هناك مفردات عديدة فى القرآن الكريم لا يمكن للعقول أن تدرك معانيها أو تفهم القصد الحقيقى من ورائها، ولهذا يتوجب معرفتها من خلال النبى (ص) وآله الأطهار، فهم من يفسر القرآن وهم من بين مفاهيمه ومعانيه.
إن مفردة الصراط المستقيم التى ورد استخدامها فى القرآن فى مناسبات عديدة هى من المفردات الهامّة التى ينبغى أن نفهم مدلولها الحقيقى.
وما نفهمه من مفردة الصراط لا يعدو سوى أن مفادها الطريق،
______________________________
(1) تفسير الصافى: 1/ 54.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 97
ولكن ما هذا الطريق وأين؟ من أين يبدأ والى أين ينتهى؟ وما هى ملامح هذا الطريق ومعالمه؟ وكيفية سلوكه فهذا ما لا يمكن أن ندركه من خلال مفردة الصراط.
ولهذا وغيره نصب الله عز وجل رسوله (ص) وآل بيت الرسول (ع) فى مقام تفسير كتابه وآياته وما فيها من مفردات تحتاج إلى تفسير لإدراكها، فالنبى (ص) مهمته الكبرى هو أن يعلم الناس الكتاب.
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ «1».
فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ «2».
وقد ورد فى كتاب الكافى وفى تفسير القمى والعياشى وفى كثير من الروايات أن أهل الذكر هم أهل البيت (ع) «3».
أجل أن الله تبارك وتعالى أنزل كتابه فى بيت النبوّة وقذف فى قلوب آل البيت معانيه المضيئة ومصاديقه وألهمهم تأويله، فأشرق نور القرآن على أفئدتهم وأصبحوا خزّان علم الله وحملة كتاب الله ومفسرى آيات الله.
أنظر كيف يشرح الإمام الصادق معنى الصراط فى قوله تعالى:
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ: يقول: «أرشدنا إلى الطريق المستقيم أى أرشدنا للزوم الطريق المؤدى إلى محبتك، والمبلّغ جنتك والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب أو نأخذ بآرائنا
______________________________
(1) سورة الجمعة: الآية 20.
(2) سورة النمل: الآية 43.
(3) الكافى: 1/ 211 ح 4، تفسير العياشى، 21/ 260 ح 32، تفسير القمى: 2/ 67، وسائل الشيعة: 27/ 75، باب 7، ح 32237، بحار الأنوار: 23/ 183، باب 9 ح 43، تفسير الصافى: 1/ 925.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 98
فنهلك» «1».
فهل بغير أهل البيت وعلومهم يمكن أن يبلغ الإنسان إلى مقام الحب الإلهى وهم أهل المعرفة بالله عز وجل وهم أهل العلم ومن قذف الله فى قلوبهم حبّه وحب المؤمنين، فمن أحبهم فهو مؤمن ومن أبغضهم كان من المنافقين.
وهل بغير حصنهم الحصين فى ولائهم يمكن درء أخطار الهوى النفسانى والرغبات والميول المادّية والأهواء.
وهل يمكن بغير التثقف بثقافتهم والعمل بإرشادهم وبغير شفاعتهم أن ندخل الجنة يوم القيامة.
وهل يمكن معرفة الطريق إلى الله من غير اقتداء بحركة أهل البيت وهم الدليل إلى الله عز وجل؟
وإما ما قيل أنه يمكن ذلك فى ظلال القرآن من دون عون من إمام هدى وإن قيل اليوم كما قيل من قبل: حسبنا كتاب الله وهى مقولة ظهرت من أجل إقصاء أهل البيت عن أداء دورهم فى هداية الناس، فإن ذلك لابد وأن ينتهى إلى الضلال والضياع؛ لأنه من سيقرأ كتاب الله ومن سيفسر كتاب الله وقد قال سبحانه لا يمسه إلا المطهرون، أن السير من غير معالم فى الطريق لا يؤدى إلا إلى الضلال ولا يقود إلا إلى الضياع.
ومن هنا فإنه يتوجب القول بكل ثقة أن الصراط المستقيم هو من حيث المعنى هو القرآن الكريم، ومن حيث المصداق هو أهل البيت الكرام (ع)، وهما متلازمان ويفسر أحدهما الآخر، وينصر أحدهما الآخر وإنهما لن يفترقا أبداً.
إن سيرة أهل البيت (ع) تجسيد واضح لكل المفاهيم القرآنية
______________________________
(1) عيون أخبار الرضا: 1/ 305، باب 28 ح 65؛ تفسير الإمام العسكرى: 44، ح 20، وسائل الشيعة: 27/ 49، باب 6 ح 33118، تفسير الصافى: 3/ 136 مع بعض الاختلاف.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 99
وما يريده الله سبحانه وتعالى من الإنسان وأن على الإنسان أن يتخذ من أهل البيت (ع) أسوة وقدوة ويسير على خطاهم؛ لأن مسارهم منطبق على هدى القرآن الذى هو الصراط المستقيم.
إن علوم أهل البيت (ع) من النبى (ص) والنبى (ص) من الوحى وعلى قلب محمد (ص) نزل القرآن، وقد ورث آل البيت (ع) من النبى علمه وحكمته.
إن التمسك بهم والسير فى هداهم يؤدى إلى والفوز فى الدنيا والآخرة ودخول الجنة.
من اثار الاستاذ العلامة حسین انصاریان حفظه الله
source : من اثار الاستاذ انصاریان حفظه الله