عربي
Friday 27th of December 2024
0
نفر 0

الطاعة فی ولایة الفقیه

أثیر موضوع الدیکتاتوریة وولایة الفقیه فی بدایات انتصار الثورة الاسلامیة بشکل واسع من قبل جمع قلیل من الذین لم یعجبهم أن تختار الأمة نظام الجمهوریة الإسلامیة المرتکز على مبدأ ولایة الفقیه، وأبدوا رفضهم باعتراضات أثاروها منها دعوى أنه یلزم من نظریة ولایة الفقیه الطاعة المطلقة وبالتالی هذا یعنی الدیکتاتوریة، وأن یکون الحکم المبنی على أساسها نظاماً دکتاتوریاً!
الطاعة فی ولایة الفقیه


أثیر موضوع الدیکتاتوریة وولایة الفقیه فی بدایات انتصار الثورة الاسلامیة بشکل واسع من قبل جمع قلیل من الذین لم یعجبهم أن تختار الأمة نظام الجمهوریة الإسلامیة المرتکز على مبدأ ولایة الفقیه، وأبدوا رفضهم باعتراضات أثاروها منها دعوى أنه یلزم من نظریة ولایة الفقیه الطاعة المطلقة وبالتالی هذا یعنی الدیکتاتوریة، وأن یکون الحکم المبنی على أساسها نظاماً دکتاتوریاً!
وقد تصدى الإمام الخمینی قدس سره بنفسه لهذه الدعوى کما تصدى لغیرها من الأمور التی طالتْ نظریة ولایة الفقیه، إذ لم یکن یسمح بأی تهاون بها حتى أنه دعا جمیع خطباء الجمعة فی ذلک الوقت لبیان مسألة ولایة الفقیه بشکل واضح، حتى لا یقع الناس فی شباک أولئک الذین أرادوا زعزعة ثقتهم بهذا المبدأ المقدس.
وقد کان أساس تلک الشبهات ومنشؤها هم الأعداء، وإن کان بعضها قد ینطلق من سذجٍ، انقادوا لبعض المفاهیم والأفکار، لکن بالتأکید فإن الجو الذی یدعو لمناقشة مبدأ ولایة الفقیه بطریقة مسیئة هو جؤ معادٍ سواء کان المناقش منهم أو کان یظن نفسه من المقربین، حتى أنک ترى الغضب والغیظ فی کلمات هؤلاء الذین یکتبون ضد مبدأ ولایة الفقیه ولا تجد مبرراً لهذا الغیظ سوى حقد أو انحراف خطیر عن دین الإسلام.
رد شبهة الدیکتاتوریة
وإنما سمیناها شبهة لما قاله أمیر المؤمنین علیه السلام فی نهج البلاغة: "وإنما سمیت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق، فأما أولیاء الله فضیاؤهم فیها الیقین ودلیلهم سمت الهدى، وأما أعداء الله فدعاؤهم فیها الضلال ودلیلهم العمى"(1).
وسنکتفی فی الرد على هذا الشبهة بما فهمناه من کلمات الإمام الخمینی قدس سره فی هذا الصدد، والذی یمکن استخلاصه من کلامه قدس سره فی الرد علیها هو ما یلی :
أولاً: لیس من الدیکتاتوریة فی شی‌ء أن یکون النظام المعتمد فی إیران الذی أیدته أکثریة الشعب بحیث تجاوزت نسبة التأیید التسعین فی المائة دون ضغط أو إکراه، فالشعب بغالبیته العظمى أیَّد ولا یزال نظام الجمهوریة الإسلامیة المبنی على مبدأ ولایة الفقیه کما نص علیه الدستور.
ثانیاً: الدیکتاتوریة متجسدة فی کلمات المعترضین، إذ یحاولون وهم القلة أن ینصبوا أنفسهم فی موقع یحسبون أنفسهم أوصیاء على الشعب والأمة، والحال أن الشعب لم یرض بذلک منهم بدلیل أنه خالفهم، وهؤلاء عندما ینصبون أنفسهم فی هذا الموقع یسعون لفرض رأیهم وإثارة جو نفسی وزعزعة ثقة الشعب والمسلمین بهذه الجمهوریة والثورة، وهذا نحو من أنحاء الدیکتاتوریة.
ثالثاً: إن من یدعی أن مبدأ ولایة الفقیه یستلزم دیکتاتوریة فلا ریب أنه جاهل بهذا المبدأ وأهمیته وقدسیته، بل العکس هو الصحیح، فإن الحامی للحریات وفق المبادئ الإسلامیة والحامی لإرادة الشعب وحقوقه والمدافع عنه هو مبدأ ولایة الفقیه الذی یقوم بمهمة الإشراف على أمور البلد حتى لا ینحرف أحد ممن یمکن أن یستلم مقدرات البلد.
فهو الذی یمنع رئیس الجمهوریة من أن ینحرف وأن یحکم بهواه، وهو الذی یمنع رئیس الوزراء من أن ینحرف ویحکم بهواه، وهکذا الکلام بالنسبة لأی مسؤول، کما أن مبدأ ولایة الفقیه یمنع الفقیه نفسه أن ینحرف وأن یحکم بهواه ولا یحق له ذلک أصلاً بل علیه أن یحکم وفق رأی الإسلام حسب اجتهاده والمفروض أنه بذل جهده کله للوصول إلى هذا الرأی واستکشافه من خلال وسائل الإستنباط الممکنة له، والمفروض أنه مجتهد قادر على استنباط الأحکام الشرعیة.
کما أن علیه بذل الجهد فی تمحیص الوقائع وتشخیصها حتى یطبق علیها حکمها الإلهی ویحکم على وفقه، والمفروض فی الفقیه الولی العدالة والورع والکفاءة بل الأکفئیة فی تحقیق کل ذلک، کما ان المفروض ان فی الأمة علماء وتقاة وثقاة ورعون یراقبون حرکة الفقیه وبإمکانهم عزله إن انحرف وصار یحکم برأیه، وقد صان الدستور هذا الحق للخبراء وللأمة.
وإنما یکون الحکم دیکتاتوریاً إذا استند الحکم إلى الرأی الشخصی بعیداً عن أی اعتبارات صحیحة وأجبرهم على اتباعه، وإنما یکون الحکم دیکتاتوریاً إن کان الحکم وفق الهوى متاحاً للحاکم، وکان الحاکم قادراً على أن ینفذ جمیع رغباته بدون أن یتجرأ أحد على معارضته.
والإنصاف أن کثیراً من مدعی الحریة والمطالبین بها هم فی واقعهم یریدون أن یکونوا حاکمین دیکتاتوریین، لأنه ما من حاکم حکم أمة إلا وکان الهوى رائده، ویکاد یندر أن تجد أمة أو شعباً یخضع فیها الحاکم لضوابط تکون حاکمة علیه کما تکون حاکمة على الأمة، ومبدأ ولایة الفقیه یجعل الفقیه کغیره من أبناء الأمة خاضعاً للقانون والتشریع الإسلامی فلا یستطیع أن یحید عنه قید أنملة، وعند التدقیق نجد أن أقوى ضمانة یمکن أن یقدمها الإسلام للمنتسبین إلیه فی عصر الغیبة هو مبدأ ولایة الفقیه.
نعم لو أرید من الدیکتاتوریة حکم الرجل الواحد لصح هذا التعبیر، لکنه تعبیر یحمل المغالطات الکثیرة، فحکم رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم حکم الرجل الواحد ومع ذلک لا یستطیع عاقل مسلم أن یقول إن حکمه کان دیکتاتوریاً وکذا حکم أمیر المؤمنین علیه السلام. فلیس کلما کان الحکم حکم الرجل الواحد کان الحکم دیکتاتوریاً بل ربما کان الحکم دیکتاتوریاً مع کون الحاکم مجموعة من الناس لا یوجد بینهم أی رابط حزبی، وربما یحکم الرجل الواحد فیجسد أرقى مظاهر الحریة المسؤولة والمشورة وفق القیم الصحیحة التی نراها متجسدة بالإسلام.
وللأسف فإن کثیراً من المعترضین بالدیکتاتوریة وغیرها من الإعتراضات على نظام ولایة الفقیه یریدون فی الحقیقة الخروج من حکم الإسلام والتفلت من قیوده وتشریعاته، ومشکلتهم الأساسیة مع الدین نفسه، یریدون أن تکون لهم کلمة فی مقابل کلمة الله وکلمة الله هی العلیا لو کانوا یفقهون.
رابعاً: على أن هؤلاء المعترضین لن یعترضوا بهذا الإعتراض لو کانت الصلاحیات کلها التی ثبت فی الإسلام أنها للفقیه قد أعطیت لإنسان آخر غیر فقیه بل وغیر مسلم، بل ربما سیمدحون الشخص والنظام، ولکنهم یعیشون عقدة الإسلام ولا یتجرأون على قول ذلک.
خامساً: على أنه فی دستور الجمهوریة قد حُددتْ للفقیه صلاحیات هی أقصر دائرة من صلاحیاته الأساسیة، وإنما وافق علیها الإمام الخمینی وتلامیذه من مؤسسی الجمهوریة المبارکة لأن الإمام مؤمن بإعطاء دور للأمة.
سادساً: کما أن الفقیه یمارس الشورى بأفضل طرقها وهو ملزم شرعاً وعقلاً بالإستشارات فی بعض المواضع.
بل نجد أن الإمام الخمینی قدس سره وهو الولی الفقیه الذی کان بإمکانه أن ینفرد بالحکم ولم یکن لیعترض علیه أحد نظراً لعمق المحبة له فی قلوب الشعب المسلم فی الجمهوریة الإسلامیة فی إیران بل وخارجها وجمیع المستضعفین فی الأرض، قد أسس لعمل جماعی یخرج فیه الحکم عن حکم الرجل الواحد، لیکون المستقبل أکثر ضماناً للأمة والمجتمع من خلال تشکیل المؤسسات التی شُرِعِّتْ فی الدستور وأُعطِیتْ صلاحیات وتجسدتْ بذلک أرقى مظاهر الشورى إن على مستوى التشریع أو على مستوى القضاء أو على مستوى الحکم عامة، کمؤسسة المجلس النیابی التشریعی، ومؤسسة مجلس الوزراء، ومؤسسة مجمع تشخیص المصلحة، ومؤسسة شورى القضاء، ومؤسسة مجلس الخبراء، ومؤسسة مجلس المحافظة على الدستور وغیرها من المؤسسات، وهذا کله من نتاج ولایة الفقیه تحت إشراف الفقیه المسدد الإمام الخمینی المقدس قدس سره.
والخلاصة: أنه لا ینبغی لإنسانٍ‌ٍ فهم ولایة الفقیه أن یعترض بهذا الإعتراض، لکن غالب المعترضین هم للأسف إما جهلة بهذا المبدأ أو یعیشون عقدة من الفقهاء أو من الإسلام أو من کل ما هو دین، أو هم قوم خبیثوا النیة یریدون التسویق لأفکار غریبة عن الأمة لأهداف شیطانیة وهو ما لن یخفى على أی متتبع، یریدون لیطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو کره المشرکون والکافرون.
وسنشهد تکرر هذا الإعتراض کلما سنحت الفرصة بذلک لا بهدف البحث عن حل له، بل بهدف التشویش على هذا المبدأ المقدس وبهدف تضییعه وتضییع المجتمع الإسلامی القائم علیه.
إن ضمانتنا الکبرى فی عصر الغیبة لیس فی ولایة الأمة على نفسها، بل ضمانتنا فی مبدأ ولایة الفقیه، ولا یمکن لأی مجموعة من الناس أن تزعزع ثقتنا بهذا المبدأ، ولا أن تجعلنا نقنع بغیره من أسس الحکم، فما وجدنا ولن نجد أماناً فی ظل أی شی‌ء آخر.
ثم إن النقاش مفتوح على المستوى العلمی والفکری سواء فی صلاحیات الفقیه الولی أم فی مبدأ ولایة الفقیه، لکن بروحیة استکشاف ماذا یرید الإسلام، لا من خلفیة ما الذی یعجبنا وما الذی لا یعجبنا، وهذا یستدعی حسن رعایة لأسلوب النقاش وزمان ومکان عرضه ولا یتلاءم أبداً مع أی طریقة أخرى تهدف عن قصد أو غیر قصد إلى تشویه صورة المبدأ أو إلى جرأة الآخرین على هذا المبدأ.
المصدر :
بحوث فی ولایة الفقیه، سلسلة المعارف الإسلامیة, نشر جمعیة المعارف الإسلامیة الثقافیة،، ط3، 2007م، ص107-111
1- نهج البلاغة ص‌81.

 


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

عندما يصحو الضمير
وأما ما استدل به ساير الفقهاء على وجوب الفور في ...
ولادة الإمام محمد الجواد(عليه السلام)
الذنوب التي تنقص العمر
ما للرسول في اعناقنا
مفهوم البدعة وشروطها
ذکری استشهاد الشهيد المطهري
نماذج من تخريب قبر الامام الحسين عليه السلام عبر ...
التفسير المعقول
التفسير والمفسرون

 
user comment