لقد کان بیت أبی طالب موطّد الأساس بالنبوّات مرفوعة معالمه بخلافة الله الکبرى وکانت آصرة النبوة ضاربة فیه من آدم إلى شیث إلى نوح إلى إبراهیم إلى إسماعیل الذبیح إلى ما تناسل منه ممن دان بالتوحید وکانت له الوصایة فی المحافظة على نوامیس الأنبیاء وإنّک لا تجد أحداً من عمود النسب الوضّاح الذی یقف عنده الحدیث النبوی (1)إلاّ آخذاً بأعضاد الشرف والسؤود حاملاً للحنیفیة البیضاء دین السلام والوئام وشرعة الخلیل إبراهیم (علیه السلام).
وإنّ الوقوف على بعض ما ذکره التاریخ فی حقّ هؤلاء الرجال یشهد لهذه الدعوى المدعومة بالوجدان فکان (عدنان) یصارح فی خطبته بأن فیمن یتناسل منه النبیّ الکریم خاتم الرسل أجمعین الداعی إلى کلمة الحقّ ورسالة الصدق ثم أوصى باتباعه.
ولکون ولده (معدّ) على نهجه أمر الله تعالى (أرمیا) أن یحمله على البراق کیلا تصیبه نقمة بختنصّر وعرّفه بأنّه سیخرج من صُلبه نبیّاً یکون خاتم الأنبیاء فحمله إلى أرض الشام إلى أن هدأت الفتنة .(2)
وکان نور النبوّة یشعُّ فی جبهة (نزار) (3)وورد النهی عن سبّ ربیعة ومضر والیاس لکونهم مؤمنین والیاس أول من أهدى البدن إلى البیت الحرام وأول من ظفر بمقام إبراهیم وقد أدرک (مدرکة بن الیاس) کل عزّ لآبائه وفی جبهته نور النبیّ محمد صلّى الله علیه وآله وسلّم ساطع وکان (کنانة) بن خزیمة بن مدرکة یجاهر بالدعوة إلى دین (الخلیل) ورفض عبادة الأصنام وإن من صُلبه نبیّاً یدعو إلى البرّ والإِحسان ومکارم الخلاق.
و(فهر بن مضر) کان العرب تهابه لجمعه خصال الخیر والنور اللائح على أساریر جبهته ولانتصاره على حسّان بن عبد کلال حین جاء من الیمن لأخذ أحجار الکعبة لیبنی بها بیتاً بالیمن یزوره الناس فأسر حسّان وانهزمت حمیر وبقی حسّان فی الأسر ثلاث سنین ثم فدى نفسه بمال کثیر وخرج فمات بین مکّة والمدینة .(4)
ولم یزل کعب بن لؤی یذکر النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) ویعلم قریشاً بأنّه من ولده ویأمر باتباعه وفی المأثور من کلامه: زیّنوا حرمکم وعظّموه وتمسّکوا به ولا تفارقوا فسیأتی له نبؤٌ عظیم وسیخرج منه نبیّ کریم ثم قال:
نهار ولیل واختلاف حوادث***سواء علینا حلوها ومریرها
یؤبان بالأحداث حتى تأوَّیا***وبالنعم الضافی علینا ستورها
على غفلة یأتی النبی محمد***فیخبر أخباراً صدوقاً خبیرها
ثم قال:
یا لیتنی شاهد فحواء دعوته***حین العشیرة تبغی الحقّ خذلانا (5)
إنّ هذه السلسلة هی التی أنتجت قصیّاً فعبد مناف فهاشماً فعبد المطلب ثم عبد الله وأبا طالب ومنهما أشرق الکون بخاتم الأنبیاء وسیّد الأوصیاء صلوات الله علیهم أجمعین. (6)
والذی یجب الهتاف به أن کل واحد من عمود النسب غیر مدنّس بشیء من رجس الجاهلیة ولا موصوم بعبادة وثن وهو الذی یرتضیه علماء الحق لکونهم صدّیقین بین أنبیاء وأوصیاء وقد نزّههم الله سبحانه فی خطابه لنبیّه الأقدس: (وتَقلّبک فی الساجدین) فإنّه أثبت لهم بلفظ الجمع المحلّى باللاّم السجود الحق الذی یرتضیه لهم.
وإن ما یؤثر عنهم من الأشیاء المستغربة عندنا لا بدّ وأن تکون من الشریعة المشروعة لهم وأن یکون له معنى تظهره الدرایة والتنقیب.
ولیس آزر الذی کان ینحت الأصنام وکاهنة نمرود أبا إبراهیم (علیه السلام) الذی نزل من ظهره لأن أباه اسمه تاریخ وآزر أمّا أن یکون عمّه کما یرتئیه جماعة من المؤرّخین وإطلاق الأب على العم شائع على المجاز وبه جاء الکتاب المجید: (إذ حضر یعقوب الموت إذ قال لبنیه ما تعبدون من بعدی قالوا نعبد إلهک وإله آبائک إبراهیم وإسماعیل لفظ الأب ولم یکن أبا یعقوب وإنما هو عمّه کما أطلق على إبراهیم لفظ الأب وهو جدّه.
وأمّا أن یکون آزر جدّ إبراهیم لأمّه کما یرتئیه المنقبون والجدّ للأمّ أب فی الحقیقة وممّا یؤیّد أنّه غیر أبیه قوله تعالى: (وإذ قال إبراهیم لأبیه آزر) فمیّزه باسمه ولو أراد أباه الذی نزل من ظهره لاستغنى بإضافة الأبوّة عن التسمیة بآزر.
کل ذلک مضافاً إلى مصارحة الرسول الکریم بطهارة آبائه عن رجس الجاهلیة وسفاح الکفر فإنه (صلى الله علیه وآله وسلم) قال لما أراد الله تعالى أن یخلقنا صوّرنا عمود نور فی صُلب آدم فکان ذلک النور فی جبینه ثم انتقل إلى وصیّه شیث وفیما أوصاه ألاّ یضع هذا النور الإلهی إلاّ فی أرحام المطهرات من النساء ولم تزل هذه الوصیة معمولاً بها یتناقلها کابر عن کابر فولدنا الأخیار من الرجال والخیّرات المطهّرات المهذّبات من النساء حتى انتهینا إلى صُلب عبد المطلب فجعله نصفین نصف فی عبد الله فصار إلى آمنة ونصف فی أبی طالب فصار إلى فاطمة بنت أسد .(7)
ولم یزل هذا الحال کما وصفناه حتى أقبل دور شیخ الأبطح أبی طالب وولده أمیر المؤمنین والإمامین السبطین سیّدی شباب أهل الجنّة والأئمّة من ولد سیّد الشهداء حتى یقف العدد على ناموس الدهر وولی الأمر فی کل عصر عجّل الله فرجه.
هنا یقف الیراع عن تصویر عظمة هذا البیت المنیع ویرتجّ على الکاتب ویعی الشاعر فإن حقیقة القداسة بین طرفی النبوّة والإمامة التی جمعها هذا البیت لم تدع مسرحاً لقائل أو متسعاً لواصف لتقاعس القدرة البشریة عن نعت ما هو فوق مستواها ولا یمکنها الخبرة بحقائق أنوار عالم الملکوت.
نعم لها الإفاضة فی مقدار ما یمکنها من التوصّل إلیه ولو فی الجملة من أنّه بیت نبوّة وإمامة، بیت علم ودین، بیت عزّ وسؤدد.
بیت علا سمک الضراح رفعة***فکان أعلا شرفاً وأمنعا
أعزَّه الله فما تهبط فی***کعبته الأملاک إلا خضَّعا
بیت من القدس وناهیک به***محطّ أسرار الهدى وموضعا
فکان مأوى المرتجى والملتجى***فما أعزّ شأنه وأمنعا (8)
وهذه الصفات الکریمة هی التی أهّلت أبا طالب علیه السلام لحمل أعباء الوصایة عن الأنبیاء (علیهم السلام) بعد أن تلقّاها عن أبیه عبد المطلب الذی کان وصیاً من الأوصیاء وقارئاً للکتب السماویة کما أخبر أبو طالب رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) بذلک إذ قال له: کان أبی یقرأ الکتب جمیعاً وقال إن من صلبی نبیّاً لوددت أنّی أدرکت ذلک الزمان فآمنت به فمن أدرکه من ولدی فلیؤمن به .(9)
وکان أبو طالب کأبیه (شیبة الحمد) عالماً بما جاء به الأنبیاء وأخبروا به أُممهم من حوادث وملاحم لأنّه وصیّ من الأوصیاء وأمین على وصایا الأنبیاء حتى سلّمها إلى النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) .(10)
وفی ذلک یقول درست بن منصور لأبی الحسن موسى (علیه السلام) أکان رسول الله محجوباً بأبی طالب قال علیه السلام: لا ولکن کان مستودع الوصایا فدفعها إلى النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) قلت دفعها على أنّه محجوج به قال علیه السلام لو کان محجوجاً به ما دفعها إلیه قلت فما کان حال أبی طالب قال علیه السلام أقرّ بالنبیّ وبما جاء به حتى مات .(11)
وقال شیخنا المجلسی أعلى الله مقامه: أجمعت الشیعة على أن أبا طالب لم یعبد صنماً قطّ وأنّه کان من أوصیاء إبراهیم الخلیل (علیه السلام)، وحکى الطبرسی إجماع أهل العلم على ذلک، ووافقه ابن بطریق فی کتاب الاستدراک .(12)
وقال الصدوق: کان عبد المطلب وأبو طالب من أعرف العلماء وأعلمهم بشأن النبیّ وکانا یکتمان ذلک عن الجهّال والکفرة .(13)
ومما یشهد على ذلک الحدیث الصحیح عن أمیر المؤمنین (علیه السلام): والله ما عَبَدَ أبی ولا جدّی عبد الله ولا عبد مناف ولا هاشم صنماً وإنّما کانوا یعبدون الله ویصلون إلى البیت على دین إبراهیم متمسّکین به .(14)
ویقول أبو الحسن الرضا (علیه السلام): کان نقش خاتم أبی طالب: (رضیت بالله ربّاً وبابن أخی محمد نبیّاً وبابنی علیّ وصیّاً له) .(15)
مضافاً إلى أن قریشاً لما أبصرت العجائب لیلة ولادة أمیر المؤمنین (علیه السلام) خصوصاً لما أتوا بالآلهة إلى جبل أبی قبیس لیسکن ما حلّ بهم ارتجّ الجبل وتساقطت الأصنام ففزعوا إلى أبی طالب لأنّه مفزع اللاجی وعصمة المستجیر، وسلوه عن ذلک فرفع یدیه مبتهلاً إلى المولى جلّ شأنه قائلاً: إلهی أسألک بالمحمّدیة المحمودة والعلویة العالیة والفاطمیة البیضاء إلاّ تفضّلت على تهامة بالرأفة والرحمة فسکن ما حلَّ بهم، وعرفت قریش فضل هذه الأسماء قبل ظهورها وتدعو بها عند المهمات وهی لا تعرف حقیقتها .(16)
ومن هنا اعتمد علیه عبد المطلب فی کفالة الرسول صلّى الله علیه وآله فخصّه به دون سائر بنیه وقال:
وصیت من کنیته بطالب***عبد مناف وهو ذو تجارب(17)
بابن الحبیب أکرم الأقارب***بابن الذی قد غاب غیر آئب
فقال أبو طالب:
لا توصنی بلازم وواجب***إنّی سمعت أعجب العجائب
من کل حبر عالم وکاتب***بأن بحمد الله قول الراهب
فقال عبد المطلب انظر یا أبا طالب أن تکون حافظاً لهذا الوحید الذی لم یشمّ رائحة أبیه ولم یذق شفقة أمّه انظر أن یکون من جسدک بمنزلة کبدک فإنّی قد ترکت بنیَّ کلّهم وخصصتک به فانصره بلسانک ویدک ومالک فإنّه والله سیسودکم ویملک ما لا یملک أحد من آبائی هل قبلت وصیّتی؟ قال: نعم قد قبلت والله على ذلک شاهد.
فقال عبد المطلب: مُدّ یدک، فمدّ یده وضرب عبد المطلب بیده على ید أبی طالب ثم قال عبد المطلب: الآن خفف علیَّ الموت، ولم یزل یُقبّله ویقول: أشهد أنّی لم أرَ أحداً أطیب ریحاً منک ولا أحسن وجهاً .(18)
لم ینصّ عبد المطلب علیه بالوصیة لمحض أنّه شقیق أبیه عبد الله فلقد کان الزبیر یشارک أبا طالب فی ذلک وإنّما هو لکفایته لتلک المرتبة القدسیة فقد صاغه المهیمن سبحانه متأهّلاً لحمل النوامیس الإلهیة (شدید بأعباء الخلافة کأهله).
فاجتمعت فیه القابلیة الذاتیة والمعدات المفاضة علیه من سلفه الطاهر ومن الأوصیاء الماضین وتأکّدت بمصاحبة النبیّ الأعظم (صلى الله علیه وآله وسلم) آناء اللیل وأطراف النهار فلا یکاد یفارقه آناً ما وبمشهد منه الإرهاصات النبویة والإفاضات الإلهیة المکهربة للمواد اللائقة.
فرح أبو طالب بهذه الحظوة من أبیه العطوف وراح یدّخر لنفسه السعادة الخالدة بکفالة نبیّ الرحمة فقام بأمره وحماه فی صغره بماله وجاهه من الیهود والعرب وقریش وکان یؤثره على أهله ونفسه وکیف لا یفعل هذا وهو یشاهد من ابن أخیه ولما یبلغ التاسعة من عمره هیکل القدس یملأ الدست هیبة ورجاجة أکثر ضحکه الابتسام ویأنس بالوحدة أکثر من الاجتماع وإذا وضع له الطعام والشراب لم یتناول منه شیئاً إلاّ قال باسم الله الأحد وإذ فرغ من الطعام حمد الله وأثنى علیه وإن رصده فی نومه شاهد النور یسطع من رأسه إلى عنان السماء .(19)
وکان یوماً معه بذی المجاز فعطش أبو طالب ولم یجد الماء فجاء النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) إلى صخرة هناک فرکلها برجله فنبع من تحتها الماء العذب (20)وزاد على ذلک توفّر الطعام فی بیته حتى أنّه یکفی الجمع الکثیر إذا تناول النبی منه شیئاً .(21)
وهذا وحده کاف فی الإذعان بأن أبا طالب کان على یقین من نبوّة ابن أخیه (صلى الله علیه وآله وسلم) أضف إلى ذلک قوله فی خطبته لما أراد أن یزوّجه من خدیجة (وهو والله بعد هذا له نبؤٌ عظیم وخطر جلیل) .(22)
وکان یقول فی وصیّته لقریش عند الوفاة: یا معشر قریش أنتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب واعلموا أنّکم لم تترکوا للعرب فی المآثر نصیباً إلا أحرزتموه ولا شرفاً إلا أدرکتموه فلکم به على الناس الفضیلة ولهم به إلیکم الوسیلة والناس لکم حرب وإلى حربکم إلب وإنّی أوصیکم بتعظیم هذه البنیة فإن فیها مرضاة للربّ وقواماً للجأش وثباتاً للوطأة صِلُوا أرحامکم ولا تقطعوها فإن صلة الرحم منسأة للأجل وزیادة فی العدد واترکوا البغی والعقوق ففیهما شرف الحیاة والممات وعلیکم بصدق الحدیث وأداء الأمانة فإن فیهما محبّة للخاص ومکرمة للعام.
وإنّی أوصیکم بمحمد خیراً فإنّه الأمین فی قریش والصدیق فی العرب کأنّی انظر إلى صعالیک العرب وأهل الوبر والأطراف والمستضعفین من الناس قد أجابوا دعوته وصدَّقوا کلمته وعظّموه فخاض بهم غمرات الموت فصارت رؤساء قریش وصنادیدها أذناباً ودورها خراباً وأعظمهم علیه أحوجهم إلیه وأبعدهم أقربهم عنده قد محضته العرب ودادها وأصغت له فؤادها وأعطته قیادها.
دونکم یا معشر قریش المحافظة على ابن أخیکم وکونوا له ولاة ولحزبه حماة والله لا یسلک أحد منکم سبیله إلا سعد ولا یأخذ بهدیة إلا رشد ولو کان للنفس مدّة وللأجل تأخیر لکفیت عنه الهزاهز ولدفعت عنه الدواهی.
وأنشد:
أوصی بنصر النبیّ الخیر مشده***علیاً ابنی وشیخ القوم عباساً
وحمزة الأسد الحامی حقیقته***وجعفراً أن یذودا دونه الناسا
کونوا فداءً لکم أمی وما ولدت***فی نصر أحمد دون الناس أتراسا (23)
ولما جاء العباس إلى أبی طالب یخبره بتألّب قریش على معاداته قال له أن أبی أخبرنی أن الرسول على حقّ ولا یضرّه ما علیه قریش من المعادات له وإن أبی کان یقرأ الکتب جمیعاً وقال إن من صلبی نبیاً لوددت أنّی أدرکته فآمنت به فمن أدرکه فلیؤمن به .(24)
واستشهاده بکلمة أبیه القارئ للکتب الإلهیة مع أنه کان یقرؤها مثله یدلّنا على تفنّنه فی تنسیق القیاس وإقامة البرهان على صحّة النبوة وأن الواجب اعتناق شریعته الحقّة.
أمّا هو نفسه فعلى یقین من أنّ رسالة ابن أخیه خاتمة الرسالات وهو أفضل من تقدّمه قبل أن یشرق نور النبوّة على وجه البسیطة ولم تجهل لدیه صفات النبی المبعوث وعلى هذا الأساس أخبر بعض أهل العلم من الأحبار حینما أسرَّ إلیه بأنّ ابن أخیه الروح الطیّبة والنبیّ المطهّر على لسان التوراة والإنجیل فاستکتمه أبو طالب الحدیث کی لا یفشوا الخبر، ثم قال له: إن أبی أخبرنی أنه النبیّ المبعوث وأمر أن أستر ذلک لئلاّ یغرى به الأعادی.
ولو لم یکن معتقداً صدق الدعوة لما قال لأخیه حمزة لما أظهر الإسلام (25)
فصبراً أبا یعلى على دین أحمد***وکن مظهراً للدین وفقت صابرا
وحط من أتى بالدین من عند ربه***بصدق وحق لا تکن حمز کافرا
فقد سرّنی إذ قلت أنّک مؤمن***فکن لرسول الله فی الله ناصرا
ونادِ قریشاً بالذی قد أتیته***جهاراً وقل: ما کان أحمد ساحرا
نبیّ أتاه الوحی من عند ربّه***فمن قال لا، یقرع بها سنّ نادم
ومما خاطب بها النجاشی:
تعلم خیار الناس أن محمداً***وزیر لموسى والمسیح ابن مریم
أتى بالهدى مثل الذی أتیا به***فکل بأمر الله یهدى ویعصم
وإنّکم تتلونه فی کتابکم***بصدق حدیث لا حدیث المترجم
فلا تجعلوا لله ندّاً وأسلموا***فإن طریق الحقّ لیس بمظلم
وقال :
اذهب بنیّ فما علیک غضاضة***اذهب وقر بذاک منک عیونا
والله لن یصلوا إلیک بجمعهم***حتى أوسّد فی التراب دفینا
ودعوتنی وعلمت أنّک ناصحی***وصدقت ثم وکنت قبل أمینا
وذکرت دیناً لا محالة أنّه***من خیر أدیان البریة دینا(26)
وبعد هذه المصارحة هل یخالج أحداً الریب فی إیمان أبی طالب؟ وهل یجوز على من یقول إنا وجدنا محمداً کموسى نبیّاً إلاّ الاعتراف بنبوّته والإقرار برسالته کالأنبیاء المتقدّمین وهل یکون إقرار بالنبوة أبلغ من قوله (فأمسى ابن عبد الله فینا مصدّقاً) وهل فرق بین أن یقول المسلم: أشهد أن محمداً رسول الله وبین أن یقول :
وإن کان أحمد قد جاءهم***بصدق ولم یتهم بالکذب
أو یعترف الرجل بأن محمداً کموسى وعیسى جاء بالهدى والرشاد مثلما أتیا به ثم یحکم علیه بالکفر، وهل هناک جملة یعبر بها الإسلام أصرح من قول المسلم:
وذکرت دیناً لا محالة أنّه***من خیر أدیان البریة دینا(27)
کلاّ، ولو لم یعرف أبو طالب من ابن أخیه الصدق فیما أخبر به لما قال له بمحضر قریش لیریهم من فضله وهو به خبیر وجنانه طامن: یا ابن أخی الله أرسلک؟ قال نعم، قال أبو طالب: إن للأنبیاء معجزة وخرق عادة فأرنا آیة، قال النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم): یا عمّ ادعِ تلک الشجرة وقل لها: یقول لک محمد بن عبد الله اقبلی بإذن الله فدعاها أبو طالب فأقبلت حتى سجدت بین یدیه ثم أمرها بالانصراف فانصرفت.
فقال أبو طالب: أشهد أنّک صادق، ثم قال لابنه: یا علیّ ألزمه وفی بعض الأیام رأى علیّاً یصلّی مع النبیّ فقال له: یا بنی ما هذا الذی أنت علیه، قال یا أبة آمنت بالله وبرسوله وصدقت بما جاء به ودخلت معه واتبعته فقال أبو طالب: أما إنّه لا یدعوک إلا إلى خیر فلا یدعوک إلا إلى خیر فألزمه .(28)
فهل یجد الباحث بعد هذا ملتحداً عن الجزم بأن شیخ الأبطح کان معتنقاً للدین الحنیف ویکافح طواغیت قریش حتى بالصلاة مع النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) وإن أهمله فریق من المؤرخین رعایة لما هم علیه من حُبّ الوقیعة فی أبی طالب ورومیه بالقذائف حنقاً على ولده أمیر المؤمنین (علیه السلام) الذی لم یتسنّى لهم أی غمیزة فیه فتحاملوا على أمّه وأبیه إیذاءاً له وإکثاراً لنظائر من یرمون إکباره وإجلاله ممن سبق منهم الکفر وحیث لم یسعهم الحطّ من کرامة النبیّ والوصی عمدوا إلى أبویهما الکریمین فعزّوا إلیهما الطامات وستروا ما یؤثر عنهما من الفضائل إیثاراً لما یروقهم إثباته.
یشهد لذلک ما ذکره بعض الکتّاب عند أسرى بدر فإنّه قال: وکان من الأسر عمّ النبیّ وعقیل ابن عمّه (أخو علیّ) .(29)
فلو کان غرضه تعریف المأسور لکان فی تعریف عقیل بأنّه ابن عم النبیّ کفایة کما اکتفى فی تعریف العبّاس به ولم یحتجّ أن یکتب بین قوسین (أخو علیّ) وأنت تعرف المراد من ذکر هذه الکلمة بین قوسین وإلى أی شیء یرمز بها الکاتب ولکن فاته الغرض وهیهات الذی أراد ففشل.
ثم جاء فریق آخر من المؤرخین یحسبون حصر المصادر فی ذوی الأغراض المستهدفة وإن ما جاءوا به حقائق راهنة فاقتصروا على مرویاتهم مما دبّ ودرج وفیها الخرافات وما أوحته إلیهم الأهواء والنوایا السیئة ومن هنا أُهملت حقائق ورُویت أباطیل.
فعزوا إلى أبی طالب قوله: إنّی لا أحبّ أن تعلونی استی ثم رووا عنه أنه قال لرسول الله: ما هذا الدین؟ قال رسول الله: دین الله ودین ملائکته ورُسله ودین أبینا إبراهیم بعثنی الله به إلى العباد وأنت أحقّ من دعوته إلى الهدى وأحقّ من أجابنی.(30)
فقال أبو طالب إنّی لا أستطیع أن أفارق دینی ودین آبائی والله لا یخلص إلیک من قریش شیء تکرهه ما حییت .(31)
فحسبوا من هذا الکلام أن أبا طالب ممن یعبد الأوثان کیف وهو على التوحید أدلّ وجوابه هذا من انفس التوریة وأبلغ المحاورة فإن مراده من قوله لرسول الله عقیب قوله أنت أحقّ من دعوته: إنّی لا أستطیع أن أفارق دینی ودین آبائی.
الاعتراف بإیمانه وإنّه باق على حنیفة إبراهیم الخلیل التی هی دین الحق ودینه ودین آبائه ثم زاد أبو طالب فی تطمین النبیّ بالمدافعة عنه مهما کان باقیاً فی الدنیا.
نعم من لا خبرة له بأسالیب الکلام وخواص التوریة یحسب أن أبا طالب أراد بقوله: إنّی لا أفارق دینی.. الخ الخضوع للأصنام فصفق طرباً واختال مرحاً.
وجاء آخر یعتذر عنه بأن شیخ الأبطح کان یراعی بقوله هذا الموافقة لقریش لیتمّکن من کلاءة النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) وتمشیة دعوته.
نحن لا ننکر أن أبا طالب کان یلاحظ شیئاً من ذلک ویروقه مداراة القوم للحصول على غایته الثمینة کی لا یمسّ کرامة الرسول القوم للحصول على غایته الثمینة کی لا یمسّ کرامة الرسول سوء لکنّا لا نصافقهم فی کل ما یقولونه من انسلاله عن الدین الحنیف انسلالاً باتاً، فإنه خلاف الثابت من سیرته حتى عند رواة تلکم المخزیات ومهملی الحقائق الناصعة حذراً عمّا لا یلائم خطتهم فلقد کان یراغم الطواغیت بما هو اعظم من التظاهر بالإیمان والائتمام بالصلاة مع النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم).
وإن شعره الطافح بذکر النبوة والتصدیق بها سرت به الرکبان وکذلک أعماله الناجعة حول دعوى الرسالة.
ولولا أبو طالب وابنه***لما مثل الدین شخصاً فقاما
فذاک بمکة آوى وحاما***وهذا بیثرب جسّ الحماما
تکفل عبد مناف بأمر***وأودى فکان علیّ تماما
فلله ذا فاتح للهدی***ولله ذا للمعالی ختاما
وما ضرّ مجد أبی طالب***عدوّ لغى وجهول تعامى
وخلاصة البحث إن أبا طالب حلقة الوصل بین سلسلة الوصایة عن الرسل الماضیین حتى أوصلها إلى النبیّ الأعظم (صلى الله علیه وآله وسلم) وکما تنتهی به الحلقات الغابرة فإن بولده أمیر المؤمنین تبتدأ سلسلة الخلافة المحمدیة ثم تتواصل فی بنیه الأطهرین حتى تنتهی إلى حجّة العصر وناموس الدهر الحجّة المهدیّ المنتظر عجّل الله فرجه.
فبیت أبی طالب بیت ضرب على النبوة سرداقه، وبنى على الوصایة أطرافه، ونیط بالدین أطنابه، وأسدل على العلم سجافه ووطدت على التقوى أوتاده.
إذاً فما ظنّک بمن ضمه هذا البیت وتربّى فیه فهل یعدوه أن یکون إما داعیة إلى الهدى أو مهذباً للبشر أو معلماً للنوامیس الإلهیة أو هادیاً إلى سبل السلام أو قائداً إلى الصالح العام.
نعم لا یجوز أن یکون من حواه هذا البیت إلا کما وصفناه بعد أن کان نصب عینه العلام الإلهیة وملؤ أذنه الوحی والإلهام وحشو فؤاده نکن من عالم الغیوب ومعه التمارین المسعدة والتعالیم المصلحة.
وقد لبّى هتاف الدعوة زوج شیخ الأبطح التی شهد لها الرسول الأمین بأنّها من الطاهرات الطیّبات المؤمنات فی جمیع أدوار حیاتها، والعجب ممن اغترّ بتمویه المبطلین فدوَّن تلک الفریة زعماً منه أنّها من فضائل سیّد الأوصیاء وهی أن فاطمة بنت أسد دخلت البیت الحرام حاملة بعلیّ بن أبی طالب فأرادت أن تسجد لهبل فمنعها علیّ (علیه السلام) وهو فی بطنها.(32)
وقد فات المسکین أن فی هذه الکرامة التی حسبها طعناً بتلک الذات المبرأة من رجس الجاهلیة ودنس الشرک وکیف یکون أشرف المخلوقات بعد خاتم الأنبیاء المتکون من النور الإلهی مودعاً فی دعاء الکفر والجحود.
کما إنّهم أبعدوها کثیراً عن مستوى التعالیم الإلهیة ودروس خاتم الأنبیاء الملقاة علیها کل صباح ومساء وفیها ما فرضه المهیمن سبحانه على الأمة جمعاء من الإیمان بما حبا ولدها الوصیّ بالولایة على المؤمنین حتى اختص بها دون الأئمة من أبنائه وإن کانوا نوراً واحداً وطینة واحدة ولقد غضب الإمام الصادق (علیه السلام) على من سمّاه أمیر المؤمنین وقال: مَه لا یصلح هذا الاسم إلاّ لجدّی أمیر المؤمنین.
فرووا أنّ النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) وقف على قبرها وصاح ابنک علیّ لا جعفر ولا عقیل، ولما سئُل عنه أجاب أن الملک سألها عمن تدین بولایته بعد الرسول فخجلت أن تقول ولدی .(33)
أمن المعقول أن تکون الذات الطاهرة الحاملة لأشرف الخلق بعد النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) بعیدة عن تلک التعالیم المقدسة، وهل فی الدین حیاءً، نعم أرادوا أن یزحزحوها عن الصراط السوی ولکن فاتهم الغرض وأخطأوا الرمیة.
فإن الصحیح من الآثار ینصّ على ان النبیّ لما أنزلها فی لحدها ناداها برفیع صوت: یا فاطمة أنا محمد سیّد ولد آدم ولا فخر فإذا أتاک منکر ونکیر فسألاک من ربّک؟ فقولی الله ربّی ومحمد نبیّی والإسلام دینی والقرآن کتابی وابنی إمامی وولیّی، ثم خرج من القبر وأهال علیها التراب .(34)
ولعل هذا خاص بها ومن جرى مجراها من الزاکین الطیّبین کفاطمة الزهراء (علیها السلام) فإن الحدیث ینصّ على أنّها لما سألها الملکان عن ربّها قالت الله ربّی، قالا ومن نبیّک، قالت: أبی، قالا: ومن ولیّکِ، قالت: هذا القائم على شفیر قبری علیّ بن أبی طالب .(35)
وإلاّ فلم یعهد فی زمان الرسالة تلقین الأموات بمعرفة الولی بعد النبی فإن غایة ما جاء عنه (صلى الله علیه وآله وسلم): لقّنوا موتاکم لا إله إلاّ الله فإنّها تهدم الخطایا.
والخدشة فی هذا الحدیث واضحة فإن الاعتراف بالرسالة کالاعتراف بالتوحید متلازمان، وتلقین الأموات إنّما هو لأجل أن یکون العبد الراحل عن هذه الدنیا باقیاً على ما هو علیه فیها حتى فی آخر المنازل، فالإقرار بإحدى الشهادتین لا ینفکّ عن الأخرى، فهذا الحدیث الناصّ على الإقرار بکلمة التوحید مع السکوت عن الشهادة بالرسالة لنبیّ الإسلام لا نعرف سنده لیکون شاهداً ودلیلاً.
وعلى کلّ فتخصیص زوج أبی طالب بذلک التلقین کالتکبیر علیها أربعین من خصائصها لأن التکبیر على الأموات خمس.
وبالرغم من هاتیک السفاسف التی أرادوا بها الحطّ من مقام والده أمیر المؤمنین (علیه السلام) أظهر النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) أمام الأمّة ما أعرب عن مکانتها من الدین وأنّها بعین فاطر السماء سبحانه حین کفّنها بقمیصه الذی لا یبلى لتکون مستورة یوم یعرى الخلق وکان الاضطجاع فی قبرها إجابة لرغبتها فیه عندما حدّثها عن أحوال القبر وما یکون فیه من ضغط ابن آدم.
ولولا التنازل لرغبتها لما کان لاضطجاعه (صلى الله علیه وآله وسلم) معنى فإن المؤمن المعترف بولایة أمیر المؤمنین لا تصیبه الضغطة کما فی صحیح الأثر فکیف بالوعاء الحامل لمن تکون من النور الأقدس.
فتحصل أن هذا البیت الطاهر بیت أبی طالب بیت توحید وإیمان وهُدى ورشاد وإن من حواه البیت رجالاً ونساءً کلّهم على دین واحد منذ هتف داعیة الهُدى وصدع بأمر الرسالة غیر أنّهم بین من جاهر باتباع الدعوة وبین من کتم الإیمان لضرب من المصلحة.
وقد لبّت هذا الهتاف أم هانی بنت أبی طالب فکانت من السابقات إلى الإیمان کما علیه صحیح الأثر وفی بیتها نزل النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) من المعراج وهو فی السنة الثالثة من البعثة وحدّثها بأمره قبل أن یخرج إلى الناس وکانت مصدقة له غیر أنّها خشیت تکذیب قریش إیّاه وعلیه فلا یعبأ بما زعم من تأخّر إسلامها إلى عام الفتح سنة ثمان من الهجرة.
وکانت وفاتها إمّا فی أیّام النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) کما فی مناقب ابن شهراشوب ج1 ص110 وأمّا فی خلافة معاویة کما فی تقریب التهذیب لابن حجر ص620 وحینئذٍ فلیست هی المعنیّة بما فی کامل الزیارة لابن قولویه ص96 وأقبلت إلیه بعض عمّاته تقول: اشهد یا حسین لقد سمعت قائلاً یقول:
وإن قتیل الطف من آل هاشم***أذلّ رقاباً من قریش فذلت
المصادر :
1- مناقب ابن شهراشوب (ج1 ـ ص106) وکشف الغمة للإربلی ص6
2- السیرة الحلبیة (ج1 ـ ص20).
3- الروض الآنف للسهیلی (ج1 ـ ص8).
4- السیرة الحلبیة (ج1 ـ ص9 وص19).
5- صبح الأعشى (ج1 ـ ص211).
6- إثبات الوصیة للمسعودی ص75 /الروض الآنف (ج1 ـ ص6).
7- هذا حاصل أحادیث ذکرها المجلسی فی البحار (ج6 ـ ص6) و(ج9 ـ ص8).
8- من قصیدة للعلاّمة الحجّة السید محمد حسین الکیشوان رحمه الله.
9- البحار (ج9 ـ ص31).
10- مرآة العقول (ج1 ـ ص362).
11- البحار (ج9 ـ ص29).
12- البحار ج35 ص138 و139.
13- إکمال الدین ص102.
14- المصدر السابق ص104.
15- الدرجات الرفیعة للسید علیّ خان بترجمة أبی طالب.
16- روضة الواعظین للفتال ص69.
17- السیوطی فی شرح شواهد المغنی ص135 مصر، / ابن حجر فی الإصابة ج4 ص115 / الحاکم النیسابوری فی المستدرک ج3 ص108 عن محمد بن إسحاق.
18- مرآة العقول ج1 ص268.
19- مناقب ابن شهراشوب ج1 ص37.
20- السیرة الحلبیة ج1 ص139.
21- السیرة الحلبیة ج1 ص139.
22- السیرة الحلبیة ج1 ص139.
23- تاریخ الخمیس ج1 ص339 وطراز المجالس للخفاجی ص217 وثمرات الأوراق للحموی بهامش المستظرف ج2 ص10 وبلوغ الإرب ج1 ص327 الطبعة الأولى وأسنى المطالب لزینی دحلان ص5.
24- الحجة على الذاهب ص65.
25- المصدر السابق ص71.
26- الزمخشری فی الکشاف ج1 ص448 طبع سنة 1308هـ وابن دحلان فی السیرة النبویة بهامش السیرة الحلبیة ج1 ص97 طبع سنة 1329هـ.
27- شرح النهج لابن أبی الحدید ج3 ص309.
28- تاریخ الطبری ج2 ص214.
29- تاریخ الأمة العربیة للمقدادی ص84 مطبعة الحکومة بغداد سنة 1939م.
30- السیرة الحلبیة ج1 ص306.
31- الطبری ج1 ص213 وابن الأثیر ج2 ص21.
32- نهایة الإرب للنویری ج2 ص341 /ابن جریر الطبری فی التاریخ ج6 ص89 وابن الأثیر فی الکامل ج3 ص158 وأبو الفدا فی المختصر ج1 ص170 وابن کثیر فی البدایة ج7 ص332 کما فی النهایة.
33- خصائص أمیر المؤمنین للسید الرضی وفی طریق الحدیث محمد ابن جمهور العمى الضعیف بنص النجاشی والکشی وابن الغضائری والعلامة الحلی.
34- مجالس الصدوق ص189 مجلس51.
35- الإصابة لابن حجر ج2 ص478 بترجمة عروة بن مسعود.
source : rasekhoon