عربي
Friday 15th of November 2024
0
نفر 0

جنة آدم عليه السلام

جنة آدم عليه السلام

في تفسير القمي، عن أبيه رفعه قال: سئل الصادق ع عن جنة آدم- أ من جنان الدنيا كانت أم من جنان الآخرة؟ فقال ع: كانت من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس و القمر، و لو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبدا، قال ع: فلما أسكنه الله الجنة و أباحها له إلا الشجرة، لأنه خلق خلقة لا يبقى إلا بالأمر و النهي و الغذاء و اللباس و الاكتنان و النكاح، و لا يدرك ما ينفعه مما يضره إلا بالتوفيق، فجاءه إبليس فقال له- إنكما إن أكلتما من هذه الشجرة- التي نهاكما الله عنها صرتما ملكين، و بقيتما في الجنة أبدا، و إن لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنة، و حلف

                       الميزان في تفسير القرآن، ج‌1، ص: 139


 لهما أنه لهما ناصح- كما قال الله عز و جل حكاية عنه: «ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ- إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ- وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ- فقبل آدم قوله فأكلا من الشجرة» فكانا كما حكى الله، فبدت لهما سوآتهما، و سقط عنهما ما ألبسهما الله من الجنة» و أقبلا يستتران من ورق الجنة، وَ ناداهُما رَبُّهُما: أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ- وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ، فقالا كما حكى الله عنهما رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا- وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ فقال الله لهما: اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ- وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى‌ حِينٍ، قال: أي يوم القيامة، قال: فهبط آدم على الصفا، و إنما سميت الصفا لأن صفي الله أنزل عليها، و نزلت حواء على المروة- و إنما سميت المروة لأن المرأة أنزلت عليها، فبقي آدم أربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنة، فنزل عليه جبرئيل، فقال أ ليس خلقك الله بيده- و نفخ فيك من روحه و أسجد لك ملائكته؟ قال: بلى، و أمرك أن لا تأكل من الشجرة فعصيته؟
قال آدم: إن إبليس حلف لي بالله كاذبا.
أقول: و في كون جنة آدم من جنان الدنيا روايات أخر من طريق أهل البيت و إن اتحد بعضها مع هذه الرواية في إبراهيم بن هاشم.
و المراد بكونها من جنان الدنيا كونها برزخية في مقابل جنان الخلد، كما يشير إليه بعض فقرات الرواية كقوله: فهبط آدم على الصفا، و كقوله: و نزلت حواء على المروة، و كقوله: إن المراد بحين يوم القيامة فيكون المكث في البرزخ بعد الموت مكثا في الأرض طبقا لما في آيات البعث من القرآن من عد المكث البرزخي مكثا في الأرض كما يشير إليه قوله تعالى: «قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ، قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ، قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»: المؤمنون- 114، و قوله تعالى: «وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ، وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى‌ يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَ لكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ»: الروم- 56، على أن عدة من الروايات المنقولة عن أهل البيت تدل على أن الجنة كانت في السماء، و أنهما نزلا من السماء، على أن المستأنس بلسان الروايات لا يستوحش من كون الجنة المذكورة في السماء   

                     الميزان في تفسير القرآن، ج‌1، ص: 140


 و الهبوط منها إلى الأرض مع كونهما خلقا في الأرض و عاشا فيها كما ورد في كون الجنة في السماء و وقوع سؤال القبر فيه و كونه روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار و غير ذلك و أرجو أن يرتفع هذا الإشكال و ما يشاكله من الإشكالات فيما سيأتي من البحث في السماء إن شاء الله العزيز.
و أما كيفية مجي‌ء إبليس إليهما، و ما اتخذه فيه من الوسيلة فالصحاح و المعتبرة من الروايات خالية عن بيانها.
و في بعض الأخبار ذكر الحية و الطاووس عونين لإبليس في إغوائه إياهما لكنها غير معتبرة، أضربنا عن ذكرها و كأنها من الأخبار الدخيلة، و القصة مأخوذة من التوراة و هاك لفظ التوراة في القصة بعينه:
قال في الفصل الثاني من السفر الأول و هو سفر الخليقة": و إن الله خلق آدم ترابا من الأرض، و نفخ في أنفه الحياة، فصار آدم نفسا ناطقا، و غرس الله جنانا في عدن شرقيا، و صير هناك آدم الذي خلقه، و أنبت الله من الأرض كل شجرة، حسن منظرها و طيب مأكلها، و شجرة الحياة في وسط الجنان، و شجرة معرفة الخير و الشر، و جعل نهرا يخرج من عدن ليسقي الجنان، و من ثم يفترق فيصير أربعة أرؤس، اسم أحدها النيل، و هو المحيط بجميع بلد ذويلة الذي فيه الذهب، و ذهب ذلك البلد جيد، ثم اللؤلؤ و حجارة البلور، و اسم النهر الثاني جيحون، و هو المحيط بجميع بلد الحبشة، و اسم النهر الثالث دجلة، و هو يسير في شرقي الموصل، و اسم النهر الرابع هو الفرات، فأخذ الله آدم و أنزله في جنان عدن ليفلحه و ليحفظه- و أمر الله آدم قائلا: من جميع شجر الجنان جائز لك أن تأكل، و من شجرة معرفة الخير و الشر لا تأكل، فإنك في يوم أكلك منها تستحق أن تموت، و قال الله لا خير في بقاء آدم وحده، اصنع له عونا حذاه، فحشر الله من الأرض جميع وحش الصحراء و طير السماء- و أتى بها إلى آدم ليريه ما يسميها، فكل ما سمى آدم من نفس حية باسم هو اسمه إلى الآن-.
فأسمى آدم أسماء لجميع البهائم و طير السماء و جميع وحش الصحراء- و لم يجد آدم  

                      الميزان في تفسير القرآن، ج‌1، ص: 141


 عونا حذاه، فأوقع سباتا على آدم لئلا يحس فنام، فاستل إحدى أضلاعه و سد مكانها اللحم، و بنى الله الضلع التي أخذ امرأة، فأتى بها إلى آدم، و قال آدم هذه المرة شاهدت عظما من عظامي، و لحما من لحمي، و ينبغي أن تسمى امرأة لأنها من أمري أخذت، و لذلك يترك الرجل أباه و أمه و يلزم زوجته، فيصيران كجسد واحد.
و كانا جميعا عريانين آدم و زوجته و لا يحتشمان من ذلك.
الفصل الثالث: و الثعبان صار حكيما- من جميع حيوان الصحراء الذي خلقه الله- فقال للمرأة أ يقينا- قال الله لا تأكلا من جميع شجر الجنان؟ قالت المرأة للثعبان من ثمر شجر الجنان نأكل، لكن من ثمر الشجرة التي في وسطه قال الله لا تأكلا منه، و لا تدنوا به كيلا تموتا، قال لهما لستما تموتان، إن الله عالم أنكما في يوم أكلكما منه- تنفتح عيونكما و تصيران كالملائكة- عارفي الخير و الشر بزيادة، فلما رأت المرأة أن الشجرة طيبة المأكل- شهية المنظر، مني للعقل، أخذت من ثمرها فأكلت، و أعطت بعلها فأكل معها، فانفتحت عيونهما فعلما أنهما عريانان- فخيطا من ورق التين ما صنعا منه مآزر، فسمعا صوت الله مارا في الجنان برفق في حركة النهار، فاستخبأ آدم و زوجته من قبل صوت الله خباء فيما بين شجر الجنان، فنادى الله آدم، و قال له مقررا: أين أنت؟ قال: إني سمعت صوتك في الجنان- فاتقيت إذ أنا عريان فاستخبأت، قال:
من أخبرك أنك عريان؟ أ من الشجرة التي نهيتك عن الأكل منها أكلت؟ قال آدم المرأة التي جعلتها معي- أعطتني من الشجرة فأكلت، قال الله للمرأة: ما ذا صنعت؟
قالت: الثعبان أغراني فأكلت- قال الله للثعبان: إذ صنعت هذا بعلم- فأنت ملعون من جميع البهائم و جميع وحش الصحراء- و على صدرك تسلك و ترابا تأكل طول أيام حياتك، و أجعل عداوة بينك و بين المرأة، و بين نسلك و نسلها، و هو يشدخ منك الرأس و أنت تلذعه في العقب، و قال للمرأة: لأكثرن مشقتك و حملك، و بمشقة تلدين الأولاد، و إلى بعلك يكون قيادك، و هو يتسلط عليك.
و قال لآدم: إذ قبلت قول زوجتك فأكلت من الشجرة- التي نهيتك قائلا لا تأكل منها- ملعونة الأرض بسببك بمشقة تأكل منها طول حياتك، و شوكا و دردرا تنبت لك، و تأكل عشب الصحراء، بعرق وجهك تأكل الطعام إلى حين رجوعك    

                    الميزان في تفسير القرآن، ج‌1، ص: 142


 إلى الأرض- التي أخذت منها لأنك تراب و إلى التراب ترجع، و سمى آدم زوجته حواء- لأنها كانت أم كل حي ناطق، و صنع الله لآدم و زوجته ثياب بدن و ألبسهما، ثم قال الله، هو ذا آدم قد صار كواحد منا يعرف معرفة الخير و الشر، و الآن فيجب أن يخرج من الجنان لئلا يمد يده- فيأخذ من شجرة الحياة أيضا و يأكل فيحيا إلى الدهر، فطرده الله من جنان عدن ليفلح الأرض التي أخذ منها، و لما طرد آدم أسكن من شرقي جنان عدن الملائكة، و لمع سيف متقلب ليحفظوا طريق شجرة الحياة.
انتهى الفصل من (التوراة العربية المطبوعة سنة 1811 ميلادية
، و أنت بتطبيق القصة من الطريقين أعني طريقي القرآن و التوراة ثم التأمل في الروايات الواردة من طريقي العامة و الخاصة تعثر بحقائق من الحال غير أنا أضربنا عن الغور في بيانها و البحث عنها لأن الكتاب غير موضوع لذلك.
و أما دخول إبليس الجنة و إغواؤه فيها و هي (أولا) مقام القرب و النزاهة و الطهارة و قد قال تعالى: «لا لَغْوٌ فِيها وَ لا تَأْثِيمٌ»: الطور- 23، و هي (ثانيا) في السماء و قد قال تعالى خطابا لإبليس حين إبائه عن السجدة لآدم: «فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ»: الحجر- 34، و قال تعالى: «فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها»: الأعراف- 12.
فالجواب عن الأول كما ربما يقال إن القرآن إنما نفى ما نفى من وقوع اللغو و التأثيم في الجنة عن جنة الخلد التي يدخلها المؤمنون في الآخرة و جنة البرزخ التي يدخلونها بعد الموت و الارتحال عن دار التكليف، و أما الجنة التي أدخل فيها آدم و زوجته و ذلك قبل استقرار الإنسان في دار التكليف و توجه الأمر و النهي فالقرآن لم ينطق فيه بشي‌ء من ذلك، بل الأمر بالعكس و ناهيك في ذلك ما ذكر من وقوع عصيان آدم فيه على أن اللغو و التأثيم من الأمور النسبية التي لا تتحقق إلا بعد حلول الإنسان الدنيا و توجه الأمر و النهي إليه و تلبسه بالتكليف.
و الجواب عن الثاني أولا: أن رجوع الضمير في قوله: فَاخْرُجْ مِنْها، و قوله:
فَاهْبِطْ مِنْها إلى السماء غير ظاهر من الآية لعدم ذكر السماء في الكلام سابقا و عدم العهد بها، فمن الجائز أن يكون المراد الخروج من الملائكة و الهبوط منها ببعض العنايات،          

              الميزان في تفسير القرآن، ج‌1، ص: 143


 أو الخروج و الهبوط من المنزلة و الكرامة.
و ثانيا: أنه يجوز أن يكون الأمر بالهبوط و الخروج كناية عن النهي عن المقام هناك بين الملائكة، لا عن أصل الكون فيها بالعروج و المرور من غير مقام و استقرار كالملائكة، و يلوح إليه بل يشهد به ما ربما يظهر من الآيات من استراق السمع،
و قد روي: أن الشياطين كانوا يعرجون قبل عيسى إلى السماء السابعة- فلما ولد عيسى منعوا من السماء الرابعة فما فوقها، ثم لما ولد النبي ص منعوا من جميع السماوات- و خطفوا بالخطفة.
و ثالثا: أن كلامه تعالى خال عن دخول إبليس الجنة فلا مورد للاستشكال، و إنما ورد ما ورد من حديث الدخول في الروايات و هي آحاد غير متواترة مع احتمال النقل بالمعنى من الراوي.
و أقصى ما يدل من كلامه تعالى على دخوله الجنة قوله تعالى حكاية عن إبليس «وَ قالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ»: الأعراف- 19 حيث أتي بلفظة هذه و هي للإشارة من قريب، لكنها لو دلت هاهنا على القرب المكاني لدل في قوله تعالى: «وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ»: الأعراف- 18، على مثله فيه تعالى.
و في العيون، عن عبد السلام الهروي قال: قلت للرضا ع: يا بن رسول الله- أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم و حواء ما كانت؟ فقد اختلف الناس فيها- فمنهم من يروي أنها الحنطة، و منهم من يروي أنها شجرة الحسد، فقال كل ذلك حق، قلت: فما معنى هذه الوجوه على اختلافها؟ فقال: يا بن الصلت إن شجرة الجنة تحمل أنواعا، و كانت شجرة الحنطة و فيها عنب و ليست كشجرة الدنيا، و إن آدم لما أكرمه الله تعالى بإسجاد ملائكته له، و بإدخاله الجنة، قال: هل خلق الله بشرا أفضل مني؟ فعلم الله عز و جل ما وقع في نفسه- فناداه ارفع رأسك يا آدم و انظر إلى ساق العرش، فنظر إلى ساق العرش- فوجد عليه مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله- علي بن أبي طالب أمير المؤمنين- و زوجته فاطمة سيدة نساء العالمين- و الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة، فقال آدم: يا رب من هؤلاء؟ فقال عز و جل يا آدم هؤلاء ذريتك.  

                      الميزان في تفسير القرآن، ج‌1، ص: 144


 و هم خير منك و من جميع خلقي، و لو لا هم ما خلقتك و لا الجنة و لا النار- و لا السماء و لا الأرض، فإياك أن تنظر إليهم بعين الحسد فأخرجك عن جواري، فنظر إليهم بعين الحسد و تمنى منزلتهم- فتسلط عليه الشيطان حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها، و تسلط على حواء فنظرت إلى فاطمة بعين الحسد- حتى أكلت من الشجرة كما أكل آدم- فأخرجهما الله تعالى من جنته- و أهبطهما من جواره إلى الأرض.الميزان في تفسير القرآن، ج‌1، ص: 145 و بين ما
رواه العياشي، في تفسيره عن أحدهما: و قد سئل كيف أخذ الله آدم بالنسيان؟ فقال: إنه لم ينس- و كيف ينسى و هو يذكر و يقول له إبليس: ما نهيكما ربكما عن هذه الشجرة- إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين‌
الحديث. و الوجه فيه واضح.
و في أمالي الصدوق، عن أبي الصلت الهروي، قال: لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا ع: أهل المقالات من أهل الإسلام و الديانات- من اليهود و النصارى و المجوس و الصابئين و سائر أهل المقالات- فلم يقم أحد حتى ألزم حجته كأنه ألقم حجرا- فقام إليه علي بن محمد بن الجهم فقال له: يا بن رسول الله- أ تقول بعصمة الأنبياء؟
قال: بلى، قال: فما تعمل بقول الله عز و جل: «وَ عَصى‌ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى‌؟» إلى أن قال: فقال مولانا الرضا ع: ويحك يا علي- اتق الله و لا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش- و لا تتأول كتاب الله عز و جل برأيك فإن الله عز و جل يقول: «وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ». أما قوله عز و جل في آدم: «وَ عَصى‌ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى‌» فإن الله عز و جل خلق آدم حجة في أرضه- و خليفة في بلاده لم يخلقه للجنة، و كانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض- لتتم مقادير أمر الله عز و جل- فلما أهبط إلى الأرض و جعل حجة و خليفة عصم- بقوله عز و جل: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‌ آدَمَ وَ نُوحاً- وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ»
الحديث.
أقول: قوله: و كانت المعصية في الجنة إلخ إشارة إلى ما قدمناه أن التكليف الديني المولوي لم يكن مجعولا في الجنة بعد، و إنما موطنه الحياة الأرضية المقدرة لآدم ع بعد الهبوط إلى الأرض، فالمعصية إنما كانت معصية لأمر إرشادي غير مولوي فلا وجه لتعسف التأويل في الحديث على ما ارتكبه بعض.
و في العيون، عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون و عنده علي بن موسى- فقال له المأمون: يا ابن رسول الله- أ ليس من قولك إن الأنبياء معصومون؟
فقال بلى، قال فما معنى قول الله تعالى: وَ عَصى‌ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى‌؟ قال: إن الله تعالى قال لآدم: اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما- وَ لا تَقْرَبا هذِهِ   

                     الميزان في تفسير القرآن، ج‌1، ص: 146


 الشَّجَرَةَ
- و أشار لهما إلى شجرة الحنطة فتكونا من الظالمين، و لم يقل لهما: لا تأكلا من هذه الشجرة- و لا مما كان من جنسها فلم يقربا تلك الشجرة و لم يأكلا منها- و إنما أكلا من غيرها لما أن وسوس الشيطان إليهما- و قال: ما نهيكما ربكما عن هذه الشجرة- و إنما نهاكما أن تقربا غيرها- و لم ينهكما أن تأكلا منها إلا أن تكونا ملكين- أو تكونا من الخالدين و قاسمهما إني لكما لمن الناصحين- و لم يكن آدم و حواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا- فدلاهما بغرور فأكلا منها ثقة بيمينه بالله، و كان ذلك من آدم قبل النبوة- و لم يكن ذلك بذنب كبير استحق به دخول النار، و إنما كان من الصغائر الموهوبة- التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي إليهم، فلما اجتباه الله و جعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة و لا كبيرة، قال الله عز و جل: «وَ عَصى‌ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى‌- ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى‌، و قال عز و جل: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‌ آدَمَ وَ نُوحاً- وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ»
الحديث.
أقول: قال الصدوق رحمه الله بعد نقل الحديث على طوله: و الحديث عجيب من طريق علي بن محمد بن الجهم مع نصبه و بغضه و عداوته لأهل البيت ع انتهى.
و ما أعجبه منه إلا ما شاهده من اشتماله على تنزيه الأنبياء من غير أن يمعن النظر في الأصول المأخوذة فيه، فما نقله من جوابه ع في آدم لا يوافق مذهب أئمة أهل البيت المستفيض عنهم من عصمة الأنبياء من الصغائر و الكبائر قبل النبوة و بعدها.
على أن الجواب مشتمل على تقدير في قوله تعالى: «ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا»، إلى مثل قولنا: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة و إنما نهاكما عن غيرها و ما نهاكما عن غيرها إلا أن تكونا إلخ. على أن قوله تعالى «ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ»، و قوله تعالى «قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى‌ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى‌ الآية»، يدل على أن إبليس إنما كان يحرضهما على الأكل من شخص الشجرة المنهية تطميعا في الخلود و الملك الذي حجب عنه بالنهي، على أن الرجل أعني علي بن محمد بن الجهم قد أخذ الجواب الصحيح التام بنفسه في مجلس المأمون كما رويناه في الحديث السابق، فالرواية لا تخلو عن شي‌ء و إن كان بعض  

                      الميزان في تفسير القرآن، ج‌1، ص: 147


 هذه الوجوه ممكن الاندفاع هذا.
و روى الصدوق، عن الباقر ع عن آبائه عن علي عن رسول الله ص، قال: إنما كان لبث آدم و حواء في الجنة- حتى أخرجا منها سبع ساعات من أيام الدنيا- حتى أهبطهما الله في يومهما.
و في تفسير العياشي، عن عبد الله بن سنان، قال: سئل أبو عبد الله ع و أنا حاضر: كم لبث آدم و زوجته في الجنة حتى أخرجهما منها خطيئة؟ فقال: إن الله تبارك و تعالى نفخ في آدم روحه- بعد زوال الشمس من يوم الجمعة- ثم برأ زوجته من أسفل أضلاعه- ثم أسجد له ملائكته و أسكنه جنته من يومه ذلك، فوالله ما استقر فيها إلا ست ساعات من يومه ذلك، حتى عصى الله تعالى، فأخرجهما الله منها بعد غروب الشمس- و صيرا بفناء الجنة حتى أصبحا- فبدت لهما سوآتهما و ناداهما ربهما: أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ فاستحيا آدم فخضع- و قال: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا و اعترفنا بذنوبنا فاغفر لنا، قال الله لهما اهبطا من سماواتي إلى الأرض، فإنه لا يجاورني في جنتي عاص و لا في سماواتي.
أقول: و يمكن أن يستفاد ما يشتمل عليه الرواية من كيفية خروجهما و أنه كان أولا من الجنة إلى فنائها و من فنائها إلى الأرض من تكرر الأمر بالهبوط في الآية مع كونه أمرا تكوينيا غير قابل التخلف، و كذا من تغيير السياق في قوله تعالى:
 «وَ قُلْنا: يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ، إلى أن قال: وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ الآية»، و قوله تعالى: وَ ناداهُما رَبُّهُما: أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ الآية، حيث عبر في الأول بالقول و بالإشارة القريبة و في الثاني بالنداء و الإشارة البعيدة، غير أن الرواية مشتملة على خلق حواء من أسفل أضلاع آدم كما اشتملت عليه التوراة، و الروايات عن أئمة أهل البيت تكذبه كما سيجي‌ء في البحث عن خلقة آدم، و إن أمكن أن يحمل خلقها من فاضل طينة آدم مما يلي أضلاعه هذا، و أما ساعات مكثه في الجنة، و أنها ستة أو سبعة فالأمر فيها هين فإنما هو تقريب.
و في الكافي،: عن أحدهما ع: في قوله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ، قال:
لا إله إلا أنت، سبحانك اللهم و بحمدك، عملت سوءا و ظلمت نفسي- فاغفر لي        

                الميزان في تفسير القرآن، ج‌1، ص: 148


 و أنت خير الغافرين، لا إله إلا أنت، سبحانك اللهم و بحمدك، عملت سوءا و ظلمت نفسي فارحمني و أنت خير الغافرين، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم و بحمدك- عملت سوءا و ظلمت نفسي فارحمني و أنت خير الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم و بحمدك- عملت سوءا و ظلمت نفسي فاغفر لي و تب علي- إنك أنت التواب الرحيم.
أقول: و روى هذا المعنى الصدوق و العياشي و القمي و غيرهم، و عن طرق أهل السنة و الجماعة أيضا ما يقرب من ذلك، و ربما استفيد ذلك من ظاهر آيات القصة.
و قال الكليني في الكافي،: و في رواية أخرى: في قوله: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ- قال: سأله بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين.
أقول: و روى هذا المعنى أيضا الصدوق و العياشي و القمي و غيرهم، و روي ما يقرب من ذلك من طرق أهل السنة و الجماعة أيضا كما
رواه في الدر المنثور، عن النبي ص، قال: لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه- رفع رأسه إلى السماء فقال: أسألك بحق محمد إلا غفرت لي- فأوحى الله إليه، و من محمد؟ قال: تبارك اسمك لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك- فإذا فيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنه ليس أحد عندك أعظم قدرا- ممن جعلت اسمه مع اسمك- فأوحى الله إليه يا آدم إنه آخر النبيين من ذريتك- و لولاه ما خلقتك.
أقول: و هذا المعنى و إن كان بعيدا عن ظاهر الآيات في بادي النظر لكن إشباع النظر و التدبر فيها ربما قرب ذلك تقريبا، إذ قوله: فَتَلَقَّى آدَمُ، يشتمل على معنى الأخذ مع الاستقبال، ففيه دلالة على أخذ آدم هذه الكلمات من ربه، ففيه علم سابق على التوبة، و قد كان ع تعلم من ربه الأسماء كلها إذ قال تعالى للملائكة:
إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، قالُوا: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ؟ قالَ: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها، فهذا العلم كان من شأنه إزاحة كل ظلم و معصية لا محالة و دواء كل داء و إلا لم يتم الجواب عما أورده الملائكة و لا قامت الحجة عليهم لأنه سبحانه لم يذكر قبال قولهم: يفسد فيها و يسفك الدماء شيئا و لم يقابلهم بشي‌ء دون أن علم آدم الأسماء كلها ففيه إصلاح كل فاسد، و قد عرفت ما حقيقة هذه الأسماء، و أنها موجودات عالية مغيبة في غيب  

                      الميزان في تفسير القرآن، ج‌1، ص: 149


 السماوات و الأرض، و وسائط فيوضاته تعالى لما دونها، لا يتم كمال لمستكمل إلا ببركاتها و قد ورد في بعض الأخبار أنه رأى أشباح أهل البيت و أنوارهم حين علم الأسماء، و ورد أنه رآها حين أخرج الله ذريته من ظهره، و ورد أيضا أنه رآها و هو في الجنة فراجع و الله الهادي. و قد أبهم الله أمر هذه الكلمات في قوله: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ الآية حيث نكرها، و ورد في القرآن: إطلاق الكلمة على الموجود العيني صريحا في قوله: «بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ»: آل عمران- 40.
و أما ما ذكره بعض المفسرين: أن الكلمات التي حكاها الله عنهما في سورة الأعراف بقوله: «قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» الآية، ففيه: «أن التوبة كما يدل عليه الآيات في هذه السورة أعني سورة البقرة وقعت بعد الهبوط إلى الأرض، قال تعالى: «وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ» إلى أن قال:
 «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ» الآيات و هذه الكلمات تكلم بها آدم و زوجته قبل الهبوط و هما في الجنة كما في سورة الأعراف، قال تعالى: «وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ» إلى أن قال: «قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا» إلى أن قال: «قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ» الآيات، بل الظاهر أن قولهما: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا، تذلل منهما و خضوع قبال ندائه تعالى و إيذان بأن الأمر إلى الله سبحانه كيف يشاء بعد الاعتراف بأن له الربوبية و أنهما ظالمان مشرفان على خطر الخسران. (
و في تفسير القمي، عن الصادق ع قال: إن موسى سأل ربه أن يجمع بينه و بين آدم، فجمع فقال له موسى: يا أبت أ لم يخلقك الله بيده و نفخ فيك من روحه- و أسجد لك الملائكة- و أمرك أن لا تأكل من الشجرة؟ فلم عصيته؟ قال: يا موسى بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التورية؟ قال: بثلاثين ألف سنة قال: فقال:
هو ذاك، قال الصادق ع فحجج آدم موسى.
أقول: و روى ما يقرب من هذا المعنى العلامة السيوطي في الدر المنثور بعدة طرق عن النبي ص.
و في العلل، عن الباقر ع: و الله لقد خلق الله آدم للدنيا، و أسكنه الجنة    

                    الميزان في تفسير القرآن، ج‌1، ص: 150


 ليعصيه فيرده إلى ما خلقه له.
أقول: و قد مر رواية العياشي عن الصادق ع: في خليل كان لآدم من الملائكة الحديث في هذا المعنى.
و في الاحتجاج،: في احتجاج علي مع الشامي حين سأله: عن أكرم واد على وجه الأرض، فقال ع: واد يقال له سرانديب سقط فيه آدم من السماء.
أقول: و تقابلها روايات مستفيضة تدل على سقوطه في أرض مكة و قد مر بعضها و يمكن التوفيق بينها بإمكان نزوله أولا بسرانديب ثم هبوطه إلى أرض مكة و ليس بنزولين عرضيين هذا.
و في الدر المنثور، عن الطبراني و أبي الشيخ في العظمة و ابن مردويه عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أ رأيت آدم أ نبيا كان؟ قال: نعم كان نبيا رسولا، كلمه الله قبلا، قال له: يا آدم اسكن أنت و زوجك الجنة.
أقول: و روى أهل السنة و الجماعة قريبا من هذا المعنى بعدة طرق‌




0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

البكاء على أهل البيت‏
الدعاء عند الحجر الاسود
لا تتقدموا عليهم ولا تتأخروا
بيعة الغدير / القسم الأول
ضرورة القانون للمجتمع
المجلس الحسيني وأمر أهل البيت(عليهم السلام)
النساء المعذّبات في النار
التبليغ بين صلاح المجتمع وفساده
صلاة ألف ركعة
دعاء الاعتقاد

 
user comment