لم تکن هذه الفکرة ولیدة عصرنا، وإنما کانت قدیمة فی هذا البلد الإسلامی، کما مر بنا فی المبحث الرابع، عندما أراد الظاهر بیبرس الاستیلاء على الأراضی الوقفیة، ولکن العلماء فی ذلک العصر تصدوا له ووقفوا له بالمرصاد.
أولاً: فـی مصر:
وفکَّر فی إنهاء الأوقاف فی مصر کذلک برقوق أتابک، وهو من الممالیک البحریة، فقد هم بإبطال الأوقاف الأهلیة، حیث یقول المقریزی: إنه عقد مجلساً من العلماء، فیه شیخ الإسلام سراج الدین البلقینی، لاستفتائهم فی ذلک فلم یوافقوه(1)
کذلک ألغى محمد علی باشا الأوقاف فی مصر، واستولى علیها کما بینا ذلک فی المبحث السابق(2)
أما فی العصر الحاضر: فیقول الدکتور السنهوری: إن الشکوى من نظام الوقف فی مصر، لم تکن یوماً ناشئة عن إحساس داخلی، ولا ولیدة تنبه ذاتی إلى الأضرار التی یزعمها خصوم الوقف، وإنما کانت حرکة تقلیدیة، وصدى لما یراه الأجنبی أو یفعله، ومصر بلد لو لم یکن به نظام الوقف لوجب أن یدخله(3)
وفی سنة (1926م) قام رجل من أهل الشام بفتوى یقول فیها: إن الوقف على النفس والأولاد باطل وبدعة ذمیمة منهی عنها، ونشرت الأهرام هذه الفتوى فی السنة نفسها، فبادر شیخ مصر ومفتیها محمد بخیت المطیعی برد هذه الفتوى وتزییفها، ونشر الشیخ رسالة فی الرد علیها أسماها (المرهفات الیمانیة فی عنق من قال ببطلان الوقف على الذریة).
وفی السنة نفسها قام رجل یدعى (علویة باشا)، وهو أحد أعضاء لجنة الأوقاف بمصر، قام بإلقاء محاضرة بمحکمة الاستئناف، هاجم فیها الوقف، وحاول أن یلغیه، بحجة أنه مدنی صرف لا علاقة له بالدین.
وقام الشیخ المطیعی بالرد على هذه المحاضرة، وقام علماء الأزهر فی سنة (1927م) بإخراج بیان ردوا فیه على (علویة)، وحذروا من کلامه.
وهذا البیان وقع علیه (460) من علماء الأزهر.
وفی سنة (1936م) عاد خصوم الوقف إلى نشاطهم، فتطرقت لجنة الأوقاف بمجلس النواب لموضوع إلغاء الوقف الأهلی، وقست فی حملتها على نظام الوقف، واقترحت بأکثریة الآراء الموافقة على استصداد تشریع یمنع الأوقاف الأهلیة مستقبلاً، وأیضاً بتحدید أعیان الأوقاف الخیریة فی مصر وأشارات اللجنة فی تقریرها عام (1937م) إلى أن کل رغبة فی إصلاح هذا النظام مع الإبقاء علیه غیر مجدیة ولا تؤدی إلى النتیجة المرجوة، وأن المهم هو القضاء على النظام نفسه حتى ننتفی الأضرار الناشئة عنه.
وفی عام (1936م) تقدم رجل یدعى عبدالحمید عبدالحق إلى مجلس النواب بمشروع القانون الذی اقترحته اللجنة، وقال فی مذکرته التفسیریة إنه أول عضو ارتفع فی مجلس النواب بأنه لا سبیل إلى درء أضرار الوقف إلا بالخلاص منه بمنعه فی المستقبل، وأن یحل الموجود منه حلاً نهائیاً.
ویقول الشیخ السنهوری معقباً على ما جرى من حوادث: إن المراقب الدقیق لیتبین من حوادث السنوات العشر، أن محاربة نظام الوقف والثورة علیه کانت واضحة(4)
وفی عام (1952م) اتجهت الحکومة المصریة إلى الرأی، فاصدرت قانونها بمنع الأوقاف الأهلیة، وألغت ما کان موجوداً من الأوقاف الأهلیة، وجعلت الأموال الموقوفة علیها حرة طلیقة، کما منعت إحداث أوقاف أهلیة جدیدة فی المستقبل.
ثم قامت الحکومة فی سنة (1966م) ببیع وتصفیة ما تبقى فی حوزتها من أعیان کانت موقوفة وقفاً أهلیاً، ولم تتم قسمتها، أو لم یتسلمها أربا بها(5)
ثانیا : إلغاء الوقف فـی سوریا
أقدمت سوریا على إلغاء الوقف الذری، فی سنة (1949م).
ثالثاً :الغاء الوقف فـی العراق
کانت أول خطوة لإلغاء الوقف فی العراق فی سنة (1929م) عندما قدّم جماعة من النواب فی مجلس الأمة العراقی، اقتراحاً إلى الحکومة یسن تشریعاً یرمی إلى إلغاء الوقف الذری، إلا أن هذا المشروع لاقى معارضة شدیدة من العلماء، أرغمته على الاحتجاب حتى سنة (1952م) حین تشکلت لجنة لسن لائحة فی هذا الموضوع، فاستقر الرأی على سن تشریع یقضی بجواز إلغاء الوقف الذری، وذلک فی عام 1954م (6)
المصادر :
1- حاشیة ابن عابدین 3/358، وحسن المحاضرة 2/120، والخطط للمقریزی.
2- أحکام الوقف د/ الکیبسنی 1/47.
3- مجموعة القوانین المصریة لمحمد فرج 1/ 7 و 8.
4- مجموعة القوانین المصریة للسنهوری 1/ 14 و 15.
5- محاضرات فی الوقف ص 38 وما بعدها.
6- أحکام الوقف للکبیسی 1/49 و 50.
source : rasekhoon