السؤال: لقد كثر التهجّم على مذهبنا من البدع والخرافات التي التصقت بنا ، وخصوصاً عملية التطبير ، وأصبحت تروّج الصور المسيئة على صفحات الإنترنت .
الجواب : مهما عملنا من عمل ، وتنزّلنا فسوف لن يرضى عنّا الأعداء ، ولن يتركونا بحالنا ، لأنّ هدفهم التنقيص من المذهب الحقّ .
ونزيدك علماً ، بأنّ إقامة العزاء تختلف من قوم إلى آخر ، فلكلّ عادات وتقاليد لا يمكن محاربتها ، والوقوف أمامها ، مع عدم دلالة دليل على حرمتها .
( علي نزار . الكويت . 23 سنة . طالب كلّية الدراسات التجارية )
الدليل على مشروعية لبس السواد :
السؤال: بالنسبة للبس السواد في مناسبات وفيات أهل البيت (عليهم السلام) ، وبالخصوص في أيّام عزاء الإمام الحسين (عليه السلام) ، أحببت لو تزوّدوني بالأدلّة التي تجوّز هذا الأمر ، وبخاصّة من مصادر إخواننا العامّة .
وما هو الردّ على بعض الروايات الموجودة في الكافي وغيره ، والتي تنهى عن لبس السواد ؟ مثل هذه الرواية :
" عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( لمّا فتح رسول الله مكّة بايع الرجال ، ثمّ جاء النساء يبايعنه ، فأنزل الله عزّ وجلّ ... وقالت أُمّ حكيم بنت الحارث بن هشام ، وكانت عند عكرمة بن أبي جهل : يا رسول الله ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه ؟ قال (صلى الله عليه وآله) : لا تلطمن خدّاً ، ولا تخمشن وجهاً
|
الصفحة 460 |
|
، ولا تنتفن شعراً ، ولا تشققن جيباً ، ولا تسوّدن ثوباً ... " ) (1) .
علماً أنّ هذه الرواية وجدتها مع مصدرها في نشرة دأب الوهّابيون على نشرها في أيّام محرّم ، أفيدونا جزاكم الله تعالى خيراً .
الجواب : لقد ناقش الفقهاء في أصل مشروعية لبس السواد ، إلاّ أنّ هناك ما يشبه الاتفاق على جوازه ، بل استحبابه في محرّم وعاشوراء حزناً على مصاب الإمام الحسين (عليه السلام) ، وإليك ما أورده بعضهم :
1-واستثنى بعضهم ما لبسه للحسين (عليه السلام) فإنّه لا يكره ، بل يرجّح لغلبة جانب تعظيم شعائر الله على ذلك ، مضافاً إلى روايات متضافرة في موارد مختلفة ، يستفاد منها ذلك (2) .
2-لا يبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين (عليه السلام) من هذه الأخبار ، لما استفاضت به الأخبار من الأمر بإظهار شعائر الأحزان (3) .
ولم يبين المحقّق البحراني الوجه في عدم شمول هذه الروايات لذلك ، والوجه في عدم الشمول هو : إنّ في لبس المؤمنين الثياب السوداء في وفيات الأئمّة (عليهم السلام) ، وبالخصوص في أيّام محرّم الحرام ، وشهر صفر إظهاراً لمودّتهم وحبّهم لأهل البيت (عليهم السلام) ، فيحزنون لحزنهم ، وإنّ هذا العمل من المؤمنين إحياء لأمر أهل البيت (عليهم السلام) .
وقد روي عنهم (عليهم السلام) : " رحم الله من أحيا أمرنا " (4) ، فإذا ارتدى عامّة الناس من الرجال والشباب والأطفال الثياب السود ، كان ذلك ظاهرة اجتماعية تلفت نظر الغريب فيسأل : ماذا حدث ؟ بالأمس كان الأمر طبيعياً ، وكانت ألوان ثياب الناس مختلفة ، وأمّا اليوم فقد لبسوا كلّهم السواد ؟!
فعندما يوضّح له بأنّ اليوم يوم حزن ومصيبة على ريحانة الرسول (صلى الله عليه وآله)
____________
1- الكافي 5 / 526 .
2- شرائع الإسلام 1 / 56 في هامشه .
3- الحدائق الناضرة 7 / 118 .
4- الاختصاص : 29 ، الأمالي للشيخ الطوسي : 135 .
|
الصفحة 461 |
|
الإمام الحسين (عليه السلام) ، كان هذا الأمر في حدّ نفسه إحياء لأمره (عليه السلام) ، ولهذا اشتهر أنّ بقاء الإسلام بشهري محرّم وصفر ، وذلك لأنّ حقيقة الإسلام والإيمان قد أُحييا بواقعة كربلاء ، وهذا دليل لابدّ من المحافظة عليه ، لتراه الأجيال القادمة ماثلاً أمامهم ، فيحصل لهم اليقين به ، فإنّ الإمام الحسين (عليه السلام) نفسه قد أثبت أحقّية التشيّع ، وأبطل ما عداه .
ثمّ من الروايات الواردة في استحباب لبس السواد على الإمام الحسين (عليه السلام) :
1-ما رواه ابن قولويه : " إنّ ملكاً من ملائكة الفردوس الأعلى ، نزل على البحر ، ونشر أجنحته عليها ، ثمّ صاح صيحة وقال : يا أهل البحار ألبسوا أثواب الحزن ، فإنّ فرخ رسول الله (صلى الله عليه وآله) مذبوح " (1) .
وفهم الشيخ النوري من هذه الرواية : عدم كراهة لبس السواد ، أو رجحانه حزناً على أبي عبد الله (عليه السلام) ، كما عليه سيرة كثير في أيّام حزنه ومأتمه (2) .
2-ما رواه البرقي ، بسنده عن عمر بن علي بن الحسين قال : " لمّا قتل جدّي الحسين بن علي (عليهما السلام) ، لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح ، وكن لا يشتكين من حرّ ولا برد ، وكان علي بن الحسين (عليهما السلام) يعمل لهن الطعام للمأتم " (3) .
وهذه الرواية إضافة إلى دلالتها على مشروعية لبس السواد ، بل استحبابه في عاشوراء ، تدلّ على أُمور أُخرى ، منها : استحباب إقامة المأتم ، والإطعام ، والقيام بخدمة مقيمي مأتم عزاء الإمام الحسين (عليه السلام) ، حيث كان الإمام السجّاد (عليه السلام) شخصيّاً يقوم بهذه الخدمة ، وكفى بذلك مقاماً لمقيمي المآتم .
وفي الفتاوى نرى ما يلي : إنّ من الثابت استحباب مؤاساة أهل البيت (عليهم السلام) مطلقاً ، بحزنهم وفرحهم ، لعموم ما دلّ على ذلك ، ولاستحباب التأسّي بهم ، فقد جاء في الروايات ما دلّ بالخصوص على ذلك في شهر محرّم .
فقد ورد أنّ بعض الأئمّة (عليهم السلام) كانت أيّام محرّم أيّام حزنه ، وعزائه ومصابه،
____________
1- كامل الزيارات : 143 .
2- مستدرك الوسائل 3 / 328 .
3- المحاسن 2 / 420 .
|
الصفحة 462 |
|
ونحن مأمورون باتخاذهم أسوة مطلقاً .
وأمّا بالنسبة إلى الرواية المانعة التي ذكرتموها عن الكافي إن صحّت سنداً فإنّها تدلّ على المنع على نحو الإطلاق ، فيخصّص ذلك الإطلاق بالروايات المجوّزة ، كالرواية التي يرويها الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : " ولقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي (عليهما السلام) ، وعلى مثله تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب " (1) .
وما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) : " إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنّه فيه مأجور " (2) .
فلبس السواد ، ولطم الخدود ، وخمش الوجوه ، وغيرها وإن كانت مكروهة إلاّ أنّ كراهيتها ترتفع إذا كانت للإمام الحسين (عليه السلام) .
( سلمان . البحرين )
الأحاديث الناهية عن النياحة واللطم :
السؤال: هناك أحاديث تنهي عن النياحة واللطم ، منها :
1-قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " النياحة من عمل الجاهلية " (3) .
2-قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " صوتان ملعونان يبغضهما الله : إعوال عند مصيبة، وصوت عند نعمة " (4) .
3-قال الإمام الصادق (عليه السلام) : " لا ينبغي الصياح على الميّت ، ولا تشقّ الثياب " (5) .
____________
1- تهذيب الأحكام 8 / 325 .
2- كامل الزيارات : 201 .
3- من لا يحضره الفقيه 4 / 376 .
4- دعائم الإسلام 1 / 227 .
5- الكافي 3 / 225 .
|
الصفحة 463 |
|
هل هذه الأحاديث صحيحة أو ضعيفة ؟ وإذا كانت صحيحة ، فهل يفهم منها أنّ النياح والصياح واللطم على الميّت مكروه محرّم ؟ وجزاكم الله خيراً .
الجواب : بالنسبة إلى رواية " النياحة من عمل الجاهلية " ، فقد رواها الشيخ الصدوق (قدس سره) مرسلة ، ولم يذكر لها سنداً .
نعم روى عن شعيب بن واقد نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن النياحة (1) ، ولكن في طريق السند إلى شعيب ، وقع حمزة بن محمّد العلوي ، وعبد العزيز بن محمّد ابن عيسى الاظهري ، وهما مهملان ، وشعيب نفسه غير مذكور في كتب الرجال فهو مجهول .
ثمّ إنّ الرواية جمعت نواهي كثيرة ، بعضها مقطوع بكراهته ، وعليه فلا يدلّ النهي عن النياحة فيها على الحرمة ، إذ هي معارضة بروايات فيها جواز النياحة ، فطريق الجمع هو : حمل الحرمة على النوح بالباطل ، وللتفصيل أكثر راجع كتب الفقه ، هذا إذا لم تكن هذه الرواية صدرت تقية ، لشهرة هذا الحكم عند العامّة .
وأمّا بالنسبة إلى الرواية الثانية التي رواها القاضي النعمان فهناك كلام طويل في المؤلّف ومذهبه ، بين كونه إمامي أو إسماعيلي ؟ وحذف أسانيد روايته في الكتاب طلباً للاختصار ، وقال : إنّه اقتصر على الثابت الصحيح ممّا جاء عن الأئمّة من أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) .
ولم يرد فيه عن الأئمّة بعد الإمام الصادق (عليه السلام) ، وعليه فلم يعتمد الفقهاء على كتابه ، وإنّما أخذوها كمؤيّدات .
ثمّ إنّ هذه الرواية وردت عند العامّة بألفاظ أُخر ، ولا تخفى الإشارة على اللبيب ، فراجع .
وأمّا بالنسبة إلى الرواية الثالثة ، ففيها الحسن الصيقل ، وهو لم يذكر بمدح ، وإنّما ذكره الشيخ في أصحاب الأئمّة ، وامرأته روت عن الإمام الصادق (عليه السلام)
____________
1- من لا يحضره الفقيه 4 / 3 .
|
الصفحة 464 |
|
كما في هذه الرواية ، وروت عن زوجها الحسن الصيقل ، إضافة إلى وجود كلام في بقية رجال السند .
وأمّا متن الرواية : فقد حمل قوله فيها : " لا ينبغي " على الكراهة ، وظاهر " لا ينبغي الصياح " هو الصياح العالي ، فمن حمل " لا ينبغي " على الحرمة ، قال : بحرمة الصياح العالي ، لا النوح بصوتٍ معتدل .
(... ... سنّي )