الإمام الحسن (ع)
هو أكبر أولاد الإمام علي (ع) و السيدة فاطمة (ع) و هو أيضاً الإمام الثاني من الأئمة الاثني عشر. كُنيته أبو محمد و لقبه المجتبى. و قد كان أيضاً وصي والده. هو و أخوه الإمام الحسين عليهما السلام سيدا شباب أهل الجتة حسب الحديث الوارد عن النبي محمد (ص).
وُلد الإمام الحسن (ع) في الخامس عشر من شهر رمضان المبارك في السنة الثالثة للهجرة في المدينة المنورة. أمه فاطمة (ع) أحضرته في اليوم السابع بعد ولادته إلى النبي محمد (ص) الذي سماه الحسن و ذبح له حملاً كجزء من مراسم العقيقة.
حسب الروايات كان الإمام الحسن (ع) أشبه الناس بالنبي محمد (ص). كما أنه كان مع النبي محمد (ص) في يوم المباهلة.
كان النبي محمد (ص) يحب الحسن و الحسين عليهما السلام حباً شديداً. و مما و رد في حبهما:
قال النبي محمد (ص) : من أحب الحسن والحسين أحببته ومن أحببته أحبه الله ومن أحبه الله أدخله جنته ومن أبغضهما أبغضته ومن أبغضته أبغضه الله ومن أبغضه الله أدخله النار.
أثناء خلافة عثمان ابن عفان كان الإمام الحسن (ع) يحرس مع أخيه الإمام الحسين (ع) بيت عثمان حسب ما أوصاهما به والدهما الإمام علي (ع). و مع ذلك استطاع بعضهم التسلل من خلف البيت و قتل عثمان.
أثناء خلافة أبيه الإمام علي (ع) كان الإمام الحسن (ع) مع أخيه الإمام الحسين (ع) إلى جانب أبيه في كل الحروب التي خاضها و خاصة في معركة صفين.
بعد شهادة أبيه تسارع الكثير من المسلمين لمبايعة الإمام الحسن (ع) كخليفة لأبيه. الإمام الحسن (ع) عين المسؤولين في حكومته و أعطى الولاة تعليماته. ابن و أرسل ابن عباس في جملة دلك إلى البصرة.
لماعرف معاوية ابن أبي سفيان بشهادة الإمام علي (ع) و سمع بيعة الناس للإمام الحسن (ع) أرسل سراً عملاء له ليبثوا التفرقة و الفتنة. لكن المؤامرة انكشفت. معاوية لم يقبل بقيادة الإمام الحسن (ع) و أراد أن يحكم هو بنفسه. بخصوص ذلك كان هناك تبادل بالرسائل و الحُجج بينهما.
معاوية خرج مع جيشه إلى الشام لمهاجمة الإمام الحسن (ع) في العراق. لما تيقن الإمام الحسن (ع) من ذلك أرسل بدوره حجر ابن عُدي ليبلغ فصائله أمر الزحف لرد العدوان. لكن لم يلتحق بحجر إلا القليلون الذين كان لهم اهتمامات مختلفة.
لمّا بلغ الإمام الحسن (ع) خبر مسيره وأنه قد بلغ جسر منبج تحرّك عند ذلك، وكتب إلى عمّاله يدعوهم إلى التحرك، ونادى مناديه في الكوفة يدعوهم إلى الاجتماع في المسجد، فأقبل الناس حتى امتلأ بهم، فخرج الامام وصعد المنبر، فأثنى على الله وصلّى على رسوله، ثم قال: "لقد كتب الله الجهاد على خلقه وسمّاه كرهاً، وأوصى المجاهدين بالصبر ووعدهم النصر وجزيل الأجر". ثم قال: "أيها الناس، إنكم لستم نائلين ما تحبّونه إلاّ بالصبر على ما تكرهون، وقد بلغني أن معاوية كان قد بلغه أنّا أزمعنا على المسير إليه فتحرك نحونا بجنده، فاخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر وتنظرون ونرى وترون".
ورد في كتاب الإمام الحسن ومصلحة اللإإسلام العليا للشيخ فؤاد كاظم المقدادي أنه سكت الناس ولم يتكلم أحد منهم بحرف واحد، فلمّا رأى ذلك منهم عدي بن حاتم قام وقال: أنا ابن حاتم. سبحان الله! ما أقبح هذا المقام! ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيّكم؟، أين خطباء مضر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة؟ فإذا جدّ الجد فمراوغون كالثعالب. أما تخافون مقت الله وعيبها وعارها؟ ثم استقبل الإمام الحسن (ع) بوجهه وقال: أصاب الله بك المراشد وجنّبك المكاره، ووفّقك لما تحمد وروده وصدوره. قد سمعنا مقالتك وانتهينا إلى أمرك وأطعناك فيما قلت وما رأيت، وهذا وجهي إلى معسكري فمن أحبّ أن يوافيني فليواف، ثم مضى لوجهه وخرج من المسجد فركب دابته، وكانت على باب الجامع، وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه، ومضى هو إلى النخيلة.
ثم قام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، ومعقل بن قيس الرياحي، وزياد بن صعصعة التيمي، فأنّبوا الناس ولاموهم على تخاذلهم وحرّضوهم على الخروج، وكلّموا الإمام الحسن (ع) بمثل كلام عدي بن حاتم، فقال لهم: "صدقتم رحمكم الله. مازلت أعرفكم بصدق النية والوفاء والقبول والمودّة والنصحية، فجزاكم الله خيراً". ا
وخرج الناس إلى النخيلة، فلما تكامل عددهم لحق بهم الإمام الحسن (ع)، واستخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن عبد المطلب، وأمره بأن يحرّك الناس ويحثّهم على الخروج والالتحاق بالجيش.
ويروي المؤرخون أنه لمّا تكامل الجيش خرج به الإمام الحسن (ع)، وقد حدّده بعضهم بأربعين ألفاً، وبعضهم بستّين وبأكثر من ذلك، ولمّا نزل دير عبدالرحمن أقام به ثلاثة أيام، ودعا عبيد الله بن العباس وقال له: "يابن العم، إني باعث معك اثني عشر ألفاً، من فرسان العرب وقرّاء مضر، الرجل منهم يريد الكتيبة، فسر بهم على الشاطئ حتى تقطع الفرات وتنتهي إلى مسكن، وامض منها حتى تستقبل معاوية، فألن لهم جانبك وابسط لهم وجهك وافرش لهم جناحك وأدنهم من مجلسك، فإنهم من ثقات أمير المؤمنين، فإن أنت لقيت معاوية فاحبسه حتى آتيك، فإني على إثرك وشيكاً. وليكن خبرك عندي كل يوم".
وأرسل معه قائدين من خيرة المسلمين إخلاصاً وجهاداً ونصيحة في سبيل الله، وهما قيس بن سعد بن عبادة، وسعيد بن قيس الهمداني، وأمره ألاّ يقطع أمراً دونهما، وأن يستشيرهما في جميع الأمور، وقال له: "إذا أنت لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يكون هو البادئ في القتال، فإن أُصبت فقيس بن سعد على الناس، وإن أصيب فالقيادة من بعده لسعيد بن قيس".
وسار عبيد الله بالناس يقطع الصحاري حتى انتهى إلى الفلّوجة، ومنها إلى مسكن، وكان معاوية قد نزل فيها، فنزل عبيد الله بن العباس بإزائه، وفي اليوم الثاني وجّه معاوية بخيل أغارت على جيش عبيد الله فوقفوا لها وردّوها على أعقابها، وأيقين معاوية تصميم الإمام الحسن (ع) على مواصلة القتال بعد أن رفض العروض المغرية التي قدمها إليه في رسائله.
رأى الامام (ع) أن مدار مصلحة الاسلام العليا بعد خذلان جيشه له وتفرقه عنه، يقوم بعقد معاهدة الصلح مع معاوية بن أبي سفيان; وفي هذا السياق ينقل لنا المؤرخون أن معاوية لمّا أرسل خيله لقتال الجيش الذي يقوده عبيد الله، ردّها أهل العراق على أعقابها، وبمجيء الليل أرسل معاوية رسالة إلى عبيد الله جاء فيها أن الحسن قد أرسلني في الصلح وسلم الأمر لي فإن دخلت في طاعتي الآن تكن متبوعاً خير لك من أن تكون تابعاً بعد غد، ولك إن اجبتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم أعجّل لك في هذا الوقت نصفها، وعندما أدخل الكوفة أدفع لك النصف الثاني.
ويدعي أكثر المؤرخين أن عبيد الله انسلّ من قاعدته، ودخل عسكر معاوية ومعه بضعة آلاف ممن كانوا معه، فوفّى له بما وعده، وانتبه الناس بدخول النهار، فانتظروا عبيد الله ليصلي بهم فلم يجدوه، فصلّى بهم قيس بن سعد، ولمّا تأكدوا من خبره خطبهم قيس، وذكر عبيد الله فنال منه، وأمرهم بالصبر والثبات، وعرض عليهم الحرب ومناهضة معاوية مهما كان الحال، فأجابوه لذلك، فنزل عن المنبر ومضى بهم لقتال معاوية، فقابلهم جيشه بقيادة بسر بن أرطاة، وبثّ دعاته بين أصحاب قيس يذيعون أن أميرهم عبيد الله مع معاوية في خبائه، والحسن بن علي قد وافق على الصلح فعلام تقتلون أنفسكم. وهنا يدّعي المؤرخون أن قيساً قال لأهل العراق: اختاروا إحدى اثنتين: إما القتال بدون إمام، وإمّا أن تبايعوا بيعة ضلال فقالوا بأجمعهم: بل نقاتل بدون إمام، ثم اتّجهوا نحوهم واشتبك الفريقان في معركة ضارية كانت نتائجها لصالحهم، وتراجع بسر بمن معه إلى معسكراتهم مخذولين مقهورين.
كل ذلك ولاسيما خذلان ابن عباس للإمام الحسن (ع) وحرصه على مصلحة الإسلام العليا وخذلان جيشه له جعلته يميل إلى معاهدة عادلة هدفها الأول الحفاظ على الإسلام والمسلمين. وهكذا تم الصلح بين الطرفين.
وقد تحمل الإمام الحسن (ع) الكثير من الاتهامات والتهجمات بسبب هذا الصلح من الكثيرين من ضعاف النفوس والذين كان إدراك ماهية هذا الصلح يفوق فهمهم واستيعابهم. الإمام الحسن بدوره صبر على ذلك وكان يكرر التوشيح والخطب في هذا المجال ليرفع حجب الشك عن الكثيرين.
توجه الإمام الحسن (ع) إلى المدينة و بقي هناك حتى مضى من حكم معاوية عشر سنوات. معاوية قرر أن يجعل ابنه يزيد خليفة له بخلاف مل نص عليه الصلح. معاوية قام فيما بعد بالتآمر مع جعدة بنت الأشعث إحدى زوجات الإمام الحسن (ع) لتدس له السم و مقابل ذلك ضمن لها أن يُزوجها من ابنه يزيد و أرسل لها مئة ألف درهم. جعدة بنت الأشعث دست السم للإمام الحسن (ع) في الشراب مما أدى إلى شهادة الإمام الحسن (ع) بعد مرض استمر أربعين روماُ. معاوية أعطى جعدة بقية المبلغ الموعود و لكنه لم يزوجها من ابنه يزيد و إنما من رجل من من عائلة طلحة و أنجبت له أولاداً. عندما كان يحصل مُشادة كلامية بين أولادها و بين آخرون من قبيلة قريش كانوا يُطلقون عليهم: أولاد مُسممة زوجها!
الإمام الحسن (ع) تُوفي في الثامن و العشرين من شهر صفر أو السابع لسنة ٦٧٠ للهجرة عن عمر يناهز الثمانية و أربعين عاماً و استمرت إمامته عشر سنوات.
لمّا حضرت الإمام الحسن (ع) الوفاة قال: (يا قنبر: انظر هل ترى وراء بابك مؤمناً من غير آل محمّد)، فقال: (الله ورسوله وابن رسوله أعلم)، قال: (امض فادع لي محمّد بن عليّ)، قال: فأتيته، فلما دخلت عليه قال: (هل حدث إلاّ خير؟) قلت: (أجب أبا محمّد)، فعجّل عن شسع نعله فلم يسوّه، فخرج معي يعدو.
فلمّا قام بين يديه سلّم، فقال له الحسن: (اجلس فليس يغيب مثلك عن سماع كلامٍ يحيا به الأموات، ويموت به الأحياء، كونوا أوعية العلم ومصابيح الدّجى، فإن ضوء النهار بعضه اضوأ من بعض، أما علمت أن الله عزّ وجلّ جعل ولد ابراهيم أئمةً وفضّل بعضهم على بعض، وآتى داود زبوراً، وقد علمت بما استأثر الله محمداً صلى الله عليه وآله.
يا محمد بن عليّ! إنّي لا أخاف عليك الحسد، وإنما وصف الله تعالى به الكافرين فقال: (كفّاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحقّ) ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطاناً.
يا محمّد بن عليّ، ألا أخبرك بما سمعت من أبيك (عليه السلام) فيك؟ قال: بلى.
قال: سمعت أباك يقول يوم البصرة: من أحبّ أن يبرّني في الدنيا والآخرة فليبرّ محمداً.
يا محمد بن عليّ! لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك.
يا محمد بن عليّ! أما علمت: أن الحسين بن عليٍّ بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي، إمام من بعدي، وعند الله في الكتاب الماضي، وراثة النبيّ أصابها في وراثة أبيه وأمه، علم الله أنّكم خير خلقه، فاصطفى منكم محمّداً واختار محمد عليّاً، واختارني عليّ للإمامة، واخترت أنا الحسين.
فقال له محمد بن علي: أنت إمامي (وسيدي)، وأنت وسيلتي إلى محمّد، والله لوددت أنّ نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام. ألا وإن في رأسي كلاماً لا تنزفه الدّلاء، ولا تغيّره بعد الريّاح كالكتاب المعجم، في الرقّ المنمنم، أهمّ بابدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل، وما جاءت به الرّسل، وانه لكلام يكلّ به لسان الناطق، ويد الكاتب ولا يبلغ فضلك، وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قوة إلا بالله، الحسين أعلمنا علماً، وأثقلناحلماً، أقربنا من رسول الله رحما، كان إماماً قبل أن يخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق، ولو علم الله أنّ أحداً خير منّا ما اصطفى محمّداً صلى الله عليه وآله، فلمّا اختار محمّداً واختار محمّد عليّاً إماماً، واختارك عليّ بعده، واخترت الحسين بعدك، سلّمنا ورضينا بمن هو الرّضا، وبمن نسلم به من المشكلات.
قام أخ الإمام الحسن (ع) الإمام الحسين بغسسل الميت للإمام الحسن (ع) و كفنه و قام بمراسم الدفن. دفن الإمام الحسين أخيه الإمام الحسن (ع) بجانب جدته فاطمة بنت أسد في مقبرة جنة البقيع بعد نزاع حصل عند قبر جده النبي محمد (ص) حيث أن الإمام الحسن (ع) أوصى أخيه الإمام الحسين (ع) بما يلي:
هذا ما أوصى به الحسن بن عليّ إلى أخيه الحسين بن علي، أوصى أنه: يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّه يعبده حقّ عبادته، لا شريك له في الملك، ولا وليّ له من الذلّ، وأنه خلق كلّ شيء، فقدّره تقديراً، وأنه أولى من عبد، وأحقّ من حمد، من أطاعه رشد، ومن عصاه غوى، ومن تاب إليه اهتدى، فإني أوصيك يا حسين بمن خلّفت من أهلي وولدي وأهل بيتك: أن تصفح عن سيئهم، وتقبل من محسنهم وتكون لهم خلفاً ووالداً.
وأن تدفنّي مع رسول الله فإني أحقّ به، وببيته ممّن أدخل بيته بغير إذنه، ولا كتاب جاءهم من بعده، قال الله فيما أنزله على نبيّه في كتابه (يا أيّها الّذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلا أن يؤذن لكم) فو الله ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه، ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته، ونحن مأذون لنا في التصرّف فيما ورثناه من بعده، فإن أبت عليك الامرأة، فأنشدك بالله وبالقرابة التي قرّب الله عزّ وجلّ منك، والرحم الماسّة من رسول الله: أن لا تهريق في محجمةٍ من دم، حتّى نلقى رسول الله، فنختصم اليه، ونخبره بما كان من الناس إلينا من بعد
و أوصى:
يا أخي إني أوصيك بوصيةٍ فاحفظها، فاذا أنا متّ فهيّئني، ثم وجّهني إلى رسول الله، لأجدّد به عهداً ثم اصرفني إلى أمّي فاطمة، ثمّ ردّني، فادفنّي بالبقـــيع، واعلم: أنه سيصبــني من الحــــمراء ما يعلم النّاس صنيعها، وعداوتها لله ولرسوله، وعداوتها لنا أهل البيت.
يا أخي إنّ هذه آخر ثلاث مرّاتٍ سقيت فيها السمّ، ولم أسقه مثل مرّتي هذه، وأنا ميّت من يومي، فإذا أنا متّ فادفنّي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، فما أحد أولى بقربه مني، إلا أن تمنع من ذلك فلا تسفك فيه محجمة دم.
يا أخي إذا انا متّ، فغسّلني وحنّطني وكفّنّي، واحملني إلى جدّي صلى الله عليه وآله، حتّى تلحدني إلى جانبه، فان منعت من ذلك، فبحقّ جدّك رسول الله، وأبيك امير المؤمنين، وامّك فاطمة الزّهراء: ان لا تخاصم أحداً، واردد جنازتي من فورك إلى البقيع، حتى تدفنّي مع أمّي.
و أوصى مُدلاًعلى ما سيكون من أمر الإمام الحسين (ع):
أوصيك يا أخي بأهلي وولدي خيراً، واتبع ما أوصى به جدّك وأبوك وأمّك عليهم أفضل الصلوات والسّلام.
يا أخاه لا تحزن عليّ فإن مصابك أعظم من مصيبتي ورزءك أعظم من رزئي. فإنّك تقتل - يا أبا عبد الله الحسين - بشطّ الفرات بأرض كربلا عطشاناً لهيفاً وحيداً فريداً مذبوحاً يعلو صدرك أشقى الأمّة، ويحمحم فرسك ويقول في تحمحمه: الظليمة الظليمة من أمّةٍ قتلت ابن بنت نبيّها، وتسبى حريمك وييتّم أطفالك، ويسيّرون حريمك على الأقتاب بغير وطاءٍ ولا فراش، ويحمل رأسك يا أخي على رأس القنا، بعد أن تقتل ويقتل أنصارك، فياليتني كنت عندك أذبّ عنك كما يذبّ عنك أنصارك بقتل الأعداء، ولكنّ هذا الأمر يكون وانت وحيد لا ناصر لك منا، ولكن لكلّ أجلٍ كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب، فعليك يا أخي بالصبر على البلاء حتّى تلحق بنا، ثم التفت إلى الحاضرين فقال:
أيها الحاضرون، اسمعوا وانصتوا ما اقول لكم الآن، هذا الحسين أخي إمام بعدي فلا إمام غيره، ألا فليبلّغ الحاضر الغائب، والوالد الولد، والحرّ والعبد والذكر والانثى، وهو خليفتي عليكم لا أحد يخالفه منكم، فمن خالفه كفر وأدخله الله النّار وبئس القرار، ونحن ريحانتا رسولالله وسيّدا شباب الله الجنّة، فلعن الله من يتقدّم أو يقدّم علينا أحداً فيعذبه الله عذاباً أليما، وإنّي ناصّ عليه كما نصّ رسول الله صلى الله عليه وآله على امير المؤمنين (عليه السلام)، وكما نصّ أبي عليّ، وهو الخليفة بعدي من الله ومن رسوله.
حفظكم الله، أستودعكم الله، الله خليفتي عليكم وكفى به خليفة، وإنّي منصرف عنكم ولا حق بجدّي وابي وأمي وأعمامي ثم قال:
عليكم السلام يا ملائكة ربّي ورحمة الله وبركاته
و لابنه القاسم:
يا ولدي يا قاسم! أوصيك: أنك إذا رايت عمّك الحسين في كربلاء وقد أحاطت به الأعداء، فلا تترك البراز والجهاد، لأعداءالله وأعداء رسوله، ولا تبخل عليه بروحك، وكلّما نهاك عن البراز، عاوده ليأذن لك في البراز، لتحظى في السعادة الأبديّة
لمّا قبض الإمام الحسن (ع) وضع على سريره ، وانطلقوا به إلى مصلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي كان يصلّي فيه على الجنائز ، فصلّي الإمام الحسين (ع) على الإمام الحسن (ع) ، فلمّا أن صلّي عليه حمل فأدخل المسجد ، فلمّا أوقف على قبر رسول الله بلغ عائشة الخبر ، وقيل لها : إنهم قد أقبلوا بالإمام الحسن (ع) ليدفن مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ).
وجاء في كتاب الإرشاد أنه لمّا مضى لسبيله ، غسّله الحسين ( عليه السلام ) وكفّنه وحمله على سريره ، ولم يشك مروان ومن معه من بني أمية ، أنهم سيدفنونه عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فتجمّعوا ولبسوا السلاح ، فلمّا توجّه به الحسين ( عليه السلام ) إلى قبر جدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليجدّد به عهداً ، أقبلوا إليه في جمعهم ولحقتهم عائشة على بغل ، وهي تقول : مالي ولكم ؟ تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب ، وجعل مروان يقول : ( يا رب هيجاهي خير من دعة ) أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي ؟ لا يكون ذلك أبداً وأنا أحمل السيف ، وكادت الفتنة أن تقع بين بني هاشم ، وبين بني امية .
فبادر ابن عباس ( رحمه الله ) إلى مروان فقال له : إرجع يا مروان من حيث جئت ، فإنا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لكنا نريد أن نجدّد به عهدا بزيارته ، ثم نردّه إلى جدته فاطمة ، فندفنه عندها بوصيته بذلك ، ولو كان أوصى بدفنه مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلمت أنك أقصر باعاً من ردنا عن ذلك ، لكنه كان أعلم بالله وبرسوله وبحرمة قبره ، من أن يطرق عليه هدماً كما طرق ذلك غيره ، ودخل بيته بغير إذنه .
ثم أقبل على عائشة وقال لها : واسوأتاه يوماً على بغل ، ويوماً على جمل ؟ تريدين أن تطفئي نور الله ، وتقاتلي أولياء الله ، ارجعي فقد كفيت الذي تخافين ، وبلغت ما تحبين ، والله منتصر لأهل هذا البيت ولو بعد حين .
وقال الحسين ( عليه السلام ) : والله لولا عهد الحسن إليّ بحقن الدماء ، وأن لا أهريق في أمره محجمة دم ، لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مآخذها ، وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم ، وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا .
ومضوا بالإمام الحسن (ع) فدفنوه بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ( رضي الله عنها).
ومثله في مناقب آل أبي طالب 4 / 29 ، مع اختصار وزاد فيه : ورموا بالنبال جنازته ، حتى سل منها سبعون نبلاً.
الإمام الحسن (ع) كان له خمسة عشر ولداً ما بين ذكر وأنثى وهم: زيد، أم الحسن، أم الحسين، أمهم أم بشير بنت أبي مسعود الخزرجية. الحسن، أمه خولة بنت منصور الفزارية. عمر والقاسم وعبد الله و الذين استشهد ثلاثتهم في يوم عاشوراء، أمهم أم ولد. عبد الرحمن، أمه أم ولد. الحسين الملقب بالأشرم وطلحة وفاطمة أمهم أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التميمي. أم عبد الله وفاطمة وأم سلمة ورقية، لأمهات شتى.
source : www.eslam.de