ينطلق الآباء في تسمية أولادهم من منطلقات شتَّى. فقد كان العرب قديماً يسمّون أبناءهم بفهد ونمر وكلب لأنّهم كانوا أصحاب حرب، فأرادوا أن يهوِّلوا على أعدائهم بأسماء أولادهم1.
ونلاحظ اليوم أنّ كثيراً من التسميات تنطلق من الإعجاب بمن يحملون تلك الأسماء، فقد يعجب المرء بزعيم أو عالم كبير أو فنّان مشهور، أو ممثّلة معروفة فيسمّي ولده باسمه أو باسمها.
وقد يتمّ كلّ هذا من دون ملاحظة الآثار السلبيّة لهذه التسمية.
فتسمية الطفل باسم فنَّان قد يلعب دوراً في جعل ذلك الفنَّان قدوة للطفل في حياته فيتأثّر به حينما يكبر، وتسميته باسم زعيم ظالم قد يؤثّر في نظرة الولد للظّلم.
وقد ينطلق بعض الآباء، في تسمية أبنائهم بأسماء أجنبيّة غير عربية، من الانشداد إلى صورة اللفظ الأجنبي من دون الالتفات إلى ما قد يؤثِّر في الولد من ناحية تعلّقه بتلك المجتمعات، وحبّ الانفصال عن المجتمع الإسلاميّ.
وقد يختار الوالدان بعض الأسماء التي تحمل مضامين سيّئة كـ"ظالم" و"إغواء" ونحوهما من دون ملاحظة سلبيّة ذلك.
اهتمام الإسلام بالأسماء
وجاء الإسلام ليدعو إلى اختيار الأسماء الحسنى للأولاد معتبراً أنّها من أولى حقوق الوالدين على أولادهم، فقد ورد أنّ رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وسأله: ما حقّ ابني هذا؟. فأجاب صلى الله عليه وآله وسلم: "تحسِّن اسمه وأدبه وتضعه موضعاً حسناً"2. وربط الإسلام بين تسمية الولد ونداء يوم القيامة حينما قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في ما ورد عنه: "استحسنوا أسماءكم فإنّكم تُدْعَوْن بها يوم القيامة، قم يا فلان بن فلان إلى نورك، وقم يا فلان بن فلان لا نور لك"3.
تغيير الاسم
ولم يكتف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الدعوة، بل كان يغيِّر عمليّاً الأسماء القبيحة في الناس بل والبلدان أيضاً4. واقتدى أئمة أهل البيت عليهم السلام برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الدعوة والعمل لتغيير الأسماء القبيحة إلى الحسنة، فقد روى أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام أنّه دخل عليه وهو واقف على رأس ابنه موسى عليه السلام وهو في المهد، فدنا هذا الرجل من الإمام فقال عليه السلام: "اذهب فغيِّر اسم ابنتك التي سمّيتها أمس، فإنّه اسم يبغضه الله"، وكان الرجل كما يحدِّث عن نفسه قد سمى ابنته "حميراء" فغيَّر الرجل اسمها5.
الاسم معنى وقدوة
ودعا الإسلام إلى تسمية الأولاد بملاحظة أحد أمرين:
الأوّل: المضمون والمعنى: فدعا إلى التسمية بالأسماء التي تحمل معنى العبوديّة كـ "عبد الله". فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا إنّ خير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وشرُّ الأسماء ضرار ومرّة وحرب وظالم"6. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "... أصدق الأسماء ما سمّي بالعبودية"7.
الثاني: صلاح حامل الاسم: فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتحدّث عن أفضل الأسماء: "وأفضلها أسماء الأنبياء"8. وقد بيَّن نبيّ الإسلام أثر التسمية باسم الأنبياء حين قال صلى الله عليه وآله وسلم -في ما ورد عنه-: "إذا كان اسم بعض أهل البيت اسم نبيّ لم تزل البركة فيهم"9. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من أهل بيت فيهم اسم نبيّ إلاّ بعث الله إليهم ملكاً يقدِّسهم بالغداة والعشيّ"9.
اسم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم
وبما أنّ خاتم الأنبياء محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم هو سيّد بني البشر وأفضل قدوة فيهم، فقد ورد الحثّ الأكيد على التسمية باسمه الشريف، بل ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من ولد له ثلاثة بنين ولَمْ يسمِّ أحدهم محمّداً فقد جفاني"10.
وحدَّثنا الإمام الرضا عليه السلام عن أثر التسمية باسم النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "البيت الذي فيه اسم محمّد يصبح أهله بخير ويمسون بخير"11.
وتأكيداً على استحباب التسمية باسم خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم ورد استحباب تسمية كلّ ذكر باسم محمّد أوّل سبعة أيام، ثمّ إمّا يُترك على حاله أو يُغيَّر إلى اسم آخر.
فعن الإمام الصادق عليه السلام: "لا يولد لنا مولود إلّا سمَّيناه محمّداً، فإذا مضى سبعة أيّام، فإذا شئنا غيَّرنا، وإلا تركنا"12.
واحتراماً للنبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وردت خصوصيّة التعامل مع من سمِّي باسمه فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا سمّيتم محمّداً فلا تقبّحوه، ولا تجبهوه، ولا تضربوه، بورك لبيت فيه محمّد، ومجلس فيه محمّد، ورفقة فيها محمّد"13.
أسماء أهل البيت عليهم السلام
وكما حبَّذ الإسلام وحثَّ على التسمية باسم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم لما في ذلك من أثر طيّب وتعزيز للقدوة الصالحة، فقد حثَّ على التسمية بأسماء أهل بيته الكرام عليهم السلام لنفس ذلك السبب، فقد ورد أن أحدهم سأل الإمام فينفعنا ذلك؟ فقال عليه السلام: "أي والله وهل الدين إلاّ الحب؟!!".
قال الله تعالى: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾14.
وعن الإمام أبي الحسن عليه السلام قوله: "لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمّد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء"15.
اسم علي عليه السلام
ومن بين أسماء أهل البيت عليهم السلام أكَّد أهل بيت العصمة على التسمية باسم عليّ عليه السلام وبيَّنت الأحاديث الأثر الطيّب لهذه التسمية المباركة، فقد ورد أنّ الإمام الباقر عليه السلام قال لابن صغير: ما اسمك؟ قال: محمّد، قال بم تكنّى؟ قال: بعليّ، قال أبو جعفر: "لقد احتظرت من الشيطان احتظاراً شديداً، إن الشيطان إذا سمع منادياً ينادي: يا محمّد، أو يا عليّ، ذاب كما يذوب الرصاص"16. ولاسم عليّ قصّة في تاريخ بني أميّة الذين أعلنوا الحرب على هذا الاسم المبارك، فكانوا كما روى ذلك ابن حجر "إذا سمعوا بمولود سمِّي بـ(علي) يقتلونه"17.
وكان الناس يتقرَّبون إلى الأمراء ببغض اسم عليّ، فقد جاء أحدهم إلى الحجّاج وقال له: "أيّها الأمير، إنّ أهلي عقُّوني فسمّوني عليّاً، وإنّي فقير بائس وأنا إلى صلة الأمير محتاج، فتضاحك له الحجّاج، وقال: للطف ما توسَّلت به، وقد وليتك موضع كذا"18.
وأضحى اسم علي في تاريخ بني أميّة يمثّل إرهاباً يخاف الناس من التلفظ به حتى حينما يروون روايات تتعلّق بأحكام الدين فكانوا يقولون روى "أبو زينب" أو "قال الشيخ" بدل "قال علي"19. لذا كان الإمام الحسين عليه السلام في وسط معركة اسم عليّ هذه حتى سمَّى كلّ أبنائه باسم عليّ عليه السلام ، فكان عنده عليّ الأكبر وعليّ الأصغر (عبد الله الرضيع) وعليّ زين العابدين، وكان يقول: "لو ولد لي مئة لأحببت أن لا أسمّىَ أحداً منهم إلّا عليّاً"20.
اسم فاطمة
وأعطى الإسلام مزيّة لاسم فاطمة كرامة للسيّدة الزهراء عليها السلام فإضافة إلى ما ورد من أنّ البيت الذي فيه بنت اسمها فاطمة لا يدخله الفقر كما تقدّم. ورد عن السكوني أنّه قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام ، وأنا مغموم مكروب فقال لي: يا سكوني ما غمّك؟ قلت ولدت لي ابنة، فقال عليه السلام: "يا سكوني على الأرض ثقلها، وعلى الله رزقها، تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك". فسرّى والله عنّي، فقال: ما سميّتها؟ قلت: فاطمة، قال: آه آه آه، ثمّ وضع يده على جبهته - إلى أن قال عليه السلام -: "أمَّا إذا سميّتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها"21.
كنية الولد
وكما اهتمّ الإسلام بحسن التسمية اهتمّ أيضاً بحسن الكنية، من هنا جاءت دعوة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الكنية الحسنة بقوله: "ويسمّى بأحسن الأسماء ويكنِّيه بأحسن الكُنَى"22.
لكن مع كراهة في بعض الكُنى منها أن يكنّى من اسمه محمّد بأبي القاسم 23؛ فإنّ هذه الكنية مع هذا الاسم مختصّان بالنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، ولأجل أن يزيد الإسلام من أواصر العلاقة بين الوالد والولد دعاء إلى أن يكنَّى الولد باسم أبيه، فإذا كان اسم الأب "عليّاً"، يكنّى ابنه بـ"أبي عليّ" وهذا ما يشعر الولد بمزيد علاقة ودّ بأبيه وهو يكنّى باسمه، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "السنّة والبرّ أن يكنّى الرجل باسم أبيه"24.
وبعد التسمية تأتي أعمال لها أثرها في صلاح الولد حُدِّد زمنها باليوم السابع، فإليك الحديث عنها.
يُستحبّ تسمية المولود بالأسماء المستحسنة، فإنّ ذلك من حقّ الولد على الوالد، وأفضلها ما يتضمّن العبوديّة لله جلَّ شأنه كعبد الله وعبد الرحيم وعبد الرحمن ونحوها، ويليها أسماء الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، وأفضلها محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، بل يكره ترك التسمية به إن ولد له أربعة أولاد، ويُكره أن لا يكنّيه أبا القاسم إن كان اسمه محمّداً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- انظر حديث الإمام الرضا عليه السلام الوارد بهذا المضمون في وسائل الشيعة، ج15، ص123 وما بعدها.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص124.
3- المصدر السابق، ص123.
4- انظر: الحميري، قرب الأسناد، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيتR لإحياء التراث، قم، ط1، 1413هـ، ص92.
5- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص123.
6- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص131.
7- المجلسي، بحار الأنوار، ج104، ص126.
8- المصدر السابق.
9- الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج15، ص129.
10- المجلسي، بحار الأنوار، ج103، ص129.
11- المصدر السابق.
12- المصدر السابق.
13- المجلسي، بحار الأنوار، ج104، ص131.
14- المجلسي، بحار الأنوار، ج16، ص239 - 240، ومعنى لا تجبهوه أي لا تردوه عن حاجته.
15- المصدر السابق، ص130.
16- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص128 - 129.
17- المصدر السابق، ص126.
18- العسكري، معالم المدرستين، منشورات مؤسسة البعثة، قُم، ج1، ص385.
19- الأمين، أعيان الشيعة، منشورات دار التعارف، بيروت، ج1، ص27.
20- شمس الدين، ثورة الحسين، منشورات دار التعارف، ط5، بيروت، ص69.
21- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص128.
22- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص20.
23- المجلسي، بحار الأنوار، ج104، ص126.
24- المصدر السابق.
25- المجلسي، بحار الأنوار، ج104، ص131
source : abna24