عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

حديث: لطم الخدود، لا يدل

بالنسبة لحديث: «ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، و دعا بدعوى الجاهلية». نقول: إنه لا بد أن يكون ناظراً إلى من يفعل ذلك استعظاماً، واعتراضاً على قضاء الله، لمجرد موت عزيز له. وقد ألمح العسقلاني، والقاري، والكرماني، والقسطلاني، والمناوي إلى ذلك، فقد ذكروا أن: «السبب فيه أي (في هذا النهي) ما تضمنه ذلك من عدم الرضا بالقضاء».(1) أو نحو ذلك. والدليل على ذلك:
حديث: لطم الخدود، لا يدل

بالنسبة لحديث: «ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، و دعا بدعوى الجاهلية». نقول:
إنه لا بد أن يكون ناظراً إلى من يفعل ذلك استعظاماً، واعتراضاً على قضاء الله، لمجرد موت عزيز له.
وقد ألمح العسقلاني، والقاري، والكرماني، والقسطلاني، والمناوي إلى ذلك، فقد ذكروا أن:
«السبب فيه أي (في هذا النهي) ما تضمنه ذلك من عدم الرضا بالقضاء».(1) أو نحو ذلك.
والدليل على ذلك:
أولاً: إنه صلى الله عليه وآله قال: ليس منا من لطم الخدود الخ. مع أن الذي يلطم صدره وخده في المصاب، أو يشق جيبه، لا يخرج من الدين، فلا يصح أن يقال: ليس منا.
أما إذا فعل ذلك اعتراضاً على الله سبحانه، كما ربما يصدر من بعض ضعفاء الإيمان، فإنه لا يكون من أهل الإيمان حقيقة، لأن المؤمن لا يعترض على ربه. وينطبق عليه مضمون هذا الحديث بصورة حقيقية.
ثانياً: إن مما يدل على ذلك أيضاً ذيل الحديث، أعني قوله: و دعا بدعوى الجاهلية. فإن من يدعو بدعوى الجاهلية، و يعود إلى التزام رسومها، و يترك ما يدعوه إليه الإسلام، لا يكون من أهل الإيمان، والإسلام.
و بذلك يظهر: أنه لا مجال للتأويلات الباردة التي يحاولون المصير إليها، والسعي إلى حمل قوله صلى الله عليه و آله: ليس منا. على المجاز، فراجع.(2)
1 ـ وقد قال الكرماني: «إلا أن يفسر دعوى الجاهلية بما يوجب الكفر، نحو تحليل الحرام، أو عدم التسليم لقضاء الله، فحينئذ يكون النفي حقيقة».(3)
وقال المناوي: «و هو يدل على عدم الرضى، وسببه ما تضمنه من عدم الرضا بالقضاء».(4)
فهذا الحديث ليس ناظر إلى ما هو من قبيل اللطم في عاشوراء الذي هو لأجل إعزاز الدين، و إظهار الحب لأهل بيت النبوة عليهم السلام، و إحياء شعائر الله تعالى.
2 ـ وقد روى الخوارزمي: أن دعبلاً أنشد الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قصيدته التائية، و منها قوله:


أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً وقد مـات عطشاناً بشط فـرات
إذن للطمت الخد فاطم عنده وأجريت دمع العين في الوجنات


فلم يعترض عليه الإمام (عليه السلام)، ولو بأن يقول له: إن أمنا فاطمة عليها السلام لا تفعل ذلك، لأنه حرام. بل هو (عليه السلام) قد بكى وأعطى الشاعر جائزة، و أقره على ما قال.(5)
والإمام الرضا (عليه السلام) لا يمكن أن يخفى عليه مثل هذا الحكم الشرعي، في أمر هو محل ابتلاء الناس. ولا بد أن يكون الناس قد بدأوا بممارسته منذ الأيام الأولى لوقوع الفاجعة. ويشير إلى ذلك ما ورد في النص التالي:
3 ـ لما مروا بالسبايا على الإمام الحسين (عليه السلام) و أصحابه صاحت النساء، ولطمن وجوههن، و صاحت زينب عليها السلام: يا محمداه.(6)
ولم يعترض عليهن الإمام السجاد (عليه السلام)، ولم نسمع أن أحداً من الأمة قد خطَّأهن في ذلك.
4 ـ وحين ارتجز الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء:
يا دهر أف لك من خليل كم لك في الإشراق والأصيل.
سمعته السيدة زينب عليها السلام، فشقت ثوبها، ولطمت وجهها، و خرجت حاسرة تنادي: وا ثكلاه، وا حزناه، الخ.(7)
5 ـ ومما يدل على عدم حرمة اللطم في موت الأنبياء، والأوصياء، و أبناء الأنبياء، خصوصاً الذين ليس على الأرض أحد يساميهم، أو يساويهم، ما رواه أحمد و غيره، و هو: عبد الله، عن أبيه، عن يعقوب، عن أبيه، عن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد، قال:
سمعت عائشة تقول: مات رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بين سحري و نحري، وفي دولتي، لم أظلم فيه أحداً، فمن سفهي، وحداثة سني، أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قبض و هو في حجري، ثم وضعت رأسه على وسادة، وقمت ألتدم مع النساء، و أضرب وجهي.(8)
قال محمد سليم أسد عن هذا الحديث بهذا الإسناد: و هذا إسناد صحيح.(9)
ورواه أبو يعلى، عن جعفر بن مهران، عن عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد، عن أبيه.
وقال محمد سليم أسد: إسناده حسن، من أجل جعفر.(10)
و روي أيضاً عن سعيد بن المسيب مثل ذلك.(11)
و نحن إنما نستدل على هؤلاء بما عندهم، وفي كتبهم على قاعدة: «ألزمواهم بما ألزموا به أنفسهم».
6 ـ إن مجرد أن يضرب الإنسان نفسه لمصيبة تحل به، ليس حراماً، فقد روى أحمد، عن روح، عن محمد بن أبي حفصة، عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الرحمان، عن أبي هريرة: أن أعرابياً جاء يلطم وجهه، وينتف شعره، و يقول: ما أراني إلا قد هلكت.
فقال له رسول الله صلى الله عليه [وآله] و سلم: و ما أهلكك؟!.
قال: أصبت أهلي في رمضان!
قال صلى الله عليه [وآله] و سلم: تستطيع أن تعتق رقبة. الخ.(12)
حيث يلاحظ: أن النبي لم يعترض عليه، ولم ينهه عما يفعله بنفسه.
7 ـ كما أن ابن عباس يروي لنا قضية طلاق النبي لنسائه، وفي حديثه: قال عمر: فدخلت على حفصة، وهي قائمة تلتدم، و نساء النبي صلى الله عليه [وآله] و سلم قائمات يلتدمن.
فقلت لها: أطلقك رسول الله صلى الله عليه [وآله] و سلم. الخ.(13)
___________________________________________
(1) فتح الباري ج3 ص195 ط دار الريان للتراث، و شرح الكرماني على البخاري ج7 ص88 و إرشاد الساري ج2 ص406 و عمدة القاري ج8 ص87.
(2) فتح الباري ج3 ص195.
(3) شرح الكرماني على البخاري ج7 ص88 و عمدة القاري ج8 ص87.
(4) فيض القدير شرح الجامع الصغير ج5 ص493.
(5) مقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص131 والبحار ج49 ص237 و239 ـ 252 والغدير للعلامة الأميني، و غير ذلك.
(6) مقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص39. والبداية والنهاية ج8 ص210 ط دار إحياء التراث العربي.
(7) مقاتل الطالبيين ص113 و راجع: تاريخ الأمم والملوك ج4 ص319 ط الاستقامة و تاريخ اليعقوبي ج2 ص244 ط صادر والإرشاد للمفيد ج2 ص94 والكامل لابن الأثير ج4 ص59.
(8) مسند أحمد ج6 ص274.
(9) مسند أبي يعلى ج8 ص63 هامش.
(10) المصدر السابق متناً وهامشاً.
(11) مسند أحمد ج2 ص516 و نصب الراية للزيعلي ج3 ص15 ط دار الحديث ـ القاهرة، عن الموطأ وعن الدارقطني والكتب الستة.
(12) مسند أحمد ج2 ص516.
(13) كنز العمال ج2 ص534 عن ابن مردويه.

السيد جعفر مرتضى العاملي


source : sibtayn
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)
معاجـز الإمـام الکاظم وعلمــه
أوَلَسنا على الحق
التفسير المأثور عن الامام الرضا عليه السلام
الزيارة الجامعة الكبيرة
استجابة دعاء الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام )
السيد علي بن الامام الباقر عليه السلام
الحديث الفني
قالت السيدة الزهراء (س) في الخطبة الفدكية: "طاعتنا ...
ما الذي قاله الإمام الباقر عليه السلام حول صفات ...

 
user comment