ينبغي للداعي أن يعي هذه الحقيقة جيداً وهي أن اللَّه سبحانه الرحمن الرحيم هو الذي أمر بالدعاء وضمن الإجابة، فقال عزوجل:
«ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» «4».
إن اللَّه عزوجل هو القادر على كل شيء، فكل هذا الوجود يحيا في ظلاله الوارفة وهو الحاكم المطلق في هذا العالم وهو الذي إذا قال للشيء كن فيكون، يستجيب كل دقائق هذا الكون المترامي لأمره وتخضع لسطوته الأشياء وتتحرك بمشيئته.
من هنا لا ينبغي للداعي وهو يقف في حضرة اللَّه سبحانه وفي رحابه عزوجل
______________________________
(1)- مستدرك الوسائل: 5/ 239، باب 36، حديث 5772؛ جامع أحاديث الشيعة: 19/ 354.
(2)- وسائل الشيعة: 7/ 104، باب 38، حديث 8856.
(3)- وسائل الشيعة: 7/ 105، باب 39، حديث 8860.
(4)- سورة المؤمنون: 60.
رحلة فى الآفاق والأعماق شرح دعاء كميل، ص: 24
وهو نبع الرحمة اللانهائي، لا ينبغي له أن تساوره ذرة من يأس وقنوط، ذلك أن حالة اليأس إنما هي حالة كفر لا تليق بالمؤمن الذي يعتقد بأن اللَّه هوالقادر المدبر السميع المجيب.
ان اليأس لا ينسجم مع الايمان باللَّه عزوجل بل هو حالة الكفار.
قال اللَّه عزوجل:
«لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ» «1».
وقد أكد القرآن المجيد على الأمل الكامل باللَّه عزوجل ونهى عن اليأس.
قال اللَّه تعالى:
«لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» «2».
وقال سيدنا محمّد صلى الله عليه و آله:
«اليَأسُ مِن رَوحِ اللّهِ أشدُّ بَرداً مِنَ الزَّمهَريرِ» «3»
. وعنه صلى الله عليه و آله قال:
«الفَاجِرُ الرَّاجِى لِرَحْمَةِ اللّهِ تَعالَى أقْرَبُ مِنْها مِنَ العَابِدِ الْمُقَنَّطِ» «4»
. وقد جاء في الروايات والمعارف الاسلامية أن اليأس والقنوط من رحمة اللَّه من الكبائر، وقد توعّد اللَّه عزوجل اليائسين والقانطين بالعذاب الشديد.
ان على الداعي إلّايقنط من رحمة اللَّه ولا يشعر باليأس إذا لم يستجب دعاؤه.
______________________________
(1)- سورة يوسف: 87.
(2)- سورة زمر: 53.
(3)- مستدرك الوسائل: 12/ 59، باب 64، حديث 13507.
(4)- كنز العمال: 5869؛ ميزان الحكمة: 10/ 5046، القنوط، حديث 17109.
رحلة فى الآفاق والأعماق شرح دعاء كميل، ص: 25
فقد جاء ذلك في الايات الكريمة وفي الروايات، فلعل عدم استجابة دعائه كان لمصلحة الداعي نفسه وربما لم تتوفر الظروف المناسبة لاجابة الدعاء.
فعلى الداعي أن يتيقن من ذلك وهو ان عدم استجابة دعاؤه كان لمصلحة، وربما امتد ذلك إلى يوم القيامة يومئذ يستجاب له ذلك الدعاء فيعلم آنذاك انه كان لمصلحته ورحمة به من اللَّه تبارك وتعالى.
وعلى أية حال على من يدعو إلّاييأس من رحمة اللَّه سبحانه؛ لأن اليأس ليست له أرضية عقلية ولا شرعية ولا أخلاقية ولا انسانية، وان المؤمن حقاً لا يدع لليأس طريقاً ينفذ إليه.
وقد ورد في مسألة الدعاء والاجابة كثير من الروايات الهامّة في امهات الكتب الاسلامية وهذا مثال على هذه الروايات الاسلامية القيمة.
عن أبى عبداللّه عليه السلام قال:
«إِنَّ العَبدَ لَيَدعُو فَيَقولُ اللّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِلْمَلِكَيْنِ: قَدِ اسْتَجَبتُ لَهُ، وَلكِنِ احْبَسوهُ بِحاجَتِهِ؛ فَإنِّى أُحِبُّ أَنْ أَسمَعَ صَوْتَهُ. وَإِنَّ العَبْدَ لَيَدْعُو فَيَقولُ اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالَى: عَجِّلوا لَهُ حاجَتَهُ؛ فَإِنّى ابغِضُ صَوْتَهُ!!» «1»
. عن منصور الصيقل قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: ربما دعا الرجل بالدعاء فاستجيب له ثم اخّر ذلك إلى حين قال: فقال: نعم، قلت: ولم ذاك ليزداد من الدعاء؟ قال: نعم «2».
source : من اثار الاستاذ انصاریان حفظه الله