تغيير الأخلاق
قد زعم قوم من القاصرين البطالين انه لا يمكن تغيير الأخلاق و تهذيبها لامرين:
(أحدهما) ان الخلق صورة الباطن كما ان الخلق صورة الظاهر، و كما لا يمكن تغيير صورة الظاهر فكذا لا يمكن تغيير صورة الباطن.
(و ثانيهما) أن حسن الخلق انما يحصل بقمع الغضب و الشهوة و حب الدنيا و غيرها، و هذا امر ممتنع و الاشتغال به تضييع عمر بلا فائدة، فان المطلوب هو قطع التفات القلب إلى الحظوظ العاجلة، و هو محال.
و يقال لهؤلاء القوم الذين لا يكادون يفقهون حديثا: لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا و المواعظ و التأديبات الشرعية، و لما حث الشارع على تحسين الأخلاق و إنكار حصول هذا المعنى في حق الإنسان مع الاعتراف بوقوعه في البهائم و مشاهدة ذلك بالوجدان أمر غريب، فانا نجد انتقال الصيد من التوحش إلى الانس، و الكلب من شره الأكل من الصيد إلى التأدب، و الفرس من الجماح إلى السلامة و الانقياد. و كل ذلك تغيير للأخلاق.
و تحقيق الجواب: ان الموجودات منها ما لا مدخل للانسان في تغييره و تبديله كما لا مدخل له في أصله، كالسماء و الكواكب و اعضاء البدن و نحوهما مما وقع الفراغ من وجوده و كماله، و منها ما وجد وجودا ناقصا و نيط به قوة قبول الكمال باختيار الإنسان و سعيه، كالنواة تكون نخلا و تفاحا، و الأخلاق من قبيل القسم الثاني.
و الجواب عن الثاني ان الإنسان غير مكلف بقلع قوة الغضب و الشهوة
الأخلاق ص : 14
بالكلية، كيف و لو قمعت شهوة الأكل و الوقاع لهلك الإنسان و انقطع النسل و لو قمع الغضب لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يهلكه و يهلك، بل المطلوب ردهما إلى الاعتدال و الانقياد إلى العقل و الشرع، كما تقدمت الإشارة إليه و يأتي تفصيله.
و الأنبياء الذين هم سادات المجاهدين لم يخلوا من الغضب و الشهوة، و قد مدح اللّه قوما بقوله:«و الكاظمين الغيظ»و لم يقل و الفاقدين الغيظ، و ذلك امر ممكن، و كفى بالوجدان غنا عن البيان.
و الطريق إلى تحصيل الأخلاق الحسنة حمل النفس على الاعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب، كأن يتعاطى البخيل البذل و المتكبر التواضع حتى يصير ذلك خلقا و طبعا، حتى ينتهي إلى التلذذ بذلك الفعل،كما قال صلى اللّه عليه و آله:«جعلت قرة عيني في الصلاة».
و كلما طال العمر و كثرت تلك الاعمال و العبادات حصل الرسوخ و الكمال في النفس، و هذا هو السر في طلب الأنبياء طول العمر.
و ربما كان حسن الخلق بجود الهي و كمال فطري، بأن يولد كامل العقل حسن الخلق، قد كفي سلطان الشهوة و الغضب.قال الصادق عليه السلام:ان الخلق منحة يمنحها اللّه خلقه، فمنه سجية و منه نية. فقلت: فأيهما أفضل؟ فقال: ان صاحب السجية هو مجبول لا يستطيع غيره و صاحب النية يصبر على الطاعة تصبرا، فهو أفضلهما.
الأخلاق ص : 15
source : الاخلاق / للمرحوم السید عبدالله شبر