً ـ جدیرین بلقب آباء المشائیة والمتیافیزقا الإسلامیة خلال القرن الحادی عشر الهجری.
فیقول المؤلف: "هذه الابتکارات التی أکسبت الفلسفة الاسلامیة مزیداً من النضج والأهمیة ووضعت خطواتها على طریق التفکیر الایجابی للعالم".
ثم یعرض المؤلف المعالم الکبرى لهذه النظریة بالقدر المتوخّى من الاقتضاب، فیبحث حول الحرکة، ثم یبحث حول الجوهر ثم یقارن نظریة ملا صدرا حول الحرکة الجوهریة مع تفاسیر باقی العلماء فی هذا المجال من قبیل ابن سینا والرازی والسهروردی.
ثم قال المؤلف فی نهایة الفصل: "لقد اشتغل الامامیة داخل حقل الفلسفة مثلما اشتغلوا داخل حقول اُخرى، برؤیة نقدیة، ما کانوا لیرتادوها، لولا هذه النزعة العقلانیة التی اتحفهم بها تراثهم النظری، من حیث تفتحه على عالم المعرفة من أوسع أبوابه، ألا وهو: أهمیة التفکیر، وحجیة العقل، وبالتالی الاجتهاد المستدام والنظر المبدع".
الفصل الرابع: أصول التشریع
ذکر المؤلف فی بدایة هذا الفصل سبب نشوء الاجتهاد، وذکر أن وفاة المعصوم ـ بشکل عام ـ أدى إلى نشوء حیرة فی موقف المکلفین، ازاء التراکمات المتدفقة للحالات والموضوعات المتجددة فی یومیات المکلفین.
وذکر أنّ لهذا العامل دور کبیر فی نشأة الاجتهاد وقیام القیاس مقام نصوص محنطة فاقدة لدینامیکیتها الدلالیة، حیث انتهت إلى صیغ لفظیة جامدة، تتأطر داخل سیاج المعنى الوحید، بالاحاطة الوحیدة ـ الممکنة ـ إلى أسباب النزول، وخصوصیة المورد الأول.
عصر التدوین:
ذکر المؤلف السنة کمصدر للتشریع، ثم اشار إلى عصر التدوین والملابسات التاریخیة والنزاعات الایدیولوجیة التی واکبت أحداث مشروع التدوین، فقال المؤلف: "فقد لعبت ظروف تاریخیة وسیاسیة دوراً حاسماً فی تحدید ضوابط النظر الفقهی وآلیاته، وهی ظروف فجرّتها أزمة النظام السیاسی التاریخی للمسلمین".
وأضاف المؤلف: "على هامش تلک الصراعات الطاحنة بین مختلف الفرقاء فی المجال السیاسی، ظهرت عدّة انعکاسات فی صمیم الموقف الفکری الذی بلغ أوجه فی الخلافات الکلامیة واستمر الجدال على أشده فی مجالات أخرى، کالفقه وأصوله وعلم اللغة وآدابه".
ثم ذکر المؤلف: "إنّ تراث عصر التدوین لم یتحرر بصورة جذریة من تلک الملابسات، بل ظل مرهوناً بالأیدیولوجیا السیاسیة السائدة، ولا شک أن أمراً کهذا، یبدو طبیعاً، خصوصاً لما نعلم أن الغموض والالتباس والتردد، الذی واکب مجمل حرکة التدوین، ینبع من صمیم الأیدیولوجیا التلفیقیة التی ظلت رهاناً تاریخیاً للکیان السیاسی العربی".
تدوین القرآن:
أشار المؤلّف إلى القرآن کمصدر للتشریع، ثم ساق الحدیث حول تدوین القرآن وما یتعلّق بکتابة الوحی وما یتصل بقرار جمع القرآن فی عهد الخلیفة الأول، وما یتعلّق بمحنة توحید القراءات فی عصر عثمان.
ثم یخرج المؤلف بهذه النتیجة: بأن القرآن قد جمع ودون کاملا، على عهد الرسول(صلى الله علیه وآله)، وأن ما شاع من أن عملیة کتابة القرآن، کانت غیر منتظمة، وتعتمد وسائل بدائیة مثل عظام الحیوانات وسعف النخل لا تقوم على دلیل واضح.
وأمّا فیما یخص محنة توحید القراءات فی عهد عثمان "فیقول المؤلف: تحیلنا العدید من الأخبار، إلى أن القرآن، نزل بأکثر من حرف، وأنه کان یحتمل اکثر من قراءة وکانت کلها قراءات تحظى بتقدیر المسلمین واقرار من النبیّ(صلى الله علیه وآله)، بل وأکثر من ذلک اعتبر نزول القرآن على سبعة أحرف رحمة للناس...
وأن توحید القراءات وحرق کل المصاحف وحمل الناس على قراءة واحدة فی عهد عثمان أدّى إلى حدوث اضطرابات کثیرة فی شأن حقیقة الأحرف السبعة التی وردت فی مختلف الأخبار".
التأویل:
طرح المؤلّف مفهوم التأویل وثنائیة الظاهر والباطن، وذکر أنّ جملة من النصوص التی وردت عن الإمامیة تؤکد على أهمیة الباطن وضرورته فی اغناء المعرفة.
ثم ذکر المؤلف: "إنّ تحمیل النصوص، بعضاً من المعانی المحددة، وهو من باب التعاصر الذی تفرضه دینامیکیة النص، التی هی دینامیکیة متصلة بحرکة الواقع ومتغیرات الظروف، أی أن النص یقدم نفسه کفعالیة تاریخانیة، لا جرم أن یکون خاضعاً لتوجیه ما تقتضیه متطلبات المرحلة التاریخیة على أن یتم ذلک وفق آلیة محددة، وفی اطار من الاحتمال".
تاریخیة الاجتهاد عند الإمامیة:
ذکر المؤلف فی هذا الخصوص: على الرغم من أن أئمة أهل البیت ظلوا یمثّلون رافداً تربویاً وتعلیمیاً مهماً فی العصور المبکرة من التاریخ العربی والاسلامی، إلاّ أن المعالم الکبرى لمذهبیتهم لم تظهر إلاّ فی عهود متأخرة جدّاً، وتحدیداً إبان العصر العباسی، هاهنا برز اسم الإمام السادس، جعفر الصادق، حیث اصطبغ المذهب الفقهی الإمامی بتراثه التعلیمی وأخذ بعد ذلک اسم "المذهب الجعفری"... وقد ظل الإمامیة یعتبرون تعالیم جعفر بن محمد الصادق، بمثابة "النص" فی حین اعتبروا غیرها من التعالیم، ضرباً من الاجتهاد مقابل النص".
المدرسة الصادقیة:
ذکر المؤلف أنّ المعارک والمؤامرات السیاسیة التی کانت تهدف إلى زعزعة الکیان الأموی البائد مثلت منعطفاً جدیداً فی المسار الفکری عند الإمامیة، فقد قدر للإمام الصادق (علیه السلام) أن یعیش هذه الفترة وأن یستغلها فی سبیل تفعیل الساحة الثقافیة وخلق واقع تعلیمی وتربوی فی المجتمع.
وفی هذه الفترة استطاع هشام بن الحکم أن یشکل تراثاً نظریاً من خلال عدد من المناظرات، وأیضاً بعضاً من مصنفاته، کما قد دافع اتباع الإمام الصادق عن مدرستهم الفقهیة التی یعود إلیهم الفضل فی نشر تعالیمها.
عصر الغیبة، وبدایة التأصیل الإمامی:
ذکر المؤلف فی هذا المجال: أنه کانت الفترة الممتدة من الإمام علیّ بن أبی طالب إلى الغیبة الکبرى، تمثّل مرحلة سیادة النص وحضوره المکثّف، فإن ما جاء بعدها، یمثّل مرحلة تأصیل العلوم الإسلامیة، بما یحفظ للتراث الإمامی فرادته واستقلاله النسبی من تراث عصر التدوین.
ثم ذکر أنه یمکننا أن نعتبر الاجتهاد الإمامی بعد عصر الغیبة، یتأطّر ضمن أربع مراحل:
1 ـ المرحلة الممتدة ما بین الغیبة الکبرى، حتى القرن السابع الهجری
2 ـ مرحلة القطیعة وتکامل النظریة الاجتهادیة
3 ـ مرحلة الاصطدام بالتیار الاخباری
4 ـ عودة المدرسة الأصولیة، ونهوض مدرسة الوحید البهبانی
ثم شرع بتوضیح کل من هذه المراحل الأربعة، وذکر ما لاقاه التراث الإمامی من تغیّر خلال هذه المراحل.
ثم ذکر المؤلف فی نهایة الکتاب: "وقد کانت هذه المحاولة التی بین أیدینا، مقاربة عملیة فی إطار المشروع، الذی یهدف إلى معالجة منصفة فی إعادة بناء الرؤیة المعاصرة للممنوع والمهمش بلغة دیمقراطیة ألیق بوعینا المعاصر، کخطوة لإعادة بناء الصرح المعرفی العربی الإسلامی على أسس حواریة متینة، ولحمل ما لم یقو على حملة الأسلاف".
المصادر :
1- مصادر الترجمة: لقد شیعنی الحسین للمترجم له، الخلافة المغتصبة للمترجم له، مجلة المنبر العدد 3، السنة الأولى، جمادى الاولى 1421هـ
2- تاریخ الیعقوبی: 3 / 90 ـ 93.
3- آل عمران: 144
4- شرح النهج لابن ابی الحدید: 3 / 181.
source : .www.rasekhoon.net