لنقرأ أولاً هذا النص الذي نثرناه وفق الشكل الآتي:
(بنا اهتديتم في الظلماء، وتسنمتم ذروة العلياء، وبنا أفجرتم عن السرار).
(وقر سمع لم يفقه الواعية،
وكيف يراعي النبأة من أصمته الصيحة!!
ربط جنان، لم يفارقه الخفقان،
ما زلت انتظر بكم عواقب الغدر، واتوسمكم بحلية المغترين، حتى سترني عنكم جلبات الدين، وبصرنيكم صدق النية، أقمت لكم على سنن الحق في جواد المضلة، حيث تلتقون لا دليل، وتحتفرون ولا تميهون.
اليوم أنطق لكم العجماء ذات البيان.
عزب رأي امرىء تخلف عني،
ما شككت في الحق مذ أريته،
لم يوجس موسى (عليه السلام) خيفة على نفسه، بل أشفق من غلبة الجهال، ودول الضلال.
اليوم تواقفنا على سبيل الحق والباطل.
من وثق بماء لم يظمأ). (۳)
أمامنا الآن نص فني تفرد به الامام (عليه السلام) من حيث النوع الادبي الذي ينتسب اليه هذا النص... وبالرغم من أن النتاج الأدبي المعاصر يألف شكلاً فنياً يصطلح عليه بـ(قصيدة النثر) وهو شكل فني يعد أحدث الصياغات التي انتهى اليها الشعر الحديث الذي بدأ بالتحرر من القصيدة العمودية الى ما يسمي بـ (الشعر المنثور) الذي اقتبسه العرب من الأوربيين في القرن الماضي، الى انبثاق ما يسمى بـ(الشعر الحر) الذي اقتبسه العرب من الأوربيين ايضاً في منتصف القرن الحالي ذي القرن العشرين، الى انبثاق ما يسمى بـ (قصيدة النثر) التي اقتبسها العرب من الأوربيين أيضاً بعد الحرب العالمية الأخيرة. حيث يعد هذا اللون من الشعر المتحرر من (الوزن) أيضاً قمة ما وصلت اليه التقنية الشعرية المعاصرة: حيث يعوض عن الايقاع الجاري بـ(ايقاع داخلي)، وحيث تصاغ العبارة بنحو مضغوط ومنتقى، وحيث تصاغ الفكرة وفق رموز مكثفة مركزة... كل اولئك يمكن ان يتبينه الملاحظ الادبي: حينما يقف عند النص الذي قدمه الامام علي (عليه السلام): فهو مقسم الى مقاطع متفرقة...، كل مقطع يتناول فكرة مركزة، ... كل مقطع تنتظمه صورتان او ثلاث... كل صورة تصاغ وفق عبارة مضغوطة منتقاة ... كل عبارة مشحونة بـ (رموز) و(استدلالات) و(تضمينات) مكثفة... كل قسم يوحي وكأنه مقطع مستقل، لكنه (في الحصيلة النهائية للنص) يجسد نقاطها التي تبدأ منها وتنتهي الى المركز العام الذي تصب فيه فكرة النص...
ان القارىء مدعو - من جديد- الى قراءة النص المتقدم، فيما شحنه الامام علي (عليه السلام) بحصيلة استجاباته حيال تجارب الحياة النفسية والاجتماعية التي واجهها، حيث يستخلص القارىء منها: حصيلة الموقف الفلسفي للامام علي (عليه السلام) من الكون والمجتمع والانسان، وصياغة ذلك في لغة فنية تمتزج فيها (الذات والموضوع) (المرارة أو الشكوى: مع شموخ الايمان) بنحو مدهش ومثير وطريف.
source : irib.ir