ما جاء على لسان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بشأن هذا الصحابي الجليل من كلمات مضيئة هي بمثابة أوسمة منحها اياه النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم باستحقاق وجدارة . ونقتصر هنا على ذكر الرواية بذلك ، دون ذكر السند .
قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما أظلَّتِ الخضراء ، ولا أقلَّتِ الغَبراء من ذي لهجة أصدق ، ولا أوفى من أبي ذر ، شِبهُ عيسى بن مريم .
وفي لفظ آخر : ما أظلَّت الخضراء ، ولا أقلَّت الغبراء على ذي لهجة ، أصدق من أبي ذر ، من سرّه أن ينظر الى زُهدِ عيسى بن مريم ، فلينظر الى أبي ذر .
من أحبّ أن ينظر الى المسيح عيسى بن مريم ، الى بره وصدقه ، وجدِّه ، فلينظر الى أبي ذر .
إن أبا ذر ليباري عيسى بن مريم في عبادته .
رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده .
إن الله عز وجل أمرني بحُبِّ اربعة ، وأخبرني انه يحبُّهم : عليّ ، وأبو ذر ، والمقداد ، وسلمان .
عن أبي ذر قال ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا أبا ذر ! كيف أنت اذا كنت في حثالة ؟ وشبَّك بين أصابعه . قلت : يا رسول الله ! فما تأمرني ؟ قال : إصبر . إصبر . إصبر . خالقوا الناس بأخلاقهم ، وخالفوهم في أعمالهم .
عن أبي ذر أيضا ، قال : بَينَا أنا واقف مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال لي : يا أبا ذر ، أنت رجل صالح ، وسيُصِيبُك بلاء بعدي ! قلت : في الله ؟ قال : في الله . قلت مرحبا بأمر الله .
عن أبي ذر قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا أبا ذر ! كيف أنت اذا كانت عليك أمراء يستأثرون بالفيء ؟ قال : قلت : اذاً ، والذي بعثك بالحق ، أضربُ بسيفي حتى ألحقَ بك . فقال : أفلا أدلُّك على ماهو خير من ذلك . ؟ إصبر حتى تلقاني (1)
بَينَ النّـبي وَأبي ذَرّ
قال أبو ذر : ودخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهو في المجلس جالس وحده ، فاغتنمت خلوته !
فقال : يا أبا ذر ، إن للمسجد تحيَّة !
قلت : وما تحيته يارسول الله . ؟
قال : ركعتان . فركعتهما . ثم التفتّ اليه ، فقلت : يا رسول الله ، أي الاعمال أحبّ الى الله جلَّ ثناؤه ؟
فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الإيمان بالله ، ثم الجهاد في سبيله .
قلت : يا رسول الله ، أمرتني بالصلاة ، فما الصلاة ؟
قال : خير موضوع ، فمن شاء أقلّ ، ومن شاء أكثر . !
قلت : يا رسول الله ، أي المؤمنين ، اكمل إيماناً . ؟
قال : أحسنهم خُلقاً .
قلت : فأيّ المؤمنين أفضل ؟
قال : من سَلِمَ المسلمون من يده ولسانه . !
قلت : فأيّ الهجرة أفضل . ؟
قال : من هجر الشر !
قلت : فأيّ الليل أفضل (للعبادة) ؟
قال : جوف الليل الغابر ! .
قلت : فأي الصلاة أفضل ؟
قال : طول القنوت !
قلت : فأي الصدقة أفضل ؟
قال : جَهد (: قدر ما يحتمله قليل المال) من مُقلّ الى فقير في سر .
قلت : فما الصوم ؟
قال : فرض مجزيء . وعند الله أضعاف ذلك .
قلت : فأي الرقاب أفضل ؟ (للعتق)
قال : أغلاها ثمنا ، وأنفسها عند أهلها .
قلت : فأي الجهاد أفضل ؟
قال : من عقر جواده ، وأهريق دمه !
قلت : فأيّ آية انزلها الله عليك أعظم ؟
قال : أية الكرسي ! ثم قال : يا أبا ذر ، مالسموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة ! وفضل العرش على الكرسي ، كفضل الفلاة على تلك الحلقة .
قلت : يا رسول الله ، كم النبيون ؟
قال : مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي !
قلت : كم المرسلون منهم ؟
قال : ثلاثمائة وثلاثة عشر ! جمَّاً غفيرا (الكثير البركة) .
قلت : من كان أول الأنبياء ؟
قال : آدم .
قلت وكان من الانبياء مرسلا ؟
قال : نعم ! خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه . ثم قال : يا أبا ذر ! وأربعة من الأنبياء سريانيون . آدم ، وشيث ، وأخنوخ ( وهو إدريس ) وهو أول من خط بالقلم ، ونوح . وأربعة من الأنبياء من العرب : هود ، وصالح ، وشعيب ، ونبيك محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . وأول نبي من بني اسرائيل : موسى ، وآخرهم : عيسى بينهما ستمائة نبي .
قلت : يا رسول الله ، كم أنزل الله من كتاب ؟
قال : مائة كتاب ، وأربعة كتب . أنزل الله على شيث ، خمسين صحيفة . وعلى إدريس ثلاثين صحيفة ، وعلى ابراهيم ، عشرين صحيفة ، وانزل التوارة ، والانجيل ، والزبور ، والفرقان .
قال ، قلت : يا رسول الله ، فما كانت صُحُف ابراهيم ؟
قال : كانت أمثالا كلها ! وفيها : ـ أيُّها الملِكُ المتسلِّط ، المبتلى ، المغرور . إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها الى بعض ، ولكن بعثتك لتردّ دعوة المظلوم ، فاني لا أردّها ، وان كانت من كافر أو فاجر !! وفجوره على نفسه .
وكان فيها : على العاقل ـ ما لم يكن مغلوبا على عقله ـ ان يكون له ساعات ، ساعة يناجي فيها ربَّه ، وساعة يصرفها في صنع الله تعالى ، وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدّم وأخَّر ، وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال في المطعم والمشرب . فانَّ هذه الساعة عون لتلك الساعات واستجمام للقلوب ، وتوديع لها ؟ وعلى العاقل أن يكون طالبا لثلاث : تزوّد لمعاد . أو مرمَّة لمعاش . أو لذة في غير محرّم . وعلى العاقل ، أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه . ومن حسب كلامه من عمله ، قلّ كلامه إلا فيما يعنيه .
قلت : يا رسول الله ، ما كانت صحف موسى ( علیه السلام ) ؟
قال : كانت اعتبارا كلها !
عجباً لمن أيقن بالنار ، كيف يضحك ؟! عجباً لمن أيقن بالموت ، كيف يفرح ؟! عجبا لمن أبصر الدنيا ، وتقلُّبها بأهلها حالا بعد حال ، ثم يطمئن اليها !؟ عجباً لمن أيقن بالحسنات غدا ، كيف لا يعمل !؟
قلت : يا رسول الله ، فهل في أيدينا مما أنزل الله عليك ، شيء مما كان في صحف ابراهيم ، وموسى ؟ .
قال : إقرأ يا أبا ذر : قد أفلَحَ من تَزكَّى ، وذكَر إسم ربِّه فصلَّى ، بل تُؤثرونَ الحَياةَ الدُنيا . والآخرة خير وأبقى إنَّ هذا ( يعني ذكر هذه الأربع آيات ) لفي الصحف الأولى ، صُحُفِ ابراهيمَ وموسى . .
قلت : يا رسول الله ، أوصني .
قال : أوصيك بتقوى الله ، فانها رأس أمرِكَ كلِّه .
قلت : يا رسول الله : زدني .
قال : عليك بتلاوةِ القرآن ، وذكرِ الله كثيرا ، فانه ذكر لك في السماء ، ونور لك في الارض .
قلت : يا رسول الله ، زدني .
قال : عليك بالجهاد ، فانه رهبانية أمتي .
قلت : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، زدني .
قال : عليك بالصمت ، إلا من الخير ، فانه مطرَدة للشيطان عنك ، وعون لك على أمر دينك .
قلت : يا رسول الله ، زدني .
قال : إياك وكثرة الضحك ، فانه يميت القلب ، ويَذهب بنور الوجه .
قلت : يا رسول الله ، زدني .
قال : انظر ( الى ) من هو تَحتك ، ولا تنظر الى من هو فوقك ، فانه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك .
قلت : يا رسول الله ، زدني .
قال : صِلْ قرابتك وإن قطعوك ، وأحِبّ المساكين وأكثر مجالستهم .
قلت : يا رسول الله ، زدني .
قال : قل الحق ، وان كان عليك مرّاً .
قلت : يا رسول الله ، زدني .
قال : لا تَخف في الله لومة لائم .
قلت : يا رسول الله زدني .
قال : يا أبا ذر ، ليرُدَّك عن الناس ما تعرف من نفسك ، ولا تجد عليهم فيما يأتي ، فكفى بالرجل عيباً أن يعرف من الناس ما يجهل من نفسه ، ويجد عليهم فيما يأتي .
قال : ثم ضرب بيده على صدري ، وقال : يا أبا ذر ، لا عقل كالتدبير ، ولا ورع كالكفّ ، ولا حسَب كحُسن الخلق (2)
أبـو ذَرّ العَـالِم
نكتفي هنا بعرض لما قيل وكتب حول علم أبي ذر ( رضي الله عنه ) فان في ذلك صورة واضحة عما يتمتع به هذا الصحابي الجليل من العلم والفضل .
قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) : وعى علماً عُجز فيه ، وكان شحيحا حريصا على دينه ، حريصا على العلم ، وكان يكثر السؤال ، فيعطى ويمنع ، أما أن قد ملئ في وعائه حتى امتلأ .
وقال أبو نعيم في الحلية : أول من تكلم في علم البقاء والفناء ، وثبت على المشقة والعناء وحفظ العهود والوصايا ، وصبر على المِحَن والرزايا . . الى أن قال : أبو ذر الغفاري رضي الله عنه خدم الرسول وتعلم الاصول ، ونبذ الفُضول .
وقال ابن حجر في الإصابة : كان يوازي ابن مسعود في العلم(3)
وجاء في كتاب فنون الاسلام ، في أول من جمع حديثا الى مثله في باب واحد ، وعنوان واحد من الصحابة الشيعة ، وهم : أبو عبد الله سلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ( رضي الله عنه ) وقد نص على ذلك ، رشيد الدين بن شهر آشوب في كتابه : معالم علماء الشيعة . وذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي شيخ الشيعة ، والشيخ أبو العباس النجاشي في كتابيهما ، في فهرست اسماء المصنفين من الشيعة ، مصنفاً لأبي عبد الله سلمان الفارسي ، ومصنفاً لأبي ذر الغفاري ، وأوصلا اسنادهما الى رواية كتاب سلمان ، وكتاب أبي ذر ، وكتاب سلمان : كتاب حديث الجاثليق . وكتاب أبي ذر : كتاب كالخطبة ، يشرح فيه الامور بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الخ (4)
وقد ذكر بعض الاعلام : « أنه كان بينه وبين عثمان مشاجرة في مسألة من مسائل الزكاة ، فتحاكما عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فحكم لأبي ذر على عثمان »(5)
الـزّاهد المتعبِـّد
في حلية الاولياء بسنده عن أبي ذر ، قال :
والله لو تعلمون ما أعلم ، ما انبسطتم الى نسائكم ، ولا تقَاررتهم على فرشكم ، والله لوددت أن الله عز وجل خلقني ، يوم خلقني ـ شجرة تُعضد ، ويؤكل ثمرها .
وروى الصدوق في الخصال بسنده ، عن الصادق ( عليه السلام ) عن أبيه قال :
بكى أبو ذر من خشية الله عز وجل ، حتى اشتكى بصره !
فقيل له : يا أبا ذر ! لو دعوت الله أن يشفي بصرك ! ؟
فقال : اني عنه لمشغول ! وما هو من أكبر همي . قالوا : وما يشغلك ؟
قال : العظيمتان ! الجنة والنار !! .
قال أبو ذر : من جزى الله عنه الدنيا خيرا ! فجزاها الله عني مذمة ، بعد رغيفي شعير ، أتغدى بأحدهما ، وأتعشى بالآخر ، وبعد شملتي صوف ، أتَّزر باحداهما ، وأرتدي بالأخرى .
وقال : كان قوتي على عهد رسول الله من تمر ، فلست بزائد عليه حتى ألقى الله !
عن عيسى بن عميلة الفزاري قال : أخبرني من رأى أبا ذر يحلب غُنيمة له ، فيبدأ بجيرانه وأضيافه قبل نفسه ، ولقد رأيته ليلة حلب حتى ما بقي في ضروع غنمه شيء ، إلا مَصَره وقرَّب اليهم تمراً ، وهو يسير ، ثم تعذر اليهم وقال : لو كان عندنا ما هو أفضل من هذا ، لجئنا به ! وما رأيته ذاق تلك الليلة شيئاً .
وقيل له : ألا تتَّخذ ضيعة ، كما إتَّخذ فلان وفلان !؟
قال : وما أصنع ، بأن أكون أميرا ؟ وانما يكفيني كل يوم شربه ماء أو لبن ، وفي الجمعة قفيز من قمح .
قال أبو ذر : يولدون للموت ، ويعمرون للخراب ، ويحرصون على ما يفنى ، ويتركون ما يبقى ألا حبذا المكروهان : الموت ، والفقر ( في سبيل الله ) .
عن ابي جعفر ( عليه السلام ) قال : أتى أبا ذر رجل يبشره بغنم له قد ولدت . فقال : يا أبا ذر ! أبشر فقد ولدت غنمك ، وكثرت !
فقال : ما يسرّني كثرتها ، وما أحب ذلك ! فما قلَّ وكفى ، أحب اليّ مما كَثر وألهى ! اني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : على حافتيّ الصراط يوم القيامة : الرحم ، والامانة ، فاذا مرَّ عليه الوصول للرحم ، المؤدي للأمانة ، لم يتكفأ به في النار .
وقيل له عند الموت : يا أبا ذر ، ما لك . ؟
قال : عملي !
قالوا : إنا نسألك عن الذهب والفضة .!
قال : ما أصبح ، فلا أمسى ، وما أمسى فلا أصبح ، لنا كندوج (لفظ معرب ، معناه : الخزانة . )
ندع فيه خير متاعنا ، سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : كندوج المرء ، قبره (6)
وفي حلية الاولياء ، بسنده ، عن محمد بن سيرين ، قال :
«بلغ الحارث ( رجلا كان بالشام ) أن أبا ذر به عوز ، فبعث اليه بثلاثمائة دينار .
فقال : ما وجد عبداً لله تعالى هو أهون عليه مني ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( من سأل ، وله أربعون ، فقد ألحف ! ) ولآل أبي ذر أربعون درهماً ، وأربعون شاة .
مـن فضـائلـه
ما روي عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) قال :
دخل أبو ذر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومعه جبرئيل ، فقال جبرئيل : من هذا يا رسول الله ؟
قال : أبو ذر .
قال : أما انه في السماء أعرف منه في الأرض ، وسله عن كلمات يقولهن اذا أصبح ، قال : فقال : يا أبا ذر ، كلمات تقولهن اذا أصبحتَ ، فما هنَّ ؟
قال : أقول ، يا رسول الله : ( اللهم اني أسألك الايمان بك ، والتصديق بنبيك ، والعافية من جميع البلايا ، والشكر على العافية ، والغنى عن شرار الناس (7)
مِـن كَـلاَمه
روي عن أبي جعفر ( الباقر ) عليه السلام قال :
قام أبو ذر رضي الله عنه ، بباب الكعبة ، فقال : أنا جندب بن جنادة الغفاري ، هلموا الى أخ ناصح شفيق .
فاكتنفه الناس ، فقالوا : قد دعوتنا ، فانصح لنا .
قال : لو أن أحدكم أراد سفرا ، لأعدَّ فيه من الزاد ما يصلحُهُ ، فما لكم لا تزوّدون لطريق القيامة ، وما يصلحكم فيه ؟
قالوا : كيف نتزوّد لذلك ؟
فقال : يحج الرجل حجة لعظام الامور ، ويصوم يوما شديد الحرّ ليوم النشور ، ويصلي ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور . ويتصدق بصدقة على مسكين لنجاة من يوم عسير .
يا ابن آدم ! اجعل الدنيا مجلسين ، مجلساً في طلب الحلال ، ومجلساً للآخرة ، ولا تزد الثالث ، فانه لا ينفعك . واجعل الكلام كلمتين ، كلمة للآخرة ، وكلمة في إلتماس الحلال ، والثالثة تضرّك . واجعل مالك درهمين ، درهماً تنفقه على عيالك ، ودرهماً لآخرتك ، والثالث لا ينفعك . واجعل الدنيا ساعة من ساعتين ، ساعة مضت بما فيها ، فلست قادراً على ردِّها ، وساعة آتية لست على ثقة من ادراكها ، والساعة التي أنت فيها ساعة عملك ، فاجتهد فيها لنفسك ، وإصبر فيها عن معاصي ربِّك ! فان لم تفعل ، فقد هلكت ! .
ثم قال : قتلني همّ يوم لا أدركه (8)
وعن أبي عبد الله الصادق ، عن أبيه ـ عليهما السلام ـ أنه قال :
في خطبة أبي ذر : يا مبتغي العلم ، لا يشغلك أهل ولا مال عن نفسك . أنت يوم تفارقهم كضيف بتَّ فيهم ثم غدوت الى غيرهم . الدنيا والآخرة كمنزل تحولت منه الى غيره . وما بين البعث والموت ، إلا كنومة نمتها ، ثم استيقضت منها .
يا جاهل العلم تعلَّم ، فانَّ قلباً ليس فيه شرف العلم ، كالبيت الخراب الذي لا عامرَ له .
وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام ، عن أبي ذر قال :
يا باغي العلم ، قدّم لمقامك بين يدي الله ، فانك مرتهن بعملك ، كما تدين تُدان .
يا باغي العلم ، صلِّ قبل أن لا تقدر على ليل ولا نهار تصلي فيه ! إنما مَثلُ الصلاة لصاحبها ، كمثل رجل دخل على ذي سلطان فأنصتَ له حتى فرغ من حاجته . وكذا المرء المسلم باذن الله عزَّ وجلّ ، ما دام في الصلاة ، لم يزل الله عز وجل ينظر اليه حتى يفرغ من صلاته .
يا باغي العلم ، تصدّق من قبلِ أن لا تُعطى شيئا ، ولا جميعه ، إنما مَثل الصدقة لصاحبها ، مَثلُ رجل طلبه قوم بدم ، فقال لهم . لا تقتلوني ، إضربوا اليّ أجلا أسعى في رجالكم ! كذلك المرء المسلم باذن الله ، كلما تصدق بصدقة ، حلَّ بها عقدة من رقبته ، حتى يتوفى الله عز وجل أقواماً وهو عنهم راض ، ومن رضي الله عز وجل عنه ، فقد أمن من النار .
يا باغي العلم ، إن هذا اللسان مفتاح خير ، ومفتاح شر ، فاختم على فمك كما تختم على ذَهبك وعلى وَرِقِك .
يا باغي العلم ، إن هذه الأمثال ضربها الله عز وجل للناس ، وما يعقلها إلا العالمون(9)
وَصـفه لآخـر الزمَـان
في حلية الأولياء ، بسنده عن أبي ذر ، قال :
ليأتين عليكم زمان ، يغبط الرجل فيه بخفة الحاذ (الظهر . كنى به عن قلة المال والولد .) كما يغبط اليوم فيكم أبو عشرة .
وروى الحاكم في المستدرك ، بسنده . . عن أبي ذر ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال :
«اذا اقترب الزمان ، كثر لبس الطيالسة ، وكثرت التجارة ، وكثر المال ، وعَظُم ربّ المال بماله ، وكثرت الفاحشة ، وكانت إمارة الصبيان ، وكثر النساء ، وجار السلطان ، وطُفِّفَ في المكيال والميزان ، ويربي الرجل جرو كلب ، خير له من أن يربي ولدا له ! ولا يُوَقَّرُ كبير . ولا يُرحم صغير ، ويكثر أولاد الزنا ، حتى أن الرجل ليغشى المرأة على قارعة الطريق ، فيقول أمثلهم في ذلك الزمان : لو اعتزلتما عن الطريق !!
ويلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب ، أمثلهم في ذلك الزمان ، المداهن . ! »(10)
المصادر :
1- المستدرك ج 3 ص 342 و 343 / وعن الغدير ج 8 ص 312 الى 316
2- تنبيه الخواطر ـ 2 / 314 الى 316 / ومعاني الاخبار 333 الى 335 . الكامل 1 / ص 47 ـ 60 ـ 124
3- الغدير 8 / 311 ـ 312
4- كتاب الشيعة وفنون الاسلام / 31
5- رجال بحر العلوم 2 / 151
6- معجم رجال الحديث 4 / 171 . أعيان الشيعة 16 ص 326 الى 331
7- معجم رجال الحديث 4 / 168 .
8- تنبيه الخواطر 2 / 274 .
9- تنبيه الخواطر ـ 2 / 316 .
10- أعيان الشيعة 16 / 469 ط الاولى .
source : rasekhoon