الاسم :
الإمام الحسين (ع)
اسم الأب:
الإمام علي (ع)
اسم الأم:
فاطمة الزهراء (ع)
تاريخ الولادة:
3 شعبان السنة الرابعة للهجرة
محل الولادة:
المدينة
تاريخ الاستشهاد:
10 محرم السنة 61 للهجرة
محل الاستشهاد:
كربلاء
محل الدفن:
كربلاء
الوليد المبارك :
في اليوم الثالث من شعبان ، من السنة الرابعة للهجرة ، رزقت فاطمة الزهراء عليها السلام وليدها الثاني العظيم . قامت « أسماء » إحدى رفيقات فاطمة عليها السلام بلفّ الوليد الصغير بقطعةٍ نظيفة من القماش الأبيض ، و تقدّمت به نحو
الرسول صلّى الله عليه وآله ، فتناوله منها و احتضنه ، و جعل يوسعه تقبيلاً ، ثمّ ضمّه إلى صدره الشريف ، و تلا في مسامعه اسم الله و كلمة لا إله إلاّ الله ، و أذّن و أقام ، ثم أسماه « حسيناً ».
طفق الرسول صلّى الله عليه و آله ، يرمق الحسين و هو على صدره ، ثمّ ضغط عليه برفق و حنان ، و شفتاه تتحرّكان بأقوال مبهمةٍ ، ثم بدأ يتحسّس أطرافه بمداراةٍ شديدةٍ ، و قد شلمه بنظرةٍ ملؤها الحزن ، ثم غلبه البكاء.
عجبت أسماء لما رأته و قالت: فداك أبي و أمّي، ممّ بكاؤك ؟
فأجابها و قد غامت عيناه: «
من ابني هذا »،
فملكتها الحيرة ، ولم تدرك مغزى قوله ، فقالت : إنّه ولد الساعة ،
فأجابها بصوتٍ متقطّع: «
تقتله الفئة الباغية بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي . . . ».
ثمّ نهض ، و هو مثقل بالهمّ و قال لها: «
لا تخبري فاطمة فإنّها حديثه عهدٍ بولادةٍ . . ».
و تولّى النبي (ص) بنفسه رعاية الحسين. و اهتمّ به اهتماماً بالغاً. وقد استشفّ صلّى الله عليه وآله من وراء الغيب كلّ ما سيجري لولده الحسين (ع) ، و عرف أنّ الله سبحانه قد اختاره ليحفظ به أنوار الإيمان مضيئةً مشعّةً ، و يطفئ به و بعائلته شعلة الكفر و النفاق. و تلك نعمة منّ الله بها على
أهل بيت نبيّه عليهم السلام ، لكنّ المنافقين لا يؤمنون.
بعد رحيل الرسول (صلّى الله عليه وآله) :
هل سمعتم ماذا فعل الظالمون بوصايا الرسول صلّى الله عليه وآله ؟ ، إنّهم بعد أن سمعوها منه ، و وعوا ما يرمي إليه منها ، و استقرّت في خواطرهم ، عميت عنها قلوبهم ، فنقضوا عهود الله و مواثيقه ، و تناسوا قدر أسرة النبيّ المطهّرة المهديّة ، فوضعوا مصير الإسلام و المسلمين بين أيدي أعداء الإسلام ، و اختاروا العمى على البصيرة ، و الظلمات على النور، « و استحبّوا العمى على الهدى ».
فلو أنّهم استجابوا إلى أوامر الله و رسوله ، إذن لفتحت لهم أبواب النعم ، و لنالوا القوّة و المعرفة . لكنّهم أبوا فظلموا أنفسهم ، و في ظلّ جهلهم و نقضهم للعهود نال الإمام العظيم عليّ عليه السلام الشهادة ، بينما تربّع معاوية على عرش الخلافة و من فوق هذا العرش ، أشهرت السيوف على رقاب المسلمين ، في مجازر شاملةٍ ، و قتل الإمام الحسن بالسّم.
الحسين (عليه السلام) و بيعة يزيد :
أمّا الحسين عليه السلام ، فقد احترم الذي رضيه أخوه ، فلم يشهر سيفاً في وجه معاوية طيلة حياته ، لكنّ معاوية نقض العهد و الميثاق و سلّم خلافة الإسلام و المسلمين إلى ابنه الفاجر ، الذي ما إن مات أبوه حتّى أصدر أوامره إلى الوليد ، عامله على المدينة ، كي يأخذ البيعة له من الإمام الحسين ، و يدعوه إلى تقديم فروض الطّاعة .
دعا الوليد الإمام في منتصف تلك الليلة و قال له : يا حسين آجرك الله في معاوية ، و ليس هناك اليوم من أبناء رسول الله غيرك ، و لست تجهل مقامك بين الناس ، فعليك أن تبايع يزيد قبل الجميع ، و تسلك مسلك الوفاء ، فتكون قدوةً للغير ، فأنت ابن بنت رسول هذه الأمّة ، و عليك أن تسعى لما فيه خير و صلاح المسلمين .
استمع الحسين (ع) إلى الوليد ، و سرح في بحر من التفكير و القلق ، و أدرك أنّ كلّ شيءٍ قد انتهى ، و أنّ يزيد قد صمّم على الشرّ. لقد صمت الحسين عشر سنواتٍ من حكم معاوية . فلم يحرّك ساكناً ، أسوةً بأخيه الشهيد ، ولكن ... هل بمقدوره الصمت و السكوت على أعمال يزيد ؟ ، و هل يستطيع أن يبقى متفرّجاً على ظلمه و طغيانه ، فيجيز بذلك أعماله و شروره ؟ ، في حين يدرك عليه السلام ، أنّ الأمّة الإسلامية ، كانت ترقب ما سيفعله مع يزيد ، لأنّ في مبايعته له إقراراً بما كان يرتكبه من منكرٍ. كان عليه السلام يدرك هذا ، و أكثر منه .. فالتفت إلى عامل يزيد ، و قال : «
إنّ مثلي لا يبايع سرّاً .. فإذا خرجت إلى الناس ، و دعوتهم للبيعة ، دعوتنا معهم ... ».
كان الوليد - كما يقال - ميّالاً للمسالمة ، فوافق على تأجيل الأمر إلى الصّباح ، غير أن مروان بن الحكم - و كان حاضراً مجلسهما - صاح بالوليد : لئن فارقك الساعة و لم يبايع ، لا قدرت منه على مثلها أبداً .. احبسه ، فإن بايع ، و إلاّ ضربت عنقه.
فوثب إليه الإمام عليه السلام قائلاً : «
يابن الزرقاء، أأنت تقتلني أم هو ؟ ، كذبت و الله و لؤمت ».
ثم التفت إلى الوليد فأخبره عن عزمه على رفض البيعة ليزيد قائلاً : «
أيّها الأمير ، إنّا أهل بيت النبوّة ، و معدن الرسالة ، و مختلف الملائكة ، و محلّ الرحمة ، بنا فتح الله و بنا ختم ، و يزيد رجل فاسق ، شارب خم ر، قاتل النفس المحرّمة ، معلن بالفسق ، و مثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح و تصبحون ، و نرى و ترون ».
- التوجه إلى مكّة :
في تلك الليلة عزم الحسين على مغادرة المدينة إلى مكّة ، و نفّذ ما عزم عليه دون إبطاء ، يرافقه أهله و أصحابه الأقربون ، و ابتعدوا عن المدينة ما أمكنهم ليكونوا في مأمن من مطاردة أعوان يزيد ، في هذا السّفر المحفوف بالمخاطر. أمّا أهل المدينة ، و الذين كانوا قد عاهدوا الحسين على النصرة و الحماية ، فلم يبدر عنهم أيّ تحرّكٍ في هذا الاتّجاه ، بل لجأ أكثرهم إلى بيوتهم من الخوف.
وصلت قافلة الإمام إلى مكّة ، حيث الأمان أكثر ، لأنّ مكّة بيت الله ، و أرضها حرم الله ؛ و العرب يحترمون بيت الله ، و يقدّسونه منذ القدم ، فلا يقتلون لاجئاً إلى الحرم ، و يمتنعون فيه عن الحرب و الخصام . لم يمض وقت طويل على وصول الإمام إلى مكّة ، حتّى وصلها جواسيس يزيد ، و كانت خطّتهم التخلّص من الإمام خفيةً ، ثمّ الادّعاء بأنّه قتل في نزاعٍ محلّيّ بسيط.
بقي الحسين (ع) في مكة ما أمكنه ذلك ، يحذّر الناس و ينبّههم إلى الخطر الذي يشكّله حكم يزيد على الإسلام ، كما بعث برسائل إلى رؤساء القبائل يدعوهم إلى الجهاد و النصرة . حتى إذا أحسّ بأعوان يزيد يضيّقون عليه الخناق ، اضطرّ للتفكير بتدبير آخر.
- الكوفة مركز الأحداث :
كانت الكوفة في ذلك الوقت ، منطقةً آهلةً بالسّكّان ، و كان أهلها ممّن عايشوا علياً عليه السلام زمناً ليس بالقصير ، و عرفوا قدره و مكانته ، و كانت كوفة تلك الأيام أفضل أرض يراعى فيها الإسلام ، كما كان أهلها على دراية و اطلاع ، فهم يعرفون أهل البيت و فضلهم ، في حين كان غيرهم لا يعرفون إلاّ حاكم مدينتهم أو خطيب مسجدها ، و الأمر لديهم سيّان : حكم عليّ أم حكم معاوية ، نصروا الحسين أم نصروا يزيد.
في ضوء هذا كلّ ه، أرسل الإمام ابن عمه
« مسلم بن عقيل » إلى الكوفة ، ليعمل على تحضير أصحابه و شيعة أبيه للعمل و الجهاد ، سيّما و أنّ أهل الكوفة كانوا قد بعثوا برسائل كثيرةٍ ، يطلبون منه القيام ، كما يطلبون منه قيادتهم للجهاد. و كان الإمام حينها ينتظر موت معاوية ، حتى يتوجّه إلى الكوفة ، و يعلن من هناك إقامة الخلافة الإسلامية.
شعر يزيد بالخطر حين سمع بالتفاف أهل الكوفة حول مسلم رسول الحسين ، فعيّن الطاغية ابن زياد لحكم الكوفة ، و أوصاه بالبطش و الشدّة ، و هو ابن لامرأةٍ معروفة بسوء السمعة تدعى مرجانة . كان ابن زياد رجلاً قاسياً متحجّر القلب . كما كان داهيةً صاحب حيلةٍ و مكر ، ورث عن أبيه عداوته و بغضاءه لأهل بيت الرسول ، إلى جانب و ضاعة منبته و سوء خلقه.
خطّط أهل الكوفة يوماً لقتل ابن زيادٍ ، فدعاه أحد أعيان المدينة لزيارته في بيته. و كان قد اتّفق مع «مسلم بن عقيل» على أن يخرج فجأةً إلى ابن زياد فينقضّ عليه و يقتله ، لكنّ مسلماً لم يفعل ، كي لا يعطي ليزيد عذراً ، فيحتجّ بأنّ أنصار الحسين هم الذين بدأوا القتال . أمّا ابن زيادٍ فقد أحسّ بالخطر خلال وجوده في هذا البيت ، و بعد خروجه أصدر أمراً بالقبض على مسلم و أصحابه ، فسجن بعضهم ، و قتل مسلماً مع صاحب البيت
هانئ بن عروة ، ثم أمر بإغلاق مداخل المدينة لا يتسرّب منها أيّ خبرٍ ، و كي لا يعلم الحسين بقتل مسلمٍ.
- نحو العراق :
و لنعد الآن إلى مكّة ، حيث تركنا الإمام الحسين يتدبّر أموره ، لنستمع إلى ما جرى هناك . فبعد أن أوفد الإمام رسوله مسلماً إلى الكوفة ، استعدّ للحاق به ، كي يستكمل من هناك ما عزم عليه ، ذلك في حين حاول جماعة من كبار أهل مكة ، أن يقنعوه بعدم الخروج ، قائلين له : أنت تعرف أهل الكوفة جيّداً ، و أنّهم خذلوا أباك ، كما خذلوا أخاك ، و سيخذلونك أنت أيضاً ، إنّهم قوم ضعاف النفوس و الإيمان ، و لئن كانت ألسنتهم معك ، فإنّ سيوفهم ستكون عليك . و من الأفضل أن تصرف النظر عن سفرك هذا . لكنّ الإمام لم يستجب لأقوالهم . بل أصرّ على الخروج . إصرار صاحب الرسالة على أداء رسالته ، ولو كان فيها الموت ، ألا إنّه الموت في سبيل الله و الحق.
أحرم الإمام عليه السلام للعمرة فطاف و سعى و قصّر ، و طاف طواف النساء و أحلّ من عمرته ، دون أن يتمّ حجّه ، كي لا يعطي لأعوان يزيد فرصةً لانتهاك حرمة المسجد الحرام ، بسفك دمه الطاهر فيه.
ثمّ توجّه عليه السلام نحو العراق ، قاصداً الكوفة مع أهله و إخوانه و نفر من أصحابه . خرج دون أن يصله أيّ خبر من الكوفة ، لأنّ ابن زياد حال - كما نعلم - دون تسرّب الأخبار منها ، كما أنّه زرع جواسيسه في كلّ مكانٍ على طول الطريق ، كي ينبئوه مسبقاً بقدوم الحسين.
- أرض الكرب و البلاء :
اقترب الإمام من الكوفة ، لكنّ أعوان ابن زيادٍ بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحيّ منعوه من التقدّم ، و اضطرّوه للنزول في أرض جافّة محرقة تدعى كربلاء ، و حين سمع باسمها سرح في تفكير عميق ثم قال: « هذا موضع كرب و بلاءٍ ، هاهنا مناخ ركابنا ، و محطّ رحالنا ، و سفك دمائنا .. » . ثمّ أمر بنصب الخيام .
حين علم ابن زياد بنزول الحسين عليه السلام في أرض كربلاء ؛ شرع في تنفيذ خطّةٍ لئيمةٍ ماكرةٍ ؛ جمع الناس في مسجد الكوفة الأعظم ، و قام فيهم خطيباً ، فعدّد لهم « حسنات » حكم يزيد ، و أنّه أمره بتوفير الأموال و الأرزاق لهم ، إن هم خرجوا إلى قتال الحسين ، ولم ينس أن يتوعّد من لا يستجيبون له ، و يهدّدهم بأنّ أنفسهم و أموالهم و عيالهم سيكونون في خطر. و هكذا بين وعدٍ و وعيدٍ استمال الكثيرين منهم ، و زجّهم لقتال ابن بنت رسول الله . إنّهم حقاً ضعاف النفوس و الإيمان ، يتقبّلون أكاذيب ابن زياد ، و يخرجون لقتال إمامهم حفيد نبيّهم . إنّه ذاك الطراز من التفكير ، تفكير أناس خيّروا بين الحقّ و الباطل ، فاختاروا الباطل على الحقّ .
- الليلة الأخيرة :
و أخيراً ، حلّت الليلة الأخيرة ، ليلة العاشر من المحرّم ، و حين طوت الظلمة كلّ شيءٍ جمع الإمام أصحابه و أهل بيته ، و قال بعد أن حمد الله و أثنى عليه : « أمّا بعد ، فإنّني لا أعلم أصحاباً أوفى و لا خيراً من أصحابي ، فجزاكم الله جميعاً عنّي خيراً. ألا وإنّي لأظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً ، و إنّي قد أذنت لكم جميعاً ، فانطلقوا في حلّ ليس عليكم مني ذمام ، و هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً .. فإنّ القوم إنّما يطلبونني ، ولو أصابوني لهوا عن طلب غيري ».
يا لروعة الكرامة الإنسانية لقد أوضح الإمام لهم كلّ شيءٍ ، و حدّد لهم مصيرهم و هو القتل ، ليكونوا على بيّنة من أمرهم ، و رغب أن ينصرفوا تحت جنح الظلام ، فيكون لهم ستاراً ، كما أنّ الظلام يخفي خجلهم إن هم رغبوا في فراقه.
لكنّه لم يكد يفرغ من كلام ه، حتى هبّت الصفوة الطيبة من أهل بيته يتقدّمهم أخوه
العباس قائلين : « لم نفعل ذلك ؟ ، لنبقى بعدك ؟ ، لا أرانا الله ذلك أبداً ».
و تبعهم خيرة أصحاب الحسين ، أمثال حبيب بن مظاهر ، و مسلم بن عوسجة ، و زهير بن القين و غيرهم ، و أعلنوا ترحيبهم بالموت في سبيله. و حين أكّد لهم أنّهم سيلاقون حتفهم هتفوا جميعاً : «
الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك ، و شرّفنا بالقتل معك. لقد أشرقت نفوسهم بنور الإيمان ، و كانوا من خيرة الرجال صدقاً و وفاءً » .
في هذه الليلة ، و في قلب كربلاء ؛ في الخيام التي تسمع منها همسات الشوق إلى الشهادة ، وقف الإمام الحسين عليه السلام بين صفوة أهله و خيرة أصحابه ، يحدّثهم فيحسّون بالسّكينة تتنزّل على قلوبهم ، و يشعرون بنفوسهم خفيفةً شفّافةً ، تكاد تطير شوقاً إلى الشهادة ، و بقلوبهم تهفو إلى لقاء ربّهم ، فيبثّون إليه نجواهم و بوح قلوبهم . و يتوجّهون إليه بالتماس العفو و الغفران يقولون : «
ربّنا اغفر لنا ، و تجاوز عن خطيئاتنا ، و اجعل لنا مكاناً في جنّتك و احشرنا مع الطّيّبين الطاهرين من صفوة خلقك . ربّنا و تفضّل بقبول هذه القرابين من أهل بيت نبيك ، ربّنا و أسمع صوتنا و نداءنا إلى خلقك ، ربّنا و اجعل من موطن قرباننا هذا ميعاداً لعبيدك ، ربّنا و أرنا مناسكنا و تب علينا يا ربّ العالمين ».
أمّا في المعسكر الآخر ، فكانت أصوات الطّبول و المزامير تمزّق بصخبها سكون الليل و هدوءه ، بينما انصرف اليزيديون إلى الأكل والشرب كالبهائم يغمرهم فرح يزيدي أثيم.
- يوم عاشوراء و المودة في القربى :
و أطلّت شمس عاشوراء برأسها من وراء الأفق ، و وقف جيش الحقّ في مواجهة جيش الباطل ، و أعطى عمر بن سعدٍ أوامره لجنوده ، فرموا ابن رسول الله بسهامهم و نبالهم. ألم يصدر قاضي المدينة حكمه و يقول : هذا الحسين قد خرج من أرضه ، يتدخل في الأمور السياسية ، و يفرّق بين المسلمين ، فيجب أن يقتل بسيف الإسلام ، حتى يخلص منه الإسلام ؟ ، عجباً : كيف طوّعت له نفسه قتل أخيه ، و قتل الحسين ، و قتل أهل بيته ، و قتل أصحابه ، و ديست أجسادهم الكريمة بحوافر الخيل ، و بأمرٍ من ابن سعدٍ ، و قيل : تدخّلوا في الأمور السياسيّة لا ، غير صحيح ،
إنّها العداوة المكشوفة لله و لرسوله و للإسلام و للقرآن ، إنّه الحقد الكامن في النفوس السوداء
و بعد ..
ففي الوقت الذي تركن فيه المخلوقات إلى بيوتها و أوكارها تنشد الرّاحة ، كان أهل بيت الرسول ، نساؤه و أطفاله ، يرسفون بالأغلال ، و يطاف بهم من مكانٍ إلى آخر. و في الوقت الذي كان اسم الله وا سم رسوله يرتفع فوق المآذن ، كان أهل بيت الرسول يقاسون الأذى و المذلّة و الهوان .. أهذه هي المودّة في القربى؟ ، إنّا لله و إنّا إليه راجعون.
راح جنود ابن سعد يدوسون الأجساد الطاهرة بسنابك الخيل ، حتى شفوا غليلهم و نفثوا سموم حقدهم ، ثم التفتوا إلى نساء الحسين و أطفاله ، يسوقونهم أسرى مكبّلين إلى الكوفة. و الكوفة كانت مقرّ عليّ أميرالمؤمنين . و الكلّ يعرف ابنته
العقيلة زينب ، لكم رأوها في بيت أبيها ، و لكم حضرت نساء الكوفة مجالسها و استمعن إلى مواعظها ، و ها هي الآن أمامهم تتقدّم الأسيرات من النساء و الأطفال ، فأين يوارون خجلهم ؟ ، إنّ أصواتهم التي اختنقت بالبكاء. و ألسنتهم التي لهجت باللّعن على ابن سعدٍ ، لن تكفي لغسل ذنوبهم ، و لن تغفر لهم تقاعسهم ، و هذه كلمات العقيلة تتساقط كالسّياط على جلودهم علّها توقظ القلوب النّائمة ، و تحرّك النفوس الغافلة.
- في الشام :
سيق الأسرى بعد أيام إلى الشام ، و الشام كانت في عيدٍ ، أليست تحتفل بانتصار يزيد ؟ ، ها هو يستقبل رأس عدوّه ؛ رأس الحسين حفيد رسول الله ، يغمره الفرح . و يملأ الفخر أعطافه ، راح يسترجع أمجاد آبائه و مآثرهم ، و يزهو بها ثم يقول:
لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل !!
إنّها آداب اليزيديّين
و في الشام ، استطاع
الإمام زين العابدين (ع) أن يتحدّث إلى الناس ، و يوقظهم من غفلتهم ، و يبسط لهم الحقائق ، فهو و أبوه الإمام الشهيد و أهله ليسوا من الخوارج العصاة كما قيل للناس ، و هم ليسوا من أعداء الإسلام و القرآن كما اتّهموا زوراً و بهتان اً، و كان ممّا قاله عليه السلام : «.. فمن عرفني فقد عرفني ، و من لم يعرفني أنبأته بحسبي و نسبي .. أنا ابن محمد المصطفى .. أنا ابن عليّ المرتضى .. أنا ابن فاطمة الزّهراء ، أنا ابن سيّدة النساء .. أنا ابن المزّمل بالدماء .. أنا ابن ذبيح كربلا .. » ،
و لم يزل يقول أنا ، حتّى ضجّ الناس بالبكاء. و تركت صرخة الإمام المدوّية ، أهل الشام في ذهولٍ ، إذن فهؤلاء أهل بيت النبي ؟ ، و قامت في الشام بوادر ثورة هوجاء ، بعد أن عرف الناس الحقيقة. ثورة تداركها يزيد بإبعاد الأسرى و الرؤوس عن الشام. ثم حظر على الناس مجرّد التّفوّه باسم الحسين ، و كل من أتى على ذكر الحسين كان مصيره السجن أو القتل.
- الشهادة و الثورة :
كان أوّل من أتى على ذكر الحسين (ع) هو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري ، فقد زار قبر سيّد الشهداء ، و هناك ذرف دموعاً سخينةً صادقةً . و انقلبت تلك الدموع عاصفةً على مرّ التاريخ . كان الذين يجهلون قدر هذه الدموع ، يردّدون أقوال اليزيديّين ، في ذمّها و ذمّ صاحبها.
ولكن .. في آتي الأيّام ، سيتّجه عشّاق درب الحسين نحو كربلا ، حيث يذرفون الدموع ، و يؤدّون مناسك الشهادة ، و يصونون دم الحسين حيّاً مشتعلاً بالثورة ، و يصونون درس الشهادة ناطقاً للأجيال القادمة ، فلا ينسى الناس ثورة أبي الثوار الحسين عليه السلام ، على الظلم و الظالمين ..
لهذا ، و لهذا وحده كان بنو أميّة و بنو العباس ، يحظرون زيارة قبر الحسين (ع) و قبور الشهداء الآخرين . ولكن .. فرغماً عن سعي الأعداء و الأجراء ، فقد ارتفع على أرض كربلاء صرح عظيم ، و أقيمت على تربة الشهداء بيوت خالدة للعبادة ، و بقي نور الشهادة مشعّاً على مدى الأزمان ، و بقي عهد الشهادة نشيداً يتردّد في الأسماع.
- و في الختام :
فقد علّمنا الحسين أنّ الدم يقهر السيف بإرادة الشهادة ، حين استشهد في سبيل الله و الإسلام .
و علّمنا أنّ الحياة بالقهر والذلّ هي الموت بعينه ، حين أبى أن يعطي بيده إعطاء الذليل .
و علّمنا كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله ، حين غلب بمواقفه و مبادئه جموع الطغاة .
فالحسين مدرسة لكلّ المستضعفين في ثورتهم على المستكبرين .
و الحسين إمام لكلّ العاملين على إقامة حكم الحقّ و الإسلام .
و الحسين هو من قال عنه جدّه رسول الله : «
سيّد شباب أهل الجنة ».
و صدق رسول الله
source : tebyan