عربي
Thursday 26th of December 2024
0
نفر 0

تغيير الأخلاق

 تغيير الأخلاق

تغيير الأخلاق

 

قد زعم قوم من القاصرين البطالين انه لا يمكن تغيير الأخلاق و تهذيبها لامرين:

(أحدهما) ان الخلق صورة الباطن كما ان الخلق صورة الظاهر، و كما لا يمكن تغيير صورة الظاهر فكذا لا يمكن تغيير صورة الباطن.
(و ثانيهما) أن حسن الخلق انما يحصل بقمع الغضب و الشهوة و حب الدنيا و غيرها، و هذا امر ممتنع و الاشتغال به تضييع عمر بلا فائدة، فان المطلوب هو قطع التفات القلب إلى الحظوظ العاجلة، و هو محال.
و يقال لهؤلاء القوم الذين لا يكادون يفقهون حديثا: لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا و المواعظ و التأديبات الشرعية، و لما حث الشارع على تحسين الأخلاق و إنكار حصول هذا المعنى في حق الإنسان مع الاعتراف بوقوعه في البهائم و مشاهدة ذلك بالوجدان أمر غريب، فانا نجد انتقال الصيد من التوحش إلى الانس، و الكلب من شره الأكل من الصيد إلى التأدب، و الفرس من الجماح إلى السلامة و الانقياد. و كل ذلك تغيير للأخلاق.
و تحقيق الجواب: ان الموجودات منها ما لا مدخل للانسان في تغييره و تبديله كما لا مدخل له في أصله، كالسماء و الكواكب و اعضاء البدن و نحوهما مما وقع الفراغ من وجوده و كماله، و منها ما وجد وجودا ناقصا و نيط به قوة قبول الكمال باختيار الإنسان و سعيه، كالنواة تكون نخلا و تفاحا، و الأخلاق من قبيل القسم الثاني.
و الجواب عن الثاني ان الإنسان غير مكلف بقلع قوة الغضب و الشهوة


الأخلاق ص : 14

بالكلية، كيف و لو قمعت شهوة الأكل و الوقاع لهلك الإنسان و انقطع النسل و لو قمع الغضب لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يهلكه و يهلك، بل المطلوب ردهما إلى الاعتدال و الانقياد إلى العقل و الشرع، كما تقدمت الإشارة إليه و يأتي تفصيله.
و الأنبياء الذين هم سادات المجاهدين لم يخلوا من الغضب و الشهوة، و قد مدح اللّه قوما بقوله:«و الكاظمين الغيظ»و لم يقل و الفاقدين الغيظ، و ذلك امر ممكن، و كفى بالوجدان غنا عن البيان.

و الطريق إلى تحصيل الأخلاق الحسنة حمل النفس على الاعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب، كأن يتعاطى البخيل البذل و المتكبر التواضع حتى يصير ذلك خلقا و طبعا، حتى ينتهي إلى التلذذ بذلك الفعل،كما قال صلى اللّه عليه و آله:«جعلت قرة عيني في الصلاة».

و كلما طال العمر و كثرت تلك الاعمال و العبادات حصل الرسوخ و الكمال في النفس، و هذا هو السر في طلب الأنبياء طول العمر.
و ربما كان حسن الخلق بجود الهي و كمال فطري، بأن يولد كامل العقل حسن الخلق، قد كفي سلطان الشهوة و الغضب.قال الصادق عليه السلام:ان الخلق منحة يمنحها اللّه خلقه، فمنه سجية و منه نية. فقلت: فأيهما أفضل؟ فقال: ان صاحب السجية هو مجبول لا يستطيع غيره و صاحب النية يصبر على الطاعة تصبرا، فهو أفضلهما.

 

 

الأخلاق ص : 15


source : الاخلاق / للمرحوم السید عبدالله شبر
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الإمامة من خلال حديث الإمام الصادق(عليه السلام)
هل كان للسيدة خديجة زوج قبل زواجها مع رسول الله ...
معنى سنة الرسول
قصص و کرامات العلامة الامیني (قدس سره)
الروح والحلول والتناسخ والغلو
القرآن الكريم يحقق الهدف من نزوله
بكاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الحسين ...
آداب تلاوت القرآن
المهدي المنتظر يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ...
سلمان الفارسي

 
user comment