(..ألا إن حرمی وحرم ولدی بعدی قم، إلا إن قم الکوفة الصغیرة، ألا إن للجنّة ثمانیة بواب، ثلاثة منها إلى قم، تقبض فیها امرأة من ولدی، واسمها فاطمة بنت موسى، تدخل بشفاعتها شیعتنا الجنّة بأجمعهم). (1)
الإمام الرضا (علیه السلام): (.. من زارها فله الجنّة). (2)
الإمام الجواد (علیه السلام): (من زار قبر عمّتی بقم فله الجنّة). (3)
الشجرة الطیبة:
یقول الحق تبارک وتعالى: (أَلَمْ تَرَ کَیْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً کَلِمَةً طَیِّبَةً کَشَجَرَةٍ طَیِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِی السَّمَاءِ تُؤْتِی أُکُلَهَا کُلَّ حِینٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا)(4).
تلک هی شجرة النبوّة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائکة ومهبط الوحی، إنّها شجرة أصلها المصطفى، وفرعها المرتضى، وغصنها الزهراء، وثمرها الأئمة النجباء.
روى علی بن إبراهیم القمی بسنده عن سلام بن المستنیر، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن قول الله: (مثل کلمة طیّبة الآیة) قال: الشجرة رسول الله (صلّى الله علیه وآله)، ونسبه ثابت فی بنی هاشم، وفرع الشجرة علی بن أبی طالب (علیه السلام)، وغصن الشجرة فاطمة (علیها وعلى الأئمة من أولادها السلام)، وثمرتها الأئمة من ولد علی وفاطمة (علیهم السلام)، وشیعتهم ورقها..(5)
وروى الصدوق بسنده عن جابر الجعفی، قال سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (کَشَجَرَةٍ طَیِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِی السَّمَاءِ تُؤْتِی أُکُلَهَا کُلَّ حِینٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا) قال: أما الشجرة فرسول الله، وفرعها علی، وغصن الشجرة فاطمة بنت رسول الله، وثمرها أولادها، وورقها شیعتنا..(6)
وروى الکلینی بسنده عن عمرو بن حریث، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن قول الله: (کَشَجَرَةٍ طَیِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِی السَّمَاءِ) قال: فقال: رسول الله (صلّى الله علیه وآله) أصلها، وأمیر المؤمنین (علیه السلام) فرعها، والأئمة من ذریتهما أغصانها، وعلم الأئمة ثمرتها، وشیعتنهم المؤمنون ورقها..(7)
إلى غیر ذلک من النصوص(8) الدالة على أن هذه الشجرة مبارکة، قد ثبت أصلها، وامتدّ فرعها، وأینع ثمرها، وآتت أکلها کلّ حین بإذن ربها. لقد شاءت الحکمة الإلهیة أن یقترن النبی (صلّى الله علیه وآله) بکثیر من النساء، وکان بعض دواعی وأسباب هذا الاقتران خفیّاً، وبعضها جلیاً ولکن أراد الله لحبیبه المصطفى (صلّى الله علیه وآله) أن ینحدر نسله الطیّب، وتنحصر سلالته الطاهرة فی بضعته الزهراء (علیها السلام)، حیث اقترن نورها بنور ابن عمّه علی (علیه السلام)، فکانت الذرّیة الطیّبة والنّسل الطاهر، وأئمة الدین، وحملة الشرع، وحفظة الکتاب، وسادات الأنام، وهو النسل الذی لا ینقطع کما أخبر النبی (صلّى الله علیه وآله) عن ذلک، فقد روى الإمام الرضا (علیه السلام) عن آبائه (علیهم السلام) عن النبی (صلّى الله علیه وآله) قال: کلّ نسب وصهر منقطع یوم القیامة إلا سببی ونسبی.(9)
السلالة الموسویة
لما کانت سیدة النساء فاطمة الزهراء (علیها السلام) واسطة العقد بین شمس النبوة وقمر الإمامة انحدر من نسلها الطاهر أحد عشر کوکباً، یمثّلون ولایة الله فی أرضه، وخلافة رسول الله على العباد، وأئمة الهدى فی الدین (الذین انتجبهم الله لنوره (بنوره)، وأیّدهم بروحه، ورضیهم خلفاء فی أرضه، حججاً على بریّته، وأنصاراً لدینه، وحفظة لسرّه، وخزنة لعلمه، ومستودعاً لحکمته، وتراجمة لوحیه، وأرکاناً لتوحیده، وشهداء على خلقه، وأعلاماً لعباده، ومناراً فی بلاده، وأدلاّء على صراطه، (إذ) عصمهم الله من الزّلل، وآمنهم من الفتن، وطهّرهم من الدّنس، وأذهب عنهم الرجس، وطهّرهم تطهیراً(10).
وإلى هؤلاء الأئمة الاثنی عشر (علیهم السلام) ینتمی الشیعة الإمامیة فی العقدیة والفقه والأخلاق، والیهم ینتسبون، وبهم یعرفون، وأصبح اسم الاثنی عشریة علماً علیهم.
وإنما اعتقد الشیعة الإمامیة بإمامة هؤلاء لأنهم أحد الثقلین، وأعدال الکتاب، بل هم حقیقة الکتاب ووجوده العینی(11)، وورّاث علم الرسول (صلّى الله علیه وآله).
وقد قامت الأدلّة العامة والخاصّة على وجوب الاعتقاد بإمامتهم، وضرورة الالتزام بأوامرهم ونواهیهم، والسیر على خطاهم، وتفصیل ذلک فی الکتب الکلامیة التی وضعها علماء الشیعة الإمامیة، وتناولوا فیها مسألة الإمامة بأدق تفاصیلها، ومختلف أبعادها وما یترتب علیها من اللوازم.
ویأتی ـ بحسب تسلسل أئمة أهل البیت (علیهم السلام) ـ الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب (علیه السلام)، لیکون سابع أئمة الهدى (علیهم السلام) من حیث الترتیب فی تولّی منصب الإمامة الخطیر.
وقد حفلت حیاة هذا الإمام العظیم بما یقصر البیان عن وصفه، فإنّه أحد أئمة الحق والهدى، وهو خیر أهل الأرض، وأجلّهم قدراً، وأرفعهم مقاماً، وهو المنصوص علیه بالإمامة من بعد أبیه الإمام الصادق (علیه السلام) الذی یعتبر ـ تأریخیاً ـ واضع حجر الأساس لمعالم الفکر الإمامی على الصعیدین الاعتقادی والفقهی.
وإنما قلنا إن الإمام الصادق (علیه السلام) هو واضع حجر الأساس لمعالم الفکر الإمامی وقیّدناه بالناحیة التاریخیة لأنّ عهده (علیه السلام) هو العهد الذی نشأت فیه فکرة المذاهب الفقهیّة المختلفة، وإلا فإن الفکر الإمامی ـ بعقیدته وفقهه وأخلاقه ـ یقترن باسم أمیر المؤمنین (علیه السلام) یوم نصّ علیه النبی (صلّى الله علیه وآله) بالإمامة، وبایعه المسلمون قاطبة فی غدیر خم، فی الحادثة المشهورة التی خلّدها القرآن الکریم فی قوله تعالى: (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ..)(12).
ولم تکن مسألة الإمامة شیئاً آخر منفصلاً عن تعالیم النبی (صلّى الله علیه وآله) وما جاء به، ولکنّ الأحداث التی أعقبت وفاة النبی (صلّى الله علیه وآله) ألقت الستار على هذه القضیة ولم تکن الظروف آنئذ لتساعد على إظهارها، وکانت نظرة أمیر المؤمنین (علیه السلام) تقتضی بالتزام الصمت برهة من الزمن لیتأکد للناس أنهم أخطأوا الطریق حیث عدلوا عنه إلى غیره، ولذا لم یکن صمت أبی الحسن (علیه السلام) إعراضاً وانصرافاً، بل کان صمت الحکیم البصیر العالم بحقائق الأمور وقد کان (علیه السلام) على یقین مما ستؤول إلیه الأمور.
حتى إذا ألقى الزمام بیده سعى فی أن یعید الأمة إلى رشدها وینبههم على فداحة الخطأ الذی ارتکبوه، والآثار السیئة التی نجمت عن ذلک، لم یفته أن یبیّن لهم أن قیامه بالمهمة لم یکن طمعاً فی حطام، أو رغبة فی سلطان، وإنّما من أجل تحقیق أراد الله والرسول، وإحقاق الحق وإزهاق الباطل.
وقد کانت المهمة صعبة جداً، إلى حد اضطرّته للدخول مع مناوئیه فی صراعات دمویّة فی حروب ثلاث طاحنة، أعاقته کثیراً عن أداء مهمته کما یرید هو ویرید الله ورسوله، ذلک لأنّ الذین ترعرعوا فی العهود السابقة ورسخت جذورهم فیها واستطالت فروعهم واستمروا الحیاة الناعمة المترفة، لم یرق لهم المنهج الجدید الذی وضعه أبو الحسن (علیه السلام) حیث یجعلهم فیه متساوین مع سائر الناس، ویحملهم فیه على المحجّة البیضاء، وأن قیمهم ـ فی نظر الحق ـ هی مقدار ما یحسنون، ولم یکن منهج علی (علیه السلام) جدیداً بقدر ما هو إعادة إلى عهد النبی (صلّى الله علیه وآله) وسیرته مع الناس، ولکن حبّ الدنیا والطمع فی حطامها أدّى بأولئک الذین کانوا ینادون بعلی ویهتفون باسمه، إلى التنکّر له ومحاربته، وقد أخطأوا التقدیر لأنّهم ظنّوا أن علیاً (علیه السلام) سیبقی لهم امتیازاتهم التی ظفروا بها فی العهود السابقة، ولکنّهم فوجئوا بأنه لا یداهن على حساب الدین وحقوق الناس، ولن یتنازل عن مبادئه مهما آلت إلیه الأمور (ومن ضاق علیه العدل، فالجور علیه أضیق)(13) وهو على منهاج رسول الله (صلّى الله علیه وآله) فی کل أحواله.
وقد کان (علیه السلام) على التفات إلى هذا الأمر، فإنّهم لما طلبوا أن یبایعوه بالخلافة أجابهم بقوله: دعونی والتمسوا غیری، فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت علیه العقول، وإن الآفاق قد أغامت، والمحجّة قد تنکرت، واعلموا أنی إن أجبتکم رکبت بکم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل، وعتب العاتب، وإن ترکتمونی فأنا کأحدکم، ولعلّی أسمعکم وأطوعکم لمن ولیتموه أمرکم، وأنا لکم وزیراً خیر لکم منّی أمیراً(14).
وما ذلک إلا لعلمه بواقع الحال ومآله.
هذا عدا الفئات الأخرى التی کانت تعیش الانحراف الذاتی وتشکّل خطاً موازیاً لخط علی (علیه السلام) وأهل بیته فی خلاف تاریخی عمیق الجذور.
وهکذا توالت الأحداث مریرة مؤلمة، ومن خلالها کان تحدید معالم الخط الذی سار علیه أهل البیت (علیهم السلام)، یتوارثه الأبناء عن الآباء عن رسول الله (صلّى الله علیه وآله)، وکانوا یمثّلون الحق والهدى والصلاح.
حتى إذا کان زمان الإمام الصادق (علیه السلام) برزت الفوارق واضحة، وساعد على ذلک الهدوء النسبی فی سلسلة المعاناة، واستطاع الإمام الصادق (علیه السلام) فی هذه الظروف أن یرفد الفکر الإمامی بشیء من علمه، ویغدق علیه من عطائه، ولا سیّما أنه برزت على الساحة الإسلامیة الأفکار والآراء المختلفة، فتصدّى الإمام الصادق (علیه السلام) إلیها ردّاً أو تصحیحاً فتحدّدت معالم المنهج الذی أتّبعه أهل البیت (علیهم السلام) بشکل واضح، الأمر الذی أدى إلى نسبة مذهب أهل البیت (علیهم السلام) إلیه.
ولکن ما إن استقرّت الأوضاع السیاسیة إثر التحوّل الإداری الأموی إلى العباسی حتى عادت المعاناة بأبشع صورها وشتّى أشکالها، وجاء بنو العباس لیکملوا ما بدأه الأمویون من مسلسل الإبادة لأهل البیت (علیهم السلام) بالأسالیب المختلفة.
ویحدثنا التاریخ بفواجع الخطوب وفوادح المآسی التی لقیها أهل البیت (علیهم السلام) ـ على أیدی بنی عمّهم من حملات الإبادة المسعورة ـ وکلّ من ینتمی إلیهم بسبب.
وفی هذه الظروف العصیبة عاش الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام)، وشاهد ما کان یعانیه أبوه وشیعته من المآسی والآلام، ولسنا فی مقام التاریخ لهذه الفترة، وإلا لأسمعناک ما ینصدع به الصّخر وتنشقّ الأرض وتخرّ له الجبال، وحسبنا هذا الإجمال، وإن شئت التفصیل فعلیک بالدراسات التی تناولت حیاة الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام) وسنشیر إلى بعض الروایات التی أرّخت تلک الفترة الحرجة.
أقول: ینتمی السادة الموسویون إلى جدهم الأکبر موسى بن جعفر (علیهما السلام)، وهم أکثر السادة انتشاراً فی الأرض، وإنما عبّر عنهم بالسیادة لانتهاء سلسلة أنسابهم إلى رسول الله (صلّى الله علیه وآله) سید ولد آدم، والى الإمام موسى بن جعفر (علیهما السلام) ینتهی نسب السادة النقویین، وهم العلویون الذین ینحدرون من سلالة الإمام علی الهادی (علیه السلام)، وهکذا الرضویون، وهم الذین ینحدرون من سلالة الإمام الرضا (علیه السلام)، کما ینتهی نسب السادة الحسینیون إلى الإمام الحسین (علیه السلام)، وأما السادة الحسنیّون فهم الذین ینتهی نسبهم إلى الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام)، ولکن اصطلح علماء النسب على النسبة إلى الإمام المعصوم الذی هو الأصل بالنسبة لأبنائه وأحفاده ومن ینحدر عنهم، فیقال السادة النقویّون لانتهاء نسبهم إلى الإمام علی النقی (علیه السلام) والموسویون لانتهائه إلى الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام)، والحسینیّون لانتهائه إلى الإمام الحسین (علیه السلام)، والحسنیّون لانتهائه إلى الإمام الحسن (علیه السلام)، وإلا فالنسب کلّه بفروعه وبطونه ینتهی إلى الإمام علی (علیه السلام) والزهراء (علیها السلام) حیث أنّهما مبدأ الذریّة الطیبة.
المصادر:
1- بحار الأنوار: ج60، ص228
2- عیون أخبار الرضا: ج2، ص267
3- کامل الزیارات، ص536
4- سورة إبراهیم: 24-25.
5- تفسیر القمی: ج1، ص398-399.
6- معانی الأخبار: ج2، باب نوادر المعانی الحدیث: ج61، ص380.
7- الأصول من الکافی: ج1، باب إن الأرض کلها للإمام (علیه السلام) الحدیث، 80، ص428.
8- تفسیر نور الثقلین: ج3، ص535-537.
9- وسائل الشیعة: ج14، باب8، من أبواب مقدمات النکاح وآدابه الحدیث 5.
10- عیون أخبار الرضا: ج1، ص274.
11- المنهج القویم فی إثبات الإمامة من الذکر الحکیم، ص101-120.
12- سورة المائدة: 67، وراجع کتاب الغدیر فی الکتاب والسنة والأدب.
13- نهج البلاغة، الخطب 15، ص36.
14- نهج البلاغة، الخطبة 92، ص138-139
source : rasekhoon