كيفية الحكم بين أهل الكتاب
قد ذكرنا من قبل كثيرا مما يتعلق بهذا الباب و هاهنا نذكر ما يكون تفصيلا لتلك الجملة أو جملة لذلك التفصيل اعلم أن الله تعالى خاطب نبيه ص فقال وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ التقدير و أنزلنا إليك يا محمد أن احكم بينهم و إنما كرر الأمر بالحكم بينهم لأمرين
فقهالقرآن ج : 2 ص : 14
أحدهما أنهما حكمان أمر بهما جميعا لأن اليهود احتكموا إليه في زنا المحصن ثم احتكموا إليه في قتيل كان منهم ذكره أبو علي و هو المروي عن أبي جعفر ع. الثاني أن الأمر الأول مطلق و الثاني دل على أنه منزل.
قال ابن عباس و الحسن تدل الآية على أن أهل الكتاب إذا ترافعوا إلى الحكام المسلمين يجب أن يحكموا بينهم بحكم القرآن و شريعة الإسلام لأنه أمر من الله بالحكم بينهم و الأمر يقتضي الإيجاب
و قال أبو علي نسخ ذلك التخيير بالحكم بين أهل الكتاب أو الإعراض عنهم و الترك قال تعالى فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ. و الكتاب في قوله وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ المراد به القرآن مُصَدِّقاً نصب على الحال مصدق ما بين يديه من الكتاب يعني التوراة و الإنجيل و ما فيهما من التوحيد لله و عدله و الدلالة على نبوتك و الحكم بالرجم و القود و غيرهما و فيه دلالة على أن ما حكى الله أنه كتبه عليهم في التوراة حكم يلزمنا العمل به لأنه جعل القرآن مصدقا لذلك و شاهدا. و قال مجاهد مُهَيْمِناً صفة للنبي ع و الأول أقوى لأجل حرف العطف و لو قال بلا واو لجاز. و لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عادلا عما جاءك من الحق و لا يدل ذلك على أنه ع اتبع أهواءهم لأنه مثل قوله تعالى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ و لا يدل ذلك على أن الشرك كان وقع منه.
فقهالقرآن ج : 2 ص : 15
لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً قال مجاهد شريعة القرآن لجميع الناس لو آمنوا به و قال آخرون إنه شريعة التوراة و شريعة الإنجيل و شريعة القرآن و المعنى بقوله مِنْكُمْ أمة نبينا و أمم الأنبياء قبله على تغليب المخاطب على الغائب فبين تعالى أن لكل أمة شريعة غير شريعة الآخرين لأنها تابعة للمصالح فلا يمكن حمل الناس على شريعة واحدة مع اختلاف المصالح قال تعالى وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً.
فصل
ثم قال تعالى أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ قال مجاهد إنها كناية عن اليهود لأنهم كانوا إذا وجب الحكم على ضعفائهم ألزموهم إياه و إذا وجب على أقويائهم لم يأخذوهم به. وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً أي فصلا بين الحق و الباطل من غير محاباة لأنه لا يجوز للحاكم أن يحابي في الحكم بأن يعمل على ما يهواه بدلا مما يوجبه العدل و قد يكون حكم أحسن من حكم بأن يكون أولى منه و أفضل و كذا لو حكم بحق يوافق هواه كان ما يخالف هواه أحسن مما يوافقه. و قال تعالى في وصف اليهود سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ أي هؤلاء يقبلون الكذب و يكثر أكلهم السحت و هو الحرام. فخير الله نبيه ع في الحكم بين اليهود في زنا المحصن و في قتيل قتل من اليهود.
فقهالقرآن ج : 2 ص : 16
و في اختيار الحكام و الأئمة الحكم بين أهل الذمة إذا احتكموا إليهم قولان أحدهما أنه حكم ثابت و التخيير حاصل ذهب إليه جماعة و هو المروي عندهم عن علي ع و الظاهر في رواياتنا و قال الحسن إنه منسوخ بقوله وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فنسخ الاختيار و أوجب الحكم بينهم بالقسط. وَ كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَ عِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ أي الحكم بالرجم و القود. ثم قال تعالى إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً نهى الله نبيه ع أن يكون خصيما لمن كان مسلما أو معاهدا في نفسه أو ماله أي لا تخاصم عنه. و الخطاب و إن توجه إلى النبي ص فالمراد به أمته
باب نوادر من الأحكام
قال محمد بن حكيم سألت أبا الحسن ع عن شيء فقال لي كل مجهول ففيه القرعة فقلت له إن القرعة تخطئ و تصيب فقال كل ما حكم الله به فليس بمخطئ قال تعالى فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ
فقهالقرآن ج : 2 ص : 17
source : دار العرفان